array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 179

تستطيع أوروبا حل عقدة الوصاية في الخليج بشراكة أكثر مصداقية وتوقيتها الآن

الخميس، 27 تشرين1/أكتوير 2022

تسببت حالة انعدام الثقة العميقة بين إيران من جهة، ودول الخليج، وبالأخص المملكة العربية السعودية من جهة أخرى، إلى جانب التصورات السائدة لدى الجانبين تجاه أحدهما الآخر، إلى مشكلات متأصلة تحول دون إحداث أي تحرك بشأن عملية أمنية إقليمية. فيما دفعت التطورات المتلاحقة منذ أواسط عام 2020م، بمنطقة الشرق الأوسط للوقوف على شفا مواجهة أوسع نطاقًا. من ثم يتسنى للمرء وصف الوضع الراهن بحالة "تفكك قصوى" لم تسوء خلالها العلاقات الخليجية-الإيرانية فحسب، بل تسببت الانقسامات بين الدول الحليفة في خلق بيئة إقليمية أكثر تصدعًا وانقسامًا. يشمل ذلك المقاطعة الخليجية لدولة قطر عام 2017م، من قبل أعضاء بمجلس التعاون الخليجي وهم؛ البحرين، والسعودية، والإمارات. فضلاً عن ظهور توتر في العلاقات بين بعض الدول الخليجية والولايات المتحدة على إثر اختلاف الأساليب والسياسات المتبعة من قبل الإدارات الأمريكية، منذ تولي باراك أوباما، مرورًا بخلفه الجمهوري دونالد ترامب، ثم الرئيس الأمريكي الحالي بايدن.

 أعقب قرار الانسحاب الأمريكي من خطة العمل الشاملة المشتركة حول برنامج إيران النووي في مايو 2018م، وما تلاه من سياسة "الضغط القصوى" تجاه طهران، تصاعدت حدة التوترات الإقليمية الخليجية. تضمن ذلك تصعيدًا حول مضيق هرمز، شمل الهجوم على ثلاث ناقلات نفط وسفينة أخرى قبالة سواحل مدينة الفجيرة في مايو 2019م، بلغت الأجواء العدائية ذروتها خلال النصف الثاني من عام 2019م، والنصف الأول من عام 2020م، لتشمل هجمات إيرانية بواسطة طائرات بدون طيار على منشآت النفط السعودية في خريص وبقيق خلال شهر سبتمبر 2019م، كذلك واقعة اغتيال القائد الإيراني قاسم سليماني في يناير 2020م، تلتها أعمال انتقامية إيرانية ضد القواعد العسكرية الأمريكية في العراق. وفي يناير الماضي، تعرضت أهداف داخل دولة الإمارات إلى هجوم صاروخي. وفي ظل تزايد المخاطر في المنطقة، أدى الوعي المتزايد بحجم العواقب المترتبة على مثل هذه المشاحنات المباشرة المتصاعدة، إلى زيادة الدعوات المطالبة بخفض التصعيد من جانب الأطراف الفاعلة داخل المنطقة وخارجها. وقد لعبت العديد من العوامل دورًا في تلك الاعتبارات؛ أولها، تأثر كافة دول المنطقة بأزمة تفشي جائحة فيروس كورونا، التي عكست الحاجة إلى اتباع نهج أمنى يستند إلى منظور أكثر شمولية وأوسع نطاقًا. ثانيًا، البيئة الاقتصادية المتقلبة الناتجة عن ضبابية الأحداث العالمية، إلى جانب تحول سلاسل التوريد، وتقلب أسعار النفط، جميعها عوامل أدت إلى تغير في أولويات الحكومات في المنطقة إلى الاهتمام بالداخل، والتوجه نحو مزيد من الاكتفاء الذاتي.

على الصعيد الإقليمي، شكلت قمة "العلا" لدول مجلس التعاون الخليجي، التي عقدت عام 2021م، ثالث التطورات الهامة التي كان لها تأثير أيضًا، كونها نقطة البداية للمصالحة الخليجية المستمرة منذ ذلك الحين. رابعًا، زيارة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الخادمي إلى المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات خلال ربيع العام الماضي، التي فتحت المجال أمام المشاركة العراقية في الوساطة بين الأطراف الإقليمية المتنازعة، ما أثمر عن انعقاد "مؤتمر بغداد للتعاون والشراكة" خلال شهر أغسطس 2021م. وشدد البيان الختامي للمؤتمر على وجهة نظر المشاركين في ضرورة بناء "أساس للتعاون المشترك والمصالح المشتركة وفقا لمبادئ حسن الجوار". خامسًا، بدء استضافة بغداد بالتوازي عدة جولات من المحادثات المباشرة بين المملكة العربية السعودية وإيران، عُقدت آخرها في أبريل 2022م. سادسًا، شهدت الدبلوماسية الإقليمية بشكل عام، زخمًا في نشاط انعقاد الاجتماعات الثنائية، والتبادلات بين الإمارات وقطر وعمان من جهة، وإيران من جهة أخرى. العامل السابع والأخير، تطور مفاهيم التعاون الإقليمي على مدار الأعوام الماضية، بما في ذلك مبادرة هرمز للسلام الإيرانية عام 2019م، والمقترح الروسي للأمن الجماعي وغيرها من المبادرات الأخرى.

 قد ينُظر إلى هذه التطورات باعتبارها مُشجعة، وان كانت لا تدل على اقتراب منطقة الخليج من إحراز أي تقدم صوب تحول أكثر جوهرية في العلاقات الأمنية الإقليمية. لا تزال الثقافة الاستراتيجية القائمة على الصراع، وما يصاحبها من انعدام الأمن الاستراتيجي بين الجهات الإقليمية الفاعلة هي المهيمنة. حيث استمرت المشاحنات العسكرية بين إيران، والسعودية، والولايات المتحدة وجماعة الحوثيين في اليمن وغيرها من الجماعات الأخرى بالمنطقة، ما ساعد على إبقاء نيران العداء مشتعلة. من ثم، فإن الدعوات والجهود الحالية لوقف التصعيد لا تمثل سوى مرحلة مؤقتة، يسعى خلالها الفاعلون الإقليميون ببساطة إلى تجنيب المنطقة التورط في حرب شاملة.

على هذا النحو، سيكون من غير الواقعي التفكير في إمكانية طي صفحة جديدة عبر حلول أو إنجازات دبلوماسية سريعة قد تعد بفصل جديد في العلاقات. رغم ذلك ينبغي اغتنام الفرص الممكنة وما قد تتيحه من مجالات من أجل التحرك قدما بالمناقشات الإقليمية. في حين قد تقتصر الجهود الراهنة بشكل واقعي في الأغلب على إدارة النزاعات بدلا من تسويتها.

ويتمثل أحد أوجه القصور الواضحة في المحاولات السابقة لبلورة نظام أمني إقليمي جديد، في التركيز على المؤسسات والهياكل التي يمكن من خلالها الحفاظ على ميزان القوى الحالي بلا منازع. ويعد المشروع الأمريكي لإنشاء تحالف استراتيجي للشرق الأوسط مثالا على ذلك. وأحد المعوقات الأخرى تتمثل في أن العديد من المفاهيم تركز على قضايا فردية داخل البنية الأمنية الأكبر، ما يترتب عليه محدودية التطبيق على الأزمة المطروحة في صورتها الأشمل. في مثل هذه الحالات، غالبًا ما يتم تعريف وتحديد المنتج النهائي، قبل حتى أن تتم عملية التفاعل الموضوعي. وبالتالي، فإن الافتقار إلى نهج شامل لمخاطبة المسائل الأمنية، يعني ضياع الفرص الممكنة لتغيير السيناريوهات الراهنة. إن أحداث مثل سقوط نظام صدام حسين في العراق في عام 2003م، أو خطة العمل الشاملة المشتركة بشأن البرنامج النووي الإيراني في عام 2015م، كانت نتاجا لذلك، من حيث أنها أدخلت عناصر جديدة في المعادلة. ومع ذلك، سرعان ما تم اختزال هذه الأحداث، ما أدى إلى تطبيق ضيق ومحدود لقضية أكبر قيد البحث. والنتيجة هي الفشل في التحرك بالمنطقة صوب تبني منهج جماعي للجهود الأمنية.

إحدى الآليات البديلة تكمن في اتخاذ ثقافة الأمن الإقليمي كنقطة انطلاق، والتركيز على العمليات والقضايا التي يمكن أن تسمح بالتحول التدريجي من الاعتبار الأمني الحالي القائم على "المحصلة الصفرية" إلى ممارسات أكثر تعاونًا لميزان القوى في منطقة الخليج. يشمل ذلك ضرورة المضي قدمًا بطريقة شمولية، وتبني نهج متعدد الجوانب من أجل تأطير قضية الأمن الإقليمي في سياق العمليات الموازية، التي يتم من خلالها تدشين مستويات من الترابط والشبكات المجتمعية والحفاظ عليها في نهاية المطاف. ينبغي أن تتمحور الفكرة الأساسية حول إنشاء أنماط منهجية للتفاعل يمكن من خلالها خلق الثقة على مستوى الدولة، مدعومة بمستويات مختلفة من الاتصال بين الأفراد، والتي تمنح العملية أسسًا صلبة للارتكاز عليها والعمل تحت مظلتها. وحتى خلال الفترات التي تظل فيها الحسابات ذات المحصلة الصفرية سائدة، من الضروري العمل على بناء مستويات من المشاركة يمكن من خلالها تحديد مجالات التعاون الممكنة، والنظر في تدابير بناء الثقة. بمجرد أن توفر العلاقة الشاملة مساحة لبعض من مجالات التفاعل، يمكن حينها الاعتماد على الترتيبات الحالية. في ضوء هذا، يوجد إجماع متنامي داخل الدوائر السياسية والعلمية أنه في إمكان منطقة الخليج تحقيق استفادة من النموذج الموجه صوب مزيد من العمليات، في سبيل إعلاء علاقات أكثر تعاونية بين دولها. الحاجة الآن تستدعي العمل للبناء على المبادرات الإقليمية السابق ذكرها من أجل تحقيق نتائج موضوعية محددة. ويمكن للمجتمع الدولي وبالأخص القارة الأوروبية، أن يلعب دورًا محوريًا في هذا الشأن.

العناصر المكونة لمنظومة أمنية إقليمية

نظرًا إلى أن منطقة الخليج تشكل جزءًا من النظام الأمني الإقليمي لمنطقة الشرق الأوسط الكبير، بممارستها وتحدياتها السياسية الأمنية المنفردة، فمن المنطقي أن تركز عملية الأمن الإقليمي في البداية على القوى الإقليمية بالمنطقة مثل؛ إيران، والعراق، إلى جانب الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي، واليمن. إذ يعتمد المبدأ التوجيهي لهذا النهج على فكرة "من المحيط دون الإقليمي إلى الإقليمي". وينبغي أن يكون النهج نفسه مجزئًا، بحيث يكون خاصًا بمنطقة الخليج، وبالتالي لا يرتبط بمتطلبات المناطق الأخرى. وفقط عند بدء إحراز خطوات متقدمة ومثبتة، يمكن حينها النظر في توسيع دائرة الدول المشاركة، والبدء في شمول منطقة الشرق الأوسط الأوسع. من أجل وضع العلاقات الإقليمية في نهاية المطاف في إطار مختلف، فإن المطلوب هو عملية متعددة الطبقات يتم من خلالها إعادة هيكلة العلاقات الإقليمية ومعايرتها. وهذا يعني اتباع أسلوب متواضع، منهجي يساعد في بناء اللبنة. ويجادل مشروع "تفاهم"، الذي أعده مركز الخليج للأبحاث ومركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق بأن "النهج متعدد المستويات والأطراف للأمن الإقليمي هو السبيل الوحيد للمضي قدمًا: للتغلب على حالة انعدام الثقة القائمة، ومنع المزيد من الانحدار اللولبي في العلاقات الإقليمية، فضلاً عن إرساء الأساس الذي يمكن من خلاله ظهور نظام إقليمي أكثر استقرارًا ". الهدف إذن هو إنشاء نموذج هجين لتقوية العلاقات بين الدولة والدولة، والمجتمع والمجتمع، كأساس لتعاون إقليمي أفضل.

وكذلك فإن المسارات الممكنة من أجل تعزيز التعاون الإقليمي ومن ثم تحقيق التكامل، تقترح ضرورة اعتماد نهج "قائم على العمليات"، بما يشمل ذلك نقاط دخول محورية تركز على التعاون الوظيفي، الذي يمكن أن يدعم بناء الثقة وزيادة التفاعل الإقليمي. وتشكل هذه مجتمعة جزءًا من عملية بناء اللبنة من أجل توفير هيكل، والابتعاد عن الأساليب المخصصة الحالية. إلى جانب ذلك، من الضروري صياغة مبادرات وتنفيذها في إطار موازٍ، يشكل ككل خارطة طريق إقليمية للأمن والتعاون. فلا يوجد مخطط نهائي قادر على تسوية كافة القضايا الأمنية الدائمة في المنطقة. كما لم يتم تشكيل أي آلية أمنية إقليمية كاملة في البداية. بدلاً من ذلك، هناك حاجة لعملية مستمرة تتسم بالديناميكية، وقادرة على التكيف مع التحديات المختلفة والظروف المتغيرة التي تطرح نفسها. من ثم يصبح المسار نفسه هو الوجهة. فما يشار إليه هنا، هو عملية تحديث إقليمية على المدى المتوسط ​​إلى الطويل، والتي تعمل على استعادة الاستقرار الإقليمي وتأمين التنمية المستدامة الإقليمية. وإن أية محاولة تستهدف تنفيذ عملية أمنية إقليمية شاملة، يجب أن تُمنح الوقت الكافي كي تعمل، بمعنى آخر، من الضروري أن يستند أي نهج يتم اعتماده على مستوى المنطقة على أساس متوسط وليس قصير المدى. ونظرًا إلى أن الخطوات الطموحة المتخذة ليس لديها سوى فرص ضئيلة للنجاح في هذه المرحلة، بالتالي يمكن لسلسلة من المبادرات الصغيرة والتدريجية أن تضع الأساس الذي من خلاله يصبح الترتيب الأمني الإقليمي ممكنًا.

 

دور أوروبا المحتمل

 

على الرغم من حقيقة أن العلاقات بين منطقة الخليج وأوروبا لا تزال تميزها بعض درجات الانقسام ما بين الطموح والواقع، إلا أن الاتحاد الأوروبي بات أكثر وعيًا وإدراكًا للأهمية الاستراتيجية المتنامية لمنطقة الخليج.

في الوقت الذي تكافح فيه أوروبا من أجل تعريف نفسها كطرف فاعل يتسم بالجدية على الصعيد الجيوسياسي، فإن افتقارها إلى وجود عسكري مهيمن مسبقًا يمنحها درجة كبيرة من المصداقية من أجل تعزيز عملية التعاون الإقليمي. ويمكن أن يشمل ذلك تعزيز التنمية الاقتصادية والتكامل، والعلاقات بين الناس، والتبادلات الثقافية، سيكون لأوروبا أيضًا دور محوري في إنتاج بعض الزخم السياسي عندما يتعلق الأمر بإقناع الجهات الفاعلة الإقليمية بالحاجة إلى تبني نهج جديد.

 

"القوة الناعمة" الأوروبية، على سبيل المثال، قد تمنح دول القارة المصداقية والتفويض لتعزيز عملية التكامل الإقليمي. وقد سبق وأن تمت الإشارة إلى أوروبا على أنها "جهة فاعلة ليست لديها صلة" بمنطقة الخليج بسبب غياب وجودها العسكري المناسب في المنطقة. مع ذلك، ونتيجة لهذا السبب تحديدًا، تحظى القارة العجوز والدول الأعضاء وغير الأعضاء بالاتحاد الأوروبي مثل ألمانيا وسويسرا والنرويج وفنلندا وهولندا بتقدير كبير، تخولها بالاضطلاع بدور بارز في تعزيز التكامل الإقليمي.

وعليه، فإن أوروبا في وضع أفضل لإشراك أصحاب المصلحة الإقليميين في نهج متوازن. سواء كان ذلك من خلال الدبلوماسية المكوكية، أو بيانات الحكومات الأوروبية، أو عبر دائرة خدمة العمل الخارجي بالاتحاد الأوروبي، والسلك الدبلوماسي، فإن أوروبا قادرة على موازنة انتشار تواجدها بعناية في جميع الاتجاهات. الشيء المفقود حتى الآن، هو أن تظهر دول القارة المرونة اللازمة للمشاركة الدبلوماسية المنسقة والمستمرة على جميع المستويات مع الجهات الفاعلة الإقليمية. ويمكن النظر في إنشاء مجموعة اتصال إقليمية لتعزيز الحوار متعدد الأطراف في المنطقة تحت رعاية أوروبية، وهي خطوة يمكن أن تستكمل عبر منظمات أخرى. فأهمية الدور الأوروبي تكمن في كونها مثالاً يحتذى به، وتسليط الضوء على مكاسب السلام التي تمكنت أوروبا نفسها من اغتنامها بعد التجارب المدمرة للحربين العالميتين.

 

ومن الممكن أن تصبح أوروبا أيضًا شريكًا أكثر مصداقية من خلال التأكيد على قربها الجغرافي وشعورها بالانتماء الإقليمي. فالفارق الأساسي بين أوروبا والولايات المتحدة هو القرب الجغرافي لأوروبا من منطقة الخليج، إذ أن التطورات في جميع أنحاء الشرق الأوسط تؤثر بشكل فوري على القارة الأوروبية. ومن الواضح أن المحاورين الأوروبيين بدأوا التركيز على حقيقة أن التحديات الإقليمية التي تواجه دول الخليج تشكل أيضًا تحديات لدولهم. هذا المفهوم حول تواصل الجانبين وتشارك المخاوف، يعد عنصرًا أساسيًا لتوليد الثقة المطلوبة بين دول المنطقة ودول الجوار الأوروبي من أجل التوصل إلى حلول مشتركة.

ثالثًا، تعتبر أوروبا أيضا أفضل من يستطيع تحديد المسار المستقبلي عندما يتعلق الأمر بمعالجة التحديات الإقليمية. وهذا يشمل قضية تغير المناخ، وإزالة الكربون، والتدهور البيئي، والتنويع الاقتصادي والتعاون، والمرونة الصحية، وإدارة الكوارث والمساعدة الإنمائية، على سبيل المثال لا الحصر. وعلى مستوى جميع هذه المجالات، يُنظر إلى أوروبا بوصفها القائد في هذا المضمار، وذلك استنادًا إلى عقود من الخبرة في التكامل الإقليمي. وثمة تطور بالفعل في مسار شراكة قوية بين أوروبا ودول مجلس التعاون الخليجي عندما يتعلق الأمر بالانتقال إلى الطاقة الخضراء.

أخيرًا، من خلال التركيز على التعليم وبناء القدرات، يمكن لأوروبا تمكين الجهات الفاعلة الإقليمية من تنفيذ خرائط طريق لتحقيق التكامل. إن عملية تطوير المفاهيم والاتفاق الشامل فيما يتعلق بكيفية وما هي القطاعات التي يمكن من خلالها معالجة التكامل الإقليمي على أفضل وجه، يجب أن تضمن قدرة الجهات الفاعلة أصحاب الخلفيات المتنوعة، على تنفيذ المعالم الرئيسية لاتفاقيات التعاون المستقبلية.  وتتمثل المهمة الرئيسية للجهود الأوروبية في العمل على تمكين الجهات الفاعلة والمؤسسات المجتمعية والحكومية من التواجد في المكان المناسب وفي الوقت المناسب، وبالتالي اغتنام فرصة التعاون الهادف. وبالمقارنة بالجهات والأطراف الخارجية الأخرى، تعد أوروبا الأكثر امتلاكًا لمجموعة واسعة من الأدوات من حيث آليات وسبل إدارة النزاعات وتسويتها، والتي من شأنها المساعدة في الحفاظ على بيئة خفض التصعيد القائمة حاليًا داخل منطقة الخليج. ما نحتاجه من أوروبا هو جهد مشترك تحت مظلة الاتحاد الأوروبي وكذلك مبادرات مستهدفة من قبل الدول الأعضاء الأوروبية الفردية، من خلال أطر مثل "إي 3 " أو" إي 4”. فأوروبا بشكل عام تتيح إمكانية تحقيق التكامل بين الأساليب "الثنائية والتعددية".

ومن حيث الجوانب المحدَدة لأمن المنطقة والجغرافيا السياسية، يمكن ذكر مجالين ملموسين. الأول، يمكن للاتحاد الأوروبي أن يعمق ويعزز دوره في الأمن البحري، على وجه التحديد (الوعي البحري الأوروبي في مضيق هرمز) ومنطقة البحر الأحمر. فإن توسيع أوروبا مشاركتها في هذا الشأن قد يكون ممكنًا نظرًا للأهمية البالغة لضمان حرية الحركة في مياه الخليج. ثانيًا، يتسنى للدول الأوروبية إمكانية العمل مع دول مجلس التعاون الخليجي للاتفاق على استراتيجيات تهدف إلى تحقيق الاستقرار في الصراعات الحالية والمستقبلية داخل منطقة الشرق الأوسط بما في ذلك العراق، ولبنان، وليبيا، وسوريا، والسودان. وبالنظر إلى أن استقرار العراق ضروري للشرق الأوسط بأكمله، يمكن لأوروبا إنشاء مجموعة عمل تنسيقية بشأن العراق أيضًا في ضوء تقليص الولايات المتحدة لدورها في العراق.

تمثل الوثيقة الأوروبية المشتركة التي أصدرتها المفوضية الأوروبية في مايو الماضي بشأن "الشراكة الاستراتيجية مع الخليج" خطوة مهمة بالفعل. حيث تمت الموافقة على الوثيقة لاحقًا من قبل المجلس الأوروبي في يونيو الماضي، وبالتالي فإنها تمثل الرأي الجماعي لكافة الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي البالغ عددها 27 دولة. بشكل عام، يعد هذا المخطط الأكثر شمولا للقضايا التي عبر فيها الاتحاد الأوروبي عن حرصه على توسيع علاقاته مع دول مجلس التعاون الخليجي، بما يعكس المصالح الأوروبية الأساسية والمقترحات الدقيقة نسبيا للتعاون. الوثيقة صريحة وتقدم إقرارا واضحا بأن "أمن واستقرار منطقة الخليج لهما عواقب مباشرة على الاتحاد الأوروبي" مع التأكيد على أن "الاتحاد الأوروبي سيكسب الكثير من الشراكة القوية والاستراتيجية مع مجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء فيه.

المشهد

في ضوء تأثيرات أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا والتبعات الاقتصادية الناجمة عن اضطراب سلاسل التوريد العالمية، وارتفاع تكاليف الطاقة بسبب الحرب الروسية على أوكرانيا، فضلاً عن تأثيرات تغير المناخ كما هو موضح في مايو 2022م، مع حدوث العديد من العواصف الترابية في دول الشرق الأوسط، تطول قائمة القضايا التي تستوجب نهجًا للتعاون الإقليمي، وهذا في حد ذاته يفتح الباب لإيجاد بعض بنود جدول الأعمال التي يمكن إحراز تقدم بشأنها. على هذا النحو، يجب تشجيع آليات الحوار الثنائية ومتعددة الأطراف لاستكشاف نقاط الاتصال المحتملة واستمرارها.

من المتوقع أنه في بيئة من موازين القوى الإقليمية المتغيرة والتحديات المحلية التي يتعين معالجتها، فإن المصلحة الوطنية الفردية تأخذ الأولوية مقابل السبل الممكنة للتعاون الإقليمي. وفي الوقت ذاته هناك اعتراف متزايد من قبل القيادات الإقليمية بأن الدورة الدائمة للصراع والتوتر لا يمكن تحملها، وأنه يجب كسر دائرة التوترات وانعدام الثقة المتزايد. وإلى جانب الظروف الخارجية المتغيرة، تخضع المواقف ووجهات النظر في المنطقة أيضًا للتعديل. فبينما رفض ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان الحوار مع إيران في عام 2017م، باعتباره "مستحيلًا"، بعد أربع سنوات في عام 2021م، صرح بأن المملكة تسعى إلى إقامة "علاقات جيدة مع إيران". لذلك لا ينبغي للمرء أن يستبعد إمكانيات البراجماتية في المنطقة التي تسمح بدرجات من المرونة بدلا من المواقف المتشددة التي تقاوم التغيير.

 يجب أن نتذكر كذلك أن منظومة الأمن الإقليمية لمنطقة الخليج لا يمكن تصميمها من خلال إقصاء قوى خارجية مثل الولايات المتحدة، أو روسيا، أو الصين، أو أوروبا. فان حالة انعدام الثقة العميقة بين الأطراف الإقليمية تتطلب شكلاً من أشكال الضمانات الأمنية قبل الدخول في ترتيبات رسمية. في حين أن العملية نفسها تحتاج في النهاية إلى أن يتم تبنيها، وترسيخها داخل التفاعلات الإقليمية. كذلك يعد دور المجتمع الدولي ضروري في سبيل بدء المناقشات، واقتراح الحلول وتقديم الضمانات للدول الحليفة والمنافسة في المنطقة هنا، فيجب ألا يُنظر إلى الدبلوماسية متعددة الأطراف على أنها متعارضة مع بعضها البعض. علاوة على ذلك، فإن تكامل الجهات الخارجية يعد من العناصر الأساسية للقضاء على احتمالات ظهور أدوار لأطراف مفسدة والتصرف بناء عليها.

ختامًا، يلزم بذل جهود دبلوماسية واضحة ومستمرة في إطار رؤية شاملة لإقامة علاقات إقليمية خليجية أكثر تعاونًا. ومن بين جميع الأطراف الخارجية، في إمكان أوروبا حل عقدة الوصاية التي حالت دون إحراز تقدم حتى الآن في هذا الشأن. وإن توقيت مثل هذه المشاركة يجب ان يبدأ الآن وليس بعد عامين آخرين.

مقالات لنفس الكاتب