array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 179

ضعف الوجود العسكري الصيني بالمنطقة يقوض قدرتها في التأثير الإقليمي

الخميس، 27 تشرين1/أكتوير 2022

تسعى الصين إلى ممارسة دور متزايد الأهمية في الشأن الأمني لمنطقة الشرق الأوسط. وخلال شهر سبتمبر الماضي، أطلق المعهد الصيني للدراسات الدولية، “المنتدى الثاني لأمن الشرق الأوسط والصين". ويعد المعهد الصيني للدراسات الدولية، والذي أشرف على تنظيم المنتدى، مؤسسة أكاديمية شبه رسمية تديرها وزارة الخارجية الصينية، وحضر المنتدى عضو مجلس الدولة ووزير الخارجية الصيني وانج يي، الذي أعرب عن استعداد بلاده للمساعدة في تسوية الانقسامات والأزمات داخل منطقة الشرق الأوسط. ومع تزايد انخراط الصين الاقتصادي والسياسي في المنطقة، أضحت المساعي الصينية لبناء منظومة أمنية إقليمية في الخليج والشرق الأوسط أكثر وضوحًا. وإن كانت ملامح هذه المنظومة بعيدة كل البعد حتى الآن عن الوضوح. فالصين تدرك أهمية الحفاظ على السلام والاستقرار في منطقة الخليج، وتتفهم حجم المخاطر والأزمات المحتملة في المنطقة. ورغم محاولات بكين تنظيم منتديات واجتماعات أكاديمية وسياسية، إلا أنها لا تزال تفتقر إلى وجود خطة واضحة تستند إلى معرفة عميقة لطبيعة المنطقة، وللقدرات التي تخولها إمكانية التأثير في شؤون المنطقة.

وقد بات جليًا قدرة الصين على الالتفاف حول الصراعات الإقليمية داخل منطقة الخليج، لاسيما تلك القائمة بين المملكة العربية السعودية وإيران، من أجل مصالحها الخاصة. حيث تسعى بكين للحفاظ على توازن في علاقاتها بين الخصوم المختلفين. وإذا ما قررت رفع علاقاتها مع طهران إلى مستوى جديد، ستفعل الشيء ذاته مع الرياض. وتم تمكين هذا النفوذ جزئيًا من خلال المشاركة العسكرية "شبه الصفرية" للصين داخل المنطقة، فضلاً عن رفضها الانحياز إلى أي طرف من أطراف النزاعات الإقليمية. واستطاعت بكين القيام بذلك نظرًا لعدم وجود أعباء تُقيدها، وبالتالي فهي توفر سوقًا حيويًا لكلتا الدولتين. رغم ذلك، تعكس التطورات الجارية في المنطقة، إلى جانب تصاعد حدة الصراع بين الرياض وطهران، صعوبة أن تحافظ بكين على موقفها الحيادي من التطورات السياسية بين اللاعبين الإقليميين. ويبدو أن جهود الجانب الصيني للحفاظ على موقف متوازن من هذه المنافسة الإقليمية، تتضاءل مع تغيُر معطيات المشهد الجيوسياسي، وانخراطها المتزايد في المنطقة ككل، ومن ثم، فإن المهمة الأكثر إلحاحًا أمام السياسات الصينية حيال منطقة الخليج، تستدعي إيجاد سبيل جديد للحفاظ على استقرار الخليج من ناحية، ومن ناحية أخرى، القدرة على اتخاذ خيارات استراتيجية بين أطراف الصراعات الإقليمية في المستقبل.

   قوى التعاون المحفزة للعلاقات الصينية-الخليجية

يمكن أن تُعزى المساعي الصينية من أجل الانخراط والتأثير في الشأن الإقليمي لمنطقة الخليج إلى الأهمية الاستراتيجية التي تتمتع بها المنطقة، إلى جانب صراع القوى العظمى الذي تخوضه بكين أمام الولايات المتحدة. فبكين تتفهم جيدًا دلالة التنمية الاقتصادية، والأهمية السياسية لدول الشرق الأوسط. كما تعتز بعلاقات الصداقة مع دول الخليج والعالم العربي، والتي يعود تاريخها إلى العصور القديمة. فمنذ أكثر من ألفي عام، ربطت طرق الحرير البرية والبحرية الصين بمنطقة الخليج. وعلى مدار عقود طويلة ماضية، ظل العنوان الرئيسي للتبادلات بين بكين ودول الخليج قائمًا على مبادئ؛ السلام، والتعاون، والانفتاح، والشمولية، وتشارك المعرفة، والمنفعة المتبادلة، والنتائج المربحة للجانبين. ولم يخلو الأمر من وجود بعض الخلافات والانقسامات بين الجانبين، خاصة خلال فترة الستينيات والسبعينيات. لكن تم تدعيم العلاقات مرة أخرى منذ ثمانينات القرن الماضي. منذ انتهاء حقبة الحرب الباردة، اتبعت الصين ودول الخليج نفس مسار التوجه العالمي لإحلال السلام، والتنمية، والتعاون، والاحترام المتبادل، والتعامل على قدم المساواة، والالتزام بتعميق الصداقة التاريخية والعلاقات الثنائية. وقد حقق التعاون الثنائي بين الجانبين نتائج مثمرة في العديد من المجالات؛ السياسية، والتجارية، والاقتصادية، والعلمية، والتقنية، والثقافية، والتعليمية والعسكرية، والصحية، والرياضية، والإخبارية وغيرها من المجالات، مما أتاح إمكانية إقامة علاقات ودية وتعاونية.

خلال عام 2004م، أسست الصين مع الدول العربية منتدى التعاون الصيني-العربي، كما تم إنشاء العديد من آليات التعاون الصيني-العربي خلال العقود التالية. فبعد أن تولى الرئيس الصيني شي جين بينج السلطة، وضعت بكين هيكلًا تنظيميًا لشكل التعاون مع الدول العربية. وفي عام 2016م، تم نشر وثيقة "سياسة الصين تجاه الدول العربية"، والتي تسلط الضوء على العمل ضمن إطار التعاون المصطلح عليه بـ “1 + 2 + 3". الذي يعتبر الطاقة ركيزة وجوهر تعاون الجانبين، وإنشاءات البنية التحتية، وتسهيل التجارة والاستثمار، جناحي هذا التعاون، كما يعتبر المجالات الثلاثة ذات التقنية الفائقة والحديثة؛ الطاقة النووية، والأقمار الصناعية الفضائية، ومصادر الطاقة الجديدة، محاور الإنجاز. ومن ثم يصبح إطار عمل "1 + 2 + 3" المبدأ التوجيهي الأساسي للمساعي الصينية لتنمية التعاون مع الدول العربية. ونظرًا إلى أن الدول الخليجية، وخاصة المملكة العربية السعودية، أضحت القوة الرائدة في العالم العربي، أصبح التعاون بين بكين والرياض، هو المحور الأهم في علاقاتها مع العالم العربي. ولا يزال التعاون في مجال الطاقة يمثل ركيزة العلاقات الصينية-الخليجية. ففي عام 2021م، بلغت نسبة واردات الصين من النفط نحو 70%.  وتعد المملكة العربية السعودية أكبر موردي النفط إلى الصين، بجانب دول خليجية أخرى مثل عمان والكويت والإمارات.

 إلى جانب التعاون في مجال الطاقة، تعد البنية التحتية والاستثمار من المجالات التي تشهد تعاونًا متزايدًا بين الصين ودول الخليج. على صعيد البنية التحتية، تتعاون الشركات الصينية بشكل وثيق مع دول الخليج. وتعاقدت المجموعة الصينية المحدودة لبناء السكك الحديدية، على إنشاء المسار الوردي لخط مترو "مكة المكرمة"، وبينما أصبح هذا المشروع نموذجًا للشركات الصينية في مجال إنشاءات البنية التحتية في الخارج. وتعد مدينة "نيوم" أيضًا التي تخطط المملكة لإنشائها، نقطة جذب لاهتمام الشركات الصينية، التي تأمل في أن تكون جزءًا من مثل هذه المشروعات الطموحة للمساهمة في تدعيم الصداقة بين الرياض وبكين.

 كما يعد التقدم الاستثماري والمالي بين الجانبين مثار إعجاب، وكونها تقود زعامة المنطقة الخليجية، تنظر الصين إلى المملكة العربية السعودية بصفتها أهم شريك للتعاون في المنطقة. وفي الفترة من 2005 إلى 2021م، بلغت استثمارات الصين في الشرق الأوسط 214 مليار دولار أمريكي، بينما ذهب 21٪ من هذه الاستثمارات إلى السوق السعودي. وتُولي الصين أهمية كبيرة للمفاوضات مع دول مجلس التعاون الخليجي حول منطقة التجارة الحرة. وعلى الرغم من استمرار الانقسامات، يأمل كل من الصين ومجلس التعاون الخليجي في تسهيل إنشاء منطقة التجارة الحرة في المستقبل القريب.

وتتزايد أهمية التبادل العلمي والثقافي بين الصين ودول الخليج، ففي مايو الماضي، أصبحت شركة "على بابا" الصينية للحوسبة السحابية شريكًا مهمًا لـ "شركة الحوسبة السحابية" داخل المملكة العربية السعودية. كما تمكنت شركة "هواوي" عملاق التكنولوجيا الصيني خلال شهر يوليو الماضي، في أن تصبح ثالث مزود خدمة سحابية للحكومة الكويتية. في غضون ذلك، تتقدم الشركات الصينية على نحو نشط بطلبات للتعاون مع دول الخليج. وفي يوليو الماضي أيضًا، أنهت مجموعة "جيزوبا " الصينية بنجاح نظام تجميع مياه الأمطار بمدينة "مطرح" الكويتية. وعلى مدار العقد الماضي، أولت الصين المزيد والمزيد من الاهتمام لتعزيز التبادل الثقافي مع دول الشرق الأوسط. وتم إنشاء العديد من مدارس اللغة الصينية الجديدة بدعم من الحكومة الصينية في دول الخليج، في الوقت ذاته يزداد إقبال الطلاب والشباب العربي على تعلم اللغة الصينية. تتحلى كل من الصين ودول الخليج بالثقة لاستكشاف المزيد من فرص التعاون الجديدة. لذلك، تأمل بكين في الحفاظ على الاستقرار في الشرق الأوسط. باعتباره الضامن لاستمرار التعاون بينها وبين شركائها في المنطقة.

العوامل الأمريكية المؤثرة في تعاون الصين مع دول الخليج

 تعتبر الولايات المتحدة عامل تدخل مؤثر على تعاون الصين مع دول الخليج. حيث يزداد تركيز بكين على أهمية الشرق الأوسط في نطاق المنافسة العالمية التي تخوض غمارها أمام واشنطن. وبالتالي، يشكل العامل الأمريكي عامل تدخل، وعقبة في الوقت ذاته أمام مسار التعاون الصيني -الخليجي. فخلال العقد الماضي، تصاعدت حدة التوترات بين واشنطن وبكين، وانقلب الرأي العام الصيني والأمريكي ضد بعضهما البعض. فيما وصفت واشنطن، بكين بأنها التحدي الاستراتيجي الأكثر إلحاحًا، وهو الأمر الذي لا تقتصر تبعاته على تقويض المصالح القومية للولايات المتحدة فحسب، بل كفيل بأن يحدث هزة في الأصول الأمريكية الثقافية والاستراتيجية على مستوى العالم. وبالتالي فإن المنافسة بين واشنطن وبكين بدأت تتضح تدريجيًا في مختلف مناطق العالم. وبصفتها نقطة وصل بين الشرق والغرب، أصبحت منطقة الشرق الأوسط محل تركيز كلا القوتين العالميتين، إذ تسعى واشنطن إلى تقويض نفوذ المارد الصيني داخل المنطقة، وتحاول إقناع دول الخليج من أجل منع أو وقف تعاونها مع بكين. وعلى مدار الأعوام الماضية، سعت الولايات المتحدة في العديد من المناسبات إلى نشر فكرة "الخطر المحتمل" المترتب على تعاون حلفائها في المنطقة مع بكين. وتحت ضغط من واشنطن، قررت إسرائيل على سبيل المثال، وقف التعاون مع مجموعة ميناء شنغهاي الدولي بشأن إدارة ميناء حيفا. كما علقت تل أبيب الاستثمارات الصينية الرئيسية في برامج البنية التحتية الإسرائيلية. وعلى صعيد المنطقة الخليجية، تعمد واشنطن طوال الوقت إلى وصف الشركات الصينية بـ "وكلاء الشيوعية" الذين يقومون بالاستيلاء على المعلومات الاستخباراتية والبيانات المتعلقة بأمن الدول العربية. كما تحاول الإدارات الأمريكية دائما ممارسة اقناع دول الخليج من أجل وقف تحويل برامج البنية التحتية الكبرى إلى الشركات الصينية، وهو ما انعكس خلال الزيارة التي قام بها الرئيس جون بايدن للسعودية، ومن قبله الرئيس السابق دونالد ترامب.

من ناحية أخرى، تمكنت واشنطن من خلق رأي عام لتشويه صورة الصين داخل العالم العربي. فالصين لديها أزماتها الخاصة التي ترتبط بمصالحها الأساسية"، بما في ذلك مطالبات بكين بالسيادة على تايوان وبحر الصين الجنوبي، والشرعية السياسية للصين على إقليم “هونج كونج”، والتبت، وشينجيانج. كل هذه القضايا تعد بالغة الحساسية والأهمية ليس فقط للكرامة الوطنية الصينية، ولكن أيضًا لمصالح الصين القومية المستقبلية. ومع ذلك، فقد تم توظيف هذه الملفات من قبل الولايات المتحدة كأدوات مهمة في عملية تشويه سمعة الصين. على سبيل المثال، ترى واشنطن في جهود مكافحة التطرف وشبكات الإرهاب في شينجيانج بأن "الصين تقوم بمذبحة في حق المسلمين بشينجيانج"، كذلك وصف جهود بكين لتقييد شبكة الانفصاليين في هونج كونج والتبت بأنها "انتهاكات ضد الحرية السياسية "، ووصف مطالبات الصين بشأن بحر الصين الجنوبي وتايوان بأن” بكين تتحدى الوضع الراهن في شرق آسيا ". أدت هذه الأوصاف والتعريفات إلى تقويض صورة الصين في الشرق الأوسط إلى حد كبير، وخلق عقبات أمام الرأي العام في المنطقة من أجل فهم حقيقة ما تفعله الصين. على الرغم من الضغط الذي تمارسه واشنطن، إلا أن الصين ودول الخليج لا يزالون قادرين على ترسيخ أسس صداقة حقيقية. حيث يتفهم الجانب الصيني جهود دول الخليج للدفع بالإصلاحات السياسية في الداخل إلى الأمام، كما تحترم سياساتها الخارجية. كذلك تتفهم الدول الخليجية المطالب السياسية للصين وتحترم سياساتها الداخلية. وكونهم لا ينتمون للعالم الغربي، تتشارك دول الخليج والصين في رؤى متشابهة لتحقيق الازدهار دون تدخلات من العالم الغربي.

تحديات تواجه السياسات الصينية في منطقة الخليج

  على الرغم من ذلك، لا تمتلك الصين من الثقة أو القدرات ما يخولها الحفاظ على سلام واستقرار الشرق الأوسط وحدها. أولاً، لا تدرك الصين صعوبات التوصل لتسوية لبعض القضايا ذات المحصلة الصفرية في منطقة الخليج والشرق الأوسط. عند الحديث عن بناء السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، فإن العديد من الدبلوماسيين أو العلماء الصينيين لا يستوعبون بشكل كاف حجم الصعوبات التي تعترض سبل التسوية للأزمات والصراعات الإقليمية. من الناحية الأيديولوجية، يعزو الصينيون أسباب الأزمات في المنطقة إلى التدخلات الأمريكية، وبالتالي، تعتقد الصين أن صورتها كدولة" عادلة، ومنصفة، لا تنتمي للعالم الغربي"، يمكن أن تساعد في حل الانقسامات الإقليمية. ثقافيًا، إن الصين دولة تهيمن عليها التقاليد الكونفوشيوسية التي بدورها تتحدى دور الأديان. والعديد من الصينيين عاجزين عن فهم أهمية دور الأديان في الحياة اليومية لشعوب الشرق الأوسط، ولا يستطيعون أيضًا استيعاب أزمة القدس، والانقسامات السنية-الشيعية، وتأثير الجماعات الدينية اليمينية على دول المنطقة. على الصعيد الاقتصادي، تعتقد الصين، استنادا على تجربتها التنموية الخاصة خلال العقود الثلاثة الماضية، أن جميع أزمات الشرق الأوسط يمكن حلها، ولن يتحقق ذلك سوى من خلال التنمية الاقتصادية. فيما يرى العديد من الخبراء والدبلوماسيين الصينيين أن الأسباب وراء الخصومات الإقليمية والأزمات بالمنطقة تعود إلى الصعوبات التي تواجه مسارات التنمية". لذلك، في لقاءاتها مع قادة الدول الخليجية حول القضايا السياسية الإقليمية، ترسم الصين دائمًا ملامح المستقبل السلمي للشرق الأوسط على أساس "التنمية المشتركة"، وتتجاهل أو تقلل من شأن الكراهية الإقليمية، والتنافسات التاريخية في المنطقة.

ثانيًا، تفتقر الصين إلى الدراية الكافية بطبيعة منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام. حتى أن عددًا محدودًا للغاية من الباحثين ضمن برامج منح الدراسات الدولية في الصين يركز على دراسات الشرق الأوسط. إلى جانب صغر حجم فريق البحث المتخصص في شؤون الشرق الأوسط داخل معهد دراسات الدول النامية التابع لـ معهد الصين للدراسات الدولية". خاصة خلال السنوات الأخيرة. وتحت شعار "بناء الخطاب السياسي في الصين"، تركز المنحة الصينية على وصف "السرديات الكبرى" و "اختراع النظريات"، بينما لا يتم إيلاء اهتمام كبير للشؤون الإقليمية في أجزاء أخرى من العالم، خاصة في منطقة الشرق الأوسط والخليج. وكذلك أدت التحولات في المنح الدراسية الصينية خلال السنوات الأخيرة إلى فهم غير كاف عن طبيعة أجزاء أخرى من العالم، وهو ما يجعل الصين غير قادرة على فهم ديناميات منطقة الخليج والتحول السريع للشؤون الإقليمية بوضوح.

   ثالثًا، القوة الصلبة للصين داخل المنطقة تعد غير كافية لتخولها إمكانية التأثير على الشؤون الإقليمية. فبخلاف الوجود العسكري الأمريكي في الخليج والشرق الأوسط، يغيب الوجود العسكري الصيني عن المنطقتين. وعلى الرغم من إبحار سفن حربية صينية في منطقة البحر الأحمر بهدف حماية السفن المارة من هجمات القراصنة المحليين، وإنشاء قاعدة عسكرية صينية في دولة جيبوتي عام 2017م، إلا أن الوجود العسكري الصيني في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج يظل محددًا للغاية. ومن ثم فإن ضعف وهشاشة الوجود العسكري الصيني بالمنطقة، يقوض قدرة بكين على التأثير على الشؤون الإقليمية. على سبيل المثال، بعد أن غزت قوات صدام حسين الكويت في عام 1990م، أرسلت الصين وزير خارجيتها كيان كيشين لزيارة المملكة العربية السعودية بهدف تسوية الأزمة من خلال القنوات الدبلوماسية ورغم استقبال زيارة تشيان بشكل مهذب، إلا أنه تم تجاهل نصائحه بشأن التسوية السياسية للأزمة. وفي السنوات الأخيرة، توسعت شبكات الأعمال الصينية بقوة داخل الشرق الأوسط، بينما تواجه الشركات الصينية ورجال الأعمال والوفود في بعض الدول تهديدات متزايدة جراء العنف المحلي والإرهاب. ففي ظل وجود عسكري وأمني محدود للغاية، تفتقر الصين إلى القدرات الكافية لحماية حضاراتها ومصالحها الوطنية في المنطقة. وبدون قوة صلبة كافية في المنطقة، فإن جهود الصين للتواصل مع الأطراف المختلفة في الخليج لا يمكن أن تتحقق إلا من خلال القناة الدبلوماسية والسياسية، والتي ستكون فعاليتها محدودة للغاية.

     وهكذا تعكف الصين تدريجيًا على تعزيز مكانتها كقوة عالمية من خلال مبادرة الحزام والطريق الطموحة، مع رؤية طويلة الأجل لتوسيع نطاق الأسواق بمنطقة الخليج واستكشاف فرص التعاون في الشرق الأوسط. وقد تعمقت مشاركة بكين في المنطقة ككل، عبر زيادة تحصين وترسيخ مصالحها، وسيستمر هذا التوجه بسبب اعتماد بكين المتزايد على مصادر الطاقة الخليجية.  وبالنسبة في الداخل الشرق أوسطي، بات جليًا أن دول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة المملكة العربية السعودية، يُنظر إليهم على أنهم الشركاء الأكثر أهمية للصين. وترى بكين أن الاستقرار والسلام في المنطقة أمران حاسمان، بينما ترى في فرص توسيع التعاون في مجال الطاقة واستكشاف البنية التحتية والتعاون المالي والتكنولوجيا الفائقة أسسًا مستقبليًا مع دول الخليج العربية. ومع ذلك، لا ينبغي المبالغة في تقدير دور الصين في منطقة الخليج، في حين أنه لا يمكن أيضًا الاستهانة أو التقليل من حجم طموحاتها الكبيرة داخل المنطقة. فلا تزال الصين "وافدًا جديدًا" على منطقة الخليج، وقد يستغرق الأمر وقتًا أطول قبل أن يتم ملاحظة دور الصين في تسوية أزمة الخليج الإقليمية بشكل واضح.

مقالات لنفس الكاتب