; logged out
الرئيسية / تحديد 7 مخاطر تهدد الإقليم هي أولى خطوات التفكير بالمظلة الأمنية لمواجهة التحديات

العدد 179

تحديد 7 مخاطر تهدد الإقليم هي أولى خطوات التفكير بالمظلة الأمنية لمواجهة التحديات

الخميس، 27 تشرين1/أكتوير 2022

تعتبر منطقة الخليج العربي من أكثر مناطق العالم أهمية بسبب موقعها الاستراتيجي الذي يشرف على أهم طرق وممرات التجارة العالمية، بالإضافة إلى امتلاكها لأكثر من نصف احتياطيات العالم من النفط وحوالي 40% من الغاز الطبيعي، هذه الأهمية أدت إلى زيادة حدة التنافس بين القوى العالمية والإقليمية على المنطقة ومقدراتها وجعلتها من أقل المناطق استقراراً خصوصاً في العقود الأربعة الأخيرة، الأمر الذي دفع بدول المنطقة إلى البحث عن أفضل الوسائل التي توفر لها الأمن، وفي مقدمة ذلك إيجاد مظلة أمنية. لكن الطريق لتحقيق ذلك ليس واضحاً وتنتابه العديد من التحديات. في هذه المقالة سوف نسعى لإلقاء نظرة على تطور الأمن الإقليمي ونحاول فهم طبيعة المنظومة المطلوبة والحاجة إليها والأخطار التي تواجه المنطقة ومواقف القوى الدولية والإقليمية منها.

 

طبيعة الأمن الإقليمي والحاجة إليه

تتباين الآراء حول موضوع الأمن الإقليمي نتيجة تعدد وجهات النظر في مفهومه والاختلاف حول طبيعة الأخطار التي تواجه الإقليم وأولياتها، ولأن الحكم على الشيء جزء من تصوره، كما تقول القاعدة الأصولية لذلك نبدأ بتحديد المقصود من الأمن المشترك والذي يختلف اختلافاً جوهرياً عن مبدأ الدفاع المشترك.  إن مصطلح "الأمن" مفهوم شامل لكل الفعاليات التي تهدف للتصدي لجميع الأخطار الداخلية والخارجية الآنية منها والمستقبلية.  أما الدفاع المشترك فيشمل الجهود العسكرية الرامية لمواجهة خطر عسكري خارجي محدد.  ولأن الأمن المشترك يشمل التهديدات العسكرية والأمنية وكذلك الأخطار التي تهدد الاقتصاد والصحة، بالإضافة إلى تلك التي تهدد الهوية مثل الفكر والثقافة، كانت أدواته متعددة وتشمل الدبلوماسية والإعلام والوسائل العسكرية والتعاون الاستخباراتي والعلاقات الاقتصادية، والبحث العلمي والتقني، في المقابل نجد أن الدفاع المشترك يقتصر على الوسائل العسكرية وبعض التعاون الاستخباراتي الذي يتعلق بعنصر التهديد المشترك فقط.  

 

الحاجة الأساسية لدول المنطقة قبل الحديث عن المظلة الأمنية هي لتطوير نظرة استراتيجية لأمنها الوطني والإقليمي، لأن هذه الاستراتيجية تشكل الأساس لتحديد طبيعة ودور مظلة الأمن الإقليمي بالإضافة إلى وسائل عديدة أخرى تتكامل في الأداء مع المظلة وتزيد من فاعليتها، بمعنى أن المظلة هي جزء وليست الكل.  ومما يزيد في أهمية الأمر محدودية قدرات دول المنطقة منفردة بسبب قلة السكان لذلك جاءت الحاجة إلى توحيد الجهود والبحث عن الحليف الخارجي الذي يساعد في توفير الأمن.  إن قلة عدد السكان في دول مجلس التعاون حوالي 58 مليون يبلغ عدد المواطنين منهم 34 مليونًا تقريبًا مقارنة بدول الإقليم مثل إيران وتركيا التي يبلغ سكانها حوالي 85 مليون تنعكس بالطبع على أعداد القوات المسلحة وتؤدي إلى خلل في ميزان القوى الإقليمي كما هو مبين في الرسم البياني أدناه. 

 

 

رسم بياني يوضح مقارنة أعداد القوات المسلحة بين دول مجلس التعاون مجتمعة وبعض الدول في الإقليم

 

هذا الخلل في ميزان القوى الإقليمي يعالج بتوسيع قاعدة الأمن الإقليمي من خلال التحالفات الإقليمية والدولية وكذلك من خلال الارتقاء بالتقنية العسكرية مثل تطوير مظلة أمنية، أو منظومة دفاع صاروخي يمكنها التصدي للصواريخ والطائرات، والطائرات المسيرة.  بالطبع لابد من الإشارة هنا إلى أن القوات المسلحة في دول مجلس التعاون لا يمكن اعتبارها جيشاً موحداً بسبب ضعف التواصل وتعدد مواقع القيادة والسيطرة والاتصال ومصادر ونوعية التسليح، لأن القرارات حول هذه القضايا تتخذ على مستوى القطر وفي ظل غياب النظرة الاستراتيجية للأمن الإقليمي.

 

الحاجة إلى العمل المشترك دفعت بدول الخليج إلى بحث فكرة قيام تحالف بينها في مجال الأمن بعد الانسحاب البريطاني من المنطقة عام 1971م.  ثم جاءت الحرب العراقية-الإيرانية عام 1980م، لتفتح الأعين على الفراغ الأمني الذي تعاني منه المنطقة لذلك سارعت دول الخليج إلى إعلان قيام مجلس التعاون الخليجي عام 1981م، في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، أي بعد أشهر من نشوب الحرب بين العراق وإيران.  هذه الأزمة الكبيرة مع حدتها وشمولها لدول المجلس إلا أنها لم تكن كافية لإقناعها بأهمية توحيد الجهود في سبيل تحقيق أبسط مستلزمات الأمن المشترك، بسبب الخلافات حول القضايا الأساسية للمنظومة الأمنية، مما دفع دول المجلس لتغيير الوجهة والسعي لتحقيق متطلبات أمن الدول من خلال اتفاقات ثنائية مع الولايات المتحدة، والتي هي الأخرى كانت تفضل التعامل مع دول المجلس على أساس ثنائي بدلاً من التعامل معها مجتمعة. 

 

ما لبثت دول الخليج أن واجهت التحدي الأكبر الذي تمثل بغزو الرئيس العراقي السابق صدام حسين للكويت وتهديده للسعودية الذي شمل إطلاق الصواريخ بعيدة المدى على المدن السعودية ومنها الرياض واحتلال مدينة الخفجي الواقعة على الحدود السعودية / الكويتية. غزو العراق للكويت كان كارثة بكل معنى الكلمة ليس فقط بسبب الخسائر البشرية والمادية التي أصابت دول المنطقة وخصوصًا العراق والكويت والمملكة بالإضافة إلى الدمار الكبير الذي أصاب البنية التحتية في تلك الدول وعموم منطقة الخليج، بل لأن الحرب كشفت العديد من المشكلات التي عانت منها المنطقة ولاتزال ولعل من أهمها الانهيار الكامل لمنظومة الأمن الإقليمي ولم تنجح هي الأخرى بإقناع دول المنطقة بتحقيق الأمن المشترك. 

  

العقبات التي حالت وتحول دون تحقيق الفكرة:

الحديث عن المظلة الأمنية لمنطقة الخليج ليس بالجديد وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها طرح الموضوع، الذي يكثر الحديث عنه عند اشتداد الأزمات ثم يتلاشى بعدها، بسبب العديد من العقبات التي أثبتت الأيام أنها أكبر من قناعة الأطراف بالفكرة، ولعل من أهمها ما يلي:

  1. ضبابية التصورات حول الأمن المشترك: ليس هناك تصور واضح للمظلة الأمنية في المنطقة لكي يتم الحوار حولها مع الشركاء ولذلك فالتساؤلات حول الموضوع كثيرة وهي أكثر بكثير من المعلومات المتوفرة ومن ذلك عدم تحديد طبيعة وأدوار الشركاء في المشروع وهل هي الولايات المتحدة؟ وهي التي تصر على قيام مظلة واسعة تشمل كلاً من مصر والأردن والعراق وإسرائيل بالإضافة إلى دول مجلس التعاون الخليجي. هذا التصور يثير العديد من التساؤلات، أولها؛ هل تقبل جميع دول المنطقة بالشراكة الأمنية مع إسرائيل؟ وهل تقبل إسرائيل بدول المنطقة شريكاً أمنياً أم أن العلاقة الأمنية مع إسرائيل سوف تكون باتجاه واحد كما هي الآن مع الدول العربية التي لها علاقات وتنسيق أمني معها مثل مصر والأردن؟
  2. غياب الثقة وعدم وجود قناعة لدى الحكومات بمشاركة دول المنطقة الأخرى في مسألة حيوية مثل أمنها الوطني لذلك فضلت التعامل مع الملف الأمني بصورة مباشرة مع الولايات المتحدة والدول الأخرى مثل بريطانيا وإسرائيل. فهل يا ترى تغيرت القناعات لدى دول المنطقة وزالت الممانعة حول المشاركة في الملف الأمني مع دول الإقليم؟
  3. الرغبة الأمريكية بالتعامل من خلال الدفاع المشترك وليس الأمن المشترك لأنها تسعى إلى توحيد جهود دول المنطقة عسكرياً للتصدي للنفوذ الإيراني فقط. هنا يبرز السؤال فيما إذا كانت قناعة الولايات المتحدة تجاه أمن المنطقة قد تغيرت نتيجة تصاعد حدة الصراع العالمي وبروز محور الصين وروسيا كمنافس لها على المنطقة. وهل تغامر بوجودها في المنطقة في سبيل الحفاظ على سياستها السابقة والتي أثبتت الأيام فشلها في خدمة مصالح الولايات المتحدة؟

  الأخطار التي تواجه الإقليم:

إن الاتفاق على تحديد طبيعة المخاطر التي تهدد الإقليم، يعتبر من أول خطوات التفكير بالمظلة الأمنية التي يفترض أنها تواجه تلك المخاطر بفاعلية، والتي من أهمها ما يلي:

  1. صراع الاستراتيجيات الإقليمية: غياب منظومة الأمن الإقليمي وخصوصاً في المرحلة التي تلت غزو العراق للكويت وما نتج عنها من حروب كان من أشد آثارها القضاء على ما بقي من منظومة الأمن الإقليمي المشترك، الأمر الذي أدى بمنطقة الخليج إلى أن تصبح ساحة مفتوحة للصراع بين الاستراتيجيات الإقليمية، فإيران على سبيل المثال تحارب إسرائيل على الساحة اللبنانية من خلال حزب الله، وعلى الساحة السورية ومن خلال المليشيات المسلحة في العراق وجماعة الحوثي في اليمن، وهي تقصف مواقع في كردستان العراق للرد على هجمات تدعي أن إسرائيل تقوم بها، كما أنها تقوم باستهداف السفن في الخليج ضمن صراعها مع إسرائيل، في المقابل تقوم إسرائيل بالرد على الهجمات الإيرانية بقصف المدن السورية واللبنانية، أما تركيا فهي الأخرى تحارب حزب العمال الكردستاني على أراضي العراق وسوريا.
  2. تضارب المصالح الدولية وازدياد حدة الصراع العالمي على النفوذ في المنطقة بين المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة من جهة والصين وروسيا من جهة أخرى، الأمر الذي أدى إلى تزايد حالة الاستقطاب في الإقليم.
  3. خطر انتشار أسلحة الدمار الشامل وقيام سباق تسلح في المنطقة، والذي يزيد من حدته المشروع النووي الإيراني وفشل منظومة التفتيش العالمية في توفير الضمانات لسلميته.
  4. الهجمات السيبرانية وحروب المعلومات.
  5. وجود الجماعات الخارجة عن سيطرة الدول مثل التنظيمات الإرهابية الخارجة عن سيطرة الدول والتي أصبحت لها القدرة على تهديد أهداف بعيدة باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة، كما حصل عند استهداف المليشيات المسلحة في العراق للمملكة العربية السعودية والمقار الحكومية والقواعد الأمريكية في العراق.
  6. القرصنة في أعالي البحار، مواجهة هذا الخطر تتطلب قدرات عسكرية بحرية كبيرة خصوصاً مع اتساع الرقعة البحرية التي تشمل بحر العرب والبحر الأحمر بالإضافة إلى خليج عمان والقرن الإفريقي والخليج العربي.
  7. العوامل السكانية: النسب العالية للوافدين في بعض الدول الخليجية تشكل تهديداً مباشراً للأمن الإقليمي.

 

موقف الدول الكبرى من المظلة الأمنية

إذا كانت المنطقة على الدرجة الكبيرة من الأهمية التي ذكرناها أعلاه، فإن أمنها يهم جميع الدول التي تتأثر بالأوضاع في المنطق، وهي بصورة مبسطة جميع دول العالم وخصوصاً الكبرى منها.  لذلك فإن فكرة مثل منظومة الأمن الإقليمي لابد أن تستقطب اهتمام تلك الدول، ولكن كل له منظوره الخاص القائم على مصالحه.  ولأن تفاصيل تلك المنظومة لاتزال غير واضحة المعالم، فإن المواقف منها تمثل المواقف المبدئية، وأما النهائية فهي تنتظر التفاصيل. لكن الخطوط العامة لمواقف بعض الدول المحورية تتلخص فيما يلي:

 

  1. الولايات المتحدة: كانت ولاتزال تفضل التعامل مع دول الخليج منفردة، أما الحديث عن الأمن الإقليمي فإنه ينحصر في الدفاع المشترك، بمعنى توحيد الجهود العسكرية تجاه هدف معين، وهو الآن من وجهة النظر الأمريكية، إيران ولا شيء غير ذلك وقد كان قبل ذلك الحرب على الإرهاب التي اختصرت بالحرب على داعش. أما المنظومة الأمنية فإن الحديث عنها مرهون بموقف دول المنطقة من شمول إسرائيل بتلك المنظومة، لأن النظرة إليها إنما تكون ضمن رؤية الولايات المتحدة لإعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة، لذلك قامت أول العام الحالي بنقل الملف الإسرائيلي من قيادة القوات الأوروبية إلى القيادة المركزية التي تشمل منطقة الشرق الأوسط. الرؤية الأمريكية الضيقة لمسألة الأمن الإقليمي وفشل الجهود الأمريكية في تحقيق الأمن لدول المنطقة أحدثت قناعة لدى قادة المنطقة بأن الولايات المتحدة شريك لا يمكن الاعتماد عليه، في المقابل جاءت المواقف الأخيرة لدول المنطقة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا لتولد قناعة لدى واشنطن بأن دول الخليج شريك لا يمكن التعويل عليه.  ولذلك قامت الولايات المتحدة بإلغاء اللقاء الأخير الذي كان من المقرر أن يناقش منظومة الأمن الإقليمي مع دول مجلس التعاون في الرياض، كما ورد في بعض المصادر الإعلامية الأمريكية.  هذه الهوة المتزايدة بين واشنطن ودول المنطقة تعتبر من أكبر العقبات في طريق تطوير المنظومة الأمنية الإقليمية على المدى القريب.
  2. الصين لديها اهتمام كبير بالمنطقة عامة والأمن خاصة بسبب حاجتها للموارد الطبيعية ومن أهمها النفط والغاز، كما أن المنطقة تشكل سوقاً مهماً لبضائعها وتمثل حلقة مفصلية على طريق الحرير بشقيه البري والبحري. هذا الاهتمام من الصين تجلى من خلال إيجادها لأول قاعدة عسكرية لها في المنطقة متمثلة بقاعدة جيبوتي على البحر الأحمر، والتي أنشئت عام 2017م، حيث يقيم فيها حوالي 400 جندي صيني يساهمون في عمليات ما يسمى بمواجهة القرصنة في القرن الإفريقي.  كذلك أبدت الصين رغبتها بالتواجد العسكري في الخليج وكان ذلك أثناء زيارة وزير الدفاع الإماراتي للصين عام 2017م، حيث تم الاتفاق على فتح الباب أمام التعاون العسكري بين البلدين والذي شمل إقامة قاعدة بحرية صينية في الإمارات.  أحدث الاتفاق ردة فعل قوية لدى الولايات المتحدة التي هددت بإيقاف التعاون العسكري مع الإمارات، مما أدى إلى صرف النظر عن الموضوع.  الكويت هي الأخرى وقعت اتفاق تعاون مع الصين عام 2018 م، لتطوير ما سمي مدينة الحرير والجزر الكويتية الخمس المطلة على الخليج العربي.  هذا الاتفاق، هو الآخر، جوبه بمعارضة قوية من الولايات المتحدة والعراق حيث تم صرف النظر عنه فيما بعد.
  3. روسيا كانت ولاتزال مهتمة بالعلاقات مع دول الخليج ومنها العسكرية، وقد تطورت هذه العلاقات مؤخراً من خلال إنشاء ما يسمى أوبك+، والتي تشمل دول منظمة أوبك وروسيا، وهي الدول التي تصدر جزءًا كبيرًا من النفط إلى الأسواق العالمية. روسيا تمتلك قوات كبيرة وقاعدة بحرية في سوريا. أهمية المنطقة تجلت من خلال زيارات الرئيس بوتين للسعودية ودولة الإمارات، وزيارة الشيخ محمد بن زايد رئيس دولة الإمارات الأخيرة لروسيا والتي جاءت عقب قرار أوبك+ تخفيض إنتاج النفط، هناك أيضاً التعاون بين روسيا والإمارات في مجال الاستخدام السلمي للطاقة النووية.  روسيا اليوم منشغلة بالحرب في أوكرانيا، وهي تركز على التعاون مع دول العالم في دعم جهودها في أوكرانيا من خلال جميع الوسائل وفي مقدمتها السياسة النفطية، لذلك رحبت بقرار أوبك+ خفض إنتاج النفط الذي من شأنه أن يدعم موقفها في الساحة الأوروبية. 
  4. قررت بريطانيا الخروج من الاتحاد الأوروبي بعد مصادقة الناخب البريطاني على مشروع بريكست. عملية الخروج هذه أطلقت لبريطانيا العنان في سبيل البحث عن مصالحها من خلال التعاون مع الشريك الأكبر الولايات المتحدة وحلفائها في "العيون الخمسة" وهم كندا واستراليا ونيوزلندا بالإضافة إلى الولايات المتحدة.  لذلك أصبحت تسعى للعودة إلى أماكن تواجدها القديمة ومن أهمها المنطقة التي تواجدت فيها لمدة فاقت القرن ونصف القرن ولهذه الأهمية فقد سارعت إلى إعادة افتتاح قاعدة الجفير البحرية في البحرين عام 2014م، والتي بحسب إعلان وزارة الدفاع البريطانية "ستصبح قاعدة استراتيجية أساسية في شرقي قناة السويس بالنسبة لبريطانيا وحلفائها وشركائها، وستغدو مركزًا لعمليات البحرية الملكية في منطقة الخليج والبحر الأحمر والمحيط الهندي".وسوف تستضيف القاعدة التي يمكن أن تتسع لنحو 550 شخصًا، أكثر من 300 شخص من عناصر البحرية البريطانية والموظفين الفنيين.  بريطانيا سوف تزيد من اهتمامها بالمنطقة وخصوصاً في الجوانب الأمنية والاقتصادية بالتعاون مع الولايات المتحدة وسوف تقوم بتخفيف العبء العسكري عن الحليف الأمريكي في المنطقة لكي تتركز جهود الولايات المتحدة على المحيطين الهندي والهادي.  إن وصول الملك تشارلز الثالث إلى العرش سوف يقرب بين بريطانيا والمنطقة لما يتمتع به الملك الجديد من علاقات وثيقة مع قادة المنطقة.
  5. تحاول الهند أن تقدم نفسها كحليف للولايات المتحدة في سعي الأخيرة لاحتواء الصين، لأن الهند تشعر أن مساعي الصين في بناء الحزام والطريق سوف تؤدي إلى تطويقها وخنقها، لذلك كانت من أشد المعارضين له، لكنها تحتفظ في نفس الوقت بعلاقات جيدة مع روسيا التي تستورد منها النفط بأسعار تفضيلية. سوف تسعى الهند إلى تقوية تواجدها في المنطقة من خلال الحلف الثلاثي بينها وبين الولايات المتحدة واليابان، ومحاولة قطع الطريق على الصين التي وصلت إلى البحر العربي عن طريق ميناء جوادر الباكستاني. كذلك سوف تسعى إلى تقوية العلاقات التاريخية مع بريطانيا وإعادة الشراكة القديمة في المنطقة. زيادة النفوذ الهندي في المنطقة سوف تعقد مسألة النسب العالية لتواجد المقيمين الهنود في دول الخليج.

 

خلاصة القول بأن مظلة الأمن الإقليمي على الرغم من أهميتها لدول المنطقة والعالم، إلا أنها سوف تواجه مخاضاً صعباً، على الأقل على المدى المنظور، وذلك نتيجة الحساسيات القديمة بين دول المنطقة، بالإضافة إلى الغزو الروسي لأوكرانيا الذي زاد من حدة الاستقطاب العالمي وزاد من حالة الشلل التي تعاني منها المنظمات العالمية وخصوصاً تلك التي من مهمتها حفظ الأمن والسلم العالميين مثل مجلس الأمن والأمم المتحدة.  وقد زادت مواقف دول المنطقة من الحرب في أوكرانيا حالة الغموض حول مستقبل المنطقة القريب. 

المتغيرات الدولية من شأنها تؤدي إلى إحداث تغيير في المقاربة الأمريكية تجاه المنطقة والتي كان ينظر لها على أنها مسألة إقليمية يتم التعامل معها من خلال نظرة تحكمها بعض الضوابط والتي من أهمها ضمان تفوق إسرائيل العسكري على جميع دول المنطقة منفردة ومجتمعة، وضمان وصول النفط إلى الأسواق العالمية.  لكن المستجدات الجديدة سوف تعطي المنطقة بعداً عالمياً أساسه، من وجهة النظر الأمريكية، الحيلولة بين الغريمين روسيا والصين من استغلال أي فراغ أمني، حقيقي أو مفترض، في بسط النفوذ على المنطقة وخيراتها.  هذه المسألة من شأنها أن ترفع مكانة المنطقة على سلم الأولويات الأمريكية، وفي نفس الوقت سوف تزيد من حدة الصراعات المباشرة وبالوكالة، وقد تؤجل أو تبطئ من التوصل إلى استحقاقين مهمين لأمن المنطقة وهما عودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي مع إيران، وتشكيل المظلة الأمنية لدول المنطقة.

مقالات لنفس الكاتب