array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 179

واشنطن تؤيد مشاركة القوى الإقليمية في الحوار وفي بناء هيكل أمني إقليمي جديد

الخميس، 27 تشرين1/أكتوير 2022

على مدار عقود ماضية، ظلت منطقة الشرق الأوسط، واحدة من أكثر مناطق العالم عرضة للتقلبات. وقد أدت الثورة الإيرانية التي أطاحت بنظام الشاه محمد بهلوي، أواخر سبعينات القرن الماضي، إلى إدخال ديناميات جديدة على المشهد الأمني الإقليمي. وفي محاولة يائسة لاحتواء الحماسة الدينية، قام الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين بغزو إيران، واستمرت على مدار ثمانية أعوام متتالية، واحدة من أطول الحروب، وأكثرها دموية في القرن العشرين، حيث تم استخدام الأسلحة الكيماوية، وقُتل أكثر من مليون شخص. ولم يستغرق الأمر أكثر من عامين فقط منذ انتهاء حرب العراق وإيران عام 1988م، حتى أن قرر صدام حسين غزو واحتلال دولة مجاورة أخرى وهي الكويت. وردًا على ذلك، قادت الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا بهدف تحرير الكويت عام 1991م. لم تجلب حرب التحرير التي قادتها الولايات المتحدة، السلام إلى الشرق الأوسط. وعوضًا عن ذلك، ظلت القوى العالمية بالتحالف مع دول المنطقة، تحاول احتواء النظام العراقي عبر الوسائل الدبلوماسية والاقتصادية على مدار أكثر من عقد من الزمان. إلا أن هذه الجهود باءت بالفشل. وفي عام 2002م، قررت واشنطن غزو العراق، وأطاحت بنظام صدام حسين، منهية الحكم السني الذي دام عقودًا في بغداد.

مرة أخرى، فشل الغزو الأمريكي على العراق عام 2003م، في استعادة السلام والاستقرار للمنطقة. على النقيض، فتح "صندوق باندورا" من شرور النزاعات الطائفية. حيث أدى تصاعد التوترات بين السنة والشيعة، إلى ظهور ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش). تسبب القتال ضد تنظيم داعش في استنزاف دول المنطقة على مدار العقد الأول من القرن الحادي والعشرين. وبحلول نهاية العقد، كان التنظيم قد هُزم عسكريًا إلى حد كبير، مع العديد من قادته الذين إما قد قُتلوا أو اعتُقلوا. ومع ذلك، يمكن القول إن أيديولوجية داعش المتطرفة لا تزال حية، ولا يمكن استبعاد عودته (أو غيره من الجماعات المتطرفة الأخرى). خلاصة القول، فقد تسببت الصراعات مع إيران، والولايات المتحدة، وتنظيم داعش، في توجيه ضربات موجعة لمسيرة التنمية الاقتصادية، والاستقرار السياسي في العراق. وسيستغرق الأمر وقتًا طويلًا حتى أن يعود العراق للوقوف على قدميه، ويعيد ترسيخ مكانته كقوة إقليمية رئيسية.

على الصعيد الإيراني، سعت الحكومة الإيرانية إلى تركيز جهودها على بناء اقتصاد الدولة، وتحسين موقفها الدبلوماسي منذ انتهاء حربها مع العراق. مع ذلك، واجهت طهران منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي، اتهامات من قبل واشنطن ودول أخرى بالسعي وراء امتلاك أسلحة نووية. وهو الأمر الذي نفاه القادة الإيرانيون بشكل قاطع، زاعمين أن الهدف من البرنامج النووي كان من أجل استخدامات مدنية فقط. وبرغم نفيهم القاطع، ظلت الجمهورية الإيرانية تئن تحت منظومة من العقوبات المشددة المفروضة من جانب الأمم المتحدة، وواشنطن، والاتحاد الأوروبي. إذ يُعارض خصوم طهران بشدة تطوير برنامجها النووي، وتوسيع نفوذها الإقليمي. ولم ينجح منهج المواجهة الأمريكي الذي استمر لأكثر من أربعة عقود في الإطاحة بالحكومة في طهران، لكنه تسبب في إضعاف الاقتصاد الإيراني بشكل كبير.  وفي حين قد لا تكون إيران على حافة الانهيار، لكنها بالتأكيد تعاني تحت وطأة التحديات الاقتصادية المتفاقمة، وعدم القدرة على تلبية احتياجات مواطنيها وتطلعاتهم الاقتصادية والاجتماعية، الناتج عن استراتيجية "الضغط القصوى" التي مارستها إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب ضدها، والفشل في التوصل إلى اتفاق مع إدارة الرئيس الحالي جون بايدن لإحياء الاتفاق النووي، إلى جانب اندلاع أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا منذ أوائل عام 2020م، التي أدت لمفاقمة الأوضاع سوءًا.

في المقابل، تبنت السلطات الإيرانية عقيدة حرب غير متكافئة، لردع أي عدوان من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الإقليميين. تعتمد هذه الاستراتيجية على استخدام الصواريخ الباليستية، والقدرات السيبرانية، والقوارب الصغيرة والسريعة، والطائرات بدون طيار وغيرها من الأسلحة. فيما نجحت القوى الأخرى داخل المنطقة إما في اكتساب أو تطوير قدرات عسكرية مماثلة. أدى انتشار أنظمة الأسلحة التقليدية وغير التقليدية، إلى زيادة التوتر وعدم الاستقرار الإقليمي. منذ أوائل الألفينات شاركت العديد من القوى الإقليمية في مواجهة اقتصادية وعسكرية واستراتيجية في إطار ما يسمى بـ “المنطقة الرمادية". بمعنى أخر، لجأت القوى الإقليمية إلى استخدام وكلاء، وطائرات بدون طيار، وصواريخ وقدرات إلكترونية، من أجل إضعاف خصومها بدلا من خوض حروب واسعة النطاق.

على الرغم من ظلامية هذا المشهد، أو بالأحرى نتيجة لها، أصبح هناك إجماع بين المحللين الاستراتيجيين حول الحاجة الماسة إلى وقف تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، والبحث عن سبيل من أجل التوصل لاتفاق حول نموذج جديد للأمن الإقليمي. لا يوجد شك في أن دول المنطقة التي تنعم بازدهار اقتصادي واستقرار سياسي، ستشعر بثقة وأريحية حيال المساهمة في تدعيم الاستقرار الإقليمي. تحتاج القوى الإقليمية إلى التخلي عن عقلية "المحصلة الصفرية" وأن الفائز يحصد كل شيء"، والإقرار عوضًا عن ذلك، بالمخاوف الأمنية المشروعة لدى كل منها، والاتفاق على نهج "مربح لكافة الأطراف"، في إطار منافساتهم لبعضهم البعض. أخيرًا، يتعين على القوى العالمية أن توازن مكاسبها قصيرة المدى، مع مصالحها الاستراتيجية طويلة المدى (شرق أوسط مزدهر ومستقر). وينبغي بذل الجهود لمواجهة هذه التحديات على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية في وقت واحد.

الولايات المتحدة وأمن الشرق الأوسط

لطالما تمركزت منطقة الخليج في قلب الصراع القائم بين القوى العالمية العظمى، نظرًا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي بين الشرق والغرب، وثرواتها الهائلة. وفي حين تسعى كل من الولايات المتحدة وأوروبا وروسيا والصين إلى تعزيز مصالحها، ونشر قيمها، تحاول القوى الإقليمية من جانبها، الاستفادة من تناحر القوى العالمية، وتأليب كل منها ضد الأخرى. في معظم النزاعات الإقليمية، تشابهت المواقف الأمريكية والأوروبية، بينما جاءت مواقف موسكو وبكين مغايرة. رغم التطور الذي شهدته سياسات القوى العالمية الأربع على مدار العقود القليلة الماضية، إلا إنها ظلت تعكس الرغبة والدافع لتحقيق مزيج من الأهداف التي تجمع بين المصالح القومية، ونشر القيم الأيديولوجية. ترتكز السياسة الخارجية للولايات المتحدة تجاه دول الخليج ومنطقة الشرق الأوسط على خمسة أهداف رئيسية: استقرار إمدادات النفط، أمن إسرائيل، عدم انتشار الأسلحة النووية، محاربة الإرهاب، وإعلاء الديمقراطية واقتصاد السوق. ترتيب هذه الأولويات قد يختلف من إدارة أمريكية إلى أخرى.

 مع انسحاب بريطانيا من شرق قناة السويس أوائل سبعينات القرن الماضي، سطع نجم الولايات المتحدة كقوة عالمية رائدة في المنطقة. وبرغم حقيقة أن واشنطن تعد الضامن الأمني الرئيسي لدول الخليج، إلا أن القادة الأمريكيين ظلوا ضد فكرة نشر قوات أمريكية في المنطقة لفترات طويلة. وسعت الحكومة الأمريكية والقطاع الخاص الأمريكي، عوضًا عن ذلك، إلى المشاركة في صفقات طموحة لبيع الأسلحة، وبرامج تدريبية. كما استخدمت واشنطن قوتها الناعمة وأذرعها الاقتصادية والمالية في سبيل تحقيق أهدافها الاستراتيجية.

  رُوج للاتفاق النووي مع إيران عام (2015م)، الذي تم التفاوض والتوقيع عليه من قبل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما، على أنه نقطة تحول في العلاقات بين البلدين والأمن الإقليمي بشكل عام. بينما أدى انسحاب إدارة خلفه دونالد ترامب عام 2018م، وانتهاجها استراتيجية "الضغط القصوى" إلى نتائج عكسية؛ حيث أحرزت طهران تقدمًا في برنامجها النووي، في الوقت الذي أصبحت منطقة الخليج أقل استقرارًا. واعتبر انتخاب جون بايدن ليكون الرئيس الـ 46 للولايات المتحدة، سبيلاً للتخلي عن سياسات ترامب الفاشلة. منذ شهر إبريل من عام 2021م، سعت أطراف خطة العمل الشاملة المشتركة إلى إحياء الاتفاق النووي، وأحرزت المفاوضات بين طهران والقوى العالمية على مدار ثمان جولات في العاصمة النمساوية فيينا تقدمًا، حيث كادت أن تثمر عن صيغة نهائية لاتفاق بين الجانبين بحلول شهر مارس الماضي. لكن شهدت انتكاسة بعد أن تسبب الغزو الروسي لأوكرانيا في صرف تركيز القوى العالمية وإعاقة سبل التعاون، لتصل الخلافات بين واشنطن وطهران حول قضايا رئيسية إلى طريق مسدود. برغم محاولات الاتحاد الأوروبي للتوصل إلى تسوية، إلا أن ثمة اعتقاد لدى كبار الدبلوماسيين الأوروبيين، بأن الفجوة بين الأطراف المعنية تتسع مما يجعل احتمالات التوصل لاتفاق في وقت قصير مستبعدة، ومن ثم قد يطول أمد المفاوضات وربما يتبين عدم القدرة على تجاوز الفجوات بين الجانبين.

 تضمنت الصيغة التي تم التوصل إليها اعتبارًا من مارس الماضي بين الغرب وإيران، معالِجة لكافة القضايا الجوهرية التي تفصل بين الطرفين. وأوضحت كيف يمكن لإيران أن تتراجع عن برنامجها النووي بما يتوافق مع حدود خطة العمل الشاملة المشتركة، كما أعطت تصورًا تقريبياً لكيف يمكن أن تخفف واشنطن من وطأة العقوبات ضد الجانب الإيراني، فيما رسمت ملامح لكيفية وضع تسلسل لالتزامات الجانبين. في سياق موازي، توصلت إيران لاتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية على إطار عمل لتسوية القضايا العالقة، بشأن أنشطة إيران السابقة في مواقع غير معلنة. إلا أن التحقيق الذي كانت تجريه الوكالة الدولية للطاقة الذرية توقف، وأصبحت الأطراف غارقة في بحر من الخلافات بشأن قضايا اعتقدوا أنه تم تسويتها أو أوشكوا على ذلك.

 جوهر الأزمة بين الطرفين يتمثل في المطالب النهائية لطهران، التي لن يتمكن الآخرون من تلبيتها أو الموافقة عليها. إذ يسعى الجانب الإيراني للحصول على ضمانات بشأن استمرار المكاسب الاقتصادية التي تُتيحها خطة العمل المشتركة المُستعادة، بهدف تحصينها من احتمالات تراجع الإدارة الأمريكية المستقبلية عن الاتفاق مثلما فعل ترامب. فيما أشار البيت الأبيض إلى عدم إمكانية تلبية مثل هذا المطلب، نظرًا إلى أن الإدارة لا تستطيع قانونًا إلزام الرؤساء بالطريقة التي يريدها الإيرانيون. كما ترغب طهران في أن تُنهي الوكالة الدولية للطاقة الذرية تحقيقها بشأن أنشطتها النووية السابقة، وتصر على أنه تحقيق مدفوع سياسيًا، وقد لن ينتهي أبدًا. إلا أن إلغاء التحقيق يتعارض مع التفويض الممنوح للوكالة من أجل المساءلة النووية، كما تعارض الولايات المتحدة والدول الأوروبية الثلاثة (فرنسا وألمانيا والمملكة المتحدة) فكرة القيام بذلك.

وبينما التسوية والعمل على إنجاح محادثات فيينا لتثمر عن نتائج إيجابية، يخدم مصالح كافة الأطراف المعنية، يظل هدف استعادة الامتثال المتبادل لبنود الاتفاق الأصلي بعيد المنال. وفي هذه الحالة يلوح في الأفق، انجراف لا مفر منه صوب واقع ما بعد خطة العمل الشاملة المشتركة. وفي ظل اقتراب البرنامج النووي الإيراني من القدرة على التسلح أكثر من أي وقت مضى، والعمل مع زيادة التعتيم، يمكن أن يتصاعد الموقف إلى أزمة انتشار نووي، ما لم تنتقل الأطراف إلى مسار أكثر استقرارًا. وفي حال استمرت الجهود المبذولة لاستعادة خطة العمل الشاملة المشتركة أو انهارت، في أسوأ الحالات، يصبح من السهل تخيل المواقف الافتراضية لكل من الولايات المتحدة وإيران. حيث من المحتمل أن تلجأ واشنطن إلى تطبيق مزيد من العقوبات القاسية والموسعة ضد طهران، ربما وسط تأييد متزايد من قبل الحلفاء الأوروبيين، مدعوما بالتلويح باستخدام القوة، خاصة إذا كانت هناك مؤشرات -وإن كانت غائبة في الوقت الحالي -بشأن تحركات إيرانية نحو بناء سلاح نووي. من جانبها، ستعمد إيران حتمًا إلى تكثيف خطواتها المتقدمة في البرنامج النووي، ومواصلة استفزازاتها التي تستهدف الولايات المتحدة وحلفائها في الشرق الأوسط، إما بشكل مباشر أو من خلال شركائها الإقليميين. ونتيجة لذلك، فإن التوازن الهش المتمثل في وضع "لا اتفاق، لا أزمة" يمكن أن يثبت أنه غير مستدام.

 ربما يكون هناك تردد متزايد لدى إدارة الرئيس الأمريكي حيال المضي قدمًا في توقيع اتفاق من شأنه أن يثير جدلًا ساخنًا داخل أروقة الكونجرس، مع اقتراب انعقاد الانتخابات النصفية خلال شهر نوفمبر المقبل. في الوقت ذاته، إذا جاءت نتائج انتخابات التجديد النصفي بنواب الحزب الجمهوري المُعادي للاتفاق، على رأس أحد مجلسي الكونجرس أو كليهما، فقد تشعر إيران بقلق إزاء مضايقات محتملة لمشروع الاتفاق من قبل المشرعين الأمريكيين تعرقل تنفيذه، ومن ثم تقرر من البداية تجنيب نفسها المتاعب. حيث تفُضل القيادة الإيرانية الانتظار والترقب حتى تتبين هوية الرئيس الأمريكي القادم في عام 2025م. ذلك إلى جانب الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقرر انعقادها في عام 2025م، أيضًا والمرجح أن تسبب مزيدًا من التأخير.

السلام في منطقة الخليج-الآفاق المستقبلية

تحتاج القوى الإقليمية إلى مواصلة الخطوات الصغيرة، التي اتخذتها خلال السنوات القليلة الماضية بهدف زيادة تعزيز آفاق المشاركة في حوار استراتيجي إقليمي، من شأنه تعزيز الاستقرار السياسي والازدهار الاقتصادي. أولاً، يجب على كافة الدول زيادة استثماراتها محليًا من حيث رأس المال البشري، ولا سيما مجالات التعليم، والرعاية الصحية، والمساواة بين الجنسين. كما ينبغي تنفيذ برامج الإصلاح الاقتصادي بجدية من أجل تنويع الاقتصادات، وتقليل الاعتماد المفرط على عائدات النفط. تلجأ كل من المملكة العربية السعودية، وقطر، والكويت، ودولة الإمارات العربية المتحدة إلى استخدام صناديق الثروة السيادية للاستثمار في الأسواق المحلية والعالمية، من أجل تحسين الرفاهية الاقتصادية لشعوبها وحول العالم. ثانيًا، تجدُر مشاركة القوى الإقليمية في حوار من أجل تقبل المخاوف الأمنية المشروعة لبعضها البعض، والتوصل إلى إجماع حول هيكل أمني إقليمي جديد. كما يجب اتباع نموذج منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، وتعديله بحيث يساعد على تلبية احتياجات المنطقة وطموحاتها. ونظرًا للاختلافات التاريخية والثقافية بين أوروبا ومنطقة الشرق الأوسط، يجب النظر إلى نموذج منظمة الأمن والتعاون الأوروبي باعتباره هدفًا مُلهمًا، وليس برنامجًا محددًا يتم نسخه.

منذ أوائل عام 2020م، تم اتخاذ العديد من الخطوات الرئيسية لاحتواء التوتر بين الخصوم الإقليميين الرئيسيين. فقبل وقت قصير من مغادرة إدارة ترامب السلطة، وقعت الإمارات والبحرين اتفاقيات "إبراهام “مع إسرائيل. لكن لم تحذو دول خليجية أخرى حذوهما. من المهم إبراز اتجاهين مهمين في الصراع العربي-الإسرائيلي. أولهما، أن اليهود جزء من منطقة الشرق الأوسط. ثانيًا، لن تنعم إسرائيل أبدًا بالسلام ما لم يتم قبولها من قبل دول الجوار. ومن أجل الحصول على هذا القبول، يتعين على القادة الإسرائيليين الاعتراف بالحقوق السياسية للشعب الفلسطيني، وقبول حل الدولتين، والتوصل إلى اتفاق بشأن المواقع الإسلامية، وفي مقدمتها المسجد الأقصى.

 تعتبر تركيا أحد أكبر القوى الإقليمية بالشرق الأوسط، وفي أغلب فترات العقد الماضي، اتسمت علاقات أنقرة بالعديد من الدول العربية بعدائية متبادلة. إلا أنه خلال العامين الماضيين، اتخذ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عدة مبادرات لتغيير سياسة بلاده الإقليمية. ومنذ عام 2021م، تبادل كبار المسؤولين الأتراك الزيارات رفيعة المستوى مع نظرائهم في كل من إسرائيل، والمملكة العربية السعودية والإمارات. في حين لا تزال العلاقات التركية-المصرية تواجه تحديات خطيرة بسبب دعم أنقرة لجماعة الإخوان المسلمين. وخلال الأشهر القليلة الماضية، تبادل كبار المسؤولين المصريين والأتراك الزيارات سعيًا إلى رأب الصدع بين القوتين الإقليميتين الرئيسيتين.

أخيرًا استضافت الحكومة العراقية عدة جولات من المحادثات بين المسؤولين الإيرانيين والسعوديين منذ شهر إبريل الماضي، هدفها العام هو تخفيف التوتر الإقليمي وتسهيل استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وطهران. من شأن التفاهم والانفراج في العلاقات السعودية-الإيرانية أن يعجل بوتيرة تحويل قرار وقف إطلاق النار في اليمن إلى سلام دائم. كما أنه سيساعد على استقرار العراق ولبنان. وعلى الرغم من عدم تجاوز الجانبين بعض الخلافات الرئيسية حتى الأن، إلا أن المفاوضات المستمرة بين كبار المسؤولين من البلدين تشكل مؤشرًا إيجابيًا.

        خلاصة القول، شهدت الأعوام القليلة الماضية، تبني القوى الإقليمية زمام المبادرة في معالجة التحديات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الهائلة التي تواجهها في الداخل، وانخراطها في حوار استراتيجي مع خصومها. الهدف من هذه الحوارات الجارية هو إنشاء آلية إقليمية لتعزيز التعاون. تجدر الإشارة إلى أن هذه التطورات الإيجابية الأخيرة، مدفوعة جزئيًا بفكرة أن الولايات المتحدة تنسحب من المنطقة، وساهم الانسحاب الأمريكي المفاجئ للولايات من أفغانستان في أغسطس 2021م، في تغذية هذا التصور الخاطئ. ومن أجل تصحيح هذا التصور الخاطئ والتأكيد على التزام واشنطن الراسخ تجاه مواصلة العمل والانخراط مع الحلفاء والشركاء في الشرق الأوسط، قام الرئيس جون بايدن بزيارة إلى مدينة جدة في المملكة العربية السعودية في يوليو الماضي. التقى خلالها مع نظرائه من دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والعراق والأردن. تم التوقيع على العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية، مما لا يترك مجالاً للشك حول متانة واستمرار الالتزام الاستراتيجي للولايات المتحدة بالأمن والاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط الكبير.

مقالات لنفس الكاتب