; logged out
الرئيسية / لا يوجد عائق لدعم الدول الحليفة ومشاركتها في "منطقة الدفاع الجوي الخليجي الموحد"

العدد 179

لا يوجد عائق لدعم الدول الحليفة ومشاركتها في "منطقة الدفاع الجوي الخليجي الموحد"

الخميس، 27 تشرين1/أكتوير 2022

من المتداول أن مصطلح "مظلة دفاعية" أو "مظلة أمنية" استخدم في الأدب الاستراتيجي ليشير عمومًا إلى "نظام أمني موحد يشكل نظرية مظلة واسعة، يحتوي في داخله على عدة أنظمة أمنية مختلفة الأهداف والأداء والمهمات، مكملة بعضها البعض، في النهاية تقوم بتوفير نظام أمني شامل ومتكامل، يشكل خط الدفاع والحماية الأول، يلبي جميع أو أغلب متطلبات واحتياجات مفهوم الأمن القومي للدول، ويمتلك من المرونة والقدرة على الاستجابة للتعامل مع التحديات الأمنية المتغيرة والمستجدة ".   وخلال العقود الزمنية الماضية كان من أبرز نقاط القصور الأمني التي اعترف بها الخبراء بخصوص منطقة الخليج العربي، والتي أصبحت تُعرف بكونها مركز الضعف الأساسي في الوضع الأمني الإقليمي هو افتقار المنطقة لأي صيغة، او أي هيكلية معتمدة لنظام مستديم للأمن الإقليمي.

ومفهوم "المظلة الأمنية" يقوم على تأسيس نظام "الأمن الجماعي" أو نظام "الأمن متعدد الأطراف" أو في حالات أخرى "نظام أمني ثنائي"، والذي عادة يكون فيه تفاوت واضح في القوى والقدرات العسكرية بين الأطراف المُنظمة للنظام الأمني، حيث يقوم الطرف القوي والقادر بتعويض النقص الذي يعاني منه الطرف ذو القدرات العسكرية والدفاعية المحدودة. عبر ضمان توفر "مظلة دفاعية" هدفها ردع الاعتداءات، والتعامل مع التهديدات، وإفشال محاولات العدوان العسكري.

ومنذ بداية "الحرب الباردة"، أي بعد سنوات قليلة من انتهاء الحرب العالمية الثانية، وبعد بروز السلاح النووي والصاروخي كمركز الثقل العسكري في الترسانة العسكرية للدول الكبرى، بدأ استخدام مصطلح "مظلة" ليشير إلى تطوير نظام أمن ودفاع إقليمي ليشمل مناطق جغرافية محددة في العالم تحولت إلى خطوط مواجهة وبؤر للصراع بين المعسكرين الغربي والشرقي تحت قيادة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي.  

وخلال الأيام القليلة الماضية، تجسد مثال راهن على أهمية وفعالية تعهدات المظلة الدفاعية الأمريكية لجمهورية كوريا الجنوبية، قامت الولايات المتحدة يوم 17 سبتمبر 2022م، بإصدار إعلان رسمي يقول: تتعهد الولايات المتحدة لكوريا الجنوبية باستخدام النطاق الكامل للقدرات العسكرية الأمريكية، بما في ذلك الأسلحة النووية، في "الردع الموسع" لكوريا الشمالية. وجاء في الإعلان: " تؤكد الولايات المتحدة من جديد التزامها الذي لا ينفصم ولا يتزعزع بنشر النطاق الكامل لقدراتها العسكرية، بما في ذلك القدرات النووية والتقليدية والدفاع الصاروخي وغيرها من القدرات المتقدمة غير النووية، لتوفير ردع معزز لصالح جمهورية كوريا (الجنوبية). وأضاف الإعلان  أن "الولايات المتحدة ملتزمة بتعزيز التنسيق مع جمهورية كوريا (الجنوبية) لمواصلة نشر الأصول الاستراتيجية وإعدادها في المنطقة في الوقت المناسب وبطريقة فعالة لردع كوريا الديمقراطية (الشمالية) والاستجابة لها وتعزيز الأمن الإقليمي". هذا الإعلان جاء عقب اجتماع دوري للمجموعة الثنائية بين الدولتين حول استراتيجية الردع الموسعة وآلية التشاور ، وهي آلية قائمة على ضمان "مظلة دفاعية" لحماية جمهورية كوريا الجنوبية من أي عدوان خارجي.

ومما يجب ذكره أن مصطلح "مظلة دفاعية" غالبًا ما  يستخدم للإشارة إلى "المظلة النووية" وهي ضمان من دولة حائزة للأسلحة النووية للدفاع عن دولة حليفة غير نووية. عادة ما يكون في سياق تحالف أمني – عسكري، مثالها التحالفات الأمنية للولايات المتحدة مع اليابان، وكوريا الجنوبية، ومنظمة حلف شمال الأطلسي (تشمل المظلة جزء كبير من أوروبا وتركيا وكندا). حيث أن هذه التحالفات تشكلت تصاعد حدة صراعات  الحرب الباردة وركزت على التعامل مع تهديدات دولة الاتحاد السوفيتي. وبالنسبة لبعض الدول، فإن هذه المظلة تشكل بديلاً عن حيازة الأسلحة النووية نفسها. وتشمل البدائل الأخرى المناطق الإقليمية الخالية من الأسلحة النووية أو تقاسم الأسلحة النووية.

ومفهوم "المظلة" لا يقتصر على الحماية من السلاح النووي (وهذا واضح من نص الإعلان الأمريكي الأخير حول جمهورية كوريا الجنوبية)، ومؤخرًا تم توسيع المصطلح ليشمل "الدفاع الصاروخي" بجميع أصنافه. أي توفير "مظلة حماية جوية" تقوم على أساس توفير الإمكانيات الدفاعية الجماعية التي توفر نظام دفاع جوي إقليمي متكامل ، يعمل لتوفير مظلة حماية من الهجمات الجوية بمصادرها الثلاث : هجمات طائرات سلاح الجو ، الهجمات الصاروخية، هجمات المسيرات (الدرون) بجميع أنواعها. 

 كان لدى الناتو استراتيجية موسعة فيما يتعلق بالدفاع الصاروخي. في عام 1999م، تم التوصل إلى أنها ستحتاج إلى شكل من أشكال الدفاع الصاروخي ضد التهديدات النووية أو البيولوجية أو الكيميائية.  تم الإعلان عن أحد أشكال الاستراتيجية في قمة براغ عام 2002م، وهو الدفاع الصاروخي الباليستي النشط متعدد الطبقات   Active Layered Theatre Ballistic Missile Defence (ALTBMD) التابع لحلف شمال الأطلسي. وكان ذلك امتدادًا لبرنامج القوات المنتشرة في عام 2005م، أي ضمان سلامتها وتوفير حماية وغطاء جوي فعال، يضمن عمل القوات البرية ومراكز القيادة والسيطرة في بيئة آمنة.

أحد الدوافع الرئيسية للمفهوم الاستراتيجي هو أن الناتو ركز على انتشار الأسلحة النووية وبدائلها من أسلحة الدمار الشامل باعتبارها تهديدًا خطيرًا وجديًا  للحياة والازدهار العالميين. في عام 2013م، أثبت أول نظام اعتراضي للصواريخ الميدانية الأوروبية نجاحه في العمل جنبًا إلى جنب مع نظام القيادة والتحكم المؤقت للدفاع الصاروخي الباليستي Ballistic Missile Defence (BMD) التابع لحلف شمال الأطلسي (الناتو) . وتستضيف الدول المشاركة في حلف شمال الأطلسي مكونات مختلفة من أنظمة القيادة والتحكم في الدفاع الصاروخي للناتو. وتأتي مساهمة الولايات المتحدة في نظام الدفاع الصاروخي المضاد للقذائف التسيارية / البلستية التابع لحلف شمال الأطلسي من خلال نهجها الأوروبي التكيفي المرحلي The European Phased Adaptive Approach (EPAA) تستضيف تركيا رادار BMD الأمريكي في كوريجيك. وتستضيف رومانيا موقع Aegis Ashore التابع للولايات المتحدة في قاعدة Deveselu الجوية. وألمانيا تستضيف مركز القيادة في قاعدة رامشتاين الجوية. بالإضافة إلى EPAA، تمتلك إسبانيا أربع سفن Aegis متعددة المهام قادرة على BMD في مهمة دعم نظام المظلة في قاعدة روتا البحرية. وفيما يتعلق بجميع هذه المكونات الدفاعية التي تشكل نظام دفاعي موحد "مظلة جماعية"، فإنها في الواقع كلها تم استضافتها طوعًا من قبل الدول التي شعرت بالحاجة الملحة لنظام دفاع جماعي. خارج هذا الإطار هناك تكوين إضافي لحماية القوات والأصول القادرة على الدفاع الصاروخي الباليستي تمتلكه كل دولة بشكل منفرد ، أي هناك تركيبة إضافية لحماية القوات والأصول القادرة على الدفاع الصاروخي الباليستي، يمكن الاستعانة بها في حالة الحاجة إلى الدعم.

مما لا شك فيه أن نجاح دول العالم الغربي، وخاصة الدول الأعضاء في حلف شمال الاطلسي (الناتو) في تجميع القدرات العسكرية والأمنية لهذه الدول من أجل تأسيس "مظلة أمنية دفاعية" تضمن الحماية لجميع أطراف المنظومة الدفاعية هو درس يجب أن يؤخذ بنظر الاعتبار في الحسابات المستقبلية لدول الخليج العربية. فالإمكانيات الدفاعية المتوفرة في منطقة الخليج العربي لا يمكن الاستهانة بها، لكون مكوناتها الرئيسية تمثل سلسة من الأنظمة الدفاعية الحديثة وذات الصفات التكنولوجية المتقدمة، ولكنها لازالت إمكانيات فردية ومشتتة. نجاح حلف شمال الأطلسي في تأسيس مظلة جماعية للدفاع النووي، ومظلة جماعية للدفاع الجوي والصاروخي، هو تجربة ذات قيمة استراتيجية كبيرة يمكن الاستدلال بها في منطقة الخليج العربي.

ما يمكن انجازه في منطقة الخليج العربي هو تأسيس "مظلة حماية جوية جماعية" تقوم على أساس استغلال إمكانيات الدفاع الجوي الذاتية المتوفرة في دول الخليج العربية، وهي إمكانيات متقدمة وذات قدرات تكنولوجية عالية، من أجل تأسيس نظام دفاعي إقليمي موحد "مظلة دفاع جوي إقليمي" ، يوحد وينسق إمكانيات الدفاع الجوي الوطني المتوفرة في دول الخليج العربية حاليًا، ويعمل على توحيدها في نظام دفاع إقليمي مترابط يقوم على أساس أن منطقة الخليج العربي هو "منطقة دفاع جوي موحد" توفر مظلة الحماية الفعالة لجميع الدول المشاركة ، وتقوم بتعويض النواقص وإغلاق الفجوات.

ولا يوجد عائق بتوفير دعم الدول الحليفة المتواجدة عسكريًا في المنطقة، ومشاركتها في توفير الدعم لمشروع "منطقة الدفاع الجوي الخليجي الموحد"، لكون إنشاء نظام دفاع إقليمي موحد قد يتطلب خبرات قد لا تكون متوفرة راهنا لدى الدول الإقليمية، ويتطلب اللجوء إلى الدول التي قادت وأسست مشاريع مشابهة أو مقاربة في مفهومها العام، وأبرزها مشروع الدفاع الغربي / الأوروبي / حلف الناتو. وكذلك مشاريع توفير الحماية الثنائية بين الولايات المتحدة وعدد من دول جنوب آسيا، وأبرزها اليابان وكوريا الشمالية. 

مقالات لنفس الكاتب