array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 180

وثيقة الشراكة الأوروبية ـ الخليجية تربط أمن الخليج بتعاون واسع النطاق

الثلاثاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2022

 حمل عام 2022م، الكثير من التطورات الإيجابية على صعيد العلاقات الخليجية-الأوروبية. البداية جاءت في يناير الماضي، مع قيام الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي الدكتور نايف الحجرف بزيارة رسمية إلى مدينة بروكسل، التقى خلالها مع الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسات الأمنية للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، وعدد من أعضاء المفوضية الأوروبية، من أجل استكشاف قطاع واسع من المجالات والقضايا، التي من شأنها المساهمة في تعزيز العلاقات بين الجانبين. أعقب ذلك انعقاد الاجتماع الوزاري الـ 26 بين دول الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي في 23 من فبراير الماضي ببروكسل، والذي يعد الأول من نوعه منذ ستة أعوام. وشدد البيان الصادر عن الاجتماع على أهمية مواصلة مسيرة تدعيم العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول الخليج، في ضوء التحديات الإقليمية الراهنة، كما أكد على أهمية تطوير العلاقات الثنائية على صعيد مجالات عدة تشمل؛ التجارة، والاستثمار، والطاقة، والتغير المناخي، إلى جانب التعليم، والأمن الإقليمي من بين مجالات أخرى. فيما أيد الوزراء المجتمعون فكرة إنشاء برنامج تعاون مشترك يضع خطوات محددة كي يتم اتباعها وتنفيذها بحلول عام 2027م، وذلك بخلاف الاجتماعات المشتركة السابقة، التي وإن كانت تفرز بيانات عريضة تسلط الضوء على المجالات المشتركة، لكن قلما ما كانت تنطوي على مقترحات ملموسة كي يتم تنفيذها.

 ظلت العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي خلال الفترات الفاصلة بين الاجتماعات السنوية المشتركة على وضع أشبه بخاصية “الطيار الآلي"، أي دون حدوث تغيير يذكر، حيث ظلت مفاوضات التجارة الحرة بين الجانبين متوقفة منذ عام 2008م، ولم يتم تمديد سريان "برنامج العمل المشترك" الذي استمر خلال الفترة من عام 2010م، إلى 2013م، في حين بدأ الاتحاد الأوروبي يلجأ إلى إجراء اتفاقيات تعاون ثنائية مع الدول الأعضاء بمجلس التعاون الخليجي، في أعقاب اندلاع الأزمة الخليجية عام 2017م، ما جعل العلاقات تسير على مسارات متوازية. على النقيض، أثبت عام 2022م، ما هو عكس ذلك حاملاً معه تطورات مغايرة للاتجاهات السائدة خلال الأعوام القليلة الماضية، تمثلت أولى هذه التطورات المهمة في انعقاد الاجتماع الوزاري الخليجي-الأوروبي المشترك بعد غياب دام 6 أعوام، أعقبه صدور الوثيقة الأوروبية المشتركة في 18 مايو الماضي، تحت عنوان “شراكة استراتيجية مع الخليج"، في تطور يعد بالغ الأهمية. حيث تعد الوثيقة الصادرة عن المفوضية الأوروبية، التعريف الأكثر شمولاً للمجالات التي يحرص الاتحاد الأوروبي خلالها على توسيع نطاق التعاون مع الدول الخليجية، كما تعكس الوثيقة المصالح الرئيسية للاتحاد الأوروبي، وتقدم مقترحات دقيقة نوعًا ما حول شكل التعاون بين الجانبين.

تتميز أيضًا وثيقة الشراكة الاستراتيجية بالوضوح، متضمنة إقرارًا أوروبيًا صريحًا بأن أمن واستقرار منطقة الخليج لهما عواقب مباشرة على دول الاتحاد الأوروبي، مؤكدة في الوقت ذاته حجم النفع الذي سيعود على الكتلة الأوروبية من وراء شراكة استراتيجية أكثر قوة وصلابة مع دول الخليج". وقد حظيت الوثيقة بمصادقة رسمية من قبل المجلس الأوروبي في شهر يونيو الماضي، لتصبح مكونًا أصيلاً في سياسات الاتحاد الأوروبي، ويحظى بدعم حكومات الـ 27 دولة عضوًا بالاتحاد. وبرغم من تأثير حرب روسيا وأوكرانيا في تعطيل عملية المصادقة على الوثيقة لبضعة أسابيع قليلة، إلا أنه يجب التأكيد على أن الوثيقة لا تعد وليدة التحديات الناجمة عن الغزو الروسي لأوكرانيا، الذي سرعان ما تصدر أجندة الاتحاد الأوروبي، ولا هي ببساطة رد فعل على المخاوف الأوروبية الطارئة حول أمن إمدادات الطاقة. على العكس من ذلك، تعتبر الوثيقة نتاج وعي وإدراك متزايد لدى دول الاتحاد بأن اتباع نهج أكثر عمقًا وتنسيق أكبر مع دول الخليج في الواقع أمر بالغ الأهمية. وهو ما انعكس من خلال المقترحات الواردة في الوثيقة، التي تمت صياغتها أثناء جلسات من المناقشات والمداولات، دامت على مدار العامين الماضيين، أي قبل التحرك الروسي العسكري ضد أوكرانيا، وهو أمر ذو دلالة ويؤكد أنه لم يكن هناك دور للعدوان الروسي سوى جعل إصدار الوثيقة ضرورة ملحة.

من جانبها، استجابت دول مجلس التعاون الخليجي للوثيقة الأوروبية بشكل إيجابي، حيث أبدى الأمين العام للمجلس معالي الدكتور نايف الحجرف ترحيبًا باتخاذ مثل هذه الخطوة، مؤكدًا "حرص دول الخليج على شراكة استراتيجية مع الجانب الأوروبي والعمل على تدعيمها". كذلك أعرب معاليه عن آماله في أن يتم ترجمة بنود الوثيقة بشكل عملي، وتوسيع نطاق العلاقات لتشمل آفاق أكثر اتساعًا بوصفها السبيل لتوفير قدر أكبر من الأمن والاستقرار للمنطقة. يشمل ذلك، اغتنام الفرص الاقتصادية، والتجارية، والتعاون في مجال الاستثمار، والدفع بمسارات مفاوضات التجارة الحرة، وتدعيم آليات التنسيق والشراكة في مواجهة التحديات التي تهدد الأمن والاستقرار العالميين. كما صدرت تصريحات دعم مماثلة من عواصم خليجية، حيث شدد وزير الخارجية العُماني سيد بدر البوسعيدي على ضرورة توثيق العمل المشترك للحفاظ على الاستقرار في منطقة الخليج والشرق الأوسط بشكل عام، والتعاون لمواجهة المخاطر المحدقة بالأمن العالمي وأمن الطاقة، والتغير المناخي، والتحول الأخضر، والرقمنة، والتجارة والاستثمار. مضيفًا: “يجب علينا أيضًا تدعيم التواصل بين الطلاب والباحثين والشركات والمواطنين". 

اختلاف نوعي جديد

ينطوي التحرك الأوروبي من أجل وضع خطوط عريضة لشراكة جديدة مع دول مجلس التعاون الخليجي والمنطقة الخليجية ككل، على دلالات مهمة من زوايا عدة:

أولاً، توفير إطار عمل واسع من أجل تطوير السياسات الأوروبية داخل المنطقة بالتوازي مع دورها في المجالات التقليدية مثل: إعلاء التبادل التجاري، والاستثمار، والأمن الطاقي. كما تسلط الوثيقة الضوء على قضايا مهمة مثل: الصحة العالمية، والتحول الأخضر، والتنمية، والاحتياجات الإنسانية، والمساهمة في خفض تصعيد التوترات داخل المنطقة. وتتمثل الخطوة الأهم في فكرة تعيين مبعوث أوروبي خاص إلى الخليج بحلول نهاية العام الجاري، حيث يتمتع بتفويض واسع من أجل تنسيق السياسات الأوروبية، وضمان الحفاظ على قنوات اتصال فعالة بين المؤسسات الأوروبية التي تشمل؛ المجلس الأوروبي، والمفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي. ومن ثم تتيح المجالات الواردة في الوثيقة مجتمعة، القدرة على توسيع وتعميق التعاون بين الجانبين.

ثانيًا، تضمن الوثيقة خطوتين سيكون لهما تأثير مباشر بشكل خاص على العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي. يتمثل أولى هذه الخطوات، في زيادة مكاتب بعثة الاتحاد الأوروبي داخل دول مجلس التعاون الخليجي، لتشمل إنشاء مقر لها داخل دولة قطر وسلطنة عمان إلى جانب تلك القائمة داخل المملكة العربية السعودية، والإمارات، والكويت. وما يفوق ذلك أهمية هو الاقتراح المُتصور بشأن تمديد سريان قرار دخول مواطني دول قطر والكويت بدون تأشيرة إلى دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك الإصدار بشكل منتظم لتأشيرات متعددة الدخول وتتمتع بصلاحية طويلة الأمد للمواطنين القادمين من دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى. فإن اتخاذ خطوة كهذه كفيل بأن يزيل الحساسيات في العلاقات لاسيما وأن مواطني الاتحاد الأوروبي يتمتعون منذ فترة طويلة بإمكانية السفر بدون تأشيرة إلى دول مجلس التعاون الخليجي. ويجدر الإشارة إلى أن دولة الإمارات، تعد أول دولة عربية تحظى بالإعفاء بعد توقيعها اتفاقية ثنائية مع بروكسل خلال عام 2015م، تخول مواطنيها إمكانية الدخول إلى دول منطقة "شنغن" بدون تأشيرة.

ثالثا، تعد وثيقة "الشراكة الاستراتيجية" بين الجانبين دقيقة نوعا ما في تأكيدها على الدور النشط الذي تضطلع به دول مجلس التعاون على صعيد جوارها الجغرافي الأوسع، وبروز دورها كأطراف لاعبة ناشئة على الساحة العالمية في التعامل مع قضية مكافحة تغير المناخ، فضلاً عن دورها الجوهري حين يتعلق الأمر بتقديم مساعدات إنسانية وإنمائية. ورغم أن الوثيقة تتحدث عن علاقات متعددة المستويات بشكل عام بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، إلا أنها لم تغفل أيضًا أهمية اتباع نهج ذي شقين بحيث يشمل إجراء شراكات ثنائية تكميلية بين دول الكيانين. حتى أنها اقترحت مشاركة دول أخرى فاعلة في المنطقة مثل؛ العراق وإيران، وذلك ضمن إطار مجالات وسياسات محددة. وبالتالي، فإن الاعتراف بأهمية الدور الخليجي، يجعل الاتحاد الأوروبي أقرب إلى تبني سياسات أكثر شمولية حيال دول الخليج.

على الرغم من أن الدول الأوروبية تدرك جيدًا أن النجاح في إعادة إحياء الاتفاق بشأن برنامج إيران النووي، فيما يعرف باسم "خطة العمل المشتركة" يعد بمثابة "منصة لإطلاق مزيد من الجهود الرامية إلى الحد من التوترات وبناء الثقة في المنطقة"، إلا إنه لم يعد يُنظر إلى الاتفاق المحتمل على أنه هدف في حد ذاته، لكنه بمثابة خطوة أولى ضمن سلسلة ترتيبات أمنية إقليمية أكثر شمولا. وهو الأمر الذي جادل به أيضًا أعضاء مجلس التعاون الخليجي. وحتى هذه اللحظة يظل غير واضح إذا ما ستنجح المفاوضات في إعادة إحياء الاتفاق النووي أم لا. فمن جانبها أكدت مجموعة الدول الأوروبية الثلاث –فرنسا، والمملكة المتحدة، وألمانيا -التي تعد جزءًا من فريق التفاوض-أنه حتى يتم ذلك لا تزال هناك قضايا محورية مثل برنامج الصواريخ الإيراني، والدعم الإيراني لقوات تعمل بالوكالة في مختلف أنحاء المنطقة، محل نقاش عاجل مع طهران.

ومن ثم فإن وثيقة الشراكة الأوروبية تحقق توازنًا جيدًا بين إدراك علاقة الربط بين أمن منطقة الخليج من جهة، والقدرة العامة على تدشين إجراءات تعاون واسعة النطاق على الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية من جهة أخرى. يشمل ذلك، على سبيل المثال، تحسين سبل التنسيق بين الجانبين حول شؤون الأمن البحري، وتعزيز الحوار المتعلق بالأمن السيبراني، ذلك إلى جانب الجهود المُكرسة من قبل الجانبين لمواصلة الحوار الأمني والسياسي. كذلك تضمن الوثيقة مقترحات خاصة بالتعاون في قضية التحول الأخضر، وتنسيق المساعدات الإنسانية، والمشروعات الإنمائية لاسيما حينما يتعلق بدول القارة الإفريقية. فضلا عن إمكانية استئناف المفاوضات لإنشاء منطقة تجارة حرة، والعزم على توحيد الجهود في مجالي البحث العلمي والابتكار، ورفع المهارات الرقمية" للأفراد، وتعزيز الروابط عبر الإقليمية في مجال التعليم، والتدريب الصوتي وغيرها من سبل تنمية المهارات.

الحل هو التطبيق

توحي المعطيات السابق ذكرها ببداية فصل جديد في العلاقات الخليجية-الأوروبية، مع ذلك، فإن بعض الحذر سيكون مطلوبً كما يُشير التاريخ. فهناك بالطبع رؤية مسبقة للأمور، نظرًا إلى أن هذه الوثيقة لا تعد الأولى بل سبقها الكثير من التصريحات والمبادرات في الماضي، مع عدم تحقق العديد من الأفكار مما انطوت عليه هذه المبادرات، أو أن بعضها لم يرتق لتوقعات الجانب الآخر. ويعتبر فشل الجانبين في إتمام مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة "خير مثال" على ذلك. بالإضافة إلى تعليق برنامج "العمل المشترك" الذي ظل ساريًا خلال الفترة ما بين عام 2010 إلى 2013م، جراء الإخفاق في إنجاز أية نتائج ملموسة. من ثم، من الأهمية بمكان التعجيل بمتابعة العديد من الأفكار المقترحة عبر وضع استراتيجيات تنفيذ قوية تفرز نتائج في أسرع وقت ممكن. خلاصة القول، هي أنه كلما طال أمد الانتظار، كلما تضاعفت فرص تسلل خيبة الأمل من جديد إلى العلاقات بين الجانبين، بما يؤدي في نهاية الأمر إلى وضع يشعر خلاله الطرفان بالفشل في العمل والحفاظ على الزخم القائم حاليًا.

وبالتالي فإن السبيل إلى تفادي تكرار مثل هذا السيناريو، يستلزم التركيز على مخاطبة أربع أولويات ملحة؛ أولا، مضاعفة الجهود المبذولة لإعادة تنشيط العلاقات متعددة الأطراف بين دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي. وأن يتم ذلك بموازاة تدعيم آليات التعاون الثنائي السائدة، والتي أصبحت القاعدة العامة خلال الأعوام الأخيرة. ثمة فرصة أيضًا لإعادة إحياء المفاوضات بشأن اتفاقية التجارة الحرة المحتملة بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي، في خضم برامج التعافي الاقتصادي، التي يتبناها الجانبان لمجابهة التداعيات الاقتصادية السلبية الناجمة عن أزمة تفشي جائحة فيروس كورونا، والتحديات الاقتصادية العالمية بشكل عام. من الممكن أيضًا أن تستفيد الدول الخليجية التي تواصل سعيها من أجل تنويع مصادرها الاقتصادية من اتفاقية التجارة الحرة التي ستفتح الأسواق الأوروبية أمام المنتجات والخدمات الخليجية. هناك حاجة أيضًا إلى إنشاء رابط واضح بين الاتفاق الأخضر الأوروبي، والمبادرات الخليجية المماثلة مثل مبادرة الشرق الأوسط الأخضر التي تتبناها المملكة العربية السعودية.

ثانيًا، ينبغي على الجانبين مناقشة المجالات التي يتسنى خلالها للجانب الأوروبي أن يمارس دورًا أكثر تنسيقًا وتماسكًا خاصة، حينما يتعلق الأمر بقضايا الأمن الإقليمي وذلك في ضوء ما يمتلكه من مجموعة واسعة من الأدوات، من حيث إدارة النزاعات وآليات تسويتها، والتي من شأنها أن تساعد في الحفاظ على بيئة خفض التصعيد داخل منطقة الخليج. وفي سبيل إدراك ذلك المسعى، يتعين على دول التكتل الأوروبي إطلاق جهود مشتركة تحت مظلة الاتحاد ككل، إلى جانب استهداف إجراء مبادرات فردية لكل دولة عضو بالاتحاد. ومن الممكن أن تصبح المشاركة الأوروبية في قضايا الأمن الإقليمي -سواء ضمن إطار المجموعة الثلاثية "إي 3 " أو الرباعية "إي 4 " على سبيل المثال-إطارًا أفضل بحيث يتم من خلاله عقد المناقشات والتبادل بين الجانبين. ثمة حاجة أيضًا إلى أن يعمل الاتحاد الأوروبي على تعزيز وتعميق دوره على صعيد الأمن البحري لاسيما فيما يتعلق ب “بعثة التوعية البحرية الأوروبية في مضيق هرمز"، وتشجيع مزيد من الدول الأوروبية للمشاركة في البعثة، حيث تعتبر مهمة الحفاظ على حرية الملاحة البحرية داخل المياه الخليجية أمر بالغ الأهمية.

في سياق متصل، يجب أن يدعم الاتحاد الأوروبي مبادرات مثل إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل داخل الخليج، لتصبح اللبنة الأولى صوب شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل. وهو الأمر الذي تؤيده دول مجلس التعاون الخليجي، وقد حان الوقت كي يحظى بدعم ومساندة أوروبية. ومن الممكن أن يصبح محور تركيز الجهود الرامية لمنع انتشار الأسلحة في ظل احتمالات فشل جهود خطة العمل المشتركة. أخيرًا، يتعين على الجانب الأوروبي ونظيره الخليجي، التركيز على وضع استراتيجيات تعيد الاستقرار إلى مناطق النزاع الحالية بالمنطقة بما يشمل ذلك؛ العراق، ولبنان، وليبيا، وسوريا، والسودان. وأن يعمد الجانبان إلى تدشين مجموعة عمل تنسيقية حول العراق، في ظل تقهقر الدور الأمريكي، ونظرًا لأهمية استقرار العراق لمنطقة الشرق الأوسط بشكل عام.

ثالثًا، تحديد شكل التعاون الهيكلي بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي حول عدد من القضايا كما هو وارد في وثيقة الشراكة الاستراتيجية. بما يشمل ذلك تشكيل مجموعات أو فرق عمل مشتركة حول قضايا أساسية متمثلة في: تغير المناخ، والتنمية المستدامة، والمرونة الصحية، والمساعدة الإنسانية. على أن ينوط بهذه المجموعات فحص شكل العلاقات الحالية، وتحديد التحديات المستقبلية، وتقديم توصيات سياسية ملموسة، إلى جانب تطوير خطط عمل محددة تثمر عن تعاون أكبر وأعمق في المجالات المذكورة. مع التركيز بشكل خاص على تعزيز التعاون التقني في مجال تغير المناخ بما في ذلك؛ إدارة المياه، والتصحر، والعواصف الترابية، والتنقل الأخضر، والحفاظ على التنوع البيولوجي.

رابعًا، التركيز على تفعيل التبادل في مجال التعليم، وبرامج تنقل الشباب. فثمة حاجة مستمرة لسد فجوة المعرفة الحالية بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي من خلال تعزيز التفاعل بين الأفراد والشعوب. يشمل ذلك توسيع برنامج"إيراسموس بلس" من أجل إتاحة نفاذ أكبر لطلاب دول مجلس التعاون الخليجي، وتكثيف التعاون بين الجامعات، وبدء مجموعة متنوعة من برامج التبادل، من خلال ربط الشركات الناشئة، على سبيل المثال، وتحسين برامج تنمية القدرات. يجب أن يتم أيضًا وضع أجندة مخصصة لإنشاء برامج ومراكز أكاديمية للدراسات الأوروبية داخل الجامعات الخليجية، بالإضافة إلى توسيع برامج دراسات الشرق الأوسط لتشمل التركيز على الدراسات الخليجية في مختلف الجامعات الأوروبية. وبشكل عام، ينبغي أن تنطوي العلاقات بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي على السياسات العليا والدارجة معًا، وأن تمتد عبر كافة قطاعات المجتمع. فإن التركيز هنا ينصب على تمكين المؤسسات على المستويين-الحكومي وغير الحكومي-لإثراء محتوى العلاقات بين الجانبين، حيث من غير الممكن أن يتم تنفيذ مثل هذه الأجندة الطموحة من قبل الحكومات وحدها، ولكن يتطلب الأمر جهودًا متضافرة من قبل كافة قطاعات المجتمع.

ومن جانبها، ينبغي على دول مجلس التعاون الخليجي اتخاذ خطوة استباقية من خلال تحديد شروطها ورؤيتها لكيفية المضي قدمًا في تنفيذ المقترحات المتضمنة في الوثيقة. وبرغم أهمية التصريحات الصادرة عن الأمين العام لمجلس التعاون وغيره من المسؤولين بالمجلس، إلا أن الأمر يتطلب استجابة أكثر تحديدًا وموضوعية مع تضمين أفكار واضحة بشأن ترتيب الأولويات الموضوعة على أجندة الجانب الخليجي. وهو ما يعد أمرًا حتميًا في سبيل تنفيذ شراكة حقيقة متوازنة لاسيما وأن معظم محتوى المبادرة يبدو حتى الآن مستوحى من قبل الجانب الأوروبي.

في ضوء ذلك، لابد أن يلعب التقارب الخليجي-الأوروبي دورًا محوريًا في ضمان أمن ورفاهية المنطقتين. خاصة وأن البيئة الأمنية بمفهومها الشامل تشهد تغيرات دائمة في ظل تحول المعطيات الصحية، والبيئية، والمناخية، وحماية البنية التحتية الرقمية والتنوع الاقتصادي، كذلك أصبح التعليم جزءًا مما بات يصطلح عليه ب “الأمن الإنساني". وبناء عليه، يصبح الاتحاد الأوروبي شريكًا وحليفًا طبيعيًا لمنطقة الخليج، بحيث يتيح لها مجموعة متنوعة من الآليات للمشاركة خارج الأنماط والمحاور التقليدية لمفهوم الأمن.

وسواء ستشهد العلاقات الخليجية-الأوروبية حقًا بداية حقبة جديدة أم لا يظل أمراً غير محسوم، لكن من المؤكد أن حجم الزخم الذي تشهده العلاقات بين الجانبين حاليًا والتركيز على محاور عمل محددة يوحي بحدوث تقارب والتقاء في المصالح على نحو قد يمنحها فرصة حقيقة.

مقالات لنفس الكاتب