; logged out
الرئيسية / مساعدة دول الخليج للدول الإفريقية الفقيرة لتحقيق التنمية يحولها إلى شركاء

العدد 180

مساعدة دول الخليج للدول الإفريقية الفقيرة لتحقيق التنمية يحولها إلى شركاء

الثلاثاء، 29 تشرين2/نوفمبر 2022

اعتبرت البلدان الإفريقية في العقود الأخيرة التكتل الإقليمي أداة أساسية لتحقيق التقدم الاقتصادي، مما دفع بلدان القارة إلى اتخاذ مبادرات مختلفة لتحقيق ذلك. فمعاهدة أبوجا (المبرمة في عام 1991م) التي أنُشئ بموجبها الاتحاد الاقتصادي الإفريقي ألزمت القارة بانتهاج نهج التكتل الاقتصادي.

وإن حققت بعض مبادرات التعاون الاقتصادي الإقليمي المتنوعة، بعض التقدم حتى وإن كان بطيئاً، لاتزال العديد من التحديات الرئيسية تواجه قارة إفريقيا لتحقيق تكتل اقتصادي قوي، على رأسها عدم توفر الإرادة السياسية لدى بعض الحكومات لتطبيق الإصلاحات الضرورية في بلدانها، بما يشمل إدخال التعديلات اللازمة على قوانينها ولوائحها وعمل مؤسساتها. وتوجد تحديات تتعلق بالاستعداد الاقتصادي، نظراً إلى أن البلدان الأعضاء في الاتحادات الاقتصادية ليست دائماً متقاربة اقتصادياً بقدر ما هي متقاربة جغرافياً.

واعترافاً بتحديات العولمة، ما انفك الزعماء الإفريقيون يعربون عن رغبتهم في توطيد التكتل الإقليمي، بطرق منها إنشاء سوق مشتركة للسلع والخدمات ورأس المال والعمالة، وتنسيق القواعد. ولقد حدثت تطورات إيجابية في هذا الاتجاه. وتُتَّخَذ، في الوقت نفسه، مبادرات تعاون فعلية عديدة لتيسير التجارة بوضع خطط للتعاون الإقليمي ودون الإقليمي في مجال خدمات البنية التحتية الرئيسية، كالنقل والسياحة والطاقة والاتصالات، بالإضافة إلى مبادرات لتحسين تيسير الاستثمار وتنقل الأشخاص داخل الاتحاد.

في هذا السياق، تعد منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية إنجازًا بارزًا في سياق تاريخ القارة الطويل والغني بالنسبة لتشجيع التكتل الإقليمي توخياً لتوحيد القارة. حيث يتوقع أن يؤدي إنشاء منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية إلى نشوء سوق قارية موحدة تضم أكثر من1.3مليارنسمة، وناتج إجمالي يقدَّر بـ 2.2 تريليون دولار. ومن شأن مرحلة الانتقال إلى منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية أن تولِّد مكاسب رفاٍه تبلغ قيمتها16.1 مليار دولار وأن تعطي دفعة قوية للتجارة بين البلدان الإفريقية بمعدل 33%.

كما تعتبر البلدان الإفريقية أيضاً طرفاً في عدد من الشراكات الخارجية التي حاولت القارة التعامل معها جماعياً، ومن بين هذه الشراكات الخارجية: الشراكة بين مجموعة دول إفريقيا والبحر الكاريبي والمحيط الهادئ والاتحاد الأوروبي، وهي شراكة أقيمت عن طريق إبرام اتفاقات شراكة؛ ومبادرات مع الدول العربية وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي وتحاول البلدان الإفريقية إدخال تلك المبادرات في سياق القارة ضمن الاتحاد الإفريقي من أجل تحقيق قدر أكبر من التآزر وضمان التوصل إلى نتائج تعود بالمنفعة على جميع البلدان الشريكة.

 

خبرات الدول الإفريقية في مجال التكتلات الاقتصادية الإقليمية:

تتعدد التجارب الإفريقية في التكتل الإقليمي على نحو يصعب معه إيجاد دولة إفريقية خارج أحد هذه التكتلات بسبب انتماء الكثير من هذه الدول إلى أكثر من تكتل. حيث تنضم جميع الدول الإفريقية حاليًا إلى تكتل إقليمي واحد على الأقل في مشهد يتميز بتعدد مسارات التحرير التجاري سواء في إطار ثنائي أو إقليمي والالتزامات التي تنطوي عليها فيما بينها، ويبلغ متوسط عدد التكتلات لكل دولة إفريقية 4 ويبلغ العدد الأقصى لها 9 تكتلات (جدول 1).

الجدول رقم (1): التكتلات الإقليمية في العالم حسب الأقاليم المختلفة

 

 

 

الموضوع

 

شرق آسيا و الباسيفيك

 

أوروبا و وسط آسيا

 

أمريكا اللاتينية و الكاريبي

الدول العربية

 

 

جنوب آسيا

 

إفريقيا

 

 

الدول المتقدمة

 

 

الإجمالي

دول تنتمي لتكتل واحد على الأقل

 

26

 

26

 

35

 

20

 

8

 

54

 

11

 

180

متوسط عدد التكتلات لكل دولة

 

2

 

6

 

8

 

5

 

4

 

4

 

11

 

5

الحد الأقصى لعدد التكتلات لكل دولة

 

 

7

 

 

12

 

 

19

 

 

13

 

 

9

 

 

9

 

 

29

 

 

29

 

وشهدت القارة الإفريقية اتجاهًا متزايدًا نحو إنشاء تكتلات إقليمية أو تفعيل القائم منها، لمواجهة التحديات الجديدة الناشئة، وكذلك التداعيات السلبية للعولمة اقتصاديًّا واجتماعيًّا وسياسيًّا. كما تم تطوير منظمة الوحدة الإفريقية لتصبح أكثر فعالية من خلال الاتحاد الإفريقي الذي تم إقراره في قمة "لومي" سنة 2000م. كما استهدف الاتحاد تسريع عملية دمج وترشيد التكتلات الإقليمية القائمة في عدد أقل، والتي باتت تخلق أعباء على العمل الإفريقي المشترك، وتؤثر سلبًا على مستقبل عملية التكتل بين دول القارة. واتفق المجتمعون في قمة واجادوجو (مارس 2006م) علي اعتماد عدد من التكتلات الإفريقية الإقليمية، تحددت في ثمانية تكتلات رئيسية هى: الكوميسا COMESA، السادك SADC، الإيكواس ECOWAS، تكتل دول الساحل والصحراء CEN SAD، الإيكاس ECCAS، الإيجاد IGAD، اتحاد المغرب العربي UMA. تكتل شرق إفريقيا ( EAC) .

وتفاوتت التكتلات الإقليمية فيما حققته من خطوات نحو تحقيق التكتل الإقليمي، حيث حقق بعضها تقدمًا ملحوظًا في هذا الصدد، في حين مازال البعض الآخر يواجه صعوبات مختلفة.  فلقد حدث تقدم محدود في ثلاثة من التكتلات الثمانية فيما تتعلق بإقامة مناطق للتجارة الحرة واتحادات جمركية هي اتحاد المغرب العربي (UMA)، وتكتل دول الساحل والصحراء -وتكتل الايجاد. بينما حققت كل من الكوميسا و(EAC) والايكواس تقدمًا ملحوظًا في هذا الصدد. ولكن لا يزال أمامها الكثير لتحقيق أهداف معاهدة أبوجا.

ويمكن القول بأن جماعة شرق إفريقيا (EAC) هي الأكثر تقدماً في تنفيذ معاهدة أبوجا، حيث أطلقت سوقها المشتركة في عام 2010م. وأطلقت الكوميسا اتحادها الجمركي في جوان من عام 2009م، وأحرزت الجماعة الإنمائية لجنوب إفريقيا (الصادك)، والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (ايكواس) تقدمًا ملحوظًا في بناء مناطق التجارة الحرة لديهما. وأطلقت الجماعة الاقتصادية لدول وسط إفريقيا (الايكاس) منطقة التجارة الحرة الخاصة بها في عام 2004م، إلا أنها تواجه تحديات ملموسة على صعيد التنفيذ الفعلي.

وتتسم مسيرة كل من اتحاد المغرب العربي (UMA) والجماعة الاقتصادية لدول تكتل الساحل والصحراء (SAD-CEN)، والهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (IGAD) بالبطء، فجميع هذه الهيئات لم تتجاوز بعد طور التعاون بين الدول الأعضاء.

وتواجه الجماعات الإقليمية بجانب مشكلات تنفيذ مناطق التجارة الحرة المتفق عليها، مشكلة تداخل العضوية وتعددها في التكتلات الإقليمية المختلفة، حيث أن هذا التداخل يعوق المكاسب التي يحتمل جنيها من التكتل الإقليمي. ومن المبادرات الهامة في هذا السياق، المبادرة الثلاثية التي ضمت السوق المشتركة لشرق و جنوب إفريقيا ( الكوميسا) ، وجماعة شرق إفريقيا (EAC)، والجماعة الإنمائية للجنوب الإفريقي (SADC) ،وشاركت فيها 26 دولة إفريقية و التي هدفت إلى إنشاء منطقة للتجارة الحرة الموحدة للتكتلات الثلاثة.

 ورغم الآمال التي انعقدت على هذه التكتلات الإقليمية في تقوية اقتصاديات القارة الإفريقية ومركزها في ظل نظام عالمي تتمحور اقتصاداته حول التكتلات، فإن ما حققته معظم هذه التكتلات الإقليمية شهد تعثرًا، وعدم قدرة على تنفيذ المشروعات الاقتصادية والمالية التي تبنّتها هذه التكتلات، حتى البعض الآخر الذي شهد تقدمًا نسبيًّا لم يتناسب مع الأهداف التي وضعها.

وفي أحد أكثر جهود التكتل الإقليمي تقدما في إفريقيا، وقّعت في 21 مارس 2018م، في كيغالي (رواندا)، 44دولة عضواً في الاتحاد الإفريقي على الاتفاق المنشئ لمنطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية. وقد شكل هذا الأمر حدثاً تاريخيًا بارزاً بالنسبة لإفريقيا. وقد يُقال إنه سيغير قواعد اللعبة بالنسبة لاقتصاد القارة. فبالتوقيع على الاتفاق تكون البلدان الإفريقية قد عملت بروح معاهدة إنشاء الجماعة الاقتصادية الإفريقية التي وُقّع عليها في عام 1991م، في أبوجا (نيجريا)، وتكون قد نفّذت قراراً صادراً عن قمة الاتحاد الإفريقي المعقودة في عام2012م، حث على التعجيل بإنشاء منطقة تجارةٍ حرة قارية عام 2017م، وبإنشاء سوق إفريقية موحدة للسلع والخدمات لفائدة 1.3مليار نسمة، تكون منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية بمثابة وعد بتحقيق الحلم الوارد وصفُه في خطة الاتحاد الإفريقي لعام 2063م: إفريقيا التي نصبو إليها. وهي بذلك تبعث آمالاً عريضة في إنشاء فرص العمل اللائق والحد من الفقر وتحقيق الازدهار للقارة. وابتداءً من أبريل 2019م، صدّق 22 بلداً على الاتفاق وأودع 15 من بينهم صك التصديق. وهكذا تكون منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية قد دخلت حيز النفاذ في مايو 2019م.

و في مستهل عام 2021م، بدأت الدول الإفريقية رسميًا معاملاتها التجارية في إطار منطقة تجارة حرة جديدة تمتد على مستوى القارة بعد أشهر من الإرجاء بسبب جائحة فيروس كورونا العالمية. ويعتقد أن إطلاق منطقة التبادل في أول يوم من السنة الجديدة لم يخرج عن إطاره الرمزي لكون أن التنفيذ الكامل للاتفاق سيستغرق سنوات.

التكتل الاقتصادي في إفريقيا: النتائج المحققة على صعيد التبادل التجاري

تبنت الدول الإفريقية منذ المحاولات الأولى لتحقيق التكتل الإقليمي بينها التبادل التجاري كمدخل رئيسي لتحقيق ذلك. كما شكل تحرير التجارة أحد أهم بنود جدول أعمال الإصلاح في معظم الدول الإفريقية منذ منتصف ثمانينيات القرن الماضي، وأعطيت دفعة جديدة لتلك الجهود خلال تسعينيات القرن نفسه بعد أن تأثرت اقتصاديات إفريقيا بالتحولات التي طرأت على البيئة الاقتصادية الدولية خاصة بعد تأسيس منظمة التجارة العالمية سنة 1995م.

على الرغم من التاريخ المديد للتكامل الإقليمي في القارة، لا يزال مستوى التبادل التجاري فيما بين البلدان الإفريقية ضئيلاً مقارنة بمستواه فيما بين بلدان مناطق أخرى سواء كانت متقدمة أو نامية. وفي الفترة 2010 -2019م، كانت الصادرات داخل إفريقيا تمثل ما نسبته 8.7 % من إجمالي صادرات المنطقة، بينما شكلت الواردات داخل إفريقيا ما نسبته 9.6 % من إجمالي الواردات. وكانت هذه النسبة أعلى بكثير في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى (حوالي 12 %) منها في بلدان شمال إفريقيا (حوالي 3 %). ولكن حتى حجم التبادل التجاري الإقليمي ضمن منطقة إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يبقى أقل بكثير من حجم التبادل التجاري الإقليمي المسجل في مناطق أخرى.

الجدول رقم (2): التجارة بين الدول النامية مفصلة بحسب الوجهات لعام 2019

 

إفريقيا

الأمريكيتان

آسيا

إفريقيا

9.4

0.6

2.6

الأمريكيتان

0.6

15.8

3.3

آسيا

4.3

3.9

77.6

 

وعلى الرغم من أن حجم التبادل التجاري الإقليمي فيما بين البلدان الإفريقية لا يزال ضئيلاً نسبياً، فقد سجل زيادة كبيرة على مر السنين وإن كان قد انطلق من مستوى متدنٍ جداً. ولقد مر هذا الحجم بعدة مراحل مختلفة. فكان مستقراً في البداية وحتى أوائل السبعينات من القرن الماضي قبل أن يسجل تقلصاً شديداً في ذاك العقد ليصل إلى أدنى مستوياته في عام 1978م، حيث بلغ حجم الصادرات داخل إفريقيا ما نسبته 2.9 % فقط من إجمالي الصادرات الإفريقية ثم ازداد ببطء حتى منتصف الثمانينات ليسجل زيادة كبيرة في النصف الثاني من الثمانينيات والنصف الأول من التسعينات. وإذا قورنت الزيادة المسجلة في مستويات السنوات الثلاث الأولى من الستينات ومستويات الفترة 1995 -2015م، يلاحظ عموماً أن الزيادة المسجلة في التجارة البينية في إفريقيا تتجاوز تلك التي سجلت في جميع المناطق الأخرى، باستثناء منطقة آسيا النامية (الشكل 1). وفي إفريقيا نفسها، كانت حصة شمال إفريقيا من التجارة الإقليمية أقل دائماً من حصة بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. وسجلت بلدان إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بالمقابل، نمواً هائلاً في حجم صادراتها الإقليمية.

الشكل رقم (1): نمو الصادرات البينية والإجمالية حسب مناطق العالم (1995-2015)

وعلى الرغم من أن حجم التبادل التجاري الإجمالي فيما بين البلدان الإفريقية ضئيل مقارنة بمناطق أخرى، فإن التجارة داخل إفريقيا تتسم بالأهمية بالنسبة إلى بلدان إفريقية عديدة إن أخذت كل منها على حدة. وهناك بَلَدان يتسمان بأهمية خاصة في مجال التبادل التجاري فيما بين البلدان الإفريقية. فالسلع التي تصدرها جنوب إفريقيا وحدها إلى بلدان المنطقة تشكل حوالي ربع الصادرات الإجمالية بينما تصل السلع التي تصدرها نيجيريا إلى نصف تلك النسبة تقريباً. وتوجد في المنطقة أيضاً بلدان عديدة تعتمد على التبادل التجاري فيما بين البلدان الإفريقية اعتماداً أكبر بكثير. فهناك خمسة بلدان إفريقية تُصدّر أكثر من نصف صادراتها الإجمالية إلى بلدان إفريقية؛ بينما يصدر 14 بلداً آخر أكثر من ربع صادراته إلى بلدان إفريقية.

كما يتمحور التبادل التجاري في كل منطقة دون إقليمية حول بضعة بلدان ذات نفوذ. وهذا يدل على وجود "أقطاب تجارية" يمكن أن تصبح أقطاباً إنمائية إن اعتمدت الحكومات الإفريقية تدابير تكميلية فيما يتعلق بتطوير الهياكل الأساسية وبتنمية القدرات الإنتاجية. ففي منطقة الاتحاد الاقتصادي لدول غرب إفريقيا، على سبيل المثال، بلغ متوسط القيمة السنوية للسلع المصدرة داخل هذه المجموعة، في الفترة بين عامي 2010 و2019م، ما يعادل 5.4 مليار دولار، أي حوالي 9.4% من إجمالي صادرات الاتحاد الاقتصادي لدول غرب إفريقيا. والجهتان المصدرتان الرئيسيتان في هذه المجموعة هما كوت ديفوار ونيجيريا اللتان تتجاوز حصتهما سوياً 70% من إجمالي السلع المصدرة داخل هذه المجموعة.

ويختلف نمط التبادل التجاري فيما بين البلدان الإفريقية عن نمط التبادل التجاري مع باقي بلدان العالم. فبينما تشكل السلع المصنعة أغلبية السلع المصدرة داخل إفريقيا، فإن الصادرات من الإفريقية إلى باقي بلدان العالم تتألف من سلع أولية بصفة رئيسية. وبينما تتركز صادرات إفريقيا إلى باقي بلدان العالم على عدد قليل من المنتجات، فإن التبادل التجاري فيما بين البلدان الإفريقية هو أكثر تنوعاً بكثير. ففيما يتصل بالصادرات، يتوزع تكوين السلع المصدرة داخل إفريقيا، بشكل متوازن تقريباً، بين الوقود والسلع الأولية غير الوقود والسلع المصنعة، وتشكل الصادرات من السلع الأولية غير الوقود 30% من إجمالي الصادرات، يمثل 11% منها صادرات من الركازات والمعادن. وبالتالي، لا تشكل صادرات السلع الزراعية سوى 19% من إجمالي الصادرات داخل إفريقيا وذلك على الرغم من أن السلع الزراعية تشكل 30% تقريباً من إجمالي السلع المنتجة في إفريقيا. وهذا يتناقض مع قطاع الصناعة الذي تشكل منتجاته 21% من إجمالي الإنتاج بينما تشكل صادراته 40% من مجموع الصادرات. وبالمثل فإن تكوين الواردات من باقي أرجاء العالم هو أكثر تركزاً مقارنة بالسلع المستوردة في إطار التبادل التجاري فيما بين البلدان الإفريقية.

يدل تحليل أسباب ضآلة التبادل التجاري فيما بين البلدان الإفريقية، مقارنة بالإمكانيات المتوافرة -على تأثير تكاليف النقل الباهظة بسبب رداءة الهياكل الأساسية المادية وغير المادية. ويشير مصطلح "الهياكل الأساسية المادية" إلى الهياكل الأساسية المادية التي كثيراً ما يُفتقَر إليها أو تكون رديئة في العديد من البلدان الإفريقية. أما مصطلح "الهياكل الأساسية غير المادية" فيشير إلى مسائل كالبيئة التشريعية والتنظيمية، وشفافية التجارة وإدارة الأعمال التجارية وإمكانية التنبؤ بهما ونوعية بيئة الأعمال التجارية بصفة أعم. وينطبق ذلك، بخاصة، على البلدان غير الساحلية المقيَّدة برداءة هياكلها الأساسية بل وبرداءة الهياكل الأساسية في البلدان المجاورة. وتعوق الإجراءات الحدودية المتعددة المفتقرة إلى الكفاءة، وكذلك عدم الاستقرار السياسي وعدم إمكانية التنبؤ بالسياسيات التجارية وما يكتنف ذلك من عدم تيقن، التبادل التجاري فيما بين البلدان الإفريقية بزيادة تكاليف التجارة، وذلك على الرغم من التقدم الكبير المحقق في هذه المجالات في الماضي القريب.

وبالنظر إلى الاتجاهات الاجتماعية والاقتصادية على المدى الطويل، يتوقع أن تفسح منطقة التجارة الحرة القارية الإفريقية المجال أيضاً أمام الاستفادة من ديناميكية السوق الإفريقية المتسمة بوجود عدة اقتصاديات سريعة النمو وطبقةٍ متوسطة صاعدة وعدد متزايد من السكان أكثرهم من الشباب. وتدل التقديرات على أن إفريقيا قد تقترب من مضاعفة مخرجاتها الصناعية التحويلية التي سترتفع من 500 مليار دولار في عام 2016م، إلى 930 مليار دولار في عام 2025م. وقد يتأتى ثلاثة أرباع هذا من تلبية الطلب الداخلي الذي هو في معظمه على الأغذية والمشروبات وما شابه ذلك من سلع مصنَّعة.

شراكات إفريقيا الخارجية: العلاقات الإفريقية الخليجية كنموذج لتعزيز التكتل الاقتصادي بين الدول النامية

أدى الدور المتنامي لبلدان مجلس التعاون الخليجي كقوة اقتصادية كبرى في التجارة والتمويل والاستثمار والإدارة، على النطاق العالمي، مقترناً بنموها الاقتصادي السريع، إلى الاهتمام بالتعاون معها في إفريقيا وحفز النقاش بشأن آثاره على التنمية في إفريقيا. حيث كثّفت الحكومات الإفريقية في السنوات الأخيرة الجهود الرامية إلى اغتنام الفرص التي أتاحها تعاظم القوة والتأثير الاقتصاديين لدول مجلس التعاون الخليجي من خلال تعزيز التعاون فيما بين التكتلين. وتجدر الإشارة إلى أن التعاون فيما بين بلدان إفريقيا ودول الخليج ليس ظاهرة جديدة في المنطقة. فقد أقامت إفريقيا منذ أواخر الخمسينات من القرن العشرين علاقات مع الدول العربية ركزت في الغالب على القضايا السياسية. وفي الآونة الأخيرة، تحول تركيز علاقاتها من القضايا السياسية إلى القضايا الاقتصادية، وأخذ عدد متزايد من الدول في القارة يُبدي اهتماماً كبيراً بتوطيد العلاقات مع دول المجلس باعتبار ذلك آلية لتعزيز النمو والحد من الفقر والاندماج في الاقتصاد العالمي.

وتنطوي العلاقة المتنامية بين إفريقيا وشركائها من دول مجلس التعاون الخليجي على إمكانات هائلة لدعم تنمية القدرة الإنتاجية والمساهمة في تحقيق النمو المستدام والحد من الفقر في المنطقة. وتعول دول القارة كثيرًا على استقطاب الاستثمارات الخليجية، حيث سُجّلت زيادة في التدفقات الرسمية من البلدان الخليجية إلى إفريقيا. وعلى الرغم من أن قلة البيانات لا تسمح بإجراء تقدير شامل وموثوق به عن حجم التدفقات الرسمية من بلدان الخليجي العربية إلى إفريقيا، فإن التقديرات تشير إلى أن المعونة التي قدمتها هذه البلدان إلى المنطقة -استناداً إلى تعريف لجنة المساعدة الإنمائية التابعة لمنظمة التعاون والتنمية في الميدان الاقتصادي -بلغت حوالي 2.8 مليار دولار في عام 2016م، غير أنه من الجدير بالإشارة أن بعض البلدان الخليجية قد تعهدت منذ عام 2016م، بتقديم المساعدة المالية إلى إفريقيا، ولذلك فمن المرجح أن تكون أرقام الأعوام الأخيرة أعلى بكثير. وقد أدى الدعم المقدم من البلدان الخليجية لإفريقيا إلى زيادة الموارد المتاحة للمنطقة وإلى تنوع خيارات التمويل المتوافرة لديها.

إن التدفقات الرسمية الواردة من البلدان الخليجية نحو إفريقيا تُوجّه على نحو متزايد إلى البنية الأساسية والقطاعات الإنتاجية في الاقتصادات الإفريقية (انظر الجدول أدناه). وتشير الأدلة المتاحة إلى أن الالتزامـات الخليجية فيما يتعلق بتمويل البنية الأساسية في إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى ارتفعت من 470 مليون دولار في عام 2001م، إلى 4.5 مليارات دولار في عام 2017م. أضف إلى ذلك أن التقديرات تفيد بأن 54 % من دعم دول الخليج لإفريقيا خلال الفترة 2012-2017م، قد خُصّص للبنية الأساسية والأشغال العامة.

الجدول رقم (3): التركيز القطاعي للتدفقات الرسمية الواردة من الدول الخليجية نحو إفريقيا مقارنة بدول نامية أخرى

 

القطاعات

الدول الخليجية (الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة)

النقل والاتصالات، والطاقة، والزراعة، والصناعة، والمياه

تركيا

التعليم، والصحة، والمياه

جمهورية كوريا

 

الصحة، والتعليم، والتنمية الريفية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والإدارة، والصناعة والطاقة، والبيئة، والإغاثة في حالات الكوارث

الصين

البنية الأساسية، والزراعة، والصناعة، والصحة، والتعليم

الهند

الزراعة، والبنية الأساسية والطاقة، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات، والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم، وتنمية الموارد البشرية والقدرات المؤسسية

البرازيل

الزراعة، وتربية الماشية، والبيئة، والطاقة والصحة، والتعليم، والثقافة، والتنمية الحضرية، والتدريب المهني، وتكنولوجيا المعلومات

 

التطلع نحو مستقبل أكثر تكاملاً بين الأفارقة

إن بدء تنفيذ تحرير التجارة بين الدول الإفريقية على أرض الواقع ولأول مرة-على الأقل خلال العقود الستة الماضية-ضمن منطقة التجارة الحرة القارية بداية سنة 2021م، شكل أكثر الخطوات تقدمًا على مسار التكتل الاقتصادي بين الدول الإفريقية. وإن كان ما تحقق على أرض الواقع قد لا يقنع كثيرًا، بالنظر لمحدودية التأثير على التبادل التجاري البيني لدول القارة، الذي ظل يمثل المدخل الرئيسي لتحقيق التكتل الإقليمي. ومن هنا تنبع أحد أكثر الأسئلة إلحاحًا بالنسبة لمستقبل الاتحاد الاقتصادي بين الدول الإفريقية، وهو: هل تمتلك هذه الدول خيارات وبدائل ممكنة للتقدم أكثر على مسار التكتل الإقليمي.

إن البحث عن بدائل في هذا الإطار، لا يعني بأي حال من الأحول الاستغناء عما تم تحقيقه إلى غاية الآن، بل يشير إلى تلك الجهود الإضافية التي يتعين على الدول الإفريقية بذلها وتلك الخطوات المرافقة التي يجب اتخاذها من أجل تعزيز ما تم إنجازه إلى غاية الآن. ويجب الإقرار هنا بصعوبة وجود وصفة محددة يمكن تنفيذها. حيث أن هناك توليفة من العوامل الاقتصادية والسياسية يجب أخذها بعين الاعتبار والتعامل معها عند الحديث عن التكتل الاقتصادي في إفريقيا. وقد يتطلب هذا ضرورة تجاوز كافة العقبات التي ظهرت أثناء تنفيذ مختلف مبادرات تحرير التجارة الإقليمية والاستفادة منها في رسم المعالم المستقبلية لتفعيل مسارات التكتل الإقليمي المقبلة. وتنبع الحاجة إلى توسيع نطاق تحرير التجارة البينية ولا بد لآليات تحفيز هذه الأخيرة أن تتعدى التكتل السطحي المتجسد في اتفاقيات تجارة حرة تشمل السلع فقط، إلى اتفاقيات تكامل عميق تتضمن تحرير تجارة الخدمات في قطاعات وبأساليب توريد تنطوي على مكاسب في حالة الدول الإفريقية. بالإضافة إلى تحرير تدفقات رؤوس الأموال البينية ودعم المشاريع المشتركة خاصة البنية التحتية الإقليمية ودفع القطاع الخاص نحو هذه المشاريع. بالإضافة إصلاح السياسات والتشريعات المؤسساتية بشكل يضفي شفافية وانفتاحًا أكبر في بيئة الأعمال. ومن هنا تعتبر المسائل المتصلة بتجارة الخدمات والاستثمار وتنقل العمالة والهجرة فيما بين البلدان الإفريقية مسائل ناشئة تتطلب اهتمام مقرري السياسات.

ويؤكد التحليل الوارد في هذه الدراسة الإمكانات المتوافرة لزيادة التبادل التجاري فيما بين البلدان الإفريقية غير المستغلة. لذا ينبغي للحكومات الإفريقية أن تعمل على تعميق التكتل الاقتصادي الإقليمي على نحو يساعد ولا يعوق مشاركة إفريقيا في الاقتصاد العالمي. ويجب أن يشكل التكتل الإقليمي أساساً يعتمد عليه لإدماج القارة في الاقتصاد العالمي إدماجاً فعلياً. وعلى العموم، فإن التبادل التجاري الذي يتسم بدرجة أكبر من التنوع فيما بين الدول الإفريقية مقارنة بصادرات إفريقيا إلى باقي بلدان العالم يدل على أن توسيع نطاق التبادل التجاري فيما بين بلدان القارة قد يعود بفوائد جمَّة على البلدان الإفريقية من حيث تنويع إنتاجها ليشمل منتجات غير تقليدية، وبخاصة المنتجات المصنعة.

وسيتوقف تطور التكامل الاقتصادي فيما بين البلدان الإفريقية في المستقبل القريب على عدد من العمليات التي تجرى داخل القارة وخارجها على حد سواء. وتتأثر الاقتصاديات الإفريقية، بصفة عامة، بنفس العوامل التي تؤثر في الاقتصاد العالمي، وأبرزها الأزمة الصحية العالمية. فبتقلص الأسواق العالمية التي تصدر إليها إفريقيا سلعها ستتقلص الإيرادات التي تحققها القارة من صادراتها. وبالتالي، يصبح اتخاذ تدابير لتنمية التبادل التجاري الإقليمي بغية تعويض الخسائر المتكبدة في أسواق الصادرات الإفريقية التقليدية، أمراً يتسم بدرجة أكبر من الإلحاح بالنسبة إلى بلدان القارة. ويتوقع أن يكون لعمليات من قبيل مفاوضات اتفاقات الشراكات الاقتصادية المتعددة الأطراف خاصة مع الدول النامية، المبرمة مؤخراً بين إفريقيا ومراكز القوة الاقتصادية مثل الدول العربية وعلى رأسها دول مجلس التعاون الخليجي – أثر ملحوظ في مستقبل التكتل الاقتصادي فيما بين البلدان الإفريقية.

إن تشجيع المعالجة المتكاملة لقضايا تتعدى تحرير التجارة في القارة بما فيها الاستثمار والخدمات والهجرة من أجل تنمية شاملة ومستدامة في إفريقيا يجب أن يكون موضوعاً رئيسياً على جدول أعمال القارة بشكل يدعم عمليات التكتل الإقليمي ضمن منطقة تجارة حرة قارية شاملة.

وفيما يلي عدد من التوصيات التي يتعين على صناع السياسات في إفريقيا العمل على تحقيقها:

  • يجب أن تبذل الحكومات الإفريقية جهودًا أكبر لتعزيز الاستثمار في المشاريع الإقليمية المستديمة التي يمكن أن تستغل وفورات الحجم. وبالنظر إلى فجوة الهياكل الأساسية في القارة وما يترتب عليها من أثر سلبي في تحقيق التكتل الإقليمي، تُعتبر المشاريع المتصلة بالهياكل الأساسية الإقليمية من أفضل المشاريع التي يمكن اقتراحها في إطار المشاريع الإقليمية للاستثمار الأجنبي المباشر. وبالنظر أيضاً إلى أهمية الزراعة في معظم الاقتصاديات الإفريقية، ينبغي أن يشكل الاستثمار في القطاع الزراعي على مستويي الإنتاج والتجهيز جزءاً من الاستراتيجية الإنمائية على الصعيد الإقليمي.
  • ينبغي أن تعزز البلدان الإفريقية التكتل الاقتصادي بإدراج قطاع الخدمات والاستثمار في برامج التكتل الإقليمي، وذلك من خلال إدراج أحكام ذات صلة، كحرية حركة رأس المال واليد العاملة، والحق في التوطين وفي المعاملة الوطنية. ولتحقيق تكامل أكثر شمولاً ينبغي أن تُنشئ الجماعات الاقتصادية الإقليمية آلية للتشاور مع رابطات متعهدي تجارة الخدمات بغية ضمان مشاركتها في عملية التكتل الإقليمي وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي فيما بين بلدان القارة المباشر وتعزيز تنمية القطاع الخاص، لاسيما في مجال النقل.
  • يجب على إفريقيا تعزيز التعاون والشراكة على الصعيدين الإقليمي والأقاليمي بما في ذلك التعاون والشراكة فيما بين البلدان النامية، مثل دول مجلس التعاون الخليجي.
  • يتعين على شركاء إفريقيا من دول الخليج العربية السعي إلى توسيع نطاق مشاركتهم مع الدول الإفريقية في قطاعات غير صناعات الاستخراج. وفي هذا الصدد، يمكنهم استخدام تدفقات مواردهم لتعزيز نقل التكنولوجيا والتعلم في المجال التكنولوجي نحو البلدان الإفريقية. وينبغي للبلدان الخليجية أيضًا استكشاف سبل توسيع النطاق الجغرافي لشراكتها، ولا سيما لكي تشمل مزيداً من البلدان المندرجة في فئة أقل البلدان نمواً. ومن بين التدابير التي قد تساعد أفقر البلدان في المنطقة على النمو ما يتمثل في توفيرُ سبل الدخول إلى الأسواق المحلية للشركاء من البلدان الخليجية على أساس الإعفاء الكلي من الرسوم الجمركية ومن الخضوع لنظام الحصص.
مقالات لنفس الكاتب