; logged out
الرئيسية / المشروع العربي يتصالح مع " التركي" ويحتوي إيران ويفتح قنوات مع جميع القوى الدولية

العدد 181

المشروع العربي يتصالح مع " التركي" ويحتوي إيران ويفتح قنوات مع جميع القوى الدولية

الخميس، 29 كانون1/ديسمبر 2022

إن عام 2022م، هو " عام الإنجاز العربي المؤثر على المستوى الدولي والإقليمي، مشاركة السعودية في قمة العشرين في إندونيسيا وعقد قمة الفرانكفونية في تونس، وقمة المناخ في شرم الشيخ بمصر ، ومونديال كأس العالم في العاصمة القطرية الدوحة، والقمة العربية /الصينية في الرياض، والدور  السعودي في أوبك + وعدم الرضوخ للضغوط الأمريكية في زيادة ضخ البترول من أجل خفض الأسعار ،

أما على المستوى الإقليمي فانعقاد القمة العربية 31 في الأول من نوفمبر في الجزائر وعودة القضية الفلسطينية على الساحة العربية والدولية، وانفراج العلاقات بين تركيا والدول العربية وخاصة اللقاء بين الرئيس المصري والرئيس التركي أردوغان في الدوحة على هامش افتتاح مباريات كأس العالم، ومحاولة إيران إعادة علاقاتها الدبلوماسية مع السعودية، أما التحديات الداخلية فهي في معظمها تحديات اقتصادية خاصة أن العالم يشهد أزمة اقتصادية وتضخم وبطالة وعدم الاستقرار والصراعات الداخلية في بعض الدول العربية في تونس وليبيا واليمن والسودان والعراق وسوريا، ومن المتوقع أن يشهد عام 2023م، انفراجًا في هذه العلاقات والأزمات الداخلية ومواجهة إسرائيل في ظل حكومة اليمين الإسرائيلي المتطرف.

دور فعال ومؤثر في القمم والمؤتمرات الدولية

شاركت الدول العربية في القمم الدولية بفعالية، فقمة العشرين التي عقدت في جزيرة بالي بإندونيسيا، في 15 نوفمبر الماضي، شارك فيها 17 رئيس دولة، وعلى جدولها أزمة الطاقة والحرب الروسية الأوكرانية، وجاءت القمة بعد ختام قمة مجموعة آسيان في العاصمة الكمبودية بنوم بنه، والسعودية هي الدولة العربية الوحيدة في مجموعة العشرين التي تضم أكبر عشرين اقتصادًا في العالم .وتركيا وإندونيسيا وهما دولتان إسلاميتان، وتعتبر السعودية الأولى في قدرتها لحل أزمة الطاقة فهي أكبر مصدر للبترول، ورفضت السعودية بالاتفاق في اجتماع وزراء أوبك+ من زيادة الإنتاج، ولذا نجد قلق إدارة بايدن من قرار أوبك لأن ارتفاع الأسعار يؤثر على شعبية الحزب الديمقراطي، وقد زار الرئيس الأمريكي بايدن المملكة العربية السعودية يوليو الماضي على أمل الدفع بزيادة الإنتاج، ولكن السعودية التزمت بقرار أوبك+ وقال عادل الجبير وزير الدولة للشؤون الخارجية إن  "مسألة الزيادات في أسعار الوقود التي رأيناها مؤخرًا هي في الحقيقة بسبب العوامل الجغرافية السياسية والنفسية أكثر من أنها متعلقة بالطلب والعرض الأساسي. مشكلة الوقود في الولايات المتحدة هي نتيجة نقص القدرة على التكرير أكثر من نقص النفط الخام". فالسعودية لها قرار مستقل يرتبط بالمصلحة الوطنية السعودية ويعكس دورها العالمي في مجال الطاقة وليست مرتبطة بالمحاور الدولية أو المنافسة الصينية أو الروسية مع الولايات المتحدة رغم انتقاد وسائل الإعلام الأمريكية. وكان الرئيس بايدن قد صرح قبل الزيارة بقوله " وظيفتي كرئيس هي الحفاظ على بلدنا قويًا وآمنًا. نحن بحاجة لمواجهة العدوان الروسي، وأن نكون في أفضل وضع للفوز بالمنافسة مع الصين، والعمل من أجل استقرار أكبر في منطقة مهمة من العالم و"للقيام بذلك، نحتاج إلى التفاعل مباشرة مع الدول التي يمكن أن تؤثر على نتائج مثل هذا العمل. والمملكة العربية السعودية إحداها"، وتعكس الأهمية السعودية ومنطقة الخليج العربي والعالم العربي بشكل عام زيارة الرئيس الصيني للرياض وعقد القمم الثلاثة فيها القمة السعودية والقمة الخليجية الصينية والقمة العربية الصينية في 9 ديسمبر تحت شعار "معاً من أجل السلام والتنمية "، فالسعودية هي المصدر الأول للطاقة للصين.

إن الصين التي يتوقع تجاوزها الولايات المتحدة والتربع على عرش أكبر اقتصاد عالمي في عام 2030م، تحتاج إلى شراكة استراتيجية مع الوطن العربي الذي يقع في قلب العالم القديم، والمتحكم في أهم طرق ومعابر التجارة العالمية بين الشرق الأقصى وأوروبا والأهم من ذلك كله توفر موارد الطاقة التي لا غنى للمارد الصيني الذي يمكنه الهيمنة على التجارة العالمية، وبالنسبة للدول العربية تحتاج للاستفادة من التكنولوجيا الصينية واستثماراتها في البنية التحتية.

وقد حقق الطرفان العربي والصيني ارتفعاً في حجم التبادل التجاري بينهما، فقد ارتفع من 36.7 مليار دولار في 2004م، عند تدشين منتدى التعاون الصيني العربي إلى 330 مليار دولار في 2021م، وهذا الرقم يجعل من الصين الشريك التجاري الأول للدول العربية مجتمعة متفوقة على الولايات المتحدة وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي. كما أن الاستثمارات الصينية في الدول العربية بلغت 213.9 مليار دولار ما بين 2005 و2021م، مما يعطي لهذه الشراكة بُعدًا اقتصاديًا أكثر متانة، يتجاوز الجوانب التجارية التي ميزت العلاقة بين الدول الغربية والمنطقة العربية، فالدول العربية تشكل سوقًا مهمًا فعدد السكان  22 دولة عربية، تجاوز  430 مليون نسمة، وهي سوق كبيرة، تفوق عدد سكان الولايات المتحدة (أكبر شريك تجاري للصين)، لذلك تسعى الصين لغزو الأسواق العربية بمنتجاتها الرخيصة نسبياً، والاستفادة من فرص الاستثمار بها، وتأمين طرق التجارة بها، ولكن هناك بعدًا استراتيجيًا في العلاقات العربية ـ الصينية  والروسية وهو العلاقة مع إيران؟ والمهم في العلاقات العربية ـ الصينية أن الصين لا تتدخل في الشؤون الداخلية العربية كما تفعل بعض الدول الغربية في ترديد حقوق الإنسان وهي نفسها تمارس التمييز العنصري في داخل مجتمعاتها.

البعد الاستراتيجي في العلاقات العربية الدولية

إن التقارب والتعاون العربي مع الصين وروسيا سواءً من حيث الاستثمارات بين الطرفين أو التبادل التجاري في مصلحة كل الأطراف، وتبقى إيران حاضرة لأنها تتميز بعلاقات مع روسيا خاصة بعد الحرب الأوكرانية –الروسية وتزويد إيران لروسيا بالطائرات بدون طيار وبعض الأسلحة، ومحاولة إيران تعزيز علاقاتها مع الصين ودول منظمة شنغهاي للتعاون، وهناك يأتي الدور العربي والخليجي خاصة لاحتواء العلاقات الصينية والروسية مع إيران من خلال العلاقات الاقتصادية، مصالح تجارية واستثمارية مع دول الخليج والعالم العربي،  ولذلك يتم تقييد  العلاقة الروسية والصينية  مع إيران وتوطيد العلاقات العربية الصينية ، ويقول الخبير الأمريكي في العلاقات الروسية الخليجية الاستاذ في جورج ميسون مارك كاتز "أن الحكومات الغنية في الخليج مثل السعودية والإمارات تحاول التخفيف من دعم موسكو لطهران عبر الاستثمارات، وأن علاقات روسية قوية مع السعودية والإمارات هي رسالة لإيران من أن موسكو تقدر علاقاتها مع دول الخليج ولا تريد من إيران تخريبها"، وقد تكون هذه رسالة للصين أيضًا في توازن علاقاتها مع الدول العربية بسبب مصالح وموازنتها مع مصالحها مع إيران ؟ ويمكن القول إنه في ظل التحول لنظام دولي جديد متعدد الأقطاب أخذت الدول العربية في التوازن في علاقاتها الدولية لخدمة مصالحها وخاصة في وجود قناعة عدم الثقة في الدور الأمريكي الذي يتوجه شرقاً لآسيا وموقفها المنحاز لإسرائيل على حساب المصالح العربية وخاصة الفلسطينية ومغازلتها إيران لاتفاق جديد حول المفاعل النووي الإيراني، فرغم توتر العلاقات بينها فهناك قنوات خلفية بين واشنطن وطهران وكشفت الصحافة الغربية أن إيران تستعمل قطع علاقتها بأمريكا في صناعة الطائرات بدون طيار يذكرنا بصفقة إيران جيت عام 1986م، بين إدارة الرئيس ريغان وتزويد إيران بالأسلحة.

وتأتي قمة المناخ ( COP27) في شرم الشيخ التي حضرها الرئيس الأمريكي بايدن والرئيس الفرنسي ماكرون ورئيس وزراء بريطانيا والأمين العام للأمم المتحدة وأكثر من 120 من قادة العالم  لتعكس أهمية مصر الجيواستراتيجية التي استضافت القمة تحت شعار "لحظة فارقة"، كما استضافت تونس قمة الفرانكفونية في الذكرى الخمسين لتأسيسها  وتونس من الدول المؤسسة لها عام 1970م، مع السنغال ونيجيريا والكمرون، وقال محمد الطرابلسي المنسق العام للقمة الفرانكوفونية "يعتبر انعقاد القمة في جربة اعترافًا بدور تونس في العالم الناطق بالفرنسية ودور دبلوماسيتها على المستوى الإقليمي والدولي "، ولكن الرئيس الفرنسي ماكرون كان قلقًا من تراجع انتشار اللغة الفرنسية في دول المغرب العربي بقوله في  القمة " إن استخدام اللغة الفرنسية في شمال إفريقيا انخفض خلال العقود القليلة الماضية"، ورفضت الجزائر حضور القمة الفرانكفونية واستبدلت الفرنسية بالانجليزية كما أن هناك في المغرب وتونس من يطالب باستعمال الانجليزية لأنها أكثر انتشارًا واستعمالاً لقله عدد من يستعمل الفرنسية مقارنة بالانجليزية والذين لا يتجاوز عددهم 321 مليون نسمة، والقلق الفرنسي على تراجع الدور الفرنسي في منطقة استراتيجية مهمة تعتبر البوابة الخلفية لأوروبا ولوجود جاليات مغاربية في فرنسا والعالم العربي يركز إلى دوره الحضاري بعيدًا عن الثقافة الفرنسية وتحجيم التيار الفرانكفوني في دول المغرب العربي ، فتاريخ الاستعمار الفرنسي في المغرب وخاصة الجزائر مثير للاشمئزاز ، قدمت الجزائر مليون ونصف المليون شهيد لاستقلالها. والأهم تراجع الفرنسية يعني تراجع التأثير الثقافي الفرنسي الذي تستغله في فرنسا بدعم التيار الفرانكوفوني المعادي للغة العربية في البلدان المغاربية؟

قمة الجزائر ولم الشمل والتعاون الاقتصادي واحتواء دول الجوار

يعتبر انعقاد القمة العربية في الجزائر في الأول من نوفمبر الماضي خطوة مهمة بعد تأجيلها عامين بسبب جائحة كوفيد-19، وعملت الجزائر بجمع الصف العربي وحل الخلافات العربية وحتى داخل البيت العربي الواحد مثل قيامها بجمع الفصائل الفلسطينية قبيل انعقاد المؤتمر لمصلحة فلسطينية، كما تلعب الجزائر دورًا  لحل الخلافات في ليبيا لأهمية استقرار ليبيا لأمن الجزائر ، وكان تركيز خطابات القمة في معظمها على أهمية التعاون الاقتصادي والاستثمارات البينية، ولذلك صدر البيان الختامي متوازناً ولم يتطرق سلبيًا لدول الجوار العربي على أمل صفحة إيجابية مع كل من تركيا وإيران، وحتى دول الجوار العربي تسعى لعلاقات إيجابية مع الدول العربية وخاصة دول الخليج، فالتصريحات الإيرانية تلح على عودة العلاقات الدبلوماسية مع السعودية وتسعى للوساطة العراقية والعمانية، وإن المظاهرات الشعبية داخل إيران ضد النظام  بسبب سوء الأحوال الاقتصادية تحتاج إيران إلى الاهتمام بالداخل وتخفيف العقوبات الاقتصادية عليها، أما تركيا فتسعى للعودة إلى سياسة تصفير المشكلات مع دول جوارها، فالعلاقة مع كل من السعودية والإمارات العربية  تدفع  لتزايد فرص الاستثمار والانفراج في العلاقات التركية المصرية في طريقها للتطبيع وخاصة بعد اللقاء بين الرئيس السيسي والرئيس أردوغان الذي تم في الدوحة على هامش افتتاح كأس العالم لأن التعاون يخدم مصالحهما في شرق البحر المتوسط وإفريقيا وأن علاقات البلدين تاريخية وأكد الرئيس التركي احتمالية اللقاء مع الرئيس السوري وهذا يعكس أن زعماء المنطقة يسعون إلى الاستقرار السياسي والتعاون الاقتصادي لتحقيق الأمن للإقليم بعيداً عن الصراعات بين الدول الكبرى . ويمكن القول إن عام 2022م، كان عام الانفراج في العلاقات العربية العربية والعلاقات العربية مع دول الجوار وبروز الدور العربي على الصعيد الدولي والإقليمي.

دبلوماسية كأس العالم القوة الناعمة والصعود العربي

إن استضافة قطر لمباريات كأس العالم "مو نديال قطر 2022م، إنجازاً عربيًا بكل المقاييس، فلأول مرة تعقد مباريات كأس العالم في دول عربية وإسلامية، وهذا الإنجاز أقلق الصحافة الغربية منها البريطانية والألمانية، كان التنظيم إنجازا حضاريًا عربيًا واسلاميًا ونجاحًا سياسيًا، فلم يقتصر الأمر على المباريات فقد كانت هناك لقاءات دبلوماسية وراء الستار من خلال حضور بعض زعماء العالم والمسئولين، كان لقاء الرئيس التركي مع الرئيس المصري ووجود وزير الخارجية الأمريكية ووزير الخارجية البريطانية وغيرهم فرصة لعقد اللقاءات الدبلوماسية، ورغم ازدواجية المعايير الغربية فقد كان الإنجاز إبراز الوجه الحضاري العربي الإسلامي، ثم أن فوز الفريق السعودي على فريق الأرجنتين له تأثيرًا قويًا على الجماهير العربية والشعوب العربية التي أكدت على الشعور العام على التلاحم العربي رغم خلافات الحكومات العربية في أحيان كثيرة فالشعوب أثبتت أنها فوق الخلافات السياسية، كما أن فوز تونس على فرنسا وفوز المغرب على بلجيكا وتتويج ذلك بفوز المغرب على إسبانيا  والبرتغال والانتقال للمجموعة الرباعية  لها جوانب نفسية وسياسية واجتماعية، ذكرنا بطارق بن زياد من جديد.

 أن الفرق العربية لها وجودها في كأس العالم وهذه المرة الأولى التي تشارك بفعالية في مونديال الكرة العالمي فالعائد الاقتصادي إلى الفيفا متميز وللدولة المضيفة وللرأي العام العالمي الذي يشهد المباريات والتنظيم المتميز والأمن متجاوزًا العنصرية الغربية، وكانت فلسطين في قلوب الجماهير العربية وعلمها يرفرف يحمله المتفرج واللاعب، وأثبتت الشعوب بأنها ضد التطبيع من خلال رفض الجماهير الحديث مع الصحافة الإسرائيلية حتى يظهر غلاف صحيفة يديعوت احرونوت يحمل " مونديال الكراهية"شوارع الدوحة بالنسبة لنا كإسرائيليين خطيرة ، الإسرائيليون محاطون بالعداء ، ومهددون في كل زاوية " ، وهذا بالتأكيد هزيمة نفسية وإعلامية لإسرائيل ونجاح إعلامي واقتصادي وتلاحم للشعوب العربية تعطي الثقة بالنفس للشعوب والحكومات أنها تستطيع أن تحقق الإنجاز على مستوى العالم في مختلف المجالات، لقد أذل العرب كبرياء الغرب في هذا المونديال .

مستقبل المشروع العربي لعام 2023 في ظل إنجازات 2022

استطاع المشروع العربي أن يحقق إنجازاً متميزاَ على مختلف الصعد، فعلى الصعيد الاجتماعي تلاحم الشعوب العربية ومتابعتها لإنجاز الفرق العربية وتم تجاهل الخلافات السياسية، أما على المستوى الاقتصادي فرغم الأزمات الاقتصادية فقد حققت الاستقرار السياسي وتمسكت الدول الخليجية وبقيادة السعودية بقرارها في تخفيض إنتاج البترول متحدية انتقاد إدارة الرئيس بايدن لقرار التخفيض، وعلى المستوى الدولي إن  القمم التي عقدت سواء في جدة ، أو  الرياض، أو شرم الشيخ، أو تونس وكذلك قمة الجزائر كلها تعكس نجاح الدبلوماسية العربية على المستوى العالمي، كما أن المشروع العربي يتصالح مع المشروع التركي ويحتوي إيران، وان المشروع العربي يفتح القنوات مع جميع القوى الدولية في علاقاته مع الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي وروسيا وبقية التكتلات الدولية والإقليمية.

إن سياسة الدول العربية وخاصة الخليجية تعي أهمية علاقاتها الاقتصادية مع الصين وروسيا الاتحادية ولكنها أيضًا لها تحالفها في مجال الأمن الإقليمي مع الولايات المتحدة وكما قال مستشار الأمن القومي الأمريكي ماكماستر في عهد ترامب، إن الولايات المتحدة مصابة بنرجسية استراتيجية  strategic narcissism  لأنها تريد لحلفائها الاتفاق معها رغم اختلاف المصالح والدول لها مصالحها القومية فالعلاقة مع الولايات بالنسبة للخليج تحالف استراتيجي لمصلحة الجميع ولكن العلاقة مع الصين وروسيا تعتبر شراكة اقتصادية، وكما قالت كونداليزا رايس وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة " أن الولايات المتحدة تواجه منافسة حادة مع الصين وروسيا الاتحادية وتواجه مشاكل اجتماعية داخل الولايات المتحدة العنصرية وحقوق الإنسان والانقسام داخل المجتمع الأمريكي والدول العربية تقف على الحياد الإيجابي بهذا التنافس سواء في الخلافات الصينية الأمريكية حول تايوان أو الحرب الروسية الأوكرانية وعلاقة واشنطن مع موسكو ولذلك فالمستقبل إيجابي لمشروع يتقدم في ظل مشاريع النمو الاقتصادي والأسواق الجاذبة للاستثمارات الأجنبية في الخليج  والدول العربية .

المشروع الصهيوني يتراجع والمشروع العربي يتقدم  

إن القضية الفلسطينية حاضرة في عام 2022م، على عدة مستويات، فقمة الجزائر التي شعارها "لم الشمل " كانت القضية الفلسطينية حاضرة بامتياز والدعم لفلسطين وظهرت أيضًا فلسطين في مونديال قطر حيث الجماهير الشعبية كان العلم الفلسطيني مرفرفًا على مختلف مستويات المونديال المتفرج واللاعب وحتى غير العرب والمسلمين كانوا متأثرين ومتعاطفين من خلال توفر التعريف بالقضية الفلسطينية، وعلى مستوى الداخل الفلسطيني تزايد المقاومة المسلحة التي تجاوزت التنظيمات الفلسطينية بين المقاومة الفردية والمنظمة سواء في نابلس أو جنين أو الخليل أو بقية المدن الفلسطينية وتعتبر إسرائيل هذه المقاومة من الشباب الفلسطيني تشكل خطرًا عليها، بالإضافة للصراعات الداخلية بين الأحزاب الإسرائيلية مما جعل عددًا كبيرًا من القادة الإسرائيليين يشعر بالخطر على وجود إسرائيل نفسها، وقال الجنرال الإسرائيلي يتسحاق بريك رئيس شعبة مظالم الجمهور وقائد الكليات العسكرية سابقاً في الجيش الإسرائيلي في مقال له بصحيفة هآرتس إن العمق الإسرائيلي سيتحول لساحة معركة دامية يسقط فيها القتلى والجرحى ويضيف أن القادم أعظم، وإن سيناريو تدمير العمق الإسرائيلي لأول مرة منذ قيام إسرائيل 1948م، يبقى وارداً في ظل نهاية نظرية نقل المعركة لأرض العدو، حيث أصبحت الطائرات بدون طيار(درون) تصل للعمق الإسرائيلي بسهولة، ويضيف بريك أيضاً أن الضباط والجنود لم يعودوا مستعدين للخدمة في صفوف الجيش لفترة طويلة، وهذا له تداعيات خطيرة تؤدي لتدهور سريع بجاهزية الجيش. ونقل عن رئيس شعبة الأفراد السابق في الجيش الإسرائيلي إيتمار رايخيل أنه بحلول 2026م، ستفقد القوات الجوية الإسرائيلية 55% من خبراتها المهنية، وأن الضرر طويل الأمد في أهم مورد وهو القوة البشرية، ما يعني وصول سلاح الجو لمستوى من الضعف ونقص في الطاقم لم نشهدها من قبل"؟

إن الجيش يتدهور والقوة الجوية في ضعف والعزوف عن الالتحاق بالجيش إضافة إلى أن المجتمع الإسرائيلي في الداخل متفكك ومنهك في صراعات سياسية ودينية، خمسة انتخابات للكنيست الإسرائيلي في أربعة أعوام تؤكد عدم الاستقرار السياسي في داخل النظام السياسي، ورغم بعض الدول التي طبعت فإن الشعوب العربية ترفض التطبيع والقضية الفلسطينية في عقلها ووجدانها،  وعلق ميخائيل ميلشتاين من جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان) على مونديال قطر بقوله " إن الأحداث في قطر صورة واضحة عن التطبيع، يعكس الموقف الأصيل للجماهير العربية تجاه إسرائيل والفجوة بينهم وبين نهج الحكومات في المنطقة "

مستقبل المشروع العربي في ظل تعددية الأقطاب الدولية

كان نظام أحادي القطبية الذي سيطرت عليه الولايات المتحدة بعد سقوط الاتحاد السوفيتي كارثة على النظام الإقليمي العربي باحتلال إدارة بوش الابن للعراق 2003م، وبناء نظام سياسي قائم على الطائفية كما احتلت الولايات المتحدة أفغانستان 2001م، ودعمت إسرائيل ببناء المستوطنات في الضفة الغربية ودعمها سياسيًا وماديًا وتجاهلت حقوق الفلسطينيين، ولكن مع تراجع الولايات المتحدة وظهور قوى عالمية صاعدة كالصين وروسيا ومجموعة بريكس والاتحاد الأوروبي يفسح المجال للدبلوماسية العربية بالاستفادة بإقامة علاقات متوازنة مع هذه القوى الدولية، وتعتبر القمة الصينية / العربية خطوة متميزة في توازن القوى الدولي والإقليمي فالصين لها مصالحها الاقتصادية في العالم العربي ويعطي إشارة تحذير للقوى الغربية أن هناك بديلاً متوفرًا في حالة تجاهل المصالح العربية ، والخطوة المهمة في ظل الأقطاب الدولية تفعيل دور الجامعة العربية كما تم الاتفاق عليه في قمة الجزائر ودعم الجامعة في إعادة بناء النظام الإقليمي العربي بالعمل على حل الخلافات السياسية في ليبيا واليمن والعراق وسوريا العضو المؤسس في الجامعة العربية وألا تترك لهيمنة النفوذ الإيراني، ولا شك أن القمة العربية القادمة 2023م، في الرياض ستكون مساهمة كبرى في تحقيق لم الشمل العربي وحل الصراعات الداخلية في بعض الدول وتفعيل التبادل التجاري والاستثمارات البينية بين الدول العربية.

مقالات لنفس الكاتب