; logged out
الرئيسية / العلاقة الصينيةـ الإيرانية لم تصل للتحالف بل تنطلق من مبدأ " الشراكة وعدم الانحياز"

العدد 181

العلاقة الصينيةـ الإيرانية لم تصل للتحالف بل تنطلق من مبدأ " الشراكة وعدم الانحياز"

الخميس، 29 كانون1/ديسمبر 2022

حمل الترحيب السعودي الفاخر والراقي  بالرئيس الصيني شي جين بينغ خلال زيارته الأخيرة إلى المملكة العربية السعودية الكثير من الأسئلة عن مصير العلاقات بين الرياض وبكين، فأصبح من المؤكد أن ذلك يُخرج الأمريكيين عن طورهم حيث أنهم دائمًا يتوهمون ؛ وباتوا يعيشون دائمًا في وهم أن السعودية في مرحلة البحث لإيجاد البديل عن القطبية الأمريكية،

وتطور العلاقة يشكل نقطة تحوّل في موقع هذه المنطقة النفطية من التحالفات العالمية أم لا، يأتي ذلك في ظل توتر العلاقة بين الإدارة الأمريكية والسعودية، أما في الضفة الصينية المقابلة لا شك أن تنامي هذه العلاقات مع المنطقة العربية تدفع بتسريع عجلة "قطار مبادرة الحزام والطريق" نحو استكمالها، بل ويضع الصين أمام جدية تطوير العلاقة وتحديث وجودها في الاستثمار الاقتصادي والحماية الأمنية والتحالفات السياسية. مما يرتب ذلك عليها توسع مسؤوليتها في العالم. ومع ذلك، رغم أن ما يتم الإعلان عنه من اتفاقات واستثمارات وصفقات لم تصل بعد لمرحلة الاستفزاز الكامل الأمريكي لكونها لم تشمل صفقات أسلحة ضخمة ومتطورة أو بناء معامل أسلحة، إنما لا زالت تحت سقف تجاري بين "بائع ومشتر".

وبين عام انقضى فاضت فيه خزائن الدول الخليجية " النفطية" من السيولة نتيجة ارتفاع أسعار النفط عالمياً مما سبب لها مردوداً ضخماً، يجعلها تفتش عن استثمارات تجارية وصناعية تساهم في ازدهار ونمو المنطقة للمرحلة المقبلة والتي يرجح أن ترتفع وتيرة استثمار المشاريع في عام

  2023م، ويقدر أن يكون النصيب الصيني منها الرقم الأعلى.

وربما ما زاد الانزعاج الأمريكي في الاتفاقات الصينية -السعودية، هو الاتفاق مع شركة هواوي، الذي ركز شموله الحوسبة السحابية وبناء مجمعات ذات تكنولوجيا عالية في المدن السعودية. لأن كثيراً ما حاولت أمريكا عرقلة هذا الاتفاق من خلال تحذيراتها وتهديداتها الأمنية من أن التجهيزات الصينية، يمكن استخدامها للتداخل مع شبكات الجيل الخامس اللاسلكية والحصول على معلومات حسّاسة. ومع ذلك، ساهمت الشركة الصينية في بناء شبكات الجيل الخامس في معظم الدول الخليجية.

فلا شك أن قيمة الاتفاقات الصينية - السعودية وتناميها يضع بكين أمام خيار ثابت وهو التركيز على كيفية توسيع شركاتها رغم الانزعاج الأمريكي ، إنما من دون إحداث متغيرات كبرى في التوازنات العالمية، والتي تؤكد المعطيات الدولية أن الصين لم تصل بعد إلى مرحلة قلْب الطاولات، إنما هي بصدد توضيح العلاقة الصينيةـ الإيرانية وإنها لم تصل إلى مرحلة التحالف بل تنطلق من مبدأ " الشراكة وعدم الانحياز"، وذلك لما لمسته بكين من الدول العربية من رغبات عربية وسعودية في تشذيب هذه العلاقة ووضعها في الإطار الصح وتوظيفها للحد من التلاعب باستقرار المنطقة.

فلا شك أن دائرة الاستثمار وتنامي العلاقة بين البلدين (السعودية والصين) متوقع لها اتساع وأكثر حراكاً خلال السنوات القليلة المقبلة وبحسب التقديرات ، إنه من المتوقع أن تصل قيمة هذه الاستثمارات الخليجية الصينية سنويًا إلى 500 مليار دولار. من هنا كان واضحاً مدى الاهتمام الدولي قبل الإقليمي بزيارة الرئيس الصيني إلى المملكة العربية السعودية، خاصة من قبل الإعلام الغربي، الأمريكي والأوروبي، الذي يعتقد أن الجانب الخليجي يرى أن هذه الزيارة تأتي في وقت توتر العلاقات السعودية ـ الأمريكية، بمثابة إعلان أن الدول العربية وفي مقدمتهم المملكة العربية السعودية تبحث عن البديل الأمريكي "القطبية الأحادية"، وتريد استبدالها بــ "التعددية القطبية "لأن الأخير كذب في تقليم المخالب الإيرانية في المنطقة كما يعد دائماً.

إن زيارة الرئيس الصيني للمملكة العربية السعودية وما رافقها من حفاوة واستقبال وانعقاد القمم الثلاث في الرياض يؤكد بما لا يقبل الشك بأن دول مجلس التعاون الخليجي لن تكون طرفاً من أطراف الصراعات كما تشتهي الولايات المتحدة وتخطط، ولن تنحاز إلى أي طرف وستعمل على ضمان ألا يتصاعد التنافس الاقتصادي والجيو-سياسي بين الصين والولايات المتحدة إلى صراع عسكري، أضف إلى ذلك أنها ستكون عاملاً مهماً ورقماً صعباً في المعادلة الدولية من جهة ضمان الاستقرار الأمني وضمان الاستقرار في إنتاج النفط وأسعاره وتدفقاته.

من هنا بدى أن الرياض تتريث لأن توازي العلاقات الاقتصادية بالسياسية، إلى حين اتخاذ القيادة الصينية خطوات في سبيل تطوير العلاقات الثنائية عبر إظهار أن علاقتها مع إيران لا تتخطى مبدأ الشراكة وعدم الانحياز وهي على نفس المسافة من جميع الأطراف في المنطقة وأن الصين لديها الاستعداد للسعي عبر علاقاتها لكي تكون وسيطاً يعمل على حل النزاعات وإرساء الاستقرار في المنطقة واتخاذ موقف واضح من التدخلات في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ، إذ أن عدم توضيح هذه العلاقة من شأنه أن ينعكس سلبًا على العلاقات الصينية / العربية وخصوصًا الخليجية ، و أكثر خصوصية المملكة العربية السعودية، لأن المعترضين على الانفتاح العربي على الصين ينطلقون بمعارضتهم مما تواجهه المملكة من تعديات من قبل تنظيم الحوثي اليمني المدعوم إيرانياً. ومن هذا المنطلق، ولأن للنفط أهمية وظيفية اقتصادية وسياسية، فازدادت أهميته في اقتصاديات الدول، فكلما ارتفعت مداخيله، كلما اكتسبت الدولة المنتجة والمصدّرة مكانة سياسية واقتصادية على المستويين الإقليمي والدولي.

لهذا فإن ما قبل 2022م، ليس كما بعدها، أي ما قبل زيارة الرئيس الصيني للرياض ليس كما بعدها مهما حاولت الدول الغربية التقليل من أهمية هذه الزيارة.

العلاقة السعودية ـ الأمريكية

وبالعودة إلى واقع العلاقة الأمريكية / السعودية، لم يعد خافياً أن العلاقة أصبحت متباينة بين السعودية والإدارة الجمهورية عن العلاقة مع الإدارة الديمقراطية (يسجل أن هذا التباين قديم)، وظهر على سطح مياه العلاقة بعد هزيمة دونالد ترامب أمام جو بايدن، إنما لا يعني هذا التباين تناقضًا في السياسات والمواقف في بقية الملفات، فلا تزال الشراكة قائمة بين الدولتين والتنسيق في ملفات عديدة، منها الحرب على الحوثيين في اليمن، العراق، سوريا، لبنان، باكستان، إيران. من هذا المنطلق يمارس الملك سلمان سياسة إدارة التناقضات بكثير من الحنكة والمسؤولية فيعمل حالياً على الاستثمار السياسي أمريكياً بين الديمقراطيين والجمهوريين، وبالتالي استئناف هذه العلاقات كما كانت، وبالتالي يكون اكتسب التقارب الصيني ـ السعودي وكذلك الروسي بما يساعد ذلك على رفع الوزن العربي.

فلا يخفى أن العلاقة بين واشنطن والرياض ليست علاقة عابرة، فالسعودية لديها من الموارد المالية الضخمة ما يجعلها دولة جاذبة للغرب والشرق على السواء. إضافة إلى موقعها الاستراتيجي لأنها تطل على ممرين مائيين حيويين البحر الأحمر والخليج العربي، وتشكل حلقة وصل بين قارتي آسيا وإفريقيا، إضافة أيضاً إلى نفوذها المعنوي والرمزي في المحيطين الخليجي والعربي وفي المحيط الإسلامي.

وهذه العوامل من الطبيعي أنها تحتفظ بأهميتها على المدى المنظور، ما لم يحدث تغيّر في مركز التجاذب الدولي، أي انتقال ثقل العالم من الغرب إلى الشرق، وصعود قوى اقتصادية وبروز أسواق دولية جديدة تخفّض من أهمية غرب آسيا، وهو المرشّح وقوعه في العقد القادم وحول القوى النافذة في النظام الدولي يطرح السؤال حالياً عن دور النفط في الداخل والخارج في المشاكل الأمنية والسياسية. فتكون الإجابة أنه لابد من تثبيت نقطة رئيسة تتعلّق بالنفط ذاته كلاعب فاعل في الاقتصاد والصناعة والسياسة على المستوى الدولي، وطالما هو سلعة يحتاجها العالم برمته، فسوف يبقى للنفط دور مزدوج اقتصادي وسياسي.

بحسب التقديرات والإحصاءات لعامي 2020/2021م، تتصدر السعودية قائمة الدول المصدّرة للنفط بواقع 6.6 مليون برميل يوميًا، وتأتي روسيا في المرتبة الثانية بواقع 4.6 مليون برميل يوميًا، ثم العراق 3.4 مليون برميل، ثم الكويت والإمارات وإيران بكميات أقل.

زادت صادرات النفط من السعودية بنسبة 123٪ عن العام السابق، بسبب ارتفاع أسعار الخام. وارتفعت حصة النفط من إجمالي الصادرات إلى 77.6٪ في أكتوبر من 66.1٪.  وهذا يعني، أن النفط لا يزال هو الرقم الصعب في يوميات الاقتصاد العالمي، وثانيًا أن السعودية لا تزال تراهن على النفط كمصدر دخل رئيسي.

ففي حقيقة الأمر، إن آسيا تستهلك 70 في المئة من النفط السعودي فيما تستهلك أوروبا 12 في المائة فقط منه، وأن الصين، وليست الولايات المتحدة، تستورد الكمية الأكبر من النفط السعودي، هذا ما يرفع من نسبة القلق السعودي ومن زعزعة الأمن والاستقرار الداخليين للضغط على الصين طالما هي تستورد أقل من الصين.

تكمن المشكلة أن لا بديل جدّي حتى الآن يمكن له أن يحل مكان النفط، قبل أن تنجح البدائل الأخرى في تغطية حاجات السوق العالمية. وهذا يعني أن السعودية كمنتج رئيسي للنفط سوف تلعب دورًا اقتصاديًا وسياسيًا في المرحلة المقبلة، ولكن هذه المرة في المنطقة الآسيوية وليس الغربية (الأوروبية والأمريكية). بطبيعة الحال، سوف يكون لدول أخرى مثل العراق وإيران دور فاعل في سوق الطاقة، حتى بالنسبة للصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية بصفتها أكبر البلدان الآسيوية المستوردة لنفط الشرق الأوسط.

هذا الدور للنفط السعودي في المنطقة الآسيوية يزيد من مخاوف فتح أبواب زعزعة الأمن والاستقرار فيها من قبل المجموعات الإسلامية المتطرفة الموجهة من قبل الاستخبارات الغربية.

تنامي العلاقات الخليجية الصينية

لم يعد سراً خافياً على أحد أن دول مجلس التعاون الخليجي (مجتمعة وعلى رأسهم المملكة العربية السعودية) بدأت تنتهج تنويع سياساتها الخارجية عبر توجيه المزيد من الاهتمام نحو دول جنوب شرق آسيا (الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية) وأبرز هذه العلاقات مع الصين، أو المعروفة حالياً بما يطلق عليها "شرقًا" وذلك انسجامًا مع التحولات الدولية والإقليمية. ويعود هذا الاهتمام العربي بالتوجه شرقاً لردع ممارسة الغرب لسياسة الضغوط والابتزاز الأمريكي، فارتفع منسوب التواصل الخليجي مع الصين تدريجياً بدءاً منذ أحداث الحادي عشر من أيلول 2001م، وتواصلت بعد غزو العراق، لتتصاعد الوتيرة أكثر في عهد فترة رئاسة أوباما بعد إعلان فشل منظومة الاقتصاد الرأسمالي الحر مقابل صعود اقتصادات الشرق والتي هي مزيج مخلوط بين اقتصاد اشتراكي موجه واقتصاد رأسمالي منظم، مما أدى إلى انتقال ثقل الاقتصاد العالمي نحو آسيا، مترافقًا مع تنامي الطلب على إمدادات الطاقة وارتكزت التجارة في معظمها على النفط الخام، والغاز الطبيعي المسال، ومنتجات البتروكيماويات، فكانت العمود الفقري للروابط الاقتصادية المتنامية بين الطرفين.

ولأن الصين كانت أكثر سرعة في نمو الاقتصاد مقارنة باقتصادات العالم. لذا، تتطلع جميع دول الخليج العربي بدون استثناء إلى تحقيق مزيد من الأهداف الاستراتيجية ونسج علاقات وتحالفات مع الصين ؛ أولا لكون بكين لا تستثمر في النزاعات والزعزعات الأمنية أو تقيم الأحلاف وتجارة سفك الدماء، هذا ما يجعل شعوب العالم الثالث بحاجة لتوسيع دائرة فتح آفاق الاستثمار وتنشيط الأسواق الآسيوية واستقطاب المزيد من الاستثمارات الأجنبية والتكنولوجيا المتطورة التي تدعم خطط التنويع الاقتصادي داخل دول الخليج. ومن المتوقع أن يشهد عام 2023م، مزيدًا من الاستثمار في الأمن الغذائي عبر تدفقات دائمة من السلع والمنتجات الغذائية، والمشاريع الزراعية الضخمة.

ومع تقدم الصناعات القائمة على تكرير البيتروكيميائيات، يتم إطلاق مشروع مشترك من أكبر المشاريع الأجنبية المشتركة في الصين، بين أرامكو السعودية 35% من المشروع الجديد ومجموعة "نورينكو" وشركة "بانجين سينسين" الصينيتين لتطوير مشروع هواجين المتكامل للتكرير والبتروكيميائيات في مدينة بانجين بمقاطعة لياونينغ الصينية، قد تتجاوز قيمة المشروع 37.5 مليار ريال على أن تبدأ الأعمال التجارية له في عام 2024م.

 كما يفترض أن يكون العام الجديد بالنسبة للصين محطة متقدمة في الانفتاح على الأسواق العربية والإسلامية والتبادل الثقافي، لذا ستشهد بكين العديد من النشاطات الثقافية المشتركة التي من شأنها تعريف المجتمعات الصينية على العربية وبالعكس، وإقامة المعارض الثقافية والتجارية والصناعية للتعريف عن أهمية مبادرة الحزام والطريق في نهضة المنطقة اقتصاديًا وصناعيًا وثقافياً وزراعياً، وتذليل العقبات التي لازالت قائمة وتمنع إنجاز هذا المشروع التاريخي، ومن أجل متابعة التقدم التكنولوجي والطاقة البديلة وثورة الصناعات التي تعتمد على الطاقة الشمسية والهوائية الصديقة للبيئة بما فيها صناعة السيارات.

ويوماً بعد يوم تثبت بكين أنها منذ أن أقامت علاقات صداقة وتعاون مع دول مجلس التعاون الخليجي ارتفع منسوب الصادرات والصناعات المصدرة، وتم تطوير آلية للتعاون الشامل في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والمالية والثقافية والعسكرية وفي الطاقة.

 لا يختلف اثنان على أن هذا الانفتاح مردوده مزيد في استقرار المنطقة أمنياً، ما يعيد خلط الأوراق السياسية وإعادة توزيعها بعد اشتداد عصب عودها الأمني والعسكري، فيخلق ذلك جو استقرار تحفيزي ما يشجع مزيد المشاريع في المنطقة.

وبقدر استفادة دول الخليج من هذه الاتفاقيات ؛ أيضاً الصين المستفيدة لان شركاتها ومؤسساتها لديها خبرات واسعة في غالبية المجالات، ويمكنها أن تقوم بتنفيذ مشاريع ضخمة كالموانئ وسكك الحديد والطرق العامة.

مقالات لنفس الكاتب