array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

تضم الوثيقة أفكارًا جيدة تجعلها بوابة للتقدم بدلاً من أساس آخر غير مكتمل من الشراكات

الإثنين، 30 كانون2/يناير 2023

في المنهج: تعد الشراكات الاستراتيجية، سمة بارزة بعد الحرب الباردة، وفئة تحليلية وسياسية ناشئة ومتميزة في العلاقات الدولية، ودالة حاسمة في فهم ديناميكيات التعاون المعاصر بين الدول والمنظمات الدولية. ومع ذلك، ظلت فكرة الشراكات الاستراتيجية غير منظورة وطغت عليها نظرية التحالف، لما للأخيرة من بُعْدٍ أيديولوجي وجيوسياسي، وغالباً ما يخالطها الجانب العسكري. ولمعالجة هذه الفجوة الواضحة في أدبيات العلاقات الدولية، خاصة ما يلي منها تحليل السياسة الخارجية، سعى بعض علماء السياسة إلى التنظير، والاختبار التجريبي للنموذج التحليلي للشراكات الاستراتيجية كشكل جديد من أشكال التعاون الدولي المستدام؛ في أوقات الاعتماد المتبادل والاضطراب المعولم. وبالاعتماد على مراجعة الأدبيات النقدية في هذا المجال، يمكن رسم علاقة بين الشراكات الاستراتيجية في السياسة العالمية ونظرية العلاقات الدولية، وأين تقع منها ما استجد من شراكة خليجية – أوروبية، معترفين بدءاً أن محاولات بناء هذه الشراكة قديمة ومتعددة المقدمات والنتائج. ويلزم، أولاً، تحديد منطق بناء النظرية والاستراتيجية، والاعتبارات المعرفية والمكانة الوجودية؛ ثم تبرير لماذا تم اختيار مجلس التعاون لدول الخليج العربية لبناء "نموذج" علاقات استراتيجية، في وقت يتحرك فيه العالم باتجاهات أقطاب مختلفة. وقد لا نحتاج للكشف عن كل مجريات الأمور كطريقة لدراسة الظاهرة، إذ يدعونا النهج الواقعي لبنّاء منطق داخلي خاص لدراسة الشراكات الاستراتيجية، والذي بموجبه يمكن لكل من دول الخليج وأوروبا أن تزود بعضها بنوع من تأكيد السياسة الخارجية، والعلاقات الثنائية الخاصة والمواءمة، فضلاً عن شكل من أشكال المؤسسات المشتركة المهيكلة. الارتباط. لذلك، يمكن قراءة استراتيجية الشراكة الإستراتيجية الخليجية للاتحاد الأوروبي؛ على أفضل وجه؛ على أنها بيان نوايا واستقلال، مما يضع خطاً أساسياً جديداً للتعاون في مواجهة سلسلة من التحديات النظامية الرئيسة وتحديات نظام الدولة وأنظمة العولمة.

وبالقطع لا نريد أن نستغرق كثيراً في المناقشات النظرية والمنهجية في هذا المقال، ولا نسعى لتعداد ما يُخْتَلَفُ عليها من فرضيات، لأن هذه الشراكة تقدم نموذجاً تحليلياً كلاسيكياً قابلاً للاختبار للشراكات الإستراتيجية في العلاقات الدولية، إذ هي جزء مكمل لمبدأ الشراكات بين التجارة الدولية والهوية الخاصة لكل طرف، مع الاتفاق حول مجموعة من الثوابت والمتغيرات، التي تندرج تحتها الكثير من العناوين، بما فيها السياسة والأمن. فالنموذج الأساس لهذه الشراكة هو النموذج التجاري، لأنها نتاج رغبة التعاون المتشابكة وعوامل الاستدامة، مع تدخل الثقة كعامل ضامن للتعاون في عملية تبادل المصالح المشتركة. وهذا يعني أن التعاون واستدامة التعاون ستؤدي إلى زيادة المساهمة في هذه الشراكة الاستراتيجية بين الطرفين، ووضع هذا المؤشر في صيغة موجبة، تستهدي بما قالت به الوثائق المُؤسِّسَة لهذه الشراكة. ففي 18 مايو، كشف الاتحاد الأوروبي عن" شراكة استراتيجية مع الخليج" بهدف توسيع وتعميق التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء فيه. وركزت الوثيقة على العلاقات الاقتصادية، والطاقة، والقضايا الأمنية، والمؤسساتية، فضلاً عن فرص التعاون في القضايا الإنسانية وحقوق الإنسان، ولا يستثني التعاون التجارة والاستثمار، وتوظيف الشباب وإنشاء الأعمال التجارية، والرعاية الصحية. وتشمل مجالات التركيز الأخرى سلامة النقل، والإدارة والاتصال، والرقمنة، والبحث والابتكار، والفضاء. وسلطت الوثيقة الضوء على القضايا الجوهرية، التي تقود الشراكة بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، بما في ذلك المخاوف الصحية والاقتصادية المتعلقة بوباء الفيروس التاجي "كورونا"، والتحديات المتزايدة للنظام الدولي القائم على القواعد؛ مثل، الغزو الروسي لأوكرانيا وتداعياته على إمدادات الطاقة في الاتحاد الأوروبي، الانتقال إلى الطاقة الخضراء، وتغير المناخ، واعتبارات إقليمية أوسع، بما فيها مناقشة الصفقة النووية، التي تم تنشيطها بين الولايات المتحدة وإيران كفرصة لعصر أكثر إيجابية لأمن الخليج، حيث يمكن للاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي التعاون بشكل أكثر فاعلية.

المقدمات:

يقول المنطق إن لكل نتيجة مقدمات، إذا صَحَّتْ الأخيرة صَدَّقَتها الثانية، وما أقدمت عليه دول مجلس التعاون الخليجي مع الاتحاد الأوروبي لم يكن بلا مقدمات، وإن شاب بعضها اختلالات اقتضت أكثر من وقفة لضبطها وإحسانها، لتبلغ بالطرفين مقترح الشراكة الاستراتيجية الأخير، المعلن في 18 أبريل 2022م، وإذا كان بمقدورنا رصد كل المقدمات؛ من خلال حضورها التاريخي، فإن قياسنا للنتائج سيعتمد إلى حد كبير على فحصنا للدوافع، ولا نقول النوايا، ومدى قابليتها لخلق حالة التحقق والاستدامة المطلوبة لما ترمز إليه كلمتا: شراكة واستراتيجية من مدلولات. فقد قال الكثيرون، حتى الآن: أن الدافع المهم في هذا التحول، بل "التَعَجُّل"، هو حاجة الأوروبيين للطاقة بعد معارضتهم لروسيا وغزوها لأوكرانيا قبل وقت قصير من توقيع الإعلان، وفي ذلك قدر كبير من الصدق، لأن الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى فرض العقوبات على موسكو، فإنه حريص على تقليل اعتماده في مجال الطاقة عليها، والتي تمثل 62 % من جميع واردات الطاقة الأوروبية. ويمكن للغة الأرقام وحدها أن تؤكد هذه الحقيقة، إذ تنقسم هذه الـ "62" % إلى 40 % من الغاز، و27 % من النفط، و46 % من الفحم. وكجزء من هذه العملية، تهدف المفوضية إلى خفض واردات الغاز الروسي بمقدار الثلثين بحلول نهاية عام 2022م، وهو ما لا يوجد دليل على أنه تحقق.

لهذا، نحسب أن هناك تقديرات مختلفة تكتنزها المقدمات هذه المرة، وفقاً لموصوفات ومصفوفات هذه الشراكة، ولا نتوقع لها أن تندفع نزولاً إلى الواقع دفعة واحدة، إذ تُخْبِرُنا معرفتنا باستراتيجيات الاتحاد الأوروبي؛ خاصة عندما يكون هو صاحب المبادرة، أن تنزيلها يكون بوتيرة متفاوتة، ضمن أولويات يُقَدِّرُها مع الشركاء، من خلال تفاوضٍ وأخذٍ وعطاء. فالقراءة العامة للاستراتيجية الجديدة مع دول مجلس التعاون الخليجي تُبين لنا أنها تحتوي على عناصر متنوعة، وبطبيعة كلٍ منها لا بد أن تتحرك بسرعات مختلفة. ومما لا شك فيه أن مدى وسرعة زيادة التعاون في مجال الطاقة سيكونان أساسيين في تحديد جدوى البداية ومدى النجاح في هذا العنصر من الشراكة الاستراتيجية، خاصة بالنسبة للجانب الأوروبي. ومن المؤكد أن مؤتمر الأمم المتحدة لتغير المناخ COP28، الذي ستستضيفه دولة الإمارات العربية المتحدة هذا العام 2023م، يوفر فرصة إضافية لصدقية الأطراف في الالتزام بالمطلوبات، التي تتفق مع ما نصت عليه وثيقة الشراكة. ولا يحتاج الأمر مِنَّا إلى تأكيد بأن المبادرة السعودية الخضراء ومبادرة الشرق الأوسط الخضراء هما إضافتان مُرحب بهما في دعم جدول أعمال تغير المناخ العالمي والتعاون الإقليمي، لا سيما مع ما يمكن الاعتماد عليه من خبرة الاتحاد الأوروبي في مواجهة التحدي المناخي. ويقابل هذه الخبرة أريحية دول مجلس التعاون وحقيقة أنها تتعدى وزنها في المساعدات الإنسانية والتنمية، التي لا بد أنها ستضيف بعدًا مثالياً لواقعية الاتحاد الأوروبي. وبالنظر إلى حافظات المساعدات والأولويات المماثلة، التي يحتفظ بها الاتحاد الأوروبي، فمن المرجح أن يكون التعاون قوياً في هذا المجال، حتى لو استهدف مشاريعاً واسعة النطاق، والتي قد تستغرق وقتاً حتى تؤتي ثمارها. 

حضور التاريخ:

يقول إن سجل العلاقات بين مجلس التعاون وأوروبا أنها سبقت تشكيل الاتحاد الأوروبي، ويمكن إرجاعها إلى الاجتماع الوزاري الأول بين مجلس التعاون والمجلس الأوروبي، عام 1985م، الذي أعقبته مفاوضات أدت إلى توقيع اتفاقية تعاون لتوثيق العلاقات بين الكتلتين الإقليميتين. وقد قاد ذلك التفاوض في نهاية المطاف إلى اتفاقية التجارة الحرة، وإن تعثرت خطواتها. ومع ذلك، على الرغم من أن الجانبين يشتركان في العديد من المصالح المشتركة بمجالات التجارة والطاقة وتغير المناخ والأمن والثقافة، فإن التعاون متعدد الأطراف ظل محدوداً، مع استمرار معظم المشاركة في المستويات الثنائية بين دول مجلس التعاون الخليجي والمجلس الأوروبي. ويزعم الاتحاد الأوروبي أنه بذل جهوداً لتوسيع تعاونه مع مجلس التعاون غالب النصف الثاني من القرن العشرين. ومع ذلك، فإن مساعيهما المشتركة، وما تطور بينهما من علاقات متبادلة إلى تعاون أكثر استراتيجية لم تتجسد إلا قبل عقدين، وبينما أقيمت درجات متفاوتة من العلاقات الثنائية بين أعضاء الكتلتين، وحققت بعضها مستويات عالية من النجاح، فقد حاولت عدد من الاتفاقيات الاقتصادية الجماعية الانطلاق على أرض الواقع. فمثلاً، سيطرت على العلاقات الاقتصادية لألمانيا مع دول مجلس التعاون مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين الاتحاد ودول المجلس، والتي بدأت عام 1990م، مدعومة بتطورات السوق الأوروبية الموحدة عام 1992م، وإطلاق السياسة الخارجية والأمنية المشتركة للاتحاد الأوروبي 1993م.

ومع ذلك، لم تتطور المفاوضات إلا بعد إنشاء الاتحاد الجمركي لدول مجلس التعاون عام 2003م، وانتهت المحادثات عام 2008م، دون حل بسبب الخلاف حول رسوم التصدير. لذلك، تُعَدُّ اتفاقية التعاون بين الاتحاد ودول مجلس التعاون، لعام 1989م، واحدة من الأمثلة المتعثرة، التي لم تتمكن فيها الكتلتان من التوصل إلى توافق في الآراء بشأن اتفاقية التجارة الحرة. تم إطلاق برنامج العمل المشترك، الذي كان من المتوقع أن يوسع التعاون في 14 مجالاً استراتيجياً رئيساً، بما في ذلك القضايا الاقتصادية والطاقة والسلامة النووية، من 2010 إلى 2013م، ولكن لم يتم تجديده. ومنذ ذلك التاريخ، كانت بروكسل غافلة عن دول مجلس التعاون حتى في الوقت الذي قامت فيه بعض الدول الأعضاء في كلتا الكتلتين بتطوير العلاقات الثنائية. وبعد فترة تباعد قارب العقد، استأنف الجانبان حواراً منظماً، عام 2017م، رغم أنه لم يكتسب الصفة الرسمية الخالصة، ولم يتسم بالجدية الكافية لتطويره لاتفاق شامل حول التجارة والاستثمار. لكن، اجتمعت الأزمة الأوكرانية المفاجئة، وأزمة المناخ طويلة الأجل، لإخراج الاتحاد الأوروبي من هذا التراخي، وتشجيع الأطراف على إطلاق حوار أكثر رسمية لتوسيع ما بينهما من تبادل تجاوز المائة مليار دولار في العام. وهذا بلا شك تطور إيجابي في ظل التعثر، الذي تعرضت له هذه العلاقة على مر السنين، خاصة مع تنامي نفوذ دول الخليج العربية على المسرح العالمي. ومع ذلك، يمكننا أن ندخل حقبة جديدة من التعاون الإيجابي والبراغماتي؛ فالأساس جار على قدم وساق.

لهذا، عقد الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون، في فبراير 2022، أول اجتماع مشترك لمجلسهما واجتماع وزاري لهما منذ ست سنوات، وكان شهر مارس 2022، الذي أعقب بداية الغزو الروسي لأوكرانيا، حافلاً بتعزيز العلاقات الخليجية الأوروبية في مجال الطاقة. وزار وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك الدوحة وأبو ظبي لإجراء محادثات بشأن زيادة إمدادات الغاز الطبيعي المسال إلى ألمانيا، وتأمين صفقة هيدروجين. وذهب رئيس الوزراء البريطاني وقتئذٍ بوريس جونسون إلى أبو ظبي والرياض لمناشدة، دون جدوى، من أجل زيادة إنتاج النفط. والتقى وزير الخارجية الفرنسي آنذاك جان إيف لودريان بوزير الدولة القطري لشؤون الطاقة سعد شريدة الكعبي في الدوحة وقام أيضاً بجولة في عمان والكويت. وظهر وزير الخارجية الإيطالي لويجي دي مايو، في قطر برفقة رئيس مجموعة النفط والغاز إيني. وفي المقابل، زار أمير قطر تميم بن حمد باريس وبرلين نهاية مايو ووقع خارطة طريق للتعاون في مجال الطاقة مع ألمانيا. وكانت إيني وتوتال إنرجي الفرنسية أول فائزين بحصص في التوسع الهائل للغاز الطبيعي المسال في قطر. وفي الوقت نفسه، قامت شركة بريتيش بتروليوم البريطانية بتوقيع اتفاقيات التعاون الاستراتيجي لعام 2021م، بشأن الهيدروجين مع شركة بترول أبو ظبي الوطنية، وشركة مصدر للطاقة النظيفة في الإمارة. ومع استمرار أزمة الطاقة العالمية في إعادة تعريف الجغرافيا السياسية، أصبحت الحاجة إلى تطوير وتعزيز الشراكات أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. في هذا السياق، يبدو بشكل متزايد أن هذا العام قد يكون العام، الذي يبدأ فيه الأوروبيون ودول الخليج العربية التحدث مع بعضهم البعض بلغة يمكن لكليهما فهمها.

مشروعية التساؤل:

الأسئلة المشروعة الآن، هي: كيف يمكن للاتحاد الأوروبي أن يعمق انخراطه مع دول الخليج، بعد كل التردد، الذي شاب محاولاته الأخرى؟ وما هي القطاعات، التي تتمتع بأكبر إمكانية للمشاركة على المستوى متعدد الأطراف؟ وما هي آفاق وتحديات زيادة التعاون من كل جانب؟ وبينما تعيد القوى الأخرى؛ الولايات المتحدة وروسيا والصين، ضبط مشاركتها في المنطقة، هل هناك فرصة للاتحاد الأوروبي للعب دور إقليمي أكبر؟ وكيف يمكن أن يساهم الاتحاد الأوروبي في تخفيف التوترات في منطقة الخليج مع تعزيز مصالحه الاستراتيجية؟ وما هي الفرص المتاحة لزيادة مشاركة الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون على المستويين الثقافي والمجتمعي؟  وهل سيعمل هذا النهج الجديد؟ وقبل محاولة التفكير في إجابة هذه الأسئلة التأسيسية، نستطيع القول إنه من السهل رؤية المصالح المتأتية من هذه الشراكة، كما يمكن بنفس السهولة رؤية ما قد يطرأ عليها، أو من خلالها، من مشاكل ربما تعطل طموحات الجانبين في الانطلاق السريع والمرن نحو غاياتها؛ وأولها، أن اقتصادات دول الخليج العربية لا تزال تعتمد بشكل كبير على الوقود الأحفوري، وهو أمر يسعى الاتحاد الأوروبي إلى الابتعاد عنه بِحِزَمٍ مُقَيِّدَةٍ من القوانين. وهناك حرب في أوكرانيا تختلف وجهات نظر دول الخليج حولها بشدة، فيما تعتبرها أوروبا ذات أهمية كبيرة بالنسبة لها، ومن المرجح أن تشتت انتباه الاتحاد الأوروبي عن الخطط الأخرى لبعض الوقت، بما فيها هذه الشراكة الاستراتيجية. وهناك إيران، التي لا تمثل قضية خلافية أخرى بين الجانبين فحسب، بل داخل كل منهما على حِدَة، حيث إن لكل دولة في الطرفين مستوىً مختلف من العلاقات مع طهران. وفي حين أن الاتحاد الأوروبي أكثر حرصاً على تجديد خطة العمل الشاملة المشتركة حول البرنامج النووي الإيراني، تختلف المواقف في بعض دول الخليج، رغم أنه لن يكون هذا موضوعاً يتم تضمينه في محادثات الشراكة بينها، ولكنه قد يكون أيضاً مصدر إلهاء كبير ودائم. ومن المسائل، التي يجب على الطرف الأوروبي التَعَوُّد على التعامل معها بحذر شديد، وينأى بها عن المبارزات الإعلامية، خاصة القضايا ذات الحساسية الثقافية والدينية العالية؛ مثل، حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، وغيرها مما يمس أمن المجتمعات واستقرارها.

ومع كل هذه الملاحظات، لا يخالجنا شك في أن الاتحاد الأوروبي يرى الكثير من المزايا في إقامة شراكة على نطاق واسع جداً، ومع كل القطاعات في دول مجلس التعاون، تتجاوز، ولو مؤقتاً، احتمالات التعثر. ففيما يتعلق بقضية الوقود الأحفوري، حتمت الحرب على أوكرانيا اللجوء إليه، ما يعني أنه يمكن أن تكون هناك صفقات كبيرة قادمة، لأن العديد من دول الاتحاد الأوروبي الآن بحاجة ماسة إلى النفط والغاز الطبيعي المسال، نتيجة للحظر المفروض على إمدادات الطاقة الروسية. وإذا تمكنت دول مجلس التعاون الخليجي من المساعدة على المدى القصير، فيمكن للدول الأوروبية وقف انتقاداتها، بل والعمل معاً بوتيرة أبطأ على تطوير الهيدروجين الأخضر، ومصادر الطاقة المتجددة، ومساعدة كل منهمها للآخر في تقليل اعتمادهما على الهيدروكربونات. وإذا كانت الإمارات العربية المتحدة، من بين جميع دول الخليج، تولد أعلى نسبة من طاقتها من مصادر الطاقة المتجددة، لكنها والسعوديين والقطريين والكويتيين والعمانيين والبحرينيين يرون جميعاً الحاجة إلى أن يكونوا جزءًا من الانتقال إلى الطاقة الخضراء، وقد وضعوا أهدافاً طموحة للقيام بذلك. وهم يدركون أيضاً أن دول الاتحاد الأوروبي يمكنها التحرك بسرعة، فيما يتعلق بإمدادات الطاقة، إذا اضطروا إلى ذلك.

التوقعات:

لقد تأخرت محاولات، مأسسة العلاقة بين مجلس التعاون والاتحاد الأوروبي في العديد من المجالات؛ وعلى رأسها الطاقة، رغم حضور التاريخ والجغرافيا كعاملين معززين للتقارب. فالتجربة التاريخية المشتركة لا تزال حاضرة، والحقيقة الجغرافية راسخة بثبات ذاكرة المكان، ودواعي الحاجة. وما كان يُقال على أن تركيز الاتحاد الأوروبي على مصادر الطاقة المتجددة وقضايا المناخ، وعدم الرغبة في التعامل مع أي شيء مرتبط بالوقود الأحفوري، والنفور من تقديم تعهدات تتعلق بالأمن، والمخاوف السياسية، لا تؤيده حقيقة أن دول الخليج يمكن أن يكونوا دائماً شُركاء طاقة موثوقين لأوروبا. لذلك، يمكن قراءة استراتيجية الشراكة الاستراتيجية الخليجية للاتحاد الأوروبي، على أفضل وجه، على أنها بيان حُسن نوايا من الجانب الأوروبي، واستدراك لما يمكن عمله، في محاولة استقلال إمكانات إقليمين لديهما من مصادر القوة ما يفيض بتعاونهما على بقية العالم. وما يتطلبه كل ذلك من إنشاء خطط لتعظيم الفرص، التي من محركاتها عودة الوئام بين الدول الخليجية، ومواجهة سلسلة من التحديات الرئيسة على مستوى النظام والدولة في أوروبا، والتي ليس أقلها خروج بريطانيا من الاتحاد والحرب الروسية / الأوكرانية، والتعامل المشترك مع سياسة الولايات المتحدة المتغيرة. وفي حين أنه من المفيد إضفاء الطابع الخارجي على النية وبلورتها، يجب أن يكون هناك أيضاً إدراك أن هذه الإستراتيجية ستكون بطيئة، وربما ستكون هناك نكسات وصعوبات في المستقبل. إنها تضع في الاعتبار، إن لم تصل بعد، سلسلة من المجالات، التي إذا أمكن المضي قدماً في التعاون الملموس، فإن الثقل الاقتصادي وخبرة الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون يمكن أن تلهم التقدم، وتُعطي درجة من اليقين، خاصة فيما يتعلق بأمن الخليج والطاقة الجديدة والتنمية؛ أي المشاريع، التي تعتبر حيوية لاستمرار الازدهار لكلا الجانبين.

ولا بد من التنويه إلى أنه من الطبيعي أن تهدف الشراكة الاستراتيجية إلى معالجة عدة مهام، كما ورد في نصوصها، وما قد يلحق من إضافات في تفسيراتها، لكن بدا واضحاً أن الاتحاد الأوروبي يحاول تسوية دائرة الحاجة المُلِحَّة إلى المزيد من الهيدروكربونات على المدى القصير، مع مضاعفة هدفه طويل المدى للتخلص منها بالكامل. ومع إدراك أنه لا يوجد الكثير، الذي يمكن لدول مجلس التعاون القيام به لمساعدة أوروبا على الخروج من فجوة الطاقة الخاصة بها على المدى القصير، تحتاج بروكسل إلى تعظيم التعاون متوسط ​​الأجل، لا سيما فيما يتعلق بالقدرة النفطية في الإمارات والسعودية وزيادة إنتاج الغاز الطبيعي المسال في قطر. وقد لاحظنا أن بيان الشراكة يُعبر عن بعض اهتمامات المفوضية الأوروبية المتعلقة بهذا الجانب بجلاء كبير، إذ ذُكِرَت الطاقة المتجددة 15 مرة، والهيدروجين 10 مرات، والغاز الطبيعي ثماني مرات. ومع ذلك، تتم الإشارة إلى النفط في ثلاث نقاط فقط، ويتميز "التحول الأخضر" بـ15 مرة، بينما تم الاستشهاد بـ"أمن الطاقة" في أربع مناسبات فقط. تضع هذه المؤشرات دول الخليج في وضع يسمح لها بأن تصبح مُصدِّرة؛ في المديين القصير والمتوسط، للنفط والغاز، ومستقبلياً للطاقة والمواد النظيفة، ولكنها تظل أيضاً مستوردًا رئيسًا للمعدات والتكنولوجيا منخفضة الكربون، والتي يمكن أن تأتي غالبها من دول الاتحاد الأوروبي.

وفي الوقت الحاضر، وكبداية تعزز صدق النوايا، يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يقدم لدول الخليج شيئاً ما، بخلاف كونه مُطالِباً بمعاملة تفضيلية لصادرات النفط والغاز. وذلك بأن تشمل شراكة الطاقة المحتملة بين الاتحاد الأوروبي والخليج تعزيز الوصول إلى الأسواق، وفرص الاستثمار ثنائية الاتجاه، والتطوير المشترك للتكنولوجيا، وإنشاء سلاسل إمداد منخفضة الكربون، وخاصة للهيدروجين. كما ينبغي أن تشمل مجالات التعاون الأوسع ذات الصلة، المشار إليها في البيان المشترك، بما فيها الإجراءات المتعلقة بالتصحر، والأمن الغذائي، وتحلية المياه، والزراعة في المناطق المناخية القاحلة، وإعادة التدوير، والاقتصاد الدائري، كما ذُكِرَ الأمان النووي، وليس الطاقة النووية. وفي هذا الصدد، يتعين على دول مجلس التعاون أن تضع في اعتبارها أنها، من الناحية الجغرافية، في وضع أضعف بكثير إذ ما جرت المقارنة بينها وشمال إفريقيا في توفير الهيدروجين والكهرباء المتجددة لأوروبا، وأن المغرب ومصر على وجه الخصوص تجريان بالفعل مناقشات متقدمة في هذا الجانب. ومع ذلك، يتوقع أن تكون محاولة الاتحاد الأوروبي دمج دول الخليج كشركاء على المدى الطويل في مجال الطاقة منخفضة الكربون جادة، وبخطوات مبكرة، رغم أن ذلك قد يُستشف منه أنه تحرك ضمني ضد موسكو، وإلى حد ما بكين، ولكن من دون إجبار أحد من دول الخليج على الانحياز إلى، أو العمل ضد، أي جانب.

ونجد من المهم، في خاتمة المقال، الإشارة إلى أن الشراكة الاستراتيجية الجديدة لا تزال تحمل الكثير من العقيدة الأوروبية؛ في مركزتها التاريخية المعروفة، وعدم الاهتمام الكافي بالوقائع العالمية الجديدة غير المرحب بها، لا سيما المواقف المتباينة بشأن دور الطاقة العالمي لروسيا. فبينما ذُكِرَت الولايات المتحدة الأمريكية فقط في سياق المفاوضات مع إيران، لا أوبك، ولا منتدى الدول المصدرة للغاز، يظهران ولا مرة واحدة، ولا الصين، التي ربما كان إغفالها عملاً دبلوماسياً حكيماً. ومع ذلك، فإن الجانبين لم يلتقيا دائماً في مسائل القيم والمبادئ السياسية، لأن خطاب الاتحاد الأوروبي بشأن حقوق الإنسان والتركيز على تطوير السياسات من خلال الإجراءات البيروقراطية، يضعه في تناقض مع بعض النهج الأكثر تراتبية والتركيز على النتائج، التي تفضلها الحكومات في الخليج. وفيما يقر الاتحاد الأوروبي بأن "التحديات المتعلقة بحقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون لا تزال قائمة"، إلا أنه من غير المرجح أن تتم متابعة هذه الأمور بأية طريقة ذات مغزى، لأن الاتحاد الأوروبي سيرغب في تجنب أي تكرار لرد الفعل السياسي والاقتصادي، الذي عانت منه ألمانيا عندما تحدث وزير الخارجية آنذاك زيجمار غابرييل عن" المغامرة "السعودية في الشرق الأوسط، في عام 2018م، لذلك، يمكن القول إن هذه الاختلافات ستظل قائمة، إلا أن حقيقة وجود الكثير من القواسم المشتركة أمر يمكن البناء عليه في التغلب على ما يعترض الشراكة من مهددات، ونظراً لأن هذه القواسم، وما تحتوي عليه الوثيقة من العديد من الأفكار الجيدة، ستجعلها بوابة للتقدم الحقيقي، بدلاً من أساس آخر غير مكتمل من الشراكات.

مقالات لنفس الكاتب