في ١٨ مايو ٢٠٢٢م، كشف الاتحاد الأوروبي عن "بيان مشترك" لتأسيس "شراكة استراتيجية مع الخليج"، ومن الممكن أن نعتبر هذا الإعلان مفاجئاً لعدة أسباب خصوصاً لأنّ التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج العربي كان متواضعاً حتى اليوم.
على الرغم من توقيع أول اتفاق ثنائي بين المُنظمَتين الإقليميتين في عام ١٩٨٨م، لم يؤدِّ هذا الاتفاق إلى تقارب دبلوماسي واستراتيجي حقيقي أثناء السنوات التالية، ومع وجود تبادلات تجارية واسعة بين المنطقتين إلاّ أنها لم تتحول إلى علاقة استراتيجية خاصة.
مما لا شكّ فيه أنّ القوى الأوروبية الأساسية كالمملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا كان لديها علاقاتها الدبلوماسية العميقة مع دول الخليج سياسياً وعسكرياً لكن على المستوى الجمعي كان يبدو أن الاتحاد الأوروبي ما كان لديه رؤية استراتيجية محدّدة نحو الخليج.
لكن السياق السياسي بين الطرفين تغير بشكل كبير خلال السنوات السابقة: أولاً شاهدنا مرحلة جديدة للنظام الإقليمي في الشرق الأوسط منذ تنفيذ اتفاق العلا في عام ٢٠٢١م، الذي أنهى الخلاف بين دول الخليج، بعد أن كانت التوترات بين الرياض وأبو ظبي من جهة والدوحة من جهة أخرى مشكلة واضحة منعت تعزيز التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس دول الخليج.
بالإضافة إلى تسوية هذه الخلاف رأينا خلال المرحلة نفسها عملية مصالحة بين دول الخليج وتركيا وعودة الحوار بين المملكة العربية السعودية وإيران. إلى جانب ذلك رمز إعلان اتفاقات السلام بين الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين مع إسرائيل في شهر سبتمبر ٢٠٢٠م، ما يسمى باتفاقيات إبراهيم -إلى العقلية الجديدة للمسؤولين السياسيين في المنطقة الذين يعطون الأولوية للتعاون الدبلوماسي وللنمو الاقتصادي، حيث سمح ظهور هذا الإطار السياسي الجديد في الخليج بتقدم العلاقات بين دول المجلس والاتحاد الأوروبي.
جرّاء الأزمة حول واردات الطاقة إلى أوروبا التي سببتها الحرب بين روسيا وأوكرانيا منذ فبراير ٢٠٢٢م، تعزّزت أهمية الدول المنتجة للنفط في الخليج بالنسبة إلى الدول الأوروبية، وهذا ما تدلّ عليه التصريحات الرسمية للمسؤولين الأوروبيين مثل "جوزيب بوريل" الممثل السامي للاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية والسياسة الأمنية، و"شارل ميشيل" رئيس المجلس الأوروبي، الذين سافرا إلى المنطقة خلال خريف ٢٠٢٢م، لتأمين مصادر للطاقة من دول الخليج.
من الواضح أن تأثيرات الحرب في أوكرانيا على أسواق الطاقة تمثل عاملاً مهما خلف رغبة الاتحاد الأوروبي بتقوية شراكته مع الخليج، لكنّ الاتجاه الجديد للسياسة الأوروبية نحو المنطقة منذ مايو ٢٠٢٢م، لم يكن نتيجة هذه الأزمة فقط، فقد كانت توجد مصالح مشتركة جوهرية للطرفين في مجال الأمن قبل الصراع الأوكراني.
ينصّ البيان المشترك في ٢٠٢٢م، للاتحاد الأوروبي على وجود هذه المصالح المتبادلة مثل الأمن البحري ومكافحة الإرهاب وأيضًا على تعاون في مجالين تقنيين كالسلامة النووية والأمن السيبراني، كما يوضح تقييم البيئة الجيوسياسية أهمية هذه القضايا للأوروبيين وللخليجيين وضرورة تقاربهم بمعزل عن الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
لكن على الرغم من معرفة منطق التقارب بين الاتحاد الأوروبي ومجلس الخليج، لا نجد كثيراً من التفاصيل الواضحة في النص الأوروبي حول تنفيذ هذه السياسة الجديدة على المستوى الدبلوماسي والعسكري والاقتصادي، وفي الواقع كما كتب الباحثان "تيمو بهر" و"ساسكيا فن جنوجتن" لمعهد الشرق الأوسط الأمريكي، فإنّ هذه الاستراتيجية الأوروبية الجديدة لا تركّز بشكل فعلي على الخليج بل على العملية السياسية في بروكسل و تحديداً على إصلاح البيروقراطية للاتحاد الأوربي و إجراءاتها، ولا نرى في النص تحليلات خاصة عن الخليج نفسه، كما أنّ الوثيقة لا تعترف بالأولويات الاستراتيجية الحالية لدول المنطقة في ضوء السياق الإقليمي الجديد بعد اتفاق العلا وبعد زيادة الطموحات لهذه الدول وراء حدودها من غرب إفريقيا إلى المحيط الهندي. بالتالي يجب علينا أن نناقش الطرائق الممكنة لتعزيز هذا التقارب بين الاتحاد الأوروبي والخليج ولذلك سأقدّم في مقالي أربعة مجالات مهمة وهي: تقوية الحوار الدبلوماسي الأوروبي-الخليجي، زيادة التعاون البحري، تأسيس استشارات ثنائية حول قضية مكافحة الإرهاب وأخيرًا تطوير التنسيق التقني والصناعي على صعيد السلامة النووية والأمن السيبراني.
١. تقوية الحوار الدبلوماسي الأوروبي-الخليجي
من الواضح أن الخطوة الأولى لتعزيز العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والخليج ستكون توسيع التمثيل الدبلوماسي الأوروبي في المنطقة، لأنّه بدون هذا التمثيل لا يستطيع مسؤولو المؤسسات الأوروبية في بروكسل أن يفهموا التطورات الاستراتيجية الإقليمية بالضبط، فاليوم يوجد ثلاث "بعثات" للاتحاد الأوروبي في الخليج التي تعمل كسفارات منذ تأسيس الدائرة الأوروبية للشؤون الخارجية في عام ٢٠٠٩م. أولاً، يوجد بعثة خاصة إلى المملكة العربية السعودية تحمل على عاتقها مسؤولية دبلوماسية على مستوى العلاقات الثنائية مع الرياض وأيضًا على المستوى الإقليمي بالنسبة إلى الحوار بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون لدول الخليج، ثانيًا يوجد بعثة إلى الإمارات، وثالثاً كانت البعثة إلى الكويت في عام 2019م. ومؤخراً أعلن الاتحاد الأوروبي عن نيتّه تشكيل بعثة رابعة إلى الدوحة في المستقبل القريب وحسب معلومات غير رسمية تُثار في الدوائر السياسية في بروكسل فهناك مشروع بعثة إضافية إلى سلطنة عمان.
في السياق نفسه، أكد البيان المشترك الأوروبي في مايو ٢٠٢٢م، أن الاتحاد الأوروبي سيعين ممثلاً خاصًا لأمن الخليج وسيعمل هذا المسؤول الدبلوماسي الجديد على تحسين الحوار الاستراتيجي بأعلى مستوياته.
٢. زيادة التعاون البحري
إذا أخذنا بعين الاعتبار أهمية التبادلات التجارية بين أوروبا والخليج، فإنّ الأمن البحري يمثل المجال الأول لتعزيز العلاقات بين المنطقتين بهدف حماية الاستقرار البحري وحماية حرية الملاحة ضد التهديدات المحلية المتمثلة بالهجمات الإرهابية وانتهاكات القراصنة في القرن الإفريقي حتى مضيق هرمز وأيضًا الاستراتيجية العسكرية البحرية للنظام الإيراني عبر هجماتها على سفن تجارية كما حصل في الخليج في مايو عام ٢٠١٩م، ضد حادثة "ناقلات النفط" بالقرب من ميناء الفجيرة.
وفي السياق نفسه قد حافظت دول الاتحاد الأوروبي على مصالحها البحرية عبر استعمال قواتها البحرية في هذه المنطقة منذ فترة طويلة وخاصة كرد فعل على زيادة القرصنة في مضيق باب المندب بسبب الأزمة الأمنية في الصومال وانتشار القراصنة الذي أدى إلى شن عملية بحرية أوروبية "أتلانتا" في ديسمبر ٢٠٠٨م، وتبقى هذه العملية حتى اليوم جزءاً لا يتجزّأ من الاستراتيجية الأوروبية في القرن الإفريقي. وفي ديسمبر ٢٠٢٢م، قرر المجلس الأوروبي إطالة عملية "أتلانتا" وتوسيع أهدافها في البحر الأحمر حيث ستمنع القوات البحرية الأوروبية الهجمات الإرهابية والقرصنة ضد السفن المدنية.
وفي الوقت نفسه يُعتبر استقرار منطقة البحر الأحمر قضية حاسمة أيضًا لدول الخليج وخصوصًا للمملكة العربية السعودية التي بادرت إلى تأسيس "تحالف البحر الأحمر" في بداية عام ٢٠٢٠م، هذا التحالف الذي يضم ثمانية دول شاطئية يعكس زيادة دور دول الخليج في تعزيز النظام الأمني حول البحر الأحمر الذي يمثل طريق مرور محوري بين أوروبا، إفريقيا والخليج وبالتالي فإنّ مسألة استقرار هذا الطريق ستبقى أولوية للاتحاد الأوروبي ولدول الخليج.
لذلك يجب على الأوروبيين والخليجيين أن يعتبروا التعاون الدبلوماسي والعسكري حول الملف في طليعة برنامج حوارهم الاستراتيجي.
بالإضافة إلى "أتلانتا"، أطلقت ٩ دول أوروبية مبادرة للأمن البحري في مضيق هرمز في عام ٢٠١٩م - EMASOH - بعد سلسلة الحوادث ضد أربعة سفن تجارية في خليج عمان، وتهدف هذه المبادرة الأوروبية إلى منع التصعيد بين إيران ودول الخليج في ضوء زيادة التوترات خلال السنوات السابقة، وفي مقابلاتي مع بعض المسؤولين الأوروبيين، قدموا EMASOH كعملية بحرية لتعزيز الاستقرار في المنطقة لكل الدول المجاورة وليست عملية تستهدف إيران حصريًا مثل المبادرة التي أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية- SENTINEL - ولمدة طويلة كانت مسؤولية الأمن البحري في الخليج العربي تحت الإشراف الأمريكي بسبب الرجحان العسكري للولايات المتحدة وغياب منافس حقيقي في المنطقة منذ السبعينيات. و لأن القوات البحرية الأمريكية كانت تؤمن بتنفيذ "عقيدة جيمي كارتر" بعد عام ١٩٨٠م، التي اعتبرت استقرار الخليج أولوية استراتيجية لواشنطن لكن ضعفت هذه المقاربة الأمريكية نحو المنطقة خلال العقد السابق خصوصًا بسبب رغبة الولايات المتحدة بتركيز قواتها المسلحة على آسيا في سياق تنافسها مع الصين وبالتالي شهدنا خلال نفس هذه المرحلة انخفاض الوجود الأمريكي في الخليج وحالياً هذا التغير الجيوسياسي يؤدي إلى استثمارات جديدة لدول الخليج بقدرات قواتها البحرية كما نرى عبر السفن العسكرية الجديدة للجيوش السعودية، الإماراتية والقطرية و العمانية خلال السنوات السابقة. هذه السياسة البحرية الجديدة لدول الخليج تعكس طموحاته بلعب دور أساسي في الإقليم وليس في الجزيرة العربية فقط بل في المحيط الهندي نفسه.
عبر نشر البيان المشترك للاتحاد الأوروبي أعلن مسؤولوه عن رغبتهم بتعزيز التنسيق بين أتلانتا وEMASOH ومن المناسب أن تعزيز التنسيق هذا سيؤدي أيضًا إلى تحسين الحوار العسكري مع دول الخليج التي لديها طموحات جديدة في مجال الأمن البحري.
لذلك فإنّ الحوار مع الاتحاد الأوروبي حول الأمن البحري سيسمح بتحقيق هذه الطموحات وعلى سبيل المثال من الممكن أن هذا الحوار يشمل مناقشات حول تقييم التحديّات الأمنية التي تواجه الطرفين وحول التخطيط لمناورات بحرية مشتركة وإلى تعاون صناعي على صعيد التحديث الجاري للقوات البحرية الخليجية.
٣. تأسيس الاستشارات حول قضية مكافحة الإرهاب
يواجه الأوروبيون والخليجيون تهديد التطرف الديني بشكل مماثل وفي السابق انتقل عدد من قادة المنظمات الإرهابية من دول أوروبية إلى الخليج، لاسيما إلى اليمن لتخطيط و تنسيق عملياتهم وهكذا حتى اليوم تبقى مكافحة الإرهاب أولوية البرنامج الاستراتيجي الأوروبي ومن الممكن أن نراقب الجهود الأوروبية في هذا المجال على المستوى الداخلي من خلال ما تقوم به قوات الشرطة في الدول الأوروبية و من خلال تنفيذ برامج نزع التطرف -deradicalization programs - وعلى المستوى الخارجي عبر استخدام القوات العسكرية الأوروبية لمكافحة الإرهاب في سوريا والعراق والساحل الإفريقي.
تشير وثيقة الاستراتيجية الأوروبية الجديدة مع الخليج إلى أهمية التعاون في هذا المجال ويركز نصّها على الحوار بين الخليجيين والأوروبيين حول "أفضل الممارسات" (best practices) بالنسبة إلى الحدّ من تمويل المنظمات الإرهابية وحول مكافحة الأيديولوجية المتطرفة.
لذلك من الممكن أن المنظمة الدولية "هداية" لديها دور أساسي بتقوية العمل المشترك فقد ظهرت "هداية" في عام ٢٠١٢م، بعد مبادرة المنتدى العالمي ضد الإرهاب ومنذ تأسيسها حازت على تجربة كبيرة في إصلاح برامج التعليم في العالم العربي ضد الخطاب المتطرف، فقد عملت "هداية" مع الاتحاد الأوروبي على بعض مشاريع مشتركة كبرنامج "سترايف" (STRIVE) الذي يدعم المؤسسات الحكومية في كل العالم لتنفيذ سياسة فعّالة في مجال مكافحة الإرهاب (على سبيل المثال هذا البرنامج يوجد اليوم في دول منطقة البلقان وآسيا الوسطى).
في المستقبل، بعد تعيين ممثل خاص أوروبي سيكون الأول لأمن الخليج، من الضروري أن تضع بروكسل مكافحة الإرهاب ضمن برنامج حوارها مع دول المنطقة عبر تشكيل منتدى ثنائي في إطار العمل الخاص في هذا المجال كما قد رأينا في موضوع تحسين التعاون الاقتصادي.
في هذا الإطار يمكن أن نرى منطقة الساحل الإفريقي كإقليم محوري للتعاون بين الأوروبيين والخليجيين ضد تحديات الإرهاب: منذ سنوات عمل الاتحاد الأوروبي على مكافحة الإرهاب في الساحل الإفريقي - وخصوصا منذ تدخُّل فرنسا في مالي في عام ٢٠١٣م، لإنقاذ النظام السابق في باماكو وفي الوقت نفسه عززت دول الخليج سياستها نحو الساحل أيضًا لانّ المسؤولين الخليجين يعتبرون كما نظرائهم الأوروبيين أن تحقيق الاستقرار في الساحل ضروري لمنع انتشار المنظمات الإرهابية من إفريقيا إلى الخليج و أوروبا، فبالتالي في ٢٠١٧م، قررت المملكة العربية السعودية والإمارات بدعم مالي للقوة العسكرية المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس – مالي ـ تشاد ـ بوركينافاسو ـ موريتانيا ـ والنيجرـ التي أسستها دول المنطقة في عام ٢٠١٤م، وتهدف هذه المساعدة الخليجية لتقوية قدرات الجيوش المحلية على شن عمليات مشتركة ضد الحركات الإرهابية، لاسيما في المناطق الحدودية بين مالي، النيجر، وبوركينافاسو.
بالإضافة إلى ذلك نرى تعزيز استثمارات دول الخليج في الساحل على المستوى الثنائي، على سبيل المثال الإمارات قامت ببناء شراكة أساسية مع موريتانيا لدعم تنميتها وتقوية قواتها المسلحة. بالرغم من وجود هذه المصالح المشتركة للاتحاد الأوروبي ودول الخليج في الساحل، هذا الموضوع ليس لديه تغطية كافية على صعيد الحوار السياسي وفي وثيقة ٢٠٢٢م، نجد إشارة واحدة إلى هذا التعاون بين أوروبا والخليج في الساحل فقط.
٤. تطوير التنسيق التقني والصناعي على صعيد السلامة النووية والأمن السيبراني
بالإضافة إلى التعاون الدبلوماسي والعسكري، من اللازم أن نأخذ بعين الاعتبار تعزيز العلاقات بين الاتحاد الأوروبي والخليج في مجالات أكثر تقنية كالسلامة النووية والأمن السيبراني اللذان يمثلان أولويتين لدول الخليج في ضوء مشاريعها بتنويع الاقتصاد.
الموضوع السيبراني يقع بين مكافحة الإرهاب -لاسيما استعمال شبكات التواصل الاجتماعي لنشر الأيديولوجية المتطرفة -وحماية البنيات التحتية ضد الهجوم السيبراني واليوم يواجه الأوروبيون والخليجيون نفس التحدي في هذا المجال.
هكذا تدعو الاستراتيجية الأوروبية الجديدة لتأسيس حوار مشترك حول الأمن السيبراني لكن من دون ذكر تفاصيل عن البرنامج أو الأهداف الخاصة. في الواقع، لدى الأوروبيين والخليجيين مقاربة مختلفة نحو السياسة السيبرانية على مستوى القانون فيما يتعلق بالمؤسسات المسؤولة عن هذه المهمة بسبب الاختلاف الكبير في إطار مفهوم "حرية التعبير"، حول تعريف الخطاب المتطرف وحول السياسات الصناعية – حيث تعتمد كل دول الخليج على شركة "هواوي" الصينية بينما بروكسل تعتبرها أداة تأثير غير مباشرة للنظام الصيني. مما يدعو للشكّ أن الاتحاد الأوروبي والخليج يستطيعان أن يتوصّلا إلى إجماع حول كل أبعاد الأمن السيبراني بسبب هذه الاختلافات لكن يمكن أن يركزا على القضايا التقنية مثل تنسيق العمليات بين الحكومات والقطاعات الصناعية ضد تهديد الهجوم السيبراني فمن الواضح أن مجلس التعاون سيتعلم من تجربة الاتحاد الأوروبي الذي اسّس استراتيجية خاصة للأمن السيبراني منذ عام ٢٠١٤م، وبالتالي فإنّ سياسة الاتحاد الأوروبي تشمل الدعم الدبلوماسي والتقني لشركائها في الشرق الأوسط والخليج لتعزيز وسائل الدفاع السيبرانية للمؤسسات الحكومية والبنيات التحتية ضد هذا النوع من الهجومات.
بالنسبة إلى السلامة النووية، تعتبر خبرة الاتحاد الأوروبي في هذا المجال فرصة مهمة لدول الخليج في سياق تطوير سلسلة من البرامج النووية في المنطقة: اليوم نجد مشاريع لاستخدام الطاقة النووية في المملكة العربية السعودية والإمارات التي بدأت بناء محطة "براكة" للطاقة النووية في ٢٠١٢م، في إطار التعاون التقني مع الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية.
مع ذلك، تبقى القضية الكبرى حول استعمال الطاقة النووية في المنطقة متعلقة بالمشروع الإيراني والشكوك حول بعده العسكري وهذه الشكوك أدت إلى الخلاف بين طهران والمجتمع الدولي منذ عقدين وبالتالي أثارت دول الخليج قضية السلامة حول المحطات الإيرانية ولاسيما المحطة الكهرو ذرية في بوشهر التي تقع في الساحل الغربي الإيراني بالقرب من المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى وحسب عدة سيناريوهات علمية، أي حادثة نووية في بوشهر ستؤدي إلى كارثة بيئية وإنسانية.
إذن بسبب المعرفة التقنية الأوروبية حول ملف السلامة النووية يمثل الموضوع جزأً مهمًا آخرًا للتعاون الثنائي ولذلك يمكن للأوروبيين والخليجيين أن يعززوا قدراتهم مثل "مركز التميّز للدفاع ضد المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية" للاتحاد الأوروبي ومجلس أمانته يقع في أبو ظبي.
ختاماً، من الواضح أن الأوروبيين والخليجيين لديهم عدد من المصالح الأمنية المشتركة ويُعتبر تنفيذ السياسة الأوروبية الجديدة نحو المنطقة خطوة إيجابية بعد سنوات عديدة من دون تقدم في مجال التقارب الدبلوماسي بين الطرفين.
مع ذلك، من اللازم أن نعترف باستمرار القيود المفروضة على تطوير هذه الشراكة الاستراتيجية الجديدة: من جهة الأوروبيين، فإنّ تقوية العلاقات مع الخليج ليست أولوية بالمقارنة مع الحرب في أوكرانيا التي ستبقى القضية المركزية للمؤسسات الأوروبية في المستقبل القريب وبالإضافة إلى ذلك ستؤثر فضيحة الفساد في البرلمان الأوروبي في نهاية ٢٠٢٢م، على البيئة الدبلوماسية بين الاتحاد والخليج فالصعوبات لتعيين الممثل الخاص لأمن الخليج حتى اليوم تنعكس على آثار هذه الفضيحة. من جهة الخليج، الشراكة مع الاتحاد الأوروبي لن تتطور من دون تحسين التعاون الداخلي بين دول الخليج وبالتأكيد كان اتفاق العلا خطوة مهمة لذلك، وبالتالي يجب أن يؤدي السياق الدبلوماسي الحالي إلى تعزيز دور مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال تأسيس نظام أمني إقليمي لأن تقوية المجلس ضرورية لاستمرار كل شراكات الخليج.