; logged out
الرئيسية / العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون وكل من الصين واليابان

العلاقات الاقتصادية بين دول مجلس التعاون وكل من الصين واليابان

الأحد، 01 أيار 2011

أسهمت العوامل الاقتصادية والحقائق الديموغرافية في صياغة مصطلح (القرن الآسيوي) خلال ثمانينات القرن العشرين، وذلك في سياق التنبؤ بهوية اللاعبين الرئيسيين المؤثرين في مجريات الأحداث خلال القرن الحادي والعشرين. ويبدو أن هذا التنبؤ كان في محله، حيث برزت اليابان والصين باعتبارهما من أهم القوى الاقتصادية على المستوى العالمي، بالإضافة إلى عدد من الاقتصادات الناهضة الأخرى في جنوب شرق آسيا، والتي أصبح لها تأثير كبير في الأسواق العالمية، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي.

شهدت دول مجلس التعاون الخليجي في الآونة الأخيرة مرحلة جديدة في علاقاتها الاقتصادية الدولية كنتيجة حتمية لجملة من المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية التي برزت خلال السنوات الماضية، فعلى صعيد المتغيرات المحلية، طرأت جملة من التطورات في مجال التنمية والإصلاح الاقتصاديين، وهو الأمر الذي استدعى إعادة النظر في أجندة التفاعلات الاقتصادية لهذه الدول في المحيط الدولي، أما المتغيرات الإقليمية فهي الآثار الناجمة عن التغيرات الجيوسياسية واستحقاقاتها الاقتصادية لدول المنطقة، فيما تمثلت المتغيرات الدولية في تحرير التجارة العالمية مع تنامي أعداد الدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية، وتزايد دور الشركات متعددة الجنسيات في الاقتصاد العالمي، وتنامي ظاهرة العولمة، والحرب على الإرهاب التي بدأت منذ أحداث سبتمبر 2001.

إن أهم معالم العلاقات الاقتصادية الخليجية الدولية الراهنة هو التوجه نحو آسيا، حيث نلاحظ الإعلان عن دخول دول المجلس في مفاوضات لإقامة منطقة تجارة حرة مع الصين بعد أن وقّع الطرفان على الاتفاقية الإطارية للتعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري والفني. وتكتسب العلاقات مع الصين دلالات بالغة بالنسبة لمنطقة دول المجلس نظراً لوزن الصين الاقتصادي، فهي البلد الأكثر نهوضاً في آسيا والذي يشهد طفرات اقتصادية قياسية، بالإضافة إلى ما تستأثر به الصادرات الخليجية النفطية إلى الصين من حصة كبيرة.

الصين واليابان: التعطش للنفط

بدت الصين إحدى الدول المتجهة بخطى متسارعة نحو تأكيد حضورها في المنطقة الخليجية، يدفعها في ذلك تعطشها المتنامي للنفط ومقاربتها الجديدة لموقعها ودورها العالمي. وتمثل قضية الطاقة بعداً حيوياً في علاقات الصين الخليجية، ويجد ذلك خلفيته في حقيقة أن الصين لديها أكبر نمو عالمي في هذا القطاع، وهي ثاني أكبر مستهلك للطاقة على الصعيد العالمي. وفي ضوء انخفاض الإنتاج المحلي، ستجد الصين نفسها مضطرة لاستيراد نحو 10 ملايين برميل يومياً من النفط بحلول العام 2030م، أي ما يزيد على 8 في المائة من إجمالي الطلب العالمي، كما سيتعين عليها استيراد نحو 30 في المائة من احتياجاتها من الغاز الطبيعي بحلول العام نفسه.

الصين إحدى الدول المتجهة بخطى متسارعة نحو تأكيد حضورها في المنطقة الخليجية

أما اليابان التي تشتهر بقوة اقتصادها، الذي يضخ ما يقارب 7 في المائة من الإنتاج الإجمالي العالمي، في حين يغطي حوالي 10 في المائة من مجموع الصادرات والواردات العالمية، فإنها تعاني نقصاً في مصادر الطاقة التي من شأنها دعم نشاطها الاقتصادي. وتعتمد في تغطية هذا النقص على دول الخليج بما نسبته 80 في المائة من احتياجاتها من الطاقة.

وبما أن دول مجلس التعاون الخليجي الست تمتلك أكبر احتياطي نفطي مؤكد في العالم، حيث تمتلك ما يزيد على 45 في المائة من الاحتياطي العالمي من النفط، ونحو 15 في المائة من الاحتياطي العالمي من الغاز الطبيعي، كان من الطبيعي أن تعمل كل من الصين واليابان على تأسيس علاقة شراكة مع دول المجلس تقوم على أساس المصالح المشتركة.

ينبغي على الدول الخليجية الاستفادة من التجربة الصينية الاقتصادية الفريدة

الشراكة الاقتصادية

مثل التعاون التجاري الخليجي مع كل من اليابان والصين أهم محاور العلاقات الاقتصادية بين الجانبين، حيث يلاحظ وجود زيادة مستمرة في حجم المبادلات التجارية بين دول مجلس التعاون الخليجي وكل من طوكيو وبكين، وإن كانت تشهد تذبذبات واضحة تعود في معظمها إلى التقلبات التي تشهدها أسعار النفط في السوق الدولية باعتباره المكون الرئيسي للصادرات الخليجية.

ورغم أن النفط مثل عاملاً رئيسياً في تحديد ملامح الشراكة بين الطرفين، غير أن اختزال العلاقة بينهما في أهمية سلعة النفط وحدها يعتبر تبسيطاً مفرطاً لعلاقةٍ أغنى من ذلك بكثير. فقد سعت كل من طوكيو وبكين، وعلى نحو تدريجي، إلى تنويع مجالات التعاون مع دول مجلس التعاون، حيث اتجهت الدولتان إلى زيادة حجم استثماراتهما في منطقة الخليج وتوسيع دائرة التواصل الثقافي والإنساني مع دول المنطقة، وهو ما ترتب عليه توثيق علاقات التعاون، بل الاعتماد المتبادل مع دول الخليج العربية.

وقد بلغ حجم الاستثمارات اليابانية في منطقة الخليج خلال عام 2006 ما قيمته 10 مليارات دولار مقابل استثمارات خليجية في اليابان قدرها 25 مليار دولار.

كما شهد حجم الاستثمارات الصينية - الخليجية تطوراً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، حيث بلغت قيمة الاستثمارات الصينية في المنطقة نحو خمسة مليارات دولار خلال عام 2005.

أهمية العلاقات الخليجية مع الصين واليابان

إن قوة الاقتصاد الياباني وأهميته على المستوى العالمي، فضلاً عن تنامي قوة الصين وتعاظم دورها السياسي والاقتصادي، ترشحها للعب دور متميز في التخفيف من هيمنة الولايات المتحدة والثقل العسكري والاقتصادي وحيد الاتجاه في المنطقة العربية بشكل عام ومنطقة الخليج العربي بشكل خاص، كما أن الصين ـ على وجه الخصوص ـ لديها تجربة اقتصادية ينبغي على الدول الخليجية الاستفادة منها، فخلال فترة زمنية قصيرة مدتها 26 عاماً من 1978 حتى 2004، ارتفع إجمالي الناتج المحلي للصين من 147.3 مليار إلى 1.6494 تريليون دولار أمريكي بمعدل نمو سنوي وصل في المتوسط إلى 9.4 في المائة، وحسب توقعات المركز الصيني فإن الناتج المحلي الإجمالي للصين سيبلغ 2.3 تريليون دولار بحلول عام 2010مـ وفقاً للأسعار ومعدلات الصرف التي كانت سائدة عام 2000ـ ومن المتوقع أن يتضاعف الناتج الإجمالي إلى 4.7 تريليون دولار بحلول عام 2020م، كما ارتفعت تجارتها الخارجية من 20.6 مليار إلى 1.1548 تريليون دولار، بمعدل نمو سنوي تجاوز 16 في المائة في المتوسط، بينما صعد احتياطيها من النقد الأجنبي من 167 مليوناً إلى نحو 650 مليار دولار خلال الفترة نفسها. وقد اجتذبت الصين استثمارات أجنبية مباشرة تصل إلى 562.1 مليار دولار حتى نهاية عام 2004، أي بمعدل 22.48 مليار سنوياً في الفترة (1978 - 2004)، وتوجد فيها حالياً مشروعات استثمارية لنحو 400 من أصل أكبر 500 شركة عالمية مصنفة في قائمة مجلة (فورتشن) الأمريكية.

الصين مضطرة لاستيراد نحو 10 ملايين برميل يومياً من النفط بحلول 2030

آفاق العلاقات الاقتصادية بين الجانبين

بالنظر عن قرب إلى واقع العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي من جهة وكل من اليابان والصين من جهة ثانية، يمكننا أن نلاحظ وجود كم يعتد به من المصالح المتبادلة بين الطرفين، والتي لا تتناسب مع طبيعة العلاقات القائمة، بما يتطلب البدء في حوار استراتيجي بين الجانبين يهدف إلى طرح السبل الكفيلة بتفعيل تلك العلاقات بما يساهم في حماية مصالح الطرفين.

وفي هذا الصدد تجدر الإشارة إلى أن تمازج الخبرات التكنولوجية اليابانية والصينية والأموال والخبرات الاستثمارية الخليجية يمكن أن ينتج مشروعات اقتصادية ذات مردود مرتفع، فهناك مجالات استثمارية وفرص واعدة لدى الطرفين في حقول النفط والغاز والمياه والاتصالات وتكنولوجيا المعلومات والمواصلات والصناعات الكهربائية والصناعات الكيماوية والبتروكيماوية.

وفي الحقيقة، فإن المعطيات القائمة والتوقعات المرتقبة كافة تؤكد أن التعاون الخليجي مع كل من الصين واليابان مقبل على مرحلة لافتة من النمو والاتساع، إلا أن ذلك لن يتحقق إلا من خلال دعم التعاون في مجالات الطاقة والبيئة ودعم البحث العلمي، ونقل التكنولوجيا وزيادة التواصل بين فعاليات القطاع الخاص في المنطقتين، وإقامة المشاريع المشتركة بينهما، فضلاً عن التأكيد على أن تقوم الصين واليابان بتشجيع المستثمرين من كلا البلدين على زيادة استثماراتهم في دول مجلس التعاون، خاصة في ظل الحوافز التي قدمتها هذه الدول مؤخراً، حيث أصدرت قرارات تهدف إلى تحسين بيئة الاستثمار، وجعلها أكثر جاذبية.

خلاصة القول أن التطورات التي تشهدها العلاقات الاقتصادية الخليجية مع كل من اليابان والصين تعد جيدة، والتي يمكن أن تشكل كل منها شريكاً استراتيجياً للمجلس من الناحيتين الاقتصادية والسياسية، حيث يمكن أن تقدم دعماً تكنولوجياً وصناعياً غير محدود للدول الخليجية التي تمتلك رؤوس أموال قادرة على تحويل اقتصاداتها إلى اقتصاديات صناعية، بالإضافة إلى تقديم الخبرة الإدارية والاقتصادية، والتي يمكن أن تساعد على تحقيق التنمية والتقليل من البطالة وإدارة الاستثمارات وجذبها، كما تستطيع الصين واليابان. عبر أسواقهما وقطاعاتهما الاقتصادية. أن تكونا ملجأ ممتازاً لرؤوس الأموال والاستثمارات الخليجية وخاصة أثر الفوائض المالية المحققة نتيجة للطفرة النفطية التي تشهدها المنطقة على مدار السنوات الأربع الأخيرة.

ولكن يبقى الأمر بحاجة إلى بنية أساسية متطورة من أجل تعزيز هذه العلاقات، خصوصاً في مجال تبادل المعلوماتية وقطاع النقل، بالإضافة إلى السعي الدؤوب للبحث عن أسواق وفرص واعدة للاستثمارات الخليجية في تلك الدول، والعكس من خلال جذب الاستثمارات اليابانية والصينية في القطاعات الخليجية التي تحتاج إلى خبرة كلا البلدين.

كما يجب التأكيد على أهمية استحداث مؤسسات في إطار المجلس تتولى رسم الاستراتيجيات التي يتم بمقتضاها حسن التعامل مع المتغيرات الاقتصادية الدولية، خصوصاً العولمة والتكتلات الإقليمية، فضلاً عن العلاقات مع الدول الكبرى لاسيما من خلال تأهيل كوادر خليجية قادرة على إدارة الحوار والمفاوضات مع الشركاء الرئيسيين، ليس بهدف تعزيز الصادرات الخليجية فحسب، بل في الكيفية التي يمكن لهذه العلاقات أن تعمل بمثابة محرك لتعزيز الاقتصاد الخليجي من دون تعارضها مع الهدف الأساسي وهو دعم التكامل الاقتصادي.

مقالات لنفس الكاتب