array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

واشنطن تحترم الحق السيادي لدول الخليج في علاقاتها الخارجية والشراكة تدعم الازدهار

الإثنين، 30 كانون2/يناير 2023

في منتصف عام 2022م، أعلنت المفوضية الأوروبية اعتماد الوثيقة المشتركة بشأن "شراكة استراتيجية مع الخليج" بهدف تعميق وتوسيع نطاق التعاون بين الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي والدول الأعضاء فيه. ومن المتوقع أن يحقق الجانبان استفادة كبيرة من خلال شراكة أقوى وأكثر عمقًا استراتيجيًا تمتد عبر عدد من المجالات الرئيسية. وتشمل هذه المجالات، العمل على تدعيم الأمن في منطقة الخليج والشرق الأوسط الكبير، ومخاطبة التهديدات الأمنية العالمية، وأمن الطاقة، والتغير المناخي، والاحتباس الحراري. ذلك إلى جانب تعزيز التعاون في مجال الرقمنة، والتجارة، والاستثمار، والتعليم، والبحوث، والتبادل الثقافي. يتمتع كل من الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي بوضع جيد يسمح لهما متابعة هذه الشراكة الاستراتيجية والعمل على تعزيزها. إذ يعد الاتحاد الأوروبي أكبر سوق موحدة على مستوى العالم، كما أنه رائد في مجال البحث والابتكار، وشريك أمني مهم لدول الخليج، وفاعل أساسي في قضية التغير المناخي والأمن السيبراني. على الجانب الآخر، تمتلك دول مجلس التعاون الخليجي، مخزونًا وافرًا من الرواسب الهيدروكربونية، وأصول مالية ضخمة، كما تنعم بأداء اقتصادي سليم واستقرار سياسي.

تأسس التعاون بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي على اتفاقية التعاون المُوقعة خلال عام 1988م، ومنذ ذلك الحين، يتم عقد مجالس التعاون المشترك السنوية، والاجتماعات الوزارية بين مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي. ذلك بالإضافة إلى حرص الجانبين على إجراء مشاورات سياسية رفيعة المستوى بانتظام، فيما تستضيف كلتا المنطقتين الاجتماعات السنوية للمدراء الإقليميين. ويعتبر الاتحاد الأوروبي ثاني أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون الخليجي، بعد أن بلغت حصته من تجارة دول المجلس في السلع نحو 12.3% خلال عام 2020م، ليحل في المرتبة الثانية بعد الصين التي بلغت نسبتها 15.8%.  في المقابل، بلغ إجمالي واردات دول مجلس التعاون من الاتحاد الأوروبي 7.8%. وفي مايو عام 2017م، تم إطلاق حوار غير رسمي منظم حول التجارة والاستثمار ويجتمع أطرافه منذ ذلك الحين على أساس سنوي. وبرغم تنوع صادرات الاتحاد الأوروبي إلى دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها تركز على المنتجات الصناعية مثل؛ محطات توليد الطاقة، وقاطرات السكك الحديدية، والطائرات، وكذلك الآلات الكهربائية، والأجهزة الميكانيكية.

يعد التعاون في مجال مكافحة الإرهاب والعلاقات الأمنية مع دول الخليج من أولويات الاتحاد الأوروبي، الذي يسعى من جانبه إلى تطوير حوار مُوسع ومطمئن مع الجانب الخليجي حول التحديات الأمنية الإقليمية مثل؛ إحياء الاتفاق النووي مع إيران والحرب في اليمن، والصراع الدائر في سوريا. كما يهدف الجانب الأوروبي إلى توثيق التعاون المشترك في مجالات أخرى مختلفة مثل: مكافحة تمويل الإرهاب والتطرف، ومكافحة غسيل الأموال، ودعم القوات الأمنية، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل (الكيميائية، والبيولوجية، والإشعاعية، والنووية) والصواريخ التي تُستخدم في إطلاقها.

 

العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي وروسيا: اتسم النهج الروسي تجاه منطقة الشرق الأوسط منذ بداية الألفية الثالثة بالحزم، وكان مدفوعًا إلى حد كبير بالمخاوف الاستراتيجية والاقتصادية. وقد أدى الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير 2022م، إلى مطالب من قبل قادة الاتحاد الأوروبي بخفض مستوى اعتماد المنطقة الأوروبية على الطاقة الروسية بشكل كبير. إذ تعتبر روسيا، تاريخيًا، أكبر مُصدر للغاز الطبيعي عالميًا، وثاني أكبر مُصدر للنفط بعد المملكة العربية السعودية. وظلت موسكو على مدار فترات طويلة المورد الرئيسي للإمدادات الأوروبية من النفط، والغاز، والفحم. حيث ُتمثل خمسي إمدادات الغاز الواردة إلى الاتحاد الأوروبي، وربع وارداته من النفط الخام، وما يقرب من نصف إجمالي شحنات الفحم الأوروبية المستوردة. وفي عام 2021م، بلغت صادرات موسكو من النفط الخام إلى أوروبا نصف إجمالي صادراتها من المعدن الأسود. رغم ذلك، نجح قادة الاتحاد الأوروبي في أعقاب الغزو الروسي لأوكرانيا، في تقليص مستوى الاعتماد المُفرط على إمدادات الهيدروكربون الروسية.

من جانبها، أرجأت دول الشرق الأوسط التي تجمعها علاقات مع روسيا، بما في ذلك شركاء واشنطن على الصعيد الأمني، الانضمام إلى الإدانة الدولية التي يتزعمها المعسكر الغربي ضد العدوان الروسي، كما رفضت الانضمام لمحاولات عزل موسكو اقتصاديا. وفي هذا السياق، اتفقت" أوبك" وحلفاؤها في أوائل أغسطس الماضي، على زيادة إنتاجهم النفطي، بمقدار 100 ألف برميل فقط، والتي تعد واحدة من أصغر الزيادات المُقررة في تاريخ المنظمة النفطية، بما يُمثل 0.1% من الطلب العالمي على النفط الخام. وقد تسبب هذا القرار في خيبة أمل لدى العواصم الغربية، خاصة بعد أن التقى الرئيس الأمريكي جون بايدن، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بشكل منفصل مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان خلال الأشهر الماضية. لكن كان دومًا هناك تأكيد من قبل قادة المملكة ونظرائهم من كبار منتجي النفط على أن قرار "أوبك" سواء بزيادة الإنتاج أو خفضه، تُمليه الاعتبارات الاقتصادية ولا يخضع لدوافع سياسية. وعلى هذا النحو كان الهدف من الزيادة الأخيرة، مدفوعًا بالرغبة في الحفاظ على إمداد الاقتصاد العالمي بشكل جيد، وتجنب صدمات الأسعار.

العلاقات بين مجلس التعاون الخليجي والصين: استثمر قادة الخليج بكثافة في تدعيم علاقات بلدانهم مع الصين، وأقاموا روابط شخصية مع الرئيس الصيني شي جين بينغ. وظلت بكين على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، أكبر شريك تجاري لدول مجلس التعاون، وأكبر مستورد للنفط الخليجي، كذلك تعد الصين مصدرًا بارزًا للاستثمارات المباشرة داخل الكتلة الخليجية. فيما يتمتع الجانبان برؤية مشتركة، تدعم انفتاح المنطقة أمام مشاركة قوى عالمية أخرى مثل روسيا، والهند إلى جانب الصين، كما يتعاون الجانبان في مجال الأمن البحري، ومصادر الطاقة المتجددة، والتقنيات العسكرية والاتصالات المتقدمة. في حين أصبح التعاون المشترك في تجارة الطاقة والاستثمارات الصينية المباشرة، أمرًا لا غنى عنه نسبيًا من أجل مسيرة التحول الاقتصادي التي تقودها دول الخليج بعيدًا عن طاقة الوقود الأحفوري، ومصدر رئيسي للتكنولوجيا المتقدمة.

في ضوء ذلك، قام الرئيس الصيني جين شي بينغ أوائل ديسمبر الماضي، بزيارة تعد الأولى له منذ 6 أعوام، حيث التقى خلالها مع قادة المملكة وزعماء دول خليجية وعربية آخرين. وتأتي زيارة الرئيس الصيني بعد 5 أشهر من تصريحات للرئيس الأمريكي جون بايدن حذر خلالها من أن بلاده لن تتنازل عن منطقة الشرق الأوسط للصين أو لأي طرف آخر. في الوقت ذاته، تتصدر المملكة العربية السعودية قائمة وجهات الاستثمارات الأجنبية الصينية المُعلنة في منطقة الخليج على مدار العشرين عامًا الماضية، بإجمالي استثمارات بلغ 106.5 مليار دولار، متقدمة على الكويت بـ 97.6 مليار دولار، و46 مليار دولار للإمارات. وتستند العلاقات بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي على أساس تجارة النفط، حيث تعد المملكة العربية السعودية وغيرها من المنتجين الخليجيين، أكبر موردي النفط إلى الصين، في حين تعتبر بكين أكبر شريك تجاري للمنطقة، رغم ذلك، استطاعت العلاقات الخليجية الصينية خلال الأعوام الأخيرة تجاوز قطاع النفط لتشمل محاور أخرى، لاسيما فيما يخص التعاون التكنولوجي، وهو الأمر الذي أبدت واشنطن معارضتها له مرارًا. لاسيما تعاون شركات سعودية مع شركة "هواوي" الصينية في تطوير تكنولوجيا الجيل الخامس، الذي يشكل مبعث قلق خاص للإدارة الأمريكية.

على الصعيد الأمريكي، تمثل المملكة العربية السعودية ثالث أكبر مصدر لواردات النفط إلى الولايات المتحدة، وأكبر عميل للمبيعات الأمريكية العسكرية الأجنبية. وفي حين لاتزال  المملكة العربية السعودية وغيرها من دول مجلس التعاون الخليجي، حليفًا اقتصاديًا واستراتيجيًا للولايات المتحدة، لا يمنع ذلك بحثها عن بدائل من منطلق تجنب الاعتماد على دولة منفردة، وهو الدور الذي يمكن أن يلعبه المارد الصيني .فبرغم من أن كافة عملات دول مجلس التعاون الخليجي مرتبطة بقيمة الدولار، إلا أن المملكة العربية السعودية نظرت العام الماضي في إمكانية تسعير بعض مبيعاتها النفطية إلى الصين باليوان ، في خطوة قد تكون رمزية فقط، لكنها تعكس التوجه الحالي لدول الخليج، لاسيما في ظل تأثر سلاسل الإمداد العالمية بالعقوبات الدولارية المفروضة ضد روسيا. وتواصل دول مجلس التعاون الخليجي تطلعها شرقا إلى الصين وغيرها من البلدان، في مسعى لجذب استثمارات مباشرة من أجل تدشين صناعات جديدة، وتنويع مصادرها الاقتصادية بعيدًا عن النفط دون الاتكال على الغرب. ويتضمن ذلك السعي وراء السلع والمنتجات الصينية، وتوقيع عقوداً للبناء، إلى جانب جذب استثمارات في مجال البنية التحتية، وبناء صناعات تحويلية واقتصادات رقمية. من جانبها، تشارك الشركات الصينية مع دول مجلس التعاون في مجال أبحاث الذكاء الاصطناعي، كما زادت بكين من بصمتها في مجال الأمن البحري في المنطقة، التي تعتبر قناة محورية في مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، من أجل إتاحة الوصول إلى الشركاء التجاريين للصين داخل أوروبا. في الوقت ذاته، أنشأ الجانبان منتدى مشتركًا للاستخدامات السلمية للطاقة النووية، بالإضافة إلى إقامة مركز صيني -خليجي للأمن النووي. أخيرًا، ثمة رغبة لدى الجانب الصيني في توثيق التعاون مع دول الخليج في مجال الاستكشاف الفضائي والبنية التحتية، ويبحث الجانبان حاليًا إمكانية إنشاء مركزًا مشتركًا لاستكشاف القمر والفضاء العميق.

الولايات المتحدة والشراكة الأوروبية-الخليجية المتنامية: تنظر واشنطن إلى كل من موسكو وبكين باعتبارهما خصمين لها، وترى موسكو بوصفها قوة آخذة في الأفول والانحسار تسعى إلى تحدى النظام العالمي الليبرالي. بينما يسطع نجم الصين، صاحبة النمو الاقتصادي السريع، كقوة عالمية. وذلك بعد أن حققت بكين على مدار العقدين الماضيين، تقدمًا ملحوظًا في قوتها العسكرية، وقدراتها التقنية، ورؤيتها المستقبلية الاستراتيجية.

أما على صعيد العلاقات الأمريكية-الأوروبية، فإنها تختلف اختلافًا جوهريًا عن تلك التي تجمع موسكو وبكين. حيث شهدت الشراكة بين واشنطن وبروكسل ازدهارًا على مدار أكثر من ستة عقود متتالية، وبُنيت على أساس تشارك الرؤى والقيم ذاتها، بما في ذلك الالتزام بسيادة القانون، واحترام العملية الديمقراطية، والعمل الحر، ودعم حقوق الإنسان والحد من الفقر. لذلك فإن تشارك هذه القيم، مدعومًا بروابط اقتصادية عميقة ومستويات عالية من الثقة المتبادلة التي بُنيت على مدار أكثر من نصف قرن، تجعل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة شركاء بالفطرة في مواجهة التحديات العالمية الراهنة. ولطالما أكد المسؤولون الأمريكيون أن الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يتقاسمان مسؤولية عالمية من أجل إعلاء القيم المشتركة، وتهيئة فرص الازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي حول العالم. واليوم، أصبح يمثل الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي سويًا   42% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي والتجارة العالمية للسلع والخدمات. كما يعد كلاهما شريك تجاري رئيسي للجانب الآخر، فيما ُجسد تعاونهما التجاري أكبر علاقة تجارية ثنائية حول العالم. بالمثل، على صعيد الاستثمار، حيث تعتبر واشنطن وبروكسل أكبر الجهات المُستثمرة لدى أحدهما الآخر، والخيار الأول للمستثمرين من كلا المنطقتين. في الوقت ذاته، تساهم الاستثمارات عبر الأطلسي وحدها، في خلق 6 مليون فرصة عمل بالاقتصاد عبر الأطلسي، مع إتاحة الملايين من الوظائف الأخرى عبر قطاع التصدير والقطاعات المُلحقة.

تتشاطر واشنطن والاتحاد الأوروبي اليوم الحاجة المُلحة من أجل مخاطبة أزمة المناخ العالمية ومن خلال التزام الجانبين باتفاقية باريس للمناخ، والقنوات الدبلوماسية المفتوحة، والالتزام بالعلوم، تتفق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي على ضرورة تبني حلول مفتوحة شفافة، وتحقق ميزة التنافسية وعنصر الاستدامة، من أجل مستقبل أكثر اخضرارًا. وفي هذا السياق، جاءت مبادرة المفوضية الأوروبية تحت عنوان"ريباور إي يو" من أجل إنهاء اعتماد الاتحاد الأوروبي على الوقود الأحفوري بما في ذلك الغاز الطبيعي المستورد من روسيا. وبموجب الخطة الموضوعة، سيُضاعف الاتحاد الأوروبي موارده من الطاقة المتجددة بنسبة تصل إلى 45% بحلول 2030م، وسيتحقق ذلك جزئيًا من خلال استثمار ما يصل مجموعه نحو 300 مليار يورو في إنتاج الرياح والطاقة الشمسية وغيرها من المصادر المتجددة. على الجانب الأمريكي، تكبدت الولايات المتحدة خسائر تجاوزت قيمتها 150 مليار دولار خلال عام 2021م، بسبب الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ، أي بزيادة تصل إلى 50 % مقارنة بعام 2020م. ومن المتوقع أن تتضاعف هذه القيمة بحلول نهاية القرن، إلى 500 مليار دولار سنويًا. من ثم، بدأت واشنطن أخيرًا اللحاق بركب الدول الأخرى، مع إقرار الرئيس جون بايدن والكونجرس الأمريكي في أغسطس الماضي، سياسة المناخ والطاقة الأكثر شمولاً في تاريخ الولايات المتحدة، والتي تأتي بعد سنوات من التراجع نتيجة السياسات التي انتهجتها إدارة سلفه دونالد ترامب. وبموجب قانون خفض التضخم، من المقرر أن تستثمر الولايات المتحدة 370 مليار دولار في مجال الطاقة النظيفة، بما في ذلك تمديد وتوسيع الإعفاءات الضريبية للطاقة المتجددة، والسيارات الكهربائية وكفاءة الطاقة. كما سيتم خلق مصادر جديدة رئيسية لتمويل الابتكار في مجال الطاقة النظيفة.

يتوافق هذا الالتزام الشديد تجاه معالجة أزمة تغير المناخ، مع المبادرات الخليجية المطروحة في هذا الشأن. بالعودة إلى أواخر عام 2021م، كان ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قد أعلن أن المملكة تستهدف بلوغ صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2060م، وزراعة 450 مليون شجرة، فضلاً عن إعادة تأهيل 20 مليون فدان من الأراضي، والعمل على خفض انبعاثات الكربون بمقدار 278 مليون طن سنويًا. ومن المقرر أن يتم تحقيق هذه الأهداف الطموحة من خلال خطة تعتمد على استخدام تقنيات مثل استخدام وتخزين الكربون، والتي تعد جزءًا من مبادرة السعودية الخضراء، ومبادرة الشرق الأوسط الأخضر. في الوقت ذاته، تعهد الأمير محمد بن سلمان بإنفاق 187 مليار دولار على تنفيذ هذه المبادرات. حيث يتمحور الهدف العام حول "الحفاظ على دور المملكة الريادي في تعزيز أمن واستقرار أسواق الطاقة العالمية، في ضوء النضج وتوافر التقنيات اللازمة للحد من الانبعاثات وإدارتها". فيما تؤكد الرياض دوما أن إنتاجها النفطي يحتوي على أقل نسبة كثافة كربونية على مستوى العالم. وتماشيًا مع هذه الاستراتيجية، تعمل المملكة حاليًا على خطة تستهدف زيادة سعتها الإنتاجية من النفط من 12.2 مليون برميل يوميًا، إلى 13.4 مليون برميل يوميًا بحلول 2026م.كما تخطط إلى تعظيم الاستفادة من مصادر الطاقة المتجددة في توليد نصف طاقتها من الكهرباء بحلول 2030م.وتتمتع المملكة بإمكانات كبيرة تؤهلها إلى أن تصبح منتجًا للطاقة المتجددة في ظل المساحات الشاسعة من الصحراء ذات الكثافة السكانية المنخفضة، والتي تعد أرضًا رئيسية لمزارع الطاقة الشمسية.

بالمثل، تعهدت دولة الإمارات بتحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول 2050م، وتخطط أبو ظبي لإنفاق 163 مليار دولار على مدى العقود الثلاثة المقبلة في سبيل الحد من انبعاثات محطات الطاقة التي تُستخدم في حرق كميات هائلة من الغاز الطبيعي. كما سيتم ضخ الكثير من الأموال في تطوير مزارع الطاقة الشمسية والمفاعلات النووية الأربعة التي تولت عملية بنائها مؤخرًا شركات مقاولات من كوريا الجنوبية. وبموجب اتفاق الشراكة الموقع مع شركة "بريتش بتروليوم" البريطانية، تستثمر أبو ظبي في إنتاج كميات كبيرة من الهيدروجين. من جانبها، أعلنت دولة قطر أواخر عام 2021م، تبني خطة عمل وطنية بشأن تغير المناخ تهدف إلى تحقيق خفض بنسبة 25٪ في انبعاثات غازات الاحتباس الحراري بحلول عام 2030م. وتعهدت الخطة بتكثيف الجهود في احتجاز الكربون وتخزينه في منشآت إنتاج الغاز. في حين يرى وزير الدولة لشؤون الطاقة القطري سعد الكعبي أنه لا يوجد سبيل أمام العالم لتحقيق تحول واقعي في الطاقة دون إضافة المزيد من الغاز إلى مزيج الطاقة.

في السياق ذاته، تخطط سلطنة عمان إلى بناء أحد أكبر محطات الهيدروجين الأخضر على مستوى العالم، إيمانًا منها بأهمية الحفاظ على البيئة، وإدراكًا لمحدودية احتياطاتها من الهيدروكربون. ومن شأن هذه الخطوة أن تجعلها دولة رائدة في مجال تكنولوجيا الطاقة المتجددة. كما أعلنت الحكومة العمانية في أكتوبر الماضي الاستراتيجية الخاصة بها في مجال الهيدروجين الأخضر، والتي تستهدف تنفيذ استثمارات هائلة وتركيب 180 جيجاوات من القدرة على إنتاج الطاقة المتجددة بحلول عام 2050م. وتشمل الاستراتيجية أيضًا تركيب 300 مليون لوحة شمسية، و10 آلاف توربين هواء لتوليد الرياح من أجل مشروعات الهيدروجين الأخضر بحلول العام ذاته. وسعيًا منها لتسريع وتيرة تطوير قطاع الهيدروجين الأخضر، أسست الحكومة شركة " هيدروجين عمان"، وهي شركة تابعة لشركة تنمية الطاقة العمانية، في ظل رؤية مستقبلية كي تصبح سلطنة عمان مركزًا عالميًا رائدًا في قطاع الهيدروجين الأخضر.

 

الآفاق المستقبلية: في منتصف يوليو الماضي، التقى الرئيس الأمريكي جون بايدن مع قادة دول الخليج، إلى جانب (زعماء كل من مصر والعراق والأردن) بمدينة جدة، حيث أكد الرئيس الأمريكي ونظراؤه العرب مجددًا التزامهم حيال إعلاء الازدهار، والسلام، والتكامل بمنطقة شرق أوسط، في حين كرر بايدن التأكيد على التزام واشنطن الراسخ تجاه أمن شركائها في المنطقة والدفاع عن أراضيهم، وأقر بتنامي أهمية المكانة الاستراتيجية التي تنعم بها المنطقة باعتبارها مفترق طرق للتجارة والتكنولوجيا بين نصفي الكرة الأرضية. كذلك أكد الرئيس الأمريكي على مركزية دور المنطقة بالنسبة لأمن وازدهار الولايات المتحدة والشعب الأمريكي على المدى البعيد .على الجانب الأخر، تعتزم دول مجلس التعاون الخليجي استثمار ما يصل مجموعه إلى 3 مليارات دولار في مشروعات تتماشى مع أهداف المبادرة الأمريكية للشراكة من أجل البنية التحتية العالمية والاستثمار "، بهدف تطوير بنية تحتية مستدامة ذات جودة عالية، من شأنها أن  تحدث فرقًا في حياة الشعوب حول العالم، وتساعد في تدعيم سلاسل التوريد وضمان تنوّعها، وخلق فرص جديدة للموظفين والشركات، وتعزيز الأمن القومي للولايات المتحدة ودول مجلس التعاون الخليجي على حد سواء .

خلاصة القول، تشترك الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في أهداف اقتصادية واستراتيجية مماثلة لما في منطقة الخليج والشرق الأوسط الكبير. وعلى مدار عقود عديدة، ظلت واشنطن تعمل مع حلفائها في الخليج من أجل ضمان وإعلاء الازدهار الاقتصادي والأمن في المنطقة. في الوقت ذاته، تعتبر المنطقة الخليجية “الباحة الخلفية" لأوروبا وتمتد العلاقات التاريخية بين المنطقتين عبر قرون. وعلى مدار أكثر من نصف قرن، تعمل واشنطن والاتحاد الأوروبي (سواء كتكتل موحد أو الدول الأعضاء بشكل منفرد) في بناء شراكة مع دول مجلس التعاون الخليجي من أجل مكافحة التطرف، ومنع انتشار أسلحة الدمار الشامل، مع احترام واشنطن في الوقت ذاته، للحق السيادي لدول مجلس التعاون الخليجي في الحفاظ على علاقات وثيقة مع القوى العالمية الأخرى مثل الصين، وروسيا. لذلك، لا ينبغي النظر إلى العلاقات الاقتصادية الوثيقة بين الصين ودول الخليج، على أنها تأتي على حساب العلاقات الخليجية مع واشنطن. ومن المؤكد أن العلاقات الاستراتيجية والأمنية بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي من جهة، ودول مجلس التعاون الخليجي من جهة أخرى ستشهد ازدهارًا خلال الأعوام المقبلة.

مقالات لنفس الكاتب