array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

ضرورة الرد الخليجي على الوثيقة ببرجماتية.. وأوروبا في مفترق طرق

الإثنين، 30 كانون2/يناير 2023

لا يمكن تجاهل عامل الزمن الذي يقف دافعًا للاتحاد الأوروبي لإقامة شراكة استراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وقد وجدناه طاغيًا على الحدث وقت الإعلان الأوروبي عن وثيقة الشراكة في يونيو الماضي، ويعززه – أي العامل الزمني – الاندفاع الأوروبي على تنفيذ الشراكة عاجلاً ، من هنا، يستوقفنا هذا العامل كثيرًا ، لذلك تصدر عنوان المقال، لأنه يشكل الزمن السياسي الأوروبي الجديد تجاه دول مجلس التعاون الخليجي، وهو زمن يصاغ برؤية أوروبية خالصة، من هنا، ينبغي على دول الخليج العربية أن يكون لها زمنها السياسي الخاص بها، وتدمج أجندته بأولويته ضمن شراكتها مع أوروبا خاصة، وعلاقاتها الاستراتيجية مع الدول والتكتلات الأخرى عامة، وهى الآن في مركزية الرفض والقبول، وهذه المكانة ينبغي أن تسقطها من حساباتها اثناء رسم مصالحها الاستراتيجية مع أوروبا.

ووثيقة الشراكة هي خارطة طريق نحو شراكة استراتيجية بين أوروبا والخليج لتحقيق مصلحتين رئيستين للاتحاد الأوروبي هما، تحقيق انتعاش اقتصادي قوي، وضمانة إمدادات طاقة مستدامة وميسورة التكلفة وآمنة للمستهلكين الأوروبيين، للمساهمة في تحقيق الحياد الكربوني، وفي الزمن السياسي الأوروبي الجديد، ينظر الاتحاد الأوروبي لدول مجلس التعاون الخليجي كشريك استراتيجي متجدد لا غنى عنه، ورغم ذلك، فلا يزال الاتحاد الأوروبي ينظر لتحقيق مصالحه في المنطقة الخليجية من منظور الأحادية والإملاءات التي وراءها إكراهات يلوح بها في الوثيقة بصورة مباشرة، بمعنى أن تفكيره لا يزال في حقب الثمانينات والتسعينيات، ولم يصله تفكيره إلى فهم المتغيرات والصيرورات الجديدة في الخليج.

لذلك، ينبغي على المنظومة الخليجية أن ترد على الوثيقة الأوروبية ببرغماتية مطلقة بما يخدم مصالحها المعاصرة، وسيسمع لها، لأن الاتحاد الأوروبي يشعر الآن أنه في مفترق طرق تاريخية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا، وتداعياتها الاقتصادية وخاصة في مجال الطاقة، ولدى كل عاصمة من دوله مخاوفها الوجودية، الداخلية والخارجية، من هنا جاءت الوثيقة نتيجة توافقات بين المفوضية الأوروبية والممثل السامي للشؤون الخارجية، وقياسًا عليه، لابد أن يكون للدول الست الخليجية توافقات على الأولويات مع أوروبا، كما سنجد في بند " الشراكة المجتمعية بين الجانبين السم في العسل – وهذا ما سنثبته لاحقًا.

سنتناول هذا الملف وفق ثلاثة محاور أساسية على النحو التالي:

- استدلالات الزمن السياسي الأوروبي الجديد .. استدلالاته وإملاءاته.

- الأولويات الخليجية في زمنها السياسي المعاصر.

- البند الاجتماعي في الشراكة الأوروبية السم في العسل.

أولا: الزمن السياسي الأوروبي الجديد .. استدلالاته وإملاءاته.

هناك الكثير من الاستدلالات التي تكشف لنا عن وجود زمني سياسي أوروبي جديد، منتج لمجموعة صيرورات تاريخية، ومن خلالها ستكون حاكمة للاتحاد الأوروبي على الصعيدين الداخلي والخارجي، وقد تدفع هذه الصيرورات إلى جعل دول الاتحاد الأوروبي بدوله الـ 27، وربما أوسع من بين الأقطاب المعاصرة التي تشكل النظام العالمي الجديد، ومن بين أبرز هذه الاستدلالات:

- الحرب الروسية على أوكرانيا وما أفرزته من قناعات أمنية واقتصادية دامغة للاتحاد الأوروبي، فاقتصاديًا تتصدر الطاقة والتجارة قمم القناعات الجديدة، بحيث أصبح تحرير أوروبا من تبعية الاعتماد على الطاقة الروسية في قمة الأولويات، فأوروبا أكبر مستورد إقليمي للغاز الطبيعي من موسكو بما يعادل 74% من إجمالي صادرات الطاقة الروسية في 2021م، فيما بلغت صادرات روسيا من النفط الخام والمكثفات 4.7 مليون برميل يوميًا؛ ما يعادل أكثر من 45% من إجمالي الإنتاج البالغ 10.1 مليون برميل يوميًا، فيما بلغ حجم التجارة بين الجانبين عام  2021م، 257،5 مليار يورو.

فمن أين وكيف سيعوض الاتحاد الأوروبي تلكم المصالح الضخمة؟ وهنا يجدون في دول مجلس التعاون الخليجي البديل المضمون والمستدام لزيادة التجارة معها، وتأمين الطاقة التقليدية والمتجددة، وهذا يضعنا مباشرة أمام دوافع الشراكة الاستراتيجية / الأوروبية مع دول المجلس الخليجي، ولو لم يكن الاتحاد الأوروبي مضطرًا لما أقدم عليها من جانب واحد ومع كل دول الخليج كمنظومة إقليمية بعد الفشل في توقيع اتفاقية جماعية معهم طوال عدة عقود، فالخليج يمتلك قوة النفط وقوة الغاز طويلة الأجل، ويملك الطاقة المستدامة النظيفة في كل الآجال الزمنية، وذلك بعد أن أثبتت الدراسات العلمية  استمرار اعتماد العالم على النفط لأجل طويل يقدر بثلاثين عامًا، وبالتالي ستضمن أوروبا تدفقه، وربما رخصه إذا ما اقترن ذلك بمساومات أمنية وسياسية، وفي الوقت نفسه تتجه الأطماع الأوروبية الآن إلى الاقتصاد الأخضر الخليجي حيث تعد دول مجلس التعاون الخليجي غنية بمصادره المستدامة، في ظل المخاوف المتصاعدة من نهاية العالم بسبب أزمة المناخ .

وتعد دول الاتحاد الأوروبي مع التفاوت من بين أكبر الدول المهددة بنهاية العالم بسبب انبعاثاتها الكربونية، لذلك اعتمد الاتحاد الأوروبي استراتيجية جديدة تسمى " بالاقتصاد الأخضر " الصديق للبيئة، للانتقال إلى اقتصاد حديث بلا كربون، وتسعى جاهدة إلى وضع قانون ملزم لدولها الــ" 27 " ومن المثير أنها تهدد به في وثيقة استراتيجيتها مع الخليج، وتعتبر احدى أدوات تنفيذ الشراكة، وهذه مفارقة قد تستدعيها لاحقًا سياقات التحليل.

ولدى دول مجلس التعاون الخليجي خطط طموحة جدًا للانتقال للاقتصاد الأخضر ، وسنأخذ هنا مثالين فقط، فالرياض تخطط الاعتماد على الطاقة النظيفة بنسبة 50 % بحلول عام 2030م، وأطلقت مبادرتي "السعودية الخضراء" و"الشرق الأوسط الأخضر"  من أجل تحقيق الريادة العالمية في الطاقة النظيفة الخضراء، والمساهمة بشكل إيجابي في المعركة العالمية ضد تغير المناخ"، وبحلول نهاية العقد تخطط السعودية لإضافة 60 ميجاواط من الطاقة النظيفة، وهي مزيج من طاقة الرياح والطاقة الشمسية الكهروضوئية والطاقة الشمسية المركزة، ولدى الرياض خطط لبناء مصنع هيدروجين أخضر بقيمة 5 مليارات دولار، وستنتج هذه المنشأة ما يكفي من الهيدروجين الأخضر يومياً لتشغيل 20000 حافلة تعمل بوقود الهيدروجين". .

وكذلك سلطنة عمان حيث تسعى لأن تكون مركزًا عالميًا للهيدروجين، وقد كشف مؤخرًا رئيس جهاز الاستثمار العماني عبد السلام المرشدي أن مسقط ستكون أكبر منتج للطاقة النظيفة في العالم، وفي دراسة أجرتها جامعة ميونخ الألمانية تتوقع أن تدر الصادرات العمانية من الهيدروجين ما يزيد عن 20 مليار دولار 2050م، فيما يعرب الخبراء الأوروبيون عن استعداد الاتحاد الأوروبي شراء كميات الطاقة الناتجة عن الهيدروجين.

لكن هل سيجد الاتحاد الأوروبي مصالحه في المنطقة كما كانت قبل ثلاث سنوات فقط؟ فقد كان الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول للخليج، لكنه لم يعد كذلك عام 2020م، فقد أزاحته بكين، واحتلت مركزه، وتتصدر الرياض لائحة شركائها التجاريين عربيًا، فيما تجاوز مستوى التبادل التجاري مع أبوظبي 64 مليار دولار، وبلغ حجم التجاري مع مسقط 8،3 مليار دولار، والكويت 20،2 مليار دولار، والدوحة تجاوز 18 مليار دولار 2021م.

وفي مجال الطاقة، فإن التعاون بين الصين ودول مجلس الخليجي يتطور بوتيرة متصاعدة وثابتة في استخراج النفط والغاز الطبيعي وتكرير النفط، وفي مجال الطاقة المتجددة تعزز بكين وجودها في الخليج العربي بسبب إمكانياتها اللامحدودة، وفتحت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينج للرياض، وقممه الخليجية والعربية نقطة تحول في مسار العلاقات الصينية الخليجية والعربية، وما نجم عنها من شراكات استراتيجية تلبي طموحات دول الخليج العربية، وقد تم ربط الطاقة المتجددة في الخليج ضمن المشروع الصيني العملاق طريق الحزام.

- أوربا تبحث عن هوية أمنية مستقلة.

وهذه الهوية أهم ما تشكل الزمن السياسي الأوروبي الجديد حيث يفكر الاتحاد الأوروبي  فيها بصورة أوسع وفق نتائج الحرب الروسية على أوكرانيا حتى الآن، ومؤخرًا أجتمع أكثر من 40 من قادة أوروبا في براغ لإطلاق مجموعة سياسية جديدة ستحرر أوروبا عن التبعية الأمريكية، وربما تكون باريس أكثر الدول الأوروبية ثقة الآن من صحة استشرافاتها الجديدة/ القديمة تجاه حلف الناتو بقيادة واشنطن، ففي عام 2019م، وجه الرئيس ماكرون انتقادًا حادًا للناتو ، اعتبر فيها الناتو ميت سريريًا، وأنه قد فقد جدواه بعد ما أصبح كل أعضائه يفكرون بشكل منفرد، ويقومون بإجراءات أحادية، وموقف ماكرون من الناتو يتناغم مع الموقف الفرنسي المتجذر ، ففي مارس 1966م، أرسل الرئيس شارل ديجول رسالة للرئيس الأمريكي جونسون عبر فيها عن نية فرنسا تجميد مشاركتها ضمن القيادة العسكرية للناتو بسبب تشككه مثل غيره  من كثير الرؤساء التنفيذيين في جدوى الحلف ونسبة الوثوق في القيادة الأمريكية، وفي الضمانات المقدمة لإنقاذ أوروبا، وبسبب هذا الموقف تم نقل مقر الناتو من باريس إلى بروكسل " مصادر " مما لجأت باريس "  إلى وضع استراتيجية لنفسها نووية شبه مستقلة على صعيد العلاقات الاستراتيجية مع واشنطن ، من هنا يفسر المواقف الفرنسية  المتعارضة مع واشنطن، ومثال ذلك رفضها المشاركة في غزو العراق 2003م .

- مخاطر انهيار الحكومات الأوروبية الراهنة.

يتعاظم صعود الأحزاب والتيارات الشعبوية واليمينية المتطرفة، واستلام بعضها السلطة في المؤسسات السياسية والتشريعية الاتحادية والأوروبية من خلال صناديق الانتخابات، فالشعوب الأوروبية الآن تميل إلى الأحزاب اليمنية المتطرفة ليس حبًا فيها، وإنما رغبة في الجديد بعد اقتناعها بعدم جدوى الأنظمة الأوروبية القائمة التي ادخلتها في أزمات سياسية ومعيشية متعددة، والشعوب الآن في حالة غضب من سياسات حكوماتها، وكل المعطيات تشير إلى أن الشعوب ستأتي بحكومات مناهضة للاتحاد الأوروبي.

كما أن هناك توقعات بانهيار العولمة بسبب المقاطعات وإغلاق الحدود وفق سيناريو مخيف رسمته جائحة كورونا، واحتمالات تكرار الجائحات يسيطر على صناع القرار في العالم، لذلك هناك بعض الخبراء يتحدثون عن انقسام الاقتصاد العالمي بين تكتلات متنافسة، وهذا يرجح خطوة الاتحاد الأوروبي نحو الشراكة الجماعية مع دول مجلس تعاون الخليج العربي بعد أن وقف ممانعًا لها، ومفضلاً خيار الاتفاقيات الثنائية، والتساؤل الذي يخرجه هذا الزمن السياسي، هل الاتحاد الأوروبي الآن في وضعية جاذبة للاعتماد عليها في تأمين الأولويات الخليجية ؟ وما هي طبيعتها؟ .

المحور الثاني: الأولويات الخليجية في زمن سياسي معاصر

في ظل تعدد شراكاتها مع الدول والتكتلات وبالذات مع الصين، تعد الشراكة الاستراتيجية الأوروبية مع الخليج محكومة الآن بالمزايا الإضافية التي يمكن أن تضيفها على تعزيز توجهاتها المستقبلية نحو إعادة بناء قوتها الشمولية– الاقتصادية والأمنية والعسكرية والتكنولوجية- لذلك، ينبغي على الدول الخليجية الآن تحديد أولوياتها في الشراكة المعروضة عليها من قبل الاتحاد الأوروبي من منطلق برغماتي خالص، ومن منظور أن تعميق المصالح الخليجية مع شركاء متعددين يخدم دول مجلس التعاون الخليجي، وكل دولة خليجية لها رؤيتها الاستراتيجية لهذا المستقبل ، فمثلاً الرياض 2030م، ومسقط 2040م.

وتحديد الأولويات الخليجية يعني تحديد المجالات بدقة ومن ثم الآليات التنفيذية، والمدى الزمني لها في ضوء غياب تحديدها في الوثيقة الأوروبية، ربما لأنها خارطة طريق أوروبية خالصة، وهنا يأتي الرد الخليجي على الوثيقة من خلال استصدار وثيقة مماثلة أو عبر آلية الحوار السنوي الذي تقترحه الوثيقة الأوروبية بين الجانبين، ينجم من خلاله الاتفاق على اتفاقية الشراكة الأوروبية الخليجية، خاصة في ضوء أخر تطورات المهددات من جارتهم إيران بعد تعزيز علاقاتها مع روسيا في مجالات غير مسبوقة، من بينها، الاتفاق مع موسكو على إقامة طريق تجاري بحري/ بري بقيمة 20 مليار دولار، وهو طريق يتحدى العقوبات الدولية، ولن تطاله سيطرة أي دولة أخرى، وسينقل التبادلات بين البلدين عبر الأنهار والسكك الحديدية المرتبطة ببحر قزوين «خبراء» ويمتد من الحافة الشرقية لأوروبا إلى المحيط الهندي بطول 3000 كيلومتر.

ومن بينها كذلك، تحول طهران إلى قوة سيبرانية وعسكرية ستتفرد إقليميًا، بعد ما أعلنت موسكو مؤخرًا عن استعداداها تعليم قرصنة الإنترنت في إيران على الكثير من الأمور التقنية حول شن هجمات أكثر تعقيدًا ضد أهداف حساسة، مما سيعزز ذلك من قوة إيران الناعمة، ومن المعروف أن روسيا قوة سيبرانية عظمى، وسيضيف هذا التعاون مع إيران إضافات نوعية على قوة طهران السيبرانية المتقدمة بطبعها.

ومن بينها كذلك، قرار موسكو فتح الباب أمام طهران للاستفادة من قدراتها المتقدمة في كل من الاستخبارات التصويرية والإشارات، ويرى خبراء أنه يمكن تزويد طهران بهذه القدرات أو مشاركتها في معلومات استخباراتية حساسة قد تساعد إيران في الدفاع عن نفسها بشكل أفضل، كما عبّرت موسكو عن نواياها بإقامة قواعد عسكرية في الضفة الإيرانية من هرمز، فيما تقول مصادر إنه قد أقامت قاعدة عسكرية روسية، فيما تنفيها طهران، وتؤكدها مصادر في البرلمان الإيراني، وذلك بهدف حماية المنشآت النفطية الإيرانية من أي اعتداءات خارجية، وكانت شركة غازبروم عملاق الطاقة الروسية قد وقعت مع إيران صفقة بقيمة 40 مليار دولار للمساعدة في تطوير حقوق الغاز والنفط في إيران.

وهنا التساؤل، هل الشريك الأوروبي سينفتح على الخليج بقدراته الاستثنائية مثل ما تفعل موسكو مع طهران؟ والذي يهمنا هنا على وجه التحديد مستقبل العلاقات الأمنية والعسكرية والتكنولوجية بين الجانبين، فالخليج يحتاج إلى تطوير وتنوع قدراته الأمنية خاصة على صعيد التكنولوجيا العسكرية التي قطعت فيها الدول الأوروبية شوطًا مهمًا، وبالذات في مجال الأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي، وبحجم المنافع الاقتصادية الأوروبية التي أوضحناها سابقًا، فإن النتيجة المترتبة للرد الخليجي على الوثيقة الأوروبية التنصيص صراحة بالتدخل الأوروبي في الأزمات التي قد تتعرض لها دول المنظومة الخليجية، وهذا غائب في الوثيقة الأوروبية.

وطبيعة المعادلة الجديدة بين أوروبا والخليج ينبغي أن تقيم على أساس الطاقة المستدامة لدول الاتحاد الأوروبي مقابل تأمين الألويات الخليجية وعلى رأسها الأمن المستدام، بعد ما أصبحت دول الاتحاد الأوروبي تربط مستقبلها الاقتصادي بشراكة استراتيجية خليجية، حيث يستحوذ الاقتصاد فيها على ثلثي اهتمام وثيقة الشراكة، وهنا تتلاقى الأولويات بين الجانبين، وتتكامل من حيث الضروريات، وتعمل على مواجهة التحديات الخليجية بصورة مشتركة.

المحور الثالث: البعد الاجتماعي الخليجي في الشراكة الأوروبية.

ونعتبره من أخطر بنود الشراكة الأوروبية مع الخليج، ونجد هذا البند في أربع صفحات في الوثيقة، ومكامن خطورته أنه يمثل رؤية المؤسسات الديمقراطية كالبرلمان الأوروبي، ومؤسسات حقوق الإنسان وحرياته ، وتلكم التي تربط معها بشراكات كالمثلية والنسوية، وقد أصبحت هذه المؤسسات تؤثر على صناديق الانتخابات الأوروبية والاتحادية ، وقد صيغت مقتضيات الشراكة المجتمعية الأوروبية الخليجية بالأجندات الأوروبية الفكرية والأيديولوجية، ومحاولة زرعها داخل المنطقة الخليجية، ففي بند هذه الشراكة المجتمعية حدد بالاسم القضايا التالية «تمكين المرأة والثقافة والتعليم، وتبادل زيارات الطلاب والشباب وحقوق الإنسان وحرياته» وهذه مفردات فضفافة، صيغت لدواعي التمرير.

وفي وأوروبا أربع حريات ثابتة هي، حرية العبادة، وحرية الرأي والتعبير، والتحرر من الحاجة، والتحرر من الخوف، لكننا لو تأملنا في الأولويات الأوروبية سنجد أنها قد أصبحت تركز على قضايا مجتمعية مثيرة للجدل مثل النسوية والمثلية والإلحاد، وقد خصص الاتحاد الأوروبي 1،7 مليار يورو حتى عام 2027م، لدعم ونشر هذه الأفكار والأيديولوجيات في المنطقة، مما يوضح لنا المشهد الآن، أن هذه الموازنة المالية ستشكل إدارة تنفيذية لبند الشراكة المجتمعية الأوروبية مع الخليج، وهذا التوجه الأوروبي يتناغم مع التوجه الأمريكي، فالخارجية الأمريكية قد حولت مسار برنامج مساعداتها الخارجية إلى دعم تيارات ومنظمات الإلحاد في المنطقة، وهذا معلن من قبل الوزارة.

مما يصبح وجوبًا على دول المنظومة الخليجية أن تعمل على أن تكون شراكتها مع أوروبا كذلك دون التدخل في الشؤون الداخلية لها، فالبند الاجتماعي في الشراكة الأوروبية مع الخليج يمس جوهر الاستقرار الخليجي، والمساس به خط أحمر، وإذا لم تتدخل الدول الست بصورة جماعية وتمنع هذا التدخل في الوقت المناسب، فإن عليها أن تتوقع ردة فعل ثيولوجية داخلية، ستختلف في العواصم الخليجية باختلاف قوة الثيولوجيا في كل دولة، وبالتالي نتوقع هنا صيرورة ثيولوجية غير مسبوقة وفي المدى المتوسط، تأخذ في أسوأ سيناريوهاتها شكل صراعات سياسية داخلية، خاصة إذا ما تلاقت التدخلات الأوروبية في الثوابت الثيولوجية الخليجية مع نظيراتها الأمريكية والصهيونية والهندوسية والإيرانية.

لا يمكن التقليل من هذا السيناريو أبدًا، فاستشرافاته مبنية على تحليل دقيق للأجندات الأجنبية في الخليج، واستهدافاتها الثيولوجية والاجتماعية والاقتصادية مكشوفة، وغاياتها السياسية المستقبلية وجودية، لذلك فالدول الست الخليجية تملك التعبير عن مصالحها الاستراتيجية مع أوروبا دون أية ضغوطات، بل هي في الموقع الضاغط، لأن خياراتها الإقليمية والعالمية متعددة، والأبواب الصينية والروسية مفتوحة لشراكات تعتد بالخصوصيات ، وبالبرغماتية القائمة على الاعتداد بحجم المصالح المتقابلة، وقد يكون تغيير البوصلة الخليجية نحو الشرق فيها ضمانة أمنية إقليمية للخليج، فكل الصيرورات قائمة ومحتملة ، ومن ثم ينبغي رفع الفكر السياسي للرؤية الأمثل، وفي الوقت السياسي المناسب.

مقالات لنفس الكاتب