array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

التنسيق الخليجي أولوية قصوى لتوحيد الرؤى والمطالب والخيارات في ملفات التعاون

الإثنين، 30 كانون2/يناير 2023

لقد امتدت المفاوضات بين مجلس التعاون والمجموعة الأوروبية عقودًا طويلة وهي تراوح في مكانها، إذا صعدت الحاجة للطاقة أقبل الأوربيون على التفاوض مع دول الخليج، وإذا تراخت الحاجة للنفط والطاقة تراخت المفاوضات، ويبدو أن الدول الأوروبية ترغب أكثر في التفاوض بل وحتى إجراء الصفقات مع دول الخليج منفردة، ولكنها تقاوم التفاوض المشترك لانه يلزمها بعدد من الاتفاقات الجماعية والتي لا ترغب بأن تلتزم بها.

الوثيقة اليتيمة التي وقعتها دول الاتحاد الأوروبي مع مجلس التعاون كانت وثيقة 2022م، والتي وافق عليها المجلس الأوروبي وهي التي حددت موضوعات الشراكة على أن تستكمل التفاصيل لاحقًا، إلا أن لاحقاً لم يأت بعد. لقد وقعت الاتفاقية في ضوء حدث جلل في أوروبا وهو (الحرب الروسية على أوكرانيا) وهي حرب ضروس، أضرت بشكل بالغ بالاقتصاد الأوروبي وكذلك الروسي ولا زالت، إلا أن كسفت أوروبا (طاقويا) إن صح التعبير.

إلا أن أوروبا وهي تواجه الحدث الجلل ( الحرب) والتي لم تقع منذ عقود طويلة على أراضيها ترى أنها ( حرب وجود) وبالتالي فإنها تنظر إلى بقية دول العالم إما أن تنحاز لها أو إنها ( شبه عدوة تناصر الطرف الآخر ) و هكذا وقعت دول الخليج عندما اختارت ( شبه) حياد في هذه الحرب، و بدأت أوروبا تحاول أن تلجأ إلى (وسائل ضغط) على دول الخليج، من بينها انها ( أي دولنا) لا تتعاطف مع الحاجة إلى الطاقة في أوروبا ومن بينها أيضاً ( فتح ملف حقوق الإنسان) و غيرها من الملفات التي ترمي إلى الضغط السياسي لأخذ موقف مساند لوجهة النظر الأوروبية .

من جهة أخرى فإن (المزاج السياسي الأوروبي) مع إطالة الحرب بدأ يتوجه إلى اليمين السياسي من خلال كره الأجانب وظهور قوى شعوبية حتى تتحدث عن (وقف الحرب مع روسيا) لأنها تضر بالمصالح الاقتصادية لتلك الدول.

الإشكالية الحقوقية:

الافتراض الغربي في تفسير  الصراع القائم  في أوروبا أنه صراع بين ( الخير و الشر ) ويسود تفسير الموقف الخليجي ( من وجهة نظرهم ) على أساس أن ( الغرب) عموما قد استمر في ( إعلاء قيم حقوق الإنسان) وهو أمر ليس (مهضوما) في الخليج، و لذلك فإن الخيار  لدول الخليج بين ثلاثة أنظمة أو (نماذج) هي النظام الليبرالي ( الغربي/ الأمريكي)  المصر على ( حقوق الإنسان و الحريات)  والذي تمثله أوروبا والدول الديمقراطية، والخيار  الصيني أي تفضيل ( الكفاءة و الاستحقاق)  دون النظر إلى ما يعرف بحقوق الإنسان، والنموذج الثالث هو  الروسي  أي نموذج ( الرجل القوى)، وترى الدارسات الغربية أن دول الخليج ترغب أو تميل  أن تتعاون مع النموذجين (الشرقيين ) بدلاً من ( النموذج الليبرالي) الغربي،  طبعًا ذلك الافتراض ربما استفزازي، ولكن من قال به مقتنع به !

 هذا الافتراض تم مخالفته في كتابات خليجية، على أساس أن ذلك التصور ليس قريباً من الحقيقة، فالشعوب في الخليج مهتمة بالحريات وحقوق الإنسان مثلها مثل البشر الآخرين، والنموذج المتبع في الاقتصاد والحياة الاجتماعية والقانونية هو النموذج الغربي في الغالب، على ما يمر به في بيئته من عقبات وتحديات مشهودة، أي على الاقتصاد الحر والتبادل السلعي بشروط السوق.

ربما في قاع ذلك الافتراض الغربي محاولة للدفع النفسي (الإنذاري) الذي فجرته الحرب الروسية ـ الأوكرانية، والقائل: أنكم يجب (أن تكونوا معنا) وإلا فإن حرياتكم ستكون مهددة بالذهاب إلى النموذج الشمولي!!

عورض ذاك الافتراض وكان طبيعيًا أن يعارض من قبل النخب الخليجية، مع التأكيد  أن فكرة ( إعلاء الأولويات الأمريكية) على أولويات دول الخليج كان لها تأثير مدمر في السابق، ولا يجب أن تتكرر ، و ضرب مثلاً بمقابلة الأمير محمد بن سلمان  الجريئة والواضحة لجريدة الواشنطن بوست الأمريكية التي نشرت في 22 مارس 2018م، وقد ذكر فيها ما معناه  (إن نشر الوهابية في مرحلة لم يكن لوجه الله، ولكن كان استجابة لمطالب أمريكية) ذلك الموقف اتخذ عندما احتدم فيه الصراع بين المعسكر الاشتراكي (المحتل لأفغانستان)  وبين المعسكر الغربي في ثمانينات القرن الماضي، لم يقابل إلا بالنكران من الإدارات الأمريكية المختلفة، فبدأت في تشجيع الإسلام الحركي في أكثر من منطقة عربية، كما فعلت إدارة أوباما و التحريض على الأنظمة القائمة، كما تكرر في موقف الولايات المتحدة من قرار أوبك- بلس في وسط عام 2022م، حيث قامت قائمة ( الاستياء الأمريكي) من تخفيض إنتاج النفط .

اليوم المطالب نفسها من الغرب مع طول وتشعب الحرب الروسية / الأوكرانية، ومن جديد واشنطن مع أوروبا تصر على وضع أولوياتها هي في المقدمة على حساب أولويات الآخرين، حتى من الأصدقاء، وتغلف ذلك التوجه بشعارات لها بريق يسعد الجمهور الغربي.

تضخيم التخويف من لجوء الخليج إلى نموذج الصين أو روسيا يشتم منه محاولة توجيه بشكل ما إن الخيار هو ما بين الحرية وبين الشمولية! وهو قراءة خاطئة للواقع في دول الخليج، وتجاوز لفترة طويلة من الصداقة والتعاون مع الولايات المتحدة ومع الغرب بشكل عام وأوروبا في قلبه.

في هذه الفترة بالذات في مرحلة (جوع الطاقة) الغربي، وتعاظم التضخم الاقتصادي ودخول الدول الأوروبية في أزمة اقتصادية خانقة، كانت دول الخليج هي الملاذ، وربما المنقذ جزئيًا من أزمة الطاقة القائمة في أوروبا، ربما دون رضاء من الاتحاد الروسي. فهذه المنطقة تثبت من جديد موقفها التاريخي حيث رفعت الطاقة الإنتاجية لتلبية حاجات السوق الغربي، إلا أن ضغوط الدول الأوروبية (خاصة الرئيسية) لا زالت قائمة ومتنوعة.

أولويات المنظومة الخليجية:

أولويات الخليج الأساس هي الأمن الإقليمي بكل مفرداته، و التهديد الذي تراه دول الخليج يأتي اليوم من نظام الجمهورية الإسلامية، مع التأكيد أن لا أحد في الخليج ( شعبًا و مؤسسات) لديها عداء مع شعوب إيران، فهي شعوب تناضل بطريقتها لنيل الحرية وتأكيد حقوق الإنسان ،  كما أن ما يحدث في إيران ( شأن إيراني) له علاقة بشعوب إيران، أما ما يهمنا هو سوء المنقلب  للتدخل السلبي الإيراني الذي يقوم به النظام في كل من سوريا و العراق و لبنان و اليمن، ودول أخرى، وما هو مستنكر من هذا النظام محاولاته الدؤوبة على خلق الكثير من الاضطراب في هذه الدول الخليجية، وتجنيد مواطنين فيها مغرر بهم في مشروعه الانقلابي، ذلك أمرًا معروفاً للعامة، وهو هاجس خليجي، لأنه متعلق بأمن الدول و المجتمعات  .

ذلك التدخل المبني على قاعدة كان نادى بها السيد الخميني تقول: (طهران نيست بغداد نيست إسلام هست)، هذه الفكرة قامت عليها استراتيجية (التسلل الناعم) في دول الجوار تحت شعار (الدولة الإسلامية الواحدة) تحت قيادة طهران أو ما تسيمه أدبيات النظام بـ (نظرية أم القرى). هذه النظرية ترى ألا توجد أوطان مستقلة مدنية، إنما توجد (أمة إسلامية) قيادتها في طهران وعلى إيران واجب السيطرة على الإقليم، وقد ثبت ذلك الشعار في الدستور الإيراني مرعي التطبيق.

ذلك الشق من السياسيات الذي يزرع الشكوك في دول الخليج غير مهتم بها في واشنطن أو العواصم الأوروبية، فلم تدعً دول الخليج للمشاركة في مفاوضات النووي، ولم يسمع لشكواها حول التدخل الإيراني الواسع النطاق في دول عربية أية آذان، بل حتى ما يجري في إيران في الأشهر الأخيرة من عام 2022م، والأولى من عام 2023م، وهي ثورة شعبية واسعة، قامت السلطات بمحاولات قمعها عن طريق القتل والشنق، فإن الأمر لا زال (محل نقاش) في الدول الغربية!!

فتح ملفات جانبية:

ما فتئت المؤسسات الأوروبية من (فتح ملفات جانبية) تجاه دول الخليج مجتمعة أو منفردة، لم يبق مؤخرًا (ديسمبر 2022م) في قاموس الشتيمة السافرة والمبطنة والغاضبة من كلمات لم تستقدمها السيدة روبيرتا متسولي رئيسة البرلمان الأوروبي إلا وكالتها لتلك (القوى الظلامية ا الهمجية التي تريد هدم الديمقراطية الغربية)!  السبب أن ايثيا كلي احدى نائباتها والأخيرة من الجنسية اليونانية (لدى الرئيسة 14 نائبًا ونائبة) وجدت الشرطة في منزلها كمية من الأموال قيل (في الإعلام فقط، دون حكم قضائي) أنها أموال مقدمة من أحد دول الخليج كرشوة.

السيدة روبيرتا أكدت أن تلك الدول (شمولية) ومعادية للديمقراطية، ولم تترك تلك الدول كما قالت (لا جماعات ضغط ولا اتحادات مهنية ولا أفراد إلا وقدمت لهم رشى)! وأن ذلك هجوم على الديمقراطية الأوروبية!  الشرطة البلجيكية في بروكسل (مقر البرلمان الأوروبي) استولت على عشرات الكمبيوترات من داخل البرلمان ومن خارجه في حملة لمتابعة المرتشين، وللعلم البرلمان الأوروبي يضم 27 دولة يتكون أعضاؤه من 705 أعضاء موزعين على تلك الدولة، وهو واحد من ثلاث مؤسسات رئيسية (المؤسسات سبع) يشارك في اتخاذ القرار، وهو أقل تلك المؤسسات أهمية لأنه يقترح السياسات ولا يتخذ قرار ات.

المتهمة اليونانية نفت إنها (مرتشية) كما أن صديقها ومساعدها هو أحد أعضاء مجموعة (محاربو الحصانة) وهي مجموعة ضغط تسعى إلى تمكين المؤسسات الرقابية من مراقبة الأعضاء في البرلمان !، كما أن الدولة المتهمة (قطر) نفت نفيًا قاطعًا ما نسبته الصحافة لها من اتهامات، وقالت أيضًا السيدة الرئيسة أنها سوف توقف دراسة (السماح لمواطني قطر والكويت) بالحصول على حرية دخول دول الاتحاد الأوروبي دون فيزا شنجن إلى الفضاء الأوروبي.

واضح الخلط الشديد والتسييس المغطى ربما بشيء من العنصرية ضد (دول الخليج) من جماعات داخل البرلمان الأوروبي، وكانت فرصة النفخ في القضية المثارة إلى آخر نفس إعلامي من أجل خلق بالون تنشغل فيه الصحافة ويعبأ الرأي العام الأوروبي ضد دول الخليج. من جانبه قال الرئيس إيمانويل ماكرون عشية عودته من قطر، (ديسمبر 2022م) لننتظر ما يقوله التحقيق والقضاء في هذه المسألة، في إشارة لشجب تسرع الرئيسة والتي من الواضح أن إثارة الموضوع بهذا الشكل والقوة يعني اصطياد من أجل الضغط على دول الخليج من موضوع (الطاقة والحرب الروسية الأوكرانية).

لم يمض بعد وقت طويل على قرار مجلس الوزراء الأوروبي (وهو الأكثر أهمية في اتخاذ القرار) الذي اتخذ في يونيو 2022م، (أقل من نصف عام) في الموافقة على وثيقة للشراكة مع دول مجلس التعاون، والتي أخذت وقتًا طويلاً في المناقشات والتقصي، وهي شراكة استراتيجية متنوعة لفائدة الطرفين الخليجي والأوروبي على السواء، أهداف تلك الوثيقة واضحة وهي التنسيق في السياسات الاقتصادية والسياسية والثقافية بين الكتلتين وتذليل أي عقبات أمام التعاون المثمر، إلا أن تلك الوثيقة لم توضع موضع التنفيذ.

السيدة رئيسة البرلمان الأوروبي (وهي من الجنسية المالطية) تعرف علم اليقين أن هناك وثيقة تتطلب العمل من خلالها التواصل المشترك كما تعلم من جهة أخرى أن هناك (لولبيات) معروفة ومرخص لها تعمل بجوار أي مؤسسة سياسية في أوروبا من جماعات الضغط للشركات والدول التي تتابع مصالحها بما فيها البرلمان الأوروبي، تتراوح تلك اللوبيات من شركات التبغ والخمور، إلى شركات السيارات والتقنية الحديثة، كلها تهتم بأن لا يتخذ في تلك المؤسسات توصيات تضر بمصالح تلك المؤسسات والشركات.

إذًا الاتصال من خلال مكاتب معروفة ومعلنة بأعضاء البرلمان أو أعضاء المؤسسات الرئيسية في بروكسل متاح ومعروف ومعلن للكافة وقانوني، فلماذا كل تلك الضجة؟

يبقى أن خروج أحد أعضاء أو مجموعة أعضاء من العاملين في تلك المؤسسات عن الأعراف المتبعة فمن يلام هو نفسه بعد حكم قضائي، لا غيره من القوى التي يحق لها قانوناً الدفاع عن مصالحها.

الغريب أن توقيت الضجة جاء مع توقيت مونديال قطر الناجح وأيضًا سرب شيء من ذلك القبيل ضد المملكة المغربية في الوقت الذي وصل فريقها الكروي إلى ربع النهائي، التوقيت هنا ملتبس والتسرع في الاتهام أكثر التباسًا.

تلك اللهجة القاسية واستخدام تعبيرات (دول شمولية) و (هجوم على الديمقراطية الغربية) تكشف عن قلق ينتاب بعض أعضاء تلك المؤسسة وإدارتها ويُنفس ذلك القلق على آخرين بدلاً من محاسبة من أخطأ إن كان ثمة خطأ قد ارتكب.

الدرس الذي يتوجب أن يستفاد منه في هذا السياق هو أهمية العمل المشترك والمنسق بين دول مجلس التعاون تجاه الآخرين للدفاع عن المصالح المشتركة، فعلى الرغم من الادعاء أن هناك (دولة واحدة) قدمت الرشوة المفترضة، فإن خطاب الرئيسة لم يتوانَ في جمع أكثر من دولة خليجية للتصويب عليها كما جاء في صريح الخطاب.

عدم رفع قيود فيزا شنجن عن المواطنين في دول الخليج لا يضر كثيرًا أولئك المواطنين الذين أمامهم خيارات أخرى متاحة للسفر والسياحة، الضرر الأهم واقع على اقتصاد الدول الأوروبية التي سوف تحرم من إنفاق تلك الجماعات في السوق المحلي وهي الآن تعاني من تضخم غير مسبوق، ومشكلات اقتصادية تدفع مواطنيها إلى الشوارع للاحتجاج.

                                                              الخلاصة

أوروبا اليوم مشغولة إلى حد الارتباط بالحرب الروسية /الأوكرانية، والتي لا يعرف أحد ما هي مسارات تطورها، وتلجأ أوروبا إلى إقامة التحالفات كما حدث في يناير 2023م، مع منظمة الأطلسي، فتلك الحرب تلقي بظلالها على الاقتصاد والبشر والصناعة ووسائل المواصلات ووصول الغذاء والطاقة إلى المجتمعات الأوروبية وهي في حاجة إلى حلفاء وخاصة في الجانب الاقتصادي من أجل إنعاش الأسواق الأوروبية، كما أنها بحاجة ماسة إلى الطاقة التي تعتمد عليها صناعاتها. أهمية أن تدخل دول الخليج مجتمعة في مفاوضات اقتصادية لها الغلبة فيها لأنها من المصادر القليلة في العالم والتي يمكن أن توفر الطاقة لسوق جائعة وربما قلقة من التطورات القادمة. من هنا فإن الحاجة إلى التنسيق الخليجي في هذا الملف له أولوية قصوى من أجل توحيد الرؤى وتنسيق المطالب وتحضير الخيارات المتاحة أولاً في الملفات الاقتصادية وثانيًا في الملفات السياسية والدبلوماسية.

لربما على رأس الأوليات نقل التقنية المتوفرة في بعض تلك البلدان إلى دول الخليج وأيضًا النظر في شراكة بين المصانع الحربية والمصانع الناشئة في دول الخليج والتي تهتم بالصناعات العسكرية، خاصة أن بلدًا مثل ألمانيا تتوجه – بعد الحرب الروسية الأوكرانية-إلى تنشيط وربما إحياء بعض الصناعات العسكرية التي تتقنها.

مقالات لنفس الكاتب