array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 182

الشراكة الخليجية / الأوروبية الثوابت ومقومات النجاح

الإثنين، 30 كانون2/يناير 2023

صدرت في مايو الماضي رسالة المفوضية الأوروبية إلى البرلمان الأوروبي ومجلس وزراء دول الاتحاد الأوروبي وتمت الموافقة عليها في شهر يونيو التالي مباشرة، وتضمنت الرسالة وثيقة الشراكة الاستراتيجية بين دول الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي، وجاءت في 33 صفحة، وبرهنت بوضوح على أهمية هذه الشراكة ومجالاتها وأهدافها، وأوضحت المزايا النسبية لدول مجلس التعاون، وأهميتها في جميع المجالات السياسية، والاقتصادية، والاستراتيجية ودورها في حفظ الاستقرار الإقليمي والعالمي، ومدى حاجة العالم في المرحلة الحالية والمستقبلية للشراكة مع دول مجلس التعاون التي تعد ركيزة أساسية للأمن والاستقرار وتأمين إمدادات الطاقة ، وواحدة من أكبر الأسواق في العالم.

وتضمنت الوثيقة ثمانية مجالات رئيسية للشراكة الأوروبية / الخليجية واشتملت هذه المجالات الرئيسية على العديد من البنود الفرعية، وجاءت المجالات الرئيسية حول: ( رسالة من المفوضية إلى دول مجلس التعاون الست ـ شراكة من أجل الازدهارـ شراكة من أجل التحول الأخضر وأمن الطاقة المستدام ـ شراكة من أجل الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي ـ شراكة إنسانية وإنمائية عالمية ـ شراكة من أجل الشعوب ـ شراكة مؤسسية أقوى ـ الخاتمة بعنوان الطريق إلى الأمام)، وقد خصص مركز الخليج للأبحاث برنامجًا متكاملًا للنقاش والبحث في محاور هذه الشراكة، حيث تم تخصيص 12 حلقة نقاشية عبر تقنية الزوم  تم جدولتها وبدأت بالفعل في نوفمبر الماضي ومستمرة حتى يونيو المقبل بمشاركة مسؤولين تنفيذيين كبار من الاتحاد الأوروبي ومجلس التعاون الخليجي وخبراء على مستوى عال من التخصص من الجانبين لمناقشة محاور الشراكة وتحديد المتوقع والمأمول منها ؛ بما يلبي الاحتياجات الفعلية للجانبين، وتحويل الأهداف النظرية التي وردت في وثيقة الشراكة إلى خطط عمل فعلية وواقعية مفيدة للطرفين وفق رؤية مشتركة نابعة من احتياجات الجانبين وقائمة على مبادئ وقيم ومعتقدات الجانبين حتى لا تصطدم هذه الأهداف بالواقع أو تنفصل عنه، وقد تم بالفعل تنظيم ثلاث حلقات من هذه الورش المشتركة حتى الآن وأثمرت عن التلاقي حول العديد من محاور هذه الشراكة ونتج عنها التعرف على احتياجات ومطالب الجانبين بشكل أكثر وضوحًا وواقعية. وكان قد سبق أن نظم مركز الخليج للأبحاث عدة برامج لمدة زمنية تقترب من 10 سنوات متعلقة بالتعاون الخليجي / الأوروبي، شملت العديد من الدراسات وورش العمل، واللقاءات وحققت تقاربًا فعليًا بين الجانبين وتفاهم أكثر حول الكثير من القضايا.

وجاء هذا العدد من مجلة (آراء حول الخليج) ليتناول هذه الشراكة من كافة أبعادها وزواياها، وكشفت المشاركات عن اهتمام الجانب الأوروبي بالشراكة الاستراتيجية حيث أكد المسؤولون الأوروبيون عن أهمية وثقل دول مجلس التعاون في المجتمع الدولي، معتبرين أن الشراكة حاجة أوروبية ثم حاجة مشتركة، ولعلنا نستشهد بما جاء في مقال السيد كارول هالجارد نائب مدير إدارة الشرق الأوسط في الاتحاد الأوروبي الذي قال: (لقد تم وضع جدول أعمال عام 2023م، وما بعده مدفوعًا بإصرار الاتحاد الأوروبي لبناء شراكة قوية مع دول مجلس التعاون، ويجري حاليًا استكشاف إمكانية عقد قمة خليجية ـ أوروبية على مستوى القادة من الجانبين لبحث مستقبل هذه الشراكة، إضافة إلى اجتماعات الأشهر المقبلة بين وزراء خارجية الجانبين بمسقط في سلطنة عمان وكذلك الخطط الموضوعة للاجتماعات الوزارية الأخرى التي سيتم تنظيمها خلال الأشهر المقبلة من العام الجاري)، وهذا يكشف الاهتمام والحرص الأوروبي على هذه الشراكة والرغبة في تفعيلها في أقرب وقت.

وإذا كان الشق الاقتصادي مهمًا في الشراكة الأوروبية / الخليجية نظرًا لأن الجانبين يمثلان معًا 20% من حجم الاقتصاد العالمي، و17.5% من حجم التجارة العالمية ويغطيان أكثر من نصف الاستثمارات الأجنبية المباشرة العالمية طبقًا لإحصائيات عام 2020م، ويمثل الاتحاد الأوروبي أكبر مستورد من دول مجلس التعاون وأكبر شريك للتصدير بنسب (17.8% و6.9 %على التوالي) ما يعني أن الفائدة متبادلة للجانبين، ومع أهمية هذا الجانب إلا أنه يظل الشق الأمني لا يقل أهمية، بل ربما له أهمية استراتيجية كبيرة، فقد جاءت الشراكة في مجالها الرابع  ضمن المجالات الثمانية تحت عنوان (الشراكة من أجل الاستقرار الإقليمي والأمن العالمي)، وهذا الأمن كما وصفته الوثيقة ليس لصالح دول مجلس التعاون الخليجي فقط، بل أن أمن منطقة الخليج هام جدًا وبالقدر نفسه لأوروبا حيث جاء فيها ( إن عدم الاستقرار في منطقة الخليج له تأثير مباشر على المصالح الأمنية والاقتصادية للاتحاد الأوروبي، ويتردد صداه  في مناطق أخرى ذات اهتمام مشترك).

 وهذا يؤكد أن أوروبا الآن أصبحت تشعر أكثر من أي وقت مضى بأن أمن الخليج من أمن أوروبا كما قالت رئيسية المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين في "حوار المنامة" في شهر نوفمبر الماضي: "أمن الخليج مهم لأوروبا، وأمامنا فرصة تاريخية لبناء روابط جديدة مشتركة بين المنطقتين، ولقد تأخرت أوروبا في فهم طبيعة التهديدات الإيرانية".

 وبناء على ما تقدم، نرى أنه بناء على الاعتراف الأوروبي المتأخر بأهمية أمن الخليج وتحدياته ومصادر تهديده، لابد من مشاركة أوروبية فاعلة في تثبيت أمن منطقة الخليج، حتى تكون هذه الشراكة واقعية تخاطب الاحتياجات وتواجه التحديات، وألا تكون انتقائية تركز على قضايا جدلية مثل الشعارات التي كانت ترفعها أوروبا في الماضي حول مزاعم حقوق الإنسان وحقوق المرأة والديموقراطية وغيرها من شعارات بعيدة عن الواقع، مع ضرورة اعتراف أوروبا باحتياجات دول مجلس التعاون وخصوصياتها وثقافتها وعاداتها وتقاليدها، مع أهمية أن تدرك أوروبا أن دول مجلس التعاون اليوم غير ما كانت عليه بالأمس وهي في تطور مستمر وقطعت أشواطًا طويلة في كافة الملفات الداخلية، ولديها رؤى تنموية تعمل على إنجازها، وهي تنظر إلى الشراكات والتعاون مع مختلف التكتلات والدول برؤية واقعية برجماتية ، قوامها مصالح شعوبها وأمنها الوطني والإقليمي وأنها تتعامل مع الآخرين باستقلالية  في قرارها انطلاقًا من الاحترام المتبادل وعدم التدخل في شؤون الآخرين وعدم السماح للآخرين بالتدخل في شؤونها، وإذا تأسست الشراكة الأوروبية على هذه الثوابت سوف تستمر وتدوم.    

مقالات لنفس الكاتب