array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

البعد الاقتصادي في العلاقات الصينية – الخليجية وتحديات الموقف الأمريكي

الأحد، 01 أيار 2011

ليس من قبيل المبالغة القول إن منطقة الخليج العربي تعد من أدق المناطق الحيوية في العالم، وذلك بحكم أهميتها الاقتصادية والجيواستراتيجية، فإذا كانت هذه المنطقة قديماً تتميز بوصفها طريقاً تجارياً ومعبراً رابطاً بين مفاصل الإنتاج والتجارة ومستودعاتها، فإنها حديثاً تعد أهم المناطق وأكثرها حساسية بالنسبة لعجلة الحياة بكل مفاصلها في العالم.

تعد منطقة الخليج بعد اكتشاف النفط الشريان الأكبر لتدفقه، إنتاجاً وتسويقاً واحتياطياً. وتزداد تلك الأهمية حيوية عندما نستحضر الحقيقة القائلة إن النفط لم يعد سلعة تجارية تحقق من استثمارها عائدات كبيرة فحسب، بل أصبح قضية استراتيجية كبرى تتصل اتصالاً مباشراً ووثيقاً وخطيراً بعجلة الصراع الدولي، كما يؤثر بدرجة عالية من الخطورة بمصير العالم. فالنظام الإقليمي الخليجي هو مركز الثقل النفطي العالمي إنتاجاً واحتياطياً وثروة. فقد بلغ إنتاجه عام 2003 حوالي (15) مليون برميل يومياً ليصل إلى (30) مليون برميل تقريباً في عام 2010 ويؤمل وصوله إلى (45) مليون برميل بحلول عام 2020م، وبلغ احتياطيه حوالي (700) مليار برميل عام 2003 أي (66 في المائة) من مجمل الاحتياطي العالمي للنفط والبالغ (1047.7) مليار برميل، وتبلغ عوائده المالية إذا ما أخذنا سعر البرميل الافتراضي بين (20-25) دولاراً، فإن تلك العوائد تبلغ 14-17 تريليون دولار وهو ما يزيد على إجمالي الناتج القومي لكل من الولايات المتحدة واليابان وألمانيا معاً. من هنا فقد أصبحت منطقة الخليج العربي إحدى أهم المناطق في الاستراتيجيات الدولية ومن ثم أضحت محوراً للصراع الدولي ومسرحاً لتصارع القوى العالمية على مناطق النفوذ بسبب ما تتمتع به من قيمة استراتيجية واقتصادية متميزة وبالصورة التي تجعلها ركيزة من الركائز المؤدية للهيمنة على هذا الإقليم، فقد كان لتلك المنطقة نصيبها في الاستقطاب الدولي للقوى الكبرى للهيمنة عليها في ظل خصائصها الذاتية والموضوعية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، إلا أن ذلك لم يمنع قوى أخرى صاعدة من محاولة إيجاد فرصة للدخول إليها عبر الاستثمار الاقتصادي من قبيل جمهورية الصين الشعبية، إذ تنظر الصين إلى منطقة الخليج العربي باعتبارها مصدراً مهماً للطاقة حاضراً ومستقبلاً، لذلك سعت ولم تزل إلى توطيد علاقاتها مع معظم دول الخليج العربية، وذلك ببحث العديد من المشاريع الاستثمارية في مجالات الطاقة والبنية التحتية، إذ تهدف الصين إلى بناء قاعدة اقتصادية وعلمية وتكنولوجية تمكنها من خوض تجربة المنافسة في السوق العالمية.

وترجع أهمية منطقة الخليج العربي الاقتصادية بالنسبة للصين إلى ثلاثة جوانب اقتصادية، هي:

1- مصدر للحصول على النفط.

2- سوق للبضائع الصينية.

3- مصدر للحصول على الاستثمارات.

كان تأثير البعد الاقتصادي في السياسة الصينية تجاه منطقة الخليج العربي واضحاً منذ فترة بداية التسعينات عندما أصبحت الصين الشعبية وللمرة الأولى دولة مستوردة للنفط، بعد أن عجز إنتاجها النفطي عن تلبية احتياجات الداخل أو السوق المحلية، الأمر الذي جعلها تنظر إلى الخارج وبالذات منطقة الخليج العربي باعتبار أن دول هذه المنطقة هي الأكثر إنتاجاً للنفط وهي الأكثر نصيباً من الاحتياطي النفطي نسبةً إلى الاحتياطي العالمي الموزع على بقية الدول في أرجاء المعمورة، كما هو مبين في الجدول رقم (1)، و الشكل رقم (1).

في ظل هذه الحقائق كان لابد من أن تنال المنطقة اهتمام حكومة الصين الشعبية الباحثة لنفسها عن مصادر نفط جديدة، لاسيما إذا ما علمنا أن الصين تحتل المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة الأمريكية في الاستيراد النفطي العالمي، إذ ترتفع احتياجاتها من النفط بنسب 5 في المائة سنوياً، لذلك تحرص الصين على ممارسة دور في تنمية اقتصادات المنطقة وربطها بالاقتصاد الصيني قدر الإمكان، ففي عام 2003 استهلكت الصين 252,31 مليون طن من النفط، ونسبة استهلاكها من النفط العالمي في عام 2004 بلغت 31 في المائة من الاستهلاك العالمي. كما أن نسبة كبيرة من الاستهلاك الصيني للنفط في عام 2003 (التي وصلت إلى حوالي 51 في المائة) كانت تأتيها من منطقة الخليج العربي، وفي عام 2004 كانت نسبة ما استوردته الصين الشعبية من منطقة الخليج العربي تصل إلى 45 في المائة. وتعتبر كل من السعودية وعُمان وإيران أهم مصدري النفط الخليجي إلى الصين الشعبية، ومن المتوقع أن يصل اعتماد الصين الشعبية على نفط منطقة الخليج العربي إلى 90 في المائة من حاجة الصين إلى النفط بحلول عام م2020 وذلك بالنظر إلى الآتي:

1- تزايد واستمرار النمو الاقتصادي وارتفاع معدل الصادرات الصينية.

2- تزايد رغبة الشعب الصيني في اقتناء السيارات.

3- تراجع كبير في نسبة المخزون النفطي الصيني.

4- تمتع منطقة الخليج العربي بمخزون نفطي استراتيجي كبير فضلاً عن نوعيته وانخفاض تكاليف الاستكشاف وسهولة المواصلات.

انطلاقاً من ذلك زادت أهمية الخليج العربي في المدرك الاستراتيجي الصيني بشكل كبير، لذا سعت الحكومة الصينية إلى عقد اتفاقيات لشراء النفط والاستثمار في هذا المجال مع الدول الخليجية المنتجة له. إذ عقدت شركات الطاقة الصينية مجموعة من الاتفاقيات مع الطرف السعودي، كان من ضمنها الاتفاقية الأخيرة التي عقدت في عام 2004، والتي حصلت من خلالها الشركات الصينية (سينوبك) على حق الكشف عن الغاز الطبيعي في السعودية في قطاع الغاز الطبيعي، بالإضافة إلى التوقيع على اتفاقيات معها لتطوير مصافي النفط الصينية من أجل زيادة قدرتها الاستيعابية، وجعلها مناسبة للنوعية الخفيفة من النفط الخام الذي يأتي من منطقة الخليج العربي. أما مع إيران فقد عقدت الشركات الصينية مجموعة من الاتفاقيات كان آخرها اتفاقية الغاز والنفط التي وقعتها (سينوبك) مع طهران في أكتوبر 2004 والمقدرة قيمتها بحوالي (70) مليار دولار أمريكي، وهو أعلى عقد توقعه الصين مع دولة رئيسية من منتجي النفط في منظمة (أوبك)، وهو يقضي بتطوير الصين أحد الحقول النفطية الرئيسية في إيران وشراء (250) مليون طن من الغاز الطبيعي المسال خلال الثلاثين سنة المقبلة، وتزويد إيران الصين بـ (150) ألف برميل من النفط يومياً ولمدة خمس وعشرين سنة بسعر السوق. كما تم عقد اتفاقية بين الصين وإحدى الشركات الكويتية في عام 1996 للبحث والتنقيب عن الغاز الطبيعي. وقامت الشركات الصينية بالبحث والتنقيب عن الغاز في سلطنة عمان. وكذلك تسعى الحكومة الصينية إلى التوصل إلى اتفاقية تجارة حرة مع دول مجلس التعاون الخليجي تأخذ في الحسبان توسيع التعاون في قطاعي النفط والغاز.

تنظر الصين إلى منطقة الخليج العربي كمصدر مهم للطاقة حاضراً ومستقبلاً

كما يعتبر الخليج العربي من جهة أخرى سوقاً مهماً لتصريف البضائع الصينية من أجل الحصول على عائدات مهمة في عملية ما يعرف وفق الفلسفة الصينية بـ (النهوض السلمي للصين)، هذه الفلسفة مفادها أن الاهتمام بالاقتصاد بدلاً من الصراعات والصدامات المثيرة لحالة عدم الاستقرار وزعزعة الأمن هو السبيل الأساسي لتحقيق التقدم للصين، تماماً كما تحقق لليابان وألمانيا بعد الحرب العالمية الثانية، وأن على السياسة الخارجية الصينية تسخير الدبلوماسية الصينية لصالح علاقات التعاون الاقتصادي والتجاري والأمني والتقني مع دول العالم والتي يمكن أن تساعد الصين في نهوضها السلمي. وفي قلب هذه الفلسفة يأتي الاهتمام بالنفط والغاز كموارد للطاقة تعجل من فلسفة النهوض، ومن ثم التركيز في الاهتمام على المناطق الغنية بهذه الموارد وفي مقدمتها منطقة الخليج العربي. لذا تسعى الصين إلى إدخال بضائعها إلى السوق الخليجية ذات الخمسة والثلاثين مليون مستهلك، كما تعمل على تسهيل عملية الحصول على فرص عقود للتنقيب عن النفط والغاز في المنطقة، وتشجيع الاستثمارات الخليجية في مجال النفط والغاز في الصين. وعلى الرغم من كل هذه الاتفاقيات الصينية – الخليجية والتطلعات الصينية لبذل المزيد من الجهود من أجل الاستئثار بحصة كبيرة من الاستثمارات الاقتصادية سواء النفطية أو حتى غير النفطية فإن ثمة سؤالاًيفرض نفسه بقوة هو هل إن الولايات المتحدة الأمريكية ستفسح المجال أمام الصين وشركاتها للعمل في منطقة الخليج العربي باعتبارها منطقة نفوذ أمريكية؟

دول مجلس التعاون تعتبر سوقاً مهماً لتصريف البضائع الصينية

مما لاشك فيه أن لدى الولايات المتحدة الأمريكية توجساً من تصاعد القوة الصينية سواء الاقتصادية منها أو العسكرية، لما لها من انعكاسات مستقبلية على أداء دور المنافس للولايات المتحدة الأمريكية على الساحة الدولية على المدى المنظور ساعية إلى تأمين إيراداتها النفطية لمواكبة الحراك الاقتصادي الذي يتجسد بنسبة نمو اقتصادي غير مسبوق تتجاوز (9 في المائة) سنوياً، هذا فضلاً عن أن الصين استوعبت درس احتلال العراق، إذ رأت في هذه الحرب محاولة من الولايات المتحدة للاستئثار بمنابع النفط في العالم مما حدا بالصين إلى تبني ردة فعل تجسدت في اختراقاتها المتتالية لدوائر النفوذ التقليدية للولايات المتحدة الأمريكية في كل من أمريكا اللاتينية والخليج العربي وذلك بعقدها صفقات نفطية مع كل من فنزويلا وإيران والمملكة العربية السعودية. كما يرى المسؤولون الصينيون في بكين أن السياسة الأمريكية في منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط ككل مسؤولة عن معظم إن لم يكن كل المشكلات، لاسيما الانحياز المفرط إلى جانب إسرائيل، وتنطلق الرؤية الصينية الغالبة من أن منطقة الشرق الأوسط حساسة جداً، وفيها احتمالات ومصادر كبيرة جداً لاندلاع صراعات وانفجارات كبرى قد تؤثر طويلاً في الاستقرار في العالم ككل، ويعدّ المسؤولون في بكين أن خطة الولايات المتحدة للشرق الأوسط الجديد هي أكبر تهديد للمنطقة. وطالما أن اهتمام الصين بمنطقة الخليج العربي يتمحور بالدرجة الأولى حول الطاقة، فإن تصرفاتها الخارجية بفضل هذا الاهتمام ستحتم عليها أن تتخذ سياسات تحاول، إلى درجة ما، أن ترضي مثل تلك الدول النفطية، فعلى سبيل المثال هددت الصين في سبتمبر 2004 باستخدام حق النقض (الفيتو) إذا ما فرضت الأمم المتحدة عقوبات على السودان بسبب ما يحدث في دارفور. وجاء هذا الاهتمام الصيني نتيجة لاعتماد الصين على السودان لتزويدها بحوالي (7 في المائة) من حاجتها من النفط، فضلاً عن ارتباطها معها بعقود واتفاقيات نفطية وعمليات بحث وتنقيب. هذا يعني في الوقت ذاته إمكانية الدعم الصيني للموقف الإيراني في سعي طهران إلى امتلاك برنامج نووي والوقوف معها ضد محاولات فرض عقوبات دولية عليها، نظراً إلى أن إيران تعتبر مزوداً مهماً للصين بالنفط، إذ وصلت نسبة مساهمة إيران في عام 2004 إلى حوالي (11 في المائة) من مجموع احتياجات الصين من النفط في ذلك العام. لكن ذلك الدعم وإن زاد إلا أنه ليس من المتوقع أن يذهب بعيداً ليثير غضب الولايات المتحدة أو الدول الرئيسية المنتجة للنفط في الخليج العربي والتي تعتمد عليها الصين في الحصول على النفط مثل المملكة العربية السعودية لأن ذلك لا يخدم فلسفة الصين الجديدة القائمة على النهوض السلمي لوضع الدولة الكبرى. ففي تجربة العراق في عامي (1990-1991) عندما عبرت حكومة الصين عن رفضها بشدة قرار مجلس الأمن استخدام القوة ضد العراق لإخراجه من الكويت، نلاحظ أنها لم تستخدم حق النقض الذي هددت به، بل اكتفت بالانسحاب من اجتماع مجلس الأمن لتسهل تمرير القرار. لذا يمكن القول إن الصين تسير وفق سياسة مساومات مرنة مع الولايات المتحدة الأمريكية تجاه منطقة الخليج العربي، فهي من جهة تحافظ على علاقاتها بدول الخليج العربية للحصول على الإمدادات النفطية، وهي من جهة أخرى ترغب في عدم الإساءة في علاقاتها الاقتصادية والسياسية مع الولايات المتحدة الأمريكية، لذا تسعى أحياناً إلى كسب مصالحها الاقتصادية هناك بضوء أمريكي أخضر، إذ إن مصلحة الصين الشعبية وفق فلسفتها الجديدة القائمة على النهوض السلمي تحتم عليها إبراز نفسها على أنها (ليست منافسة للولايات المتحدة الأمريكية وإنما مساهِمة في الحفاظ على استقرار منطقة الخليج العربي والشرق الأوسط ككل) لاسيما بعد أن غدت في حاجة ماسة إلى نفط المنطقة. من هنا فقد كان النفط نقطة ارتكاز مهمة في السياسة الخارجية الصينية تجاه الخليج العربي.

مقالات لنفس الكاتب