; logged out
الرئيسية / الصين قادرة على إقامة علاقات متوازنة بين دول الخليج وإيران لتعاملها ببرجماتية

العدد 183

الصين قادرة على إقامة علاقات متوازنة بين دول الخليج وإيران لتعاملها ببرجماتية

الإثنين، 27 شباط/فبراير 2023

تقوم السياسة الخارجية في الصين على تحقيق التوازن بين الأطراف الفاعلة بطريقة عملية بعيدًا عن التطرق إلى الأيديولوجية، ولذلك تعمل  بكين على مبدأ مدّ يد العون إلى الآخر طبقًا لقاعدة "رابح-رابح" أو "الربح المشترك" لجميع الأطراف، والبناء على القاعدة المشتركة بين الدول بعيدًا عن التدخل في الشؤون الداخلية، أو إثارة المشاكل والنزاعات، لا سيما أنه ووفقًا لوجهة النظر الصينية فإنّ التنمية تحتاج إلى أجواء مستقرّة بلا حروب، وغالبًا ما تستخدم الصين مفردات غائبة عن قاموس كثير من الدول في عصرنا والتي من أهمّها: التنمية السلمية، فحتى صعود الصين وتطورها الاقتصادي يُسمّى بـ "الصعود السلمي". وبناء على ما سبق يُمكن اعتبار أنّ: عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ومساعدة الدول النامية لتصعد وتعتمد على ذاتها من خلال بناء عالم متعدد الأقطاب، هي سمات أساسية للسياسة الخارجية الصينية، ولعلّ إطلاق مبادرة الحزام والطريق هو بمثابة تمثيل عملي لما سبق من مبادئ، إذ أنّ هذه المبادرة  التي أطلقها الرئيس الصيني "شي جينغ بينغ" عام 2013م، تٌعدّ من أضخم المبادرات في العالم، وتهدف إلى إقامة بنى تحتية قوية لتعزيز التعاون التجاري، وتنشيط الحركة التجارية والثقافية والعلمية على طول طريق الحرير القديم، تطبيقًا للمثل الصيني القائل: "إذا أردت أن تصبح ثريًا فابدأ ببناء طريق أولًا" هي نظرية طبّقتها الصين داخل حدودها، وعزمت على البدء بتطبيقها خارجيًا. وقد تأهّلت الصين بناء على ما حققته من صعود سلمي على الصعيد الداخلي أولا، إلى لعب دور أساسي على الصعيد الخارجي في العالم، ولذلك توقّع كثيرون أن نشهد حقبة جديدة تلعب فيها الصين أدوارًا كبيرة على صعيد تعزيز مكانتها كقوة صاعدة، ترتبط بعلاقات وطيدة ومتنوعة مع دول المنطقة، إذ أشار المسؤولون الصينيون إلى إمكانية تقديمهم مبادرات لحلّ القضية الفلسطينية وقضايا أخرى عالقة في الشرق الأوسط مع التأكيد على دعم سيادة الدول ووحدة أراضيها.

وتحديدًا فيما يتعلق بالعلاقات المستقبلية بين الصين والشرق الأوسط، فقد نصّت السياسات الخارجية الصينية على خمسة مبادئ ألا وهي: "يُطلب من الدولتين: احترام بعضها البعض، ودعم الإنصاف والعدالة، وتحقيق عدم انتشار الأسلحة النووية، وتعزيز الأمن الجماعي بشكل مشترك، وتسريع التعاون الإنمائي". وأما فيما يتعلّق بالعلاقات الصينية ـ الإيرانية فقد أكدّ وزير الخارجية الصيني السابق "وانغ يي" العام الماضي على أهمية إنشاء علاقات جيدة مع إيران، إذ قال: "إنّ العلاقات بين الصين وإيران وديّة تقليديًا، والخيار المشترك للصين وإيران هو تعزيز وتطوير الشراكة الاستراتيجية الشاملة، يرغب الجانب الصيني في تعزيز التواصل والتنسيق مع الجانب الإيراني لمواصلة وتعزيز وجود تقدّم جديد في العلاقات الثنائية". وتابع "وانغ يي": وقّعت الصين وإيران على خطة تعاون شاملة، وبدأ العمل التنفيذي مطلع العام الجاري، ستتعاون الصين مع إيران لتعزيز التنمية المستقرة وطويلة الأمد".

وقد جسّد تصريح وزير الخارجية الصينية العام الماضي 2022م، ردّا على المقولة الدائمة للولايات المتحدة الأمريكية، بأنها لن تسمح للصين وروسيا بملء الفراغ الأمريكي في الشرق الأوسط،: "منطقة الشرق الأوسط لا تعاني فراغًا في السلطة، والمنطقة لا تحتاج إلى نظام أبوي أجنبي". وأيضًا: "الصين تدعم دول الخليج لإنشاء منصات حوار متعددة الأطراف لتأخذ بيدها زمام المبادرة في القضايا الإقليمية"، وهو ما يُجسّد السياسة الصينية الخارجية المتوازنة.

واليوم، فإنّ الصين تُشكّل قوة عسكرية واقتصادية كبيرة، يعيش فيها ما يقارب 20% من سكان العالم، نمت من الداخل بالاعتماد على الذات وتطوير القدرات الذاتية، وهو ما أهّلها إلى أن تكون قطبًا يصعد بقوة، محاولًا مساعدة دول العالم النامي (علمًا أنّ الصين لم تزل تُعدّ دولة نامية)، وذلك من أجل النهوض معًا إلى عالم يتشارك الرفاهية والمصير والمسؤولية أيضًا، وذلك بناء على ما طرحته الصين من أفكار ومبادرات مثل: مجتمع الرفاهية المشترك ومجتمع الرخاء المشترك ومجتمع المصير المشترك.

العلاقات الصينية ــ الإيرانية

تاريخيًا امتلكت الحضارتان تاريخًا من التبادل الثقافي والسياسي والاقتصادي على طول طريق الحرير منذ عام 200 قبل الميلاد، وبحسب كتاب "تاريخ علاقات إيران والصين" لمؤلفه "علاء الدين آذري" فإنّ تاريخ العلاقات يعود إلى حقبة امبراطورية "هان" في الصين والإمبراطورية "الباريثية"، عندما كانت الحضارتان شريكتان تجاريًا على طريق الحرير القديم، وقد جرى أول اتصال بين تلك الحكومتين عام 141 قبل الميلاد. وبذلك تعود العلاقات بين الصين وإيران إلى قرون عديدة، منذ العصور القديمة، كان للبارثيين والساسانيين اتصالات مختلفة مع الصين، وتمّ تحقيق الربط الجغرافي بين الأرضين بشكل أكبر عبر طريق الحرير. عبّدت هذه الروابط المبكّرة الطريق أمام ظهور علاقات قوية بين الجانبين الصيني والإيراني التي نراها اليوم، وقد كان طريق الحرير النواة التي أسّست لعلاقات بين الصين وإيران تاريخيًا. وبالمرور على التاريخ الحديث فقد اعترفت إيران بجمهورية الصين الشعبية عام 1971م، وقد كان الرئيس الإيراني السابق "محمود أحمدي نجاد" أول من اعتمد سياسة "التوجه شرقاً".

وأما اقتصاديًا فقد بلغ التبادل التجاري بين البلدين عام 1990م، حوالي 314 مليون دولار، ثم ما لبث أن تضاعف تقريبًا بعد 3 سنوات ليبلغ 700 مليون دولار، ونظرًا لحجم التعاون المتزايد قرر البلدان عام 1993م، إنشاء لجنة تعاون "صينية-إيرانية" مشتركة من أجل التعاون الاقتصادي والتجاري والعلمي. وفي عام 2003م، وصل حجم التبادل التجاري إلى 5.6 مليار دولار. كما نمت العلاقات الاقتصادية بين طهران وبكين بمعدل سنوي بلغ 40٪ خلال السنوات القليلة الماضية، وارتفع مستوى التجارة بين البلدين من 400 مليون دولار في عام 1994م، إلى 29 مليار دولار في2008م، وأعلنت الجمارك الصينية أن تجارة البلاد مع إيران خلال عام 2022م، نمت بنسبة 11% بالمقارنة مع الفترة نفسها من عام 2021م، وبلغت 14 مليار و600 مليون دولار.  كما بلغت التبادلات بين إيران والصين في الأشهر من كانون الثاني (يناير) إلى تشرين الثاني (نوفمبر) 2021 م، ما قيمته 13 مليارًا و100 مليون دولار.

 وقد كان الأبرز في مجال التعاون بين الجانبين الصيني والإيراني هو توقيع اتفاقية تعاون استراتيجي شامل مدتها 25 عامًا في عام 2021م، ذلك التعاون الذي لم يكن وليد اللحظة، إذ طُرحت فكرة صياغة خطة عمل للتعاون بين البلدين عند زيارة الرئيس الصيني إلى إيران في يناير عام 2016م، وذلك في بيان صدر عن رئيسي البلدين، تضمّن الجانب التنفيذي من البيان وجود تعاون مشترك في المجالات التالية " الطاقة، والبنية التحتية، والصناعة، والتكنولوجيا، وغيرها من المجالات المشتركة"، وتوسيع الاستثمار المتبادل في مختلف المجالات مثل النقل والسكك الحديدية والموانئ والطاقة والتجارة والخدمات الصناعية، ولم يخل الجانب الأمني من عمليات تعاون مشترك فقد اتفق الطرفان على تعزيز العلاقات بين القوات المسلحة مع تبادل لزيارات الوفود والمشاورات والتنسيق في مجال تدريب القوات وتعزيز مكافحة الإرهاب. وقد تطلّب توقيع الاتفاق مفاوضات وزيارات عالية المستوى، إلى أن أعلنت الحكومة الإيرانية في 21 يونيو/ حزيران من عام 2020م، موافقتها على مسودة "اتفاق التعاون الشامل" لمدة 25 عامًا مع الصين، استمرّت هذه المفاوضات حتى بداية 2021م، لتجهيز النص والاتفاق على بنوده، وتذليل الخلافات حول بعضها وتوقيعه بالتالي؛ وهو ما جرى في نهاية مارس/ آذار 2021م، عند زيارة وزير الخارجية الصيني لطهران. تتضمن الوثيقة ثلاثة محاور أساسية، هي: سياسية-استراتيجية، واقتصادية، وثقافية، تهدف في تفاصيلها، وحسب المُعلن، إلى الرقي بالتعاون في المجالات ذات الاهتمام المشترك بأبعادها العامة. أما الاستثمار في قطاع الطاقة الإيراني فهو المجال الذي سيحظى، حسب المتفق عليه، بالحصة الأكبر من الاستثمارات بقيمة تصل إلى 400 مليار دولار، فعلى الرغم من اعتماد الصين على الدول الخليجية، كمصادر رئيسية للتدفقات النفطية، إلا أنّ الصين تعتمد في الوقت ذاته على تنويع المصادر، ولذلك بدأت تتجه إلى أسواق جديدة، وهو ما سيؤدي في الوقت نفسه إلى معالجة تداعيات الأزمة الاقتصادية الخانقة التي يعاني منها الاقتصاد الإيراني بسبب العقوبات الأمريكية.

وقد أشار تقرير سابق صادر عن مجلة "بتروليوم إيكونوميست" إلى أن إيران مستعدة لمنح امتيازات ضخمة للصين، بما في ذلك خصومات كبيرة على النفط والغاز، والقدرة على تأخير المدفوعات لمدة تصل إلى عامين. والدفع بعملات ميسرة. ولطالما تعمل الصين بشكل دائم عند تعاونها مع الدول على مبدأ تحقيق الربح المشترك (كما ذكرنا سابقًا) فإنّ زيادة التعاون والتنسيق بين بكين وطهران، قد تساهم في إنعاش الاقتصادي الإيراني مجددًا بعد معاناة طويلة مع العقوبات الأمريكية.

تأثير العلاقات الصينية ـ الإيرانية على العالم العربي

بالطريقة ذاتها التي تعاملت بها الصين مع مدنها الداخلية، إذ قامت باستغلال المزايا ونقاط القوة التي تتمتّع بها كل مدينة ومقاطعة لتقديم الأفضل لسكان تلك المناطق، كذلك تعمل على التعاون مع باقي دول العالم، ليس بمبدأ الهيمنة والاستغلال، وإنما عبر المساعدة للخروج بما هو أفضل وبما يعود بالنفع على الجميع. تعدّ منطقة الشرق الأوسط منطقة مهمّة بالنسبة للصين، وكذلك فإنّ الصين وتحديدا بعد صعودها الاقتصادي السلمي باتت تُشكّل منفذا مهمّا للعالم العربي. تأسّس منتدى التعاون العربي / الصيني في عام 2004م، ما وهو ما أدى إلى تطور العلاقات التجارية والاقتصادية بين الجانبين الصيني والعربي على أساس التعاون في مجال التنمية. ووفقاً لما ورد في كتاب "الصين والشرق الأوسط" لمؤلفه الباحث السوري "حكمت عبد الرحمن" فإنّ الخطاب الذي ألقاه الرئيس الصيني "شي جين بينغ" خلال الاجتماع الوزاري السادس للمنتدى عام 2014م، أي بعد حوالي مرور عام على إطلاق مبادرة الحزام والطريق كان دليلاً على تطور اهتمام الصين بالمنطقة العربية، وطموحها للدخول السياسي إلى المنطقة من بوابة العلاقات التجارية".

يضيف الكتاب أنّ "ما يزيد أهمية المنطقة العربية عند صنّاع القرار الصيني هو أنّ سوريا والعراق من أهمّ محطات طريق الحرير البرّي، وأنّ مصر والكويت والإمارات وقطر من الدول التي انضمّت إلى البنك الآسيوي للاستثمار الذي تدعمه وتديره الصين". وهما من الأمور المرتبطة بمبادرة الحزام والطريق الصينية، التي تمثّل مشروعاً اقتصادياً لإقامة بنى تحتية تشمل بناء سكك حديدية وطرق سريعة ومرافئ ومشروعات للطاقة، تغطّي أكثر من 65 بلداً تمتد من الصين إلى غرب آسيا وأوروبا، بقيمة تتجاوز 100 تريليون دولار. وهو ما يشير إلى وجود ربط كبير بين الاستراتيجية الصينية تجاه الدول العربية والهدف الاستراتيجي من مبادرة الحزام والطريق، إذ تضمّ هذه المبادرة مختلف الدول العربية سواء ما يقع منها في منطقة الخليج العربي (السعودية وعمان وقطر والإمارات) إضافة إلى مصر والأردن، وكذلك العراق وسوريا عبر إيران، وهو ما يعني أنّ إحياء طريق الحرير القديم لن يكون مجرد طريق تجاري إنما هو طريق ثقافي واقتصادي أيضًا يضمّ ممرات تنموية تهدف إلى خلق خارطة جديدة تعتمد التنمية أساسًا. وعلى الرغم من وجود نوع من التعامل الحذر مع الصين من قبل بعض الدول العربية، بسبب إسقاط الواقع السابق الذي تعرضت له المنطقة العربية في السابق من تأثير سياسات أمريكية على الدخول الصيني إلى الشرق الأوسط، الأمر الذي دفع البعض إلى التوجس وربط الدخول الصيني إلى المنطقة العربية بفخ الديون أو ما شابه.

ما سبق قد يحيل دول الوطن العربي إلى نوع جديد من الدبلوماسية المتوازنة التي لا تنحاز إلى طرف على حساب الآخر، لا سيما وأن هناك بعض الدول بدأت تدخل إلى مجالات جديدة فرضتها مشاكل العصر، فعلى سبيل المثال خلال قمة دول مجلس التعاون الخليجي والصين، أعرب الرئيس الصيني "شي" عن رغبته في أن "يستكشف" مع الدول العربية "مجالات عمل جديدة مثل الطيران والفضاء والاقتصاد الرقمي والطاقة النووية السلمية". ما يعكس نفسًا جديدًا لم تشهده المنطقة العربية منذ قرون، إذ أنه وقبل البدء بظهور قوى عالمية جديدة (عالم متعدد الأقطاب) وعندما كانت أمريكا تفرض هيمنتها على مختلف دول العالم كانت السيطرة على موارد النفط هي الهدف الأساسي، بالإضافة إلى ما يتعلّق بالأمن، إلا أنّ بعض الدول بدأت تعي أهمية استخدام الطاقة النظيفة، فمثلًا في رؤية السعودية 2030 أبرز ما تنص عليه هو أنّ النفط ليس جانبًا أساسيًا كما كان في السابق ولذلك غالبًا ما يُطلق عليها "رؤية ما بعد النفط".

تتمتّع الدبلوماسية الصينية عبر مرونتها وبرجماتيتها وصلابتها في الوقت ذاته، بالقدرة على إقامة علاقات متوازنة مع الأطراف كافة، فحتى ولو كانت تلك الأطراف تحيا حالة من النزاع السياسي إلا أنّ الصين قادرة على إقامة علاقات مع جميع الأطراف، وقد لاحظنا وجود نوع من التأثّر من قبل بعض الدول العربية بالسياسة الصينية، فبدأت هذه الدول تعمل على التنمية بغض النظر عن الخلافات الأيديولوجية، لأنّ تحديث الاقتصاد ينعكس على الجانب الاجتماعي. ولذلك فإن الصين دولة قادرة على إقامة توازن بين علاقتها بالخليج وكذلك علاقاتها مع الجانب الإيراني، وهو ما عبّر عنه وزير الخارجية الصينية السابق "وانغ ايي" عندما تحدّث عن نهج بكين تجاه المنطقة، وقال: إنّ "دول مجلس تعاون الخليجي وإيران أصدقاء للصين، إن تطوير علاقات الصين مع الجانبين لا يستهدف أي طرف ثالث".

وبعد زيارة الرئيس الصيني الأخيرة للسعودية وفي مقابلة حصرية مع وكالة الجمهورية الإسلامية للأنباء "إرنا" قال رئيس مجموعة الصداقة البرلمانية الإيرانية مع الصين "علاء الدين بروجردي" إنّ: "علاقات الصين مع الدول الأخرى لا تتعارض مع مصالح الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وفي الوقت نفسه، فإنّ ضرورة احترام وحدة أراضي الدول أمر لا جدال فيه". ومع انتهاء زيارة الرئيس الصيني إلى السعودية تصاعد الحديث عن إمكانية قيام بكين بجهود لتخفيف حدة التوتر في المنطقة، بتقريب وجهات النظر بين دول الخليج وإيران، خاصة أنّ بكين تحظى باحترام وثقة دول الخليج والحكومة الإيرانية على السواء، وكذلك ترتبط بكين بعلاقات طيبة ووثيقة مع هذه الدول وهو ما يخولها للعب دور الوسيط لإنهاء التوتر في الشرق الأوسط. كما أنه في أثناء زيارة الرئيس الصيني، أعلن البيت الأبيض أنه "يدرك التأثير المتزايد" للصين في الشرق الأوسط، غير الملائم بحسب قوله، "للحفاظ على" النظام الدولي". وكانت قد أعلنت الرياض أنها لا تنوي التأثّر بأي طرف على حساب الآخر. وقال وزير الخارجية السعودي الأمير "فيصل بن فرحان" "سنواصل العمل مع جميع شركائنا ونحن لا نؤمن بالاستقطاب". وأضاف أن: "المنافسة شيء جيد" مؤكدًا أن بلاده ستواصل الحفاظ على علاقات قوية مع الولايات المتحدة "في جميع المجالات".

ما سبق يبرز أهمية الدبلوماسية الصينية في تحقيق توازن في العلاقات بين مختلف الدول، وهو أثر جيد بطبيعة الحال على دول الشرق الأوسط، لا سيما وأنه يؤدي إلى امتصاص طاقة الاختلاف والتوجه نحو البناء على ما هو مشترك، لإقامة عالم سلمي بعيدًا عن المشاكل والهيمنة أحادية القطب. فما تمّ تسويقه من مفاهيم حول الحرية والديمقراطية، خلال العقود الماضية أثبتت أنها مجرد أقوال وعبارات مزخرفة تستقطب الكثير من الشعوب المضطهدة، إلا أنها لا تحقق لها استقلالها الاقتصادي وبالتالي الاجتماعي، وهو ما يعني أنها مفاهيم عاجزة عن تطوير الدول والمجتمعات بما يساعدها على حل مشكلاتها، خاصة وأن لكل مجتمع خصوصياته ومشكلاته التي يعاني منها، وبالتالي لا بدّ من إحياء قيم جديدة، قادرة على النهوض بعالم اليوم، عالم غير متطرف، يسعى بطرق عملية إلى الارتقاء بالمجتمع الدولي.

خاتمة

ناقش المقال العلاقات الصينية الإيرانية، بدءًا من السياسة الخارجية الصينية، مرورًا بالعلاقات الصينية الإيرانية تاريخيًا واقتصاديًا، وصولًا إلى تأثير تلك العلاقات على واقع المنطقة العربية. وتوصّل المقال إلى دور الدبلوماسية الصينية في إقامة علاقات متوازنة بين مختلف دول المنطقة، وتحديدًا دول الخليج العربي وإيران، خاصة وأن الصين تتعامل ببرغماتية مطلقة، بعيدًا عن الأيدلوجية، وهو ما قد يؤدي إلى ولادة عالم يضع التنمية السلمية هدفًا، بعيدًا عن إثارة الحروب والنزاعات، فالعلاقات الصينية الإيرانية لا تستهدف أي طرف ثالث، والهدف الأساسي هو تنمية الشرق الأوسط وأمنه وازدهاره.

مقالات لنفس الكاتب