array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 183

إيران بوجهين تتعامل مع أمريكا والغرب بوجه الدولة ومع العرب بوجه الميليشيات المجنونة

الإثنين، 27 شباط/فبراير 2023

لن يستطيع أحد التحدث عن مستقبل إيران داخلياً وخارجياً وعلاقاتها المستقبلية بالعالم العربي ومصير نظام ولاية الفقيه إلا بعد النظر في هذه المقدمات المهمة:

أولاً: إيران بين منطق الثورة والدولة:

بعد ثورة الخميني في نهاية السبعينات مرت الدولة الإيرانية بفترة مراهقة سياسية خطيرة كلفت الدولة والثورة الكثير من الخسائر، فالثورات حينما تتحول إلى دول ينبغي عليها أن تتعامل بمنطق الدولة الحكيمة العاقلة لا منطق الثائر الأهوج الذي يريد حرق الكون أو هدمه ثم إعادة بنائه على النسق الذي يراه بصرف النظر عن صوابه أم خطئه.

وكانت هناك مظاهر لفترة المراهقة السياسية منها على سبيل المثال تلك المظاهرات الحاشدة التي كان يقوم بها الحجاج الإيرانيون وتهتف" الله أكبر خميني رهبر "أي زعيم، وذلك في مكان وزمان لا يذكر فيه أي زعيم أو حاكم مهما كان شأنه لأنه موطن إفراد العبادة والتوحيد والذكر لله وحده، وأحيانًا كانت تطلق شعارات سياسية ضد أمريكا "الشيطان الأكبر، تسقط أمريكا، الموت لأمريكا"، وذلك في زمان ومكان لا تصلح فيها السياسة ونزاعاتها وصراعاتها واختلافاتها.

وبعد أن هدأت الدولة قليلاً وودعت المراهقة السياسية والثورية إذا بها تترك ذلك لتلاميذها الذين يحاربون عنها بالوكالة في كل مكان في العراق ولبنان واليمن وسوريا.

إن الإشكالية الكبرى في حياة إيران هو تمزق فكر الدولة السياسي بين كونها دولة تتعامل بمنطق الدولة وسياستها وكونها ثورة فيها نزق وطيش واندفاع الثورة ورغبتها في السيطرة على كل شيء وهي ممزقة أيضاً بين كونها دولة مسؤولة عن رعاياها الإيرانيين وبين ما اعتبرته مسؤوليتها عن الشيعة في كل دولة وأنهم رعاياها لأنهم ببساطة أدوات نفوذها وسيطرتها وقوتها، وهم المحاربون بالوكالة عنها في كل مكان وقد أدى ذلك لإيجاد حالة فريدة من نوعها نوضحها في الفقرة الثانية.

ثانياً:إيران بين الدولة والإمبراطورية:

لإيران وجهان متناقضان، وجه الدولة الإيرانية العاقل الحكيم الملتزم بأصول العلاقات وخاصة مع الغرب، ووجه آخر مغاير وهو وجه الإمبراطورية الذي يمثله الحرس الثوري والميليشيات المنتشرة في عدة بلاد عربية والتي تسيطر عليها سيطرة كاملة، وهذا الوجه الآخر يرعى هذه الميليشيات ويبارك مذابح الحشد الشعبي في العراق والقتل بالاسم والمذهب والعرق والتفجير والتصفيات العرقية والمذهبية، ويستقدم الميليشيات من باكستان وأفغانستان وجنوب الاتحاد السوفيتي لتأتى إلى بلاد العرب لتقوم بكل ما يريده الحرس الثوري وكأن هذه الميليشيات تفعل ذلك من تلقاء نفسها.

ويقيم هذا الوجه الإمبراطوري شبكة إعلامية وعقائدية واستخبارية ضخمة خارج إيران لا تعلم عنها الحكومة الإيرانية شيئاً، وتضخ المليارات من أموال الخمس التي تتدفق من عروق البسطاء إلى عروق الميليشيات والأحزاب والجماعات التابعة لها والتي تسيطر سيطرة كاملة على أربع دول عربية.

وجه الدولة الإيرانية وجه براجماتي سياسي، أما وجه الإمبراطورية والميليشيات فيرفع راية الحسين الثائر على الظلم وتوريث الحكم وفي الوقت نفسه يدعم أكثر الحكام ديكتاتورية ودموية ووراثة.

ثالثاً:إيران بين المرشد والرئيس:

من مظاهر الأزمة الفكرية والسياسية الإيرانية هو ازدواج السلطة فإيران هي الدولة الوحيدة التي تقاد برأسين " أحدهما رأس ديني هو المرشد والآخر رأس سياسي هو الرئيس".

والجميع يعلم أن المرشد هو الحاكم بأمره وهو المتصرف الأساسي في الشؤون الإيرانية سياسياً ومالياً وهو الآمر الناهي فيها وما الرئيس إلا ظل للمرشد وتابع له ولا يختار إلا برضا المرشد ولذلك سيظل الازدواج مهما كان الاتفاق بينهما، لأن المرشد يمثل الثورة وهو المسؤول عن الرعايا الشيعة في العالم والرئيس مسؤول عن جزء من رعايا المرشد فقط في إيران وعليه أن يتصرف بما يمليه عليه أمر المرشد.

وهذه الازدواجية وضحت تماماً في فترة الرئيس الإصلاحي خاتمي الذي أراد أن يكون رئيساً بحق وأن يقوم ببعض الإصلاحات السياسية ولكنه اصطدم بالمرشد والحرس الثوري ومدرسة " قم" وهؤلاء يملكون كل شيء.

رابعاً: إيران بين الجيش الإيراني والحرس الثوري:

تعاني إيران من ازدواجية عسكرية لا توجد في غيرها وهي انعكاس لازدواج الدولة والثورة أو ازدواج الدين مع السياسة أو ازدواج الرئيس مع المرشد أو ازدواج الدولة مع الإمبراطورية، وهي ازدواجية الجيش "الذي يتبع الرئيس عادة " والحرس الثوري "الذي يتبع المرشد" ويملك الأخير إمكانيات هائلة ويحارب في كل مكان فقد تراه في سوريا أو العراق أو اليمن أو لبنان ويدرب في كل مكان، وهو المسؤول الأول عن حماية أو تكوين وتدشين الإمبراطورية الإيرانية الكبرى، ويعتبر نفسه دولة أخرى ليس داخل الدولة ولكن فوقها.

وهذه الازدواجية ما زالت آمنة ومتماسكة حتى الآن ولكنها خطرة على الدولة في المستقبل لا سيما أن المبرر لها كان في بداية الثورة لتأمينها، أما الآن فقد استقرت الدولة وأصبحت من أقوى الدول الإقليمية، ولكن لا يمكن فصل هذه الازدواجية لأن الحرس الثوري هو المسؤول عن تكوين الإمبراطورية الإيرانية، أما الجيش فمسؤول عن الدولة الإيرانية والأول هو ذراع الثورة والمرشد والثاني ذراع الدولة.

خامساً: إيران بين السياسة البرجماتية والمذهب الشيعي:

ازدواجية إيران بين السياسة والمذهب الشيعي: هناك ازدواجية أخطر وأصعب وهي ازدواجية السياسة المصلحية البرجماتية والمذهب الشيعي فالسياسة برجماتية والمذهب الشيعي والمفروض أن الرئيس يمثل الأول والمرشد يمثل الآخر.

ولكن بدأ هذا الأمر ينحرف عن مساره فلا ينصر الحرس الثوري وأتباعه المظلوم والمقهور بل ينصر الإمبراطورية وتابعيها حتى وإن ظلموا وقتلوا الآلاف من شعوبهم.

لقد ثار الشعب السوري لمدة عام بطريقة سلمية على بشار كان يمكنه فيها أن يقتدي بمبارك أو بن علي ويحدث انتقالاً سلمياً من بين أركان حكمه يعصم بها الدماء ويرحم شعبه ويحافظ على وحدة بلاده ولكنه أبى إلا الاستمرار على جثث شعبه " الإمارة ولو على الحجارة "حتى أتت داعش والقاعدة من جهة، ووصلت الميليشيات الشيعية والحرس الثوري وحزب الله فضاعت سوريا بين الجميع وذهب كل شيء.

فلو كان الحسن أو الحسين أو الإمام علي بن أبي طالب موجودًا ! تري هل كان سينصر بشار ويحميه ويدافع عنه وهو الذي حكم مع والده قرابة ستين عاماً.

ورغم أنني منذ البداية كنت ضد الثورة على بشار لأن مفاسدها أكثر من مصالحها وخرابها أكثر من عمرانها ولكن الحاكم العاقل هو الذي يرحم شعبه ولا يقتله أو يعذبه أو يقتل ويجرح ويسجن أكثر من مليون منه ويشرد أربعة ملايين ويدمر بلده بالبراميل المتفجرة ويحوله إلى أطلال.

سادساً: ولاية الفقيه ..أم ولاية الأمة:

ظهرت نظرية ولاية الفقيه عام 1829م، علي يد النراقي وعززها بعده الكوراني ولكنها لم تطبق عملياً إلا على يد الخميني ولم يعرفها العوام إلا بعد قيادته لإيران عام 1979م، حينما وضعها في حيز التنفيذ.

وهي تعني باختصار أن للولي الفقيه الولاية المطلقة على المسلمين مثل التي كانت للنبي محمد "صلى الله عليه وسلم" وعلي بن أبي طالب من قبل وهي تجعل الولي الفقيه حاكماً باسم الله ببساطة لأنه معصوم ولا تجوز معارضته أو نقده أو مراجعته أو مناقشة تصرفاته.

لقد كان الإسلام عظيماً حينما اعتمد نظرية"ولاية الأمة" وهذا يعطي الاستقلال لكل دولة في اختيار حكامها ويعطي سكان الولايات المحلية حق اختيار حكامها المحليين كما يحدث في الأنظمة الفيدرالية.

ولا تعاكس نظرية" ولاية الأمة" على نفسها مبدأ تطبيق الشريعة الإسلامية، فنظرية ولاية الأمة تعني أن الأمة صاحبة السلطات لأنها تملك تولية حكامها وعزلهم ومحاسبتهم بالطرق القانونية.

أما الشريعة الإسلامية فتمثل الإطار القانوني للدولة أو ما يطلق عليه"المرجعية القانونية العليا للدولة.

"ولاية الأمة" تتيح لمجتهدي وفقهاء ومفكري كل دولة أن يجتهدوا في إطار الشريعة بما يناسب ظروف كل دولة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً فلكل شعب ظروفه وأعرافه ومدخلاته ومخرجاته، وما يحب وما يكره، وهذا ما يعطي مذهب أهل السنة الحقيقي مرونة كبيرة.

فكرة ولاية الفقيه تنحي الأمة جانباً"وهي من هي"وتقدم الفقيه عليها والأمة أولى من الفقيه مهما كان علمه وشأنه وفكرة عصمة الأمام الفقيه غير صحيحة لأن عصمة النبي كانت تأتي من الوحي والفقيه لا وحي يتنزل عليه ليعصمه من الخطأ.

ورغم ذلك كله كانت اجتهادات الرسول "صلى الله عليه وسلم" بعيداً عن الوحي هي محل أخذ ورد سواءً في الحرب مثل" رأيه في موقع الجيش في بدر"أو الزراعة مثل رأيه في عدم تأبير "تلقيح النخل"، أو في شؤون الحياة.

ولاية الفقيه هي السبب الأساسي في كل كوارث إيران، وهي السبب في ازدواجية المرشد والرئيس، وازدواجية الجيش والحرس الثوري، وازدواجية الدولة والمليشيات.

ولاية الأمة أقرب إلى الأنظمة الديمقراطية السياسية الحديثة في بريطانيا وأمريكا التي تختار فيها الأمة حكامها.

سابعًا: العرب .. ونوم أهل الكهف:

نام العرب طويلاً فلما استيقظوا فجأة وجدوا أمة العرب ودولهم مختلفة تماماً عما كانوا يعرفونها قبل نومهم، فقد فوجئوا بالآتي:

أهمل العرب جميعاً الشيعة العرب وأقصوهم ولم يعيروهم التفاتاً، ولم يهتموا بـ"مدرسة النجف" في العراق، ولم يراعوا كذلك "المدرسة الزيدية" القريبة من السنة في اليمن، وبعضهم مثل صدام نكل بهم، وعلي عبد الله صالح قتل حسين الحوثي، والقذافي قتل الإمام الصدر، ولما لم يجد شيعة العرب صدراً حنوناً لدى العرب توجهوا إلى "مدرسة قم" بإيران فارتموا في أحضانها وتمرغوا تحت عتباتها وطلبوا وصالها، وخطبوا ودها فاستجابت لهم على الفور، ووجد كل منهما في الآخر طوق نجاة له.

قبل معظم وليس كل الشيعة العرب أن يكونوا ترساً في الإمبراطورية الفارسية الجديدة ووجدوا أن ذلك أفضل من أن يكونوا لا شيء في بلاد العرب فأعطتهم إيران كل الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري والإعلامي، وحولتهم من أفراد إلى جماعات وأحزاب قوية ثم إلى دول.

استطاعت إيران أن تلتهم ثلاث دول عربية مستغلة، وكادت تلتهم اليمن إلا أن العرب أفاقوا حينما رأوا إيران تحاصرهم عبر البحر المتوسط ومن البحر الأحمر وأنها ستغلق عليهم مضايق تيران ومضيق باب المندب، فأرادوا إنقاذ اليمن قبل أن يفوت الأوان وتتفكك دول المنطقة تحت وطأة مطرقة إيران وسندان إسرائيل.

ثامناً: إيران ونظرية "البيت الوقف" للعرب:

إيران تستخدم نظرية"البيت الوقف" أو" المرأة المعلقة" مع الدول العربية فهي تستخدم المليشيات الشيعية في دول عربية سنية لتكون هذه المليشيات بفعل المساعدات الإيرانية غير المحدودة، أقوى من الدولة وأكثر فعالية منها، وهذه المليشيات تحول الدولة إلي "خيال مآتة" كما حال بعض الدول العربية اليوم، فحزب الله أقوى من الدولة اللبنانية التي تكاد تنهار سياسياً واقتصاديًا، وحزب الله يملك قوة عسكرية واقتصادية واجتماعية ودعوية وإعلامية واستخباراتية أقوى من الدولة اللبنانية وكذلك الحوثيون الذين خطفوا اليمن بقوة السلاح والدعم الإيراني .

والخلاصة أن الحوثيين أرادوا تحويل اليمن إلى ما يشبه "البيت الوقف"، ونفس الأمر في العراق.

استيقظ العرب فوجدوا أن دولهم في العناية المركزة، وأن معظم الجماعات والميليشيات في بلادها تدين بالولاء إما لإيران أو تركيا أو غيرهما، وأن حزب الله سعيد وفخور بكونه أقوى من لبنان، والحوثيون سعداء بكونهم أقدر من الدولة اليمنية.

تاسعاً: المذهب الشيعي وسيلة اختراق العرب:

إيران والمذهب الشيعي: وجدت إيران في المذهب الشيعي وسيلة لاختراق الوطن العربي واستخدمته كوسيلة تعضد تحركها السياسية وتخدم مصالحها الاستراتيجية، وقد استطاعت استخدام المرونة السياسية الكبرى في المذهب الشيعي مثل التقية والمرونة الفقهية مثل زواج المتعة وغيرها للوصول إلى ما تريد في هدوء وتدرج وذكاء تحسد عليه ودون الصخب أو الضجيج أو الصوت العالي.

إيران كغيرها من الدول لا يهمها المذهب الشيعي كثيراً، ولكن يهمها في المقام الأول والأخير مصالحها الاستراتيجية، فإن جاء المذهب مواكباً لها فبها ونعمة، وإن اصطدم المذهب بها ضربت به عرض الحائط.

عاشراً:إيران ونظرية الحرب بالوكالة:

تعتمد إيران في تحقيق طموحاتها على "نظرية الحرب بالوكالة" فحزب الله يقوم بدورها في لبنان، والحوثيون يحققون مصالحها في اليمن والميليشيات الشيعية في العراق هم أقوى حلفائها وأدواتها لتحقيق مصالحها الاستراتيجية في العراق وبشار الأسد وحلفاؤه في سوريا.

والغريب أن أمريكا وإيران تتشابهان في تبني "نظرية الحرب بالوكالة" فأمريكا استخدمت الحركات الإسلامية المصرية وغيرها دون أن تدري في أوائل الثمانينات لهزيمة الاتحاد السوفيتي في أفغانستان مستغلة الأراضي الباكستانية كنقطة انطلاق، وكانت هزيمة الاتحاد السوفيتي هي بداية النهاية لفك الإمبراطورية الشيوعية الكبرى الممتدة من الاتحاد السوفيتي إلى شرق أوروبا، ولم تتكلف أمريكا في هذه المعركة الخطيرة شيئاً بل تحملها المسلمون.

والخلاصة أن أمريكا هزمت الاتحاد السوفيتي بدماء العرب والمسلمين دون أن تتكلف شيئًا، وصبت الهزيمة كلها لمصلحتها فانفردت بقيادة العالم دون منافس.

فلما انتهت المعركة إذا بالتحالف بين أمريكا وبين القاعدة والمجاهدين الأفغان يتحول إلى صراع مرير عقب أحداث 11 سبتمبر فإذا بأمريكا تطارد القاعدة وطالبان في كل مكان.

أما إيران فإنها لا تترك حركة إسلامية جهادية مسلحة سنية كانت أو شيعية إلا وتسعى للتحالف معها وتوظيفها لخدمة مشروعها الإمبراطوري الفارسي، وهي تستخدم إمكانياتها كلها لحث هذه الحركات بطريق مباشر أو غير مباشر لمواجهة خصوم وأعداء إيران في منطقتها وتتكفل إيران في المقابل بالدعم السياسي والمالي واللوجستي والإعلامي، دون التورط في الظهور في المشهد بطريقة مباشرة وبذلك تضمن أن تحقق أهدافها في خريطة العالم الواسعة بأقل تكلفة وأكثر كفاءة ودون تورط مباشرة في عنف أو إرهاب يضيق الخناق عليها وليكون لها أتباع في كل مكان ويكون لها نفوذ أيضاً في كل مكان .

وتجد ذلك المعنى في تكوينها لحزب الله وحزب الدعوة وميليشيات المهدي وميليشيات بدر وعصائب الحق في العراق، وميليشيات الحوثيين في اليمن وقد نجحت في ذلك كله.

حادي عشر: إيران الدولة للغرب .. والميليشيات للعرب:

أزمة إيران هي أزمة داخلية في المقام الأول تنعكس دوماً على الخارج وتصدر إلى الدول الأخرى.

فإيران ممزقة ومزدوجة بين وجه الدولة الحكيم العاقل الذي يعرف حدود العلاقات الدولية، وهذا تصدره إيران للغرب عن طريق رئيسها وحكومتها، وبين الوجه الآخر وهو وجه الإمبراطورية الذي يرعى الميليشيات المسلحة التابعة لإيران في كل مكان مثل الحشد الشعبي وحزب الله والحوثيين، وهذا الوجه يقوده الحرس الثوري ويحركه التعصب المذهبي ليس لخدمة المذهب الشيعي الذي تعايش مع السنة وأهلها طوال 14 قرناً من الزمان ولكن لخدمة الإمبراطورية الإيرانية، وهذا الوجه تصدره إيران للعرب.

ثاني عشر: خطيئة اعتبارهم شيعة العالم من رعاياهم:

اعتبارها مسؤولة عن المواطنين الشيعة في العالم: المرشد والحرس الثوري ومدرسة "قم" يعتبرون أن المواطن الشيعي في كل مكان ليس من رعايا دولته بل هو من رعاياهم.

وهذه الأزمة فكرية وسياسية ومذهبية في المقام الأول، وهي التي تمنح الفرصة تلو الأخرى وتعطي الذريعة تلو الأخرى لإيران للتدخل في الشأن العربي.

فهل تستطيع دولة عربية أن تتدخل في الشأن الإيراني بحجة الدفاع عن السنة الموجودين فيها، وسنة الأحواز هناك محرمون من أدنى حقوقهم ويعاملون أسوأ معاملة، ورغم ذلك فإن كل الدول تحترم قواعد السياسة الدولية في عدم تدخل الدول في شؤون الدول الأخرى.

ثالث عشر: وجهان إيرانيان مع أمريكا:

ومن أزمات إيران الفكرية والسياسية أن لها وجهان في التعامل مع أمريكا، فوجه الدولة البرجماتي يدعم أمريكا في احتلال العراق وأفغانستان ويتفاوض معها بحكمة وأناة ورفق.

أما الوجه الآخر الثوري فتصدره للبسطاء والدهماء لتصور لهم أن أمريكا هي الشيطان الأكبر والعدو الأعظم، وهي تترك مسؤولية ذلك الوجه الثاني للحرس الثوري ودعاة الإمبراطورية والمتحدثين إلى الشعوب العربية والميليشيات الشيعية.

رابع عشر: إيران والانسداد المعوي

أزمة إيران الكبرى في المنطقة أنها التهمت من الدول العربية أكثر من طاقتها وقدراتها، فقد التهمت من قبل العراق وسوريا ولبنان، وكانت في طريقها لالتهام اليمن، ويعتقد أكثر المحللين أن طاقة الأمعاء الإيرانية لا تتحمل هضم كل هذا "الطعام الدسم أو هذه الوجبة السامة "أقصد "هذه الدول" مرة واحدة لذلك أصيبت بتلبك ومغص معوي حاد مع اضطراب سياسي واستراتيجي بعد أن أجبرت العرب جبراً على اليقظة والتوحد ضدها مباشرة لأول مرة والحيلولة بينها وبين التهام المزيد.

تكرر الأمر من قبل مع إسرائيل التي التهمت في كارثة 5 يونيو 1967م، أجزاء عزيزة من ثلاث دول عربية مرة واحدة، واحتلت من بلاد العرب مساحة تزيد على ضعف مساحتها وهي الضفة الغربية من فلسطين وسيناء من مصر وهضبة الجولان في سوريا وجنوب لبنان وجزء من الأردن فانتفض العرب فجأة واستيقظوا من رقدتهم ونفضوا التراب عن رؤوسهم وتوحدوا في أكتوبر 1973م، ليحقق الجيش المصري والسوري أول انتصار عربي في القرن العشرين، ويكبدوا الإسرائيليين خسائر لم يتوقعوها أبداً ويحطموا أسطورة "الجيش الذي لا يقهر" ويجعلوا الطاووس الإسرائيلي يفيق من غروره وصلفه.

خامس عشر: إيران وأمريكا "التوأمان المتناقضان المتشابهان":

حرضت أمريكا صدام على حرب إيران العبثية وظلت تفخمه وتمجده للاستمرار في ذلك فأكل صدام الطبخة الأمريكية المسمومة فضاع العراق وإيران وقتل مئات الآلاف من الطرفين ودمر اقتصادهما.

اغتر صدام بجيشه وقوته فاحتل الكويت ولم يسمع لتحذيرات الملك فهد والرئيس مبارك مما أدى إلى تدمير جيشه بالكامل.

ساعدت إيران أمريكا على احتلال أفغانستان بعد 11 سبتمبر كما ساعدتها على احتلال العراق بعد ذلك، فقد قامت الميليشيات الشيعية العراقية الذين دربتهم وسلحتهم إيران وبايعوا الإمام ومعهم الآلاف من الحرس الثوري باقتحام العراق تحت غطاء جوى أمريكي، وكان لهم الدور الأكبر في احتلال بغداد ولك أن تتخيل ميليشيات تساعد على احتلال بلادها "قمة الخيانة".

احتلت أمريكا العراق بكذبة كبرى لا تليق بدولة كبرى ودمرت حاضره ومستقبله بحجة امتلاكه لأسلحة نووية، والعالم كله يعرف هذه الكذبة الكبرى، ولم تعتذر أمريكا حتى اليوم لا عن كذبها ولا احتلالها ولا قتلها لأكثر من مليون عراقي وتدمير العراق ومحاولة تقسيمه.

قدمت أمريكا العراق على طبق من فضة لإيران لتحتله وتبدأ منه تكوين أكبر إمبراطورية على حساب العرب.

ظنت أمريكا أن إيران مكنتها من العراق لتنعم وحدها بثرواته ونفطه فإذا بإيران الأكثر دهاءً تمد أذرعها في كل أنحاء العراق وتحكمه بالريموت كنترول، وتصنع ميليشيات دموية لها في كل مكان بعناوين خادعة، وتحتل كل مفاصل العراق بطريقة ناعمة.

منذ احتلال أمريكا وإيران للعراق لم يحدث فيه أي تقدم، ولم يقم فيه مشروع كبير أو جامعة حديثة، وتم سلب ونهب خيراته وبتروله من أمريكا وإيران معاً، وكلاهما مسؤول عما آلت إليه أحوال العراق المتردية.

أدركت أمريكا مؤخراً سيطرة إيران على العراق فحاولت تقسيم العراق ولكن إيران التي ملكت العراق لم تسمح بذلك وأفسدت المخطط الأمريكي الجهنمي، وهي التي كانت ترغب فيه أيام صدام.

أمريكا لا تريد تقليص نفوذ إيران من أجل العرب، ولكنها تفعل ذلك خدمة لإسرائيل وخوفاً عليها، فالإمبراطورية الإيرانية تكاد تخنق إسرائيل من عدة جهات.

 

الخاتمة

نخلص من كل هذه النقاط أن إيران تعاني أنواعاً متعددة من الازدواجيات الفكرية والسياسية والمذهبية والإدارية العليا تحول دون أن تنتهج في الوقت الحالي على الأقل سياسة تصالحية مع الدول العربية، لأنها لم ولن تستطيع توسيع إمبراطوريتها إلا على حساب العرب.

أثبت التدخل الإيراني في الدول العربية فشلاً كبيراً إذ تحولت هذه الدول مثل لبنان واليمن والعراق وسوريا إلى بلاد شبه منهارة رغم تمتعها بكل الإمكانيات السياسية والاقتصادية والاستراتيجية التي تؤهلها للتقدم والرقي، لأن عين إيران على ميليشياتها وتهتم بقوتها وبأسها وتهتم في الوقت نفسه بضعف الدولة في موازاة الميليشيات "دولة منهارة وميلشيا قوية مسيطرة".

والخلاصة أن إيران لن تترك ولاية الفقيه ولن تتخلى عن ميليشياتها التي تعربد في بلاد العرب، ولن تتخلى عن زرع وتكوين ميليشيات جديدة في بلاد العرب كلما حانت الفرصة لذلك، ولن تتوقف عن نظرية البيت الوقف للدول العربية، وسوف تستمر في تعاملها مع الغرب بفقه الدولة العاقلة ومع العرب بلغة الميليشيات المجنونة وسوف يظل الرئيس بلا سلطات حقيقية في مقابل المرشد صاحب كل السلطات والإمبراطورية الدينية السياسية وسوف تستمر في اعتبار الشيعي العربي في كل مكان هو من رعاياها وضرورة أن يكون ولاؤه وخمس ماله للمرشد الإمام لا لدولته وحكومته.

لا أرى أن هناك تغيراً جوهرياً سيحدث في المستقبل القريب ولن تتخلى الميليشيات عن سياستها وسيطرتها الكاملة على دولها، ولن يأتي تغير إلا من داخل إيران نفسها وعلى يد أي مرشد قادم.

مقالات لنفس الكاتب