; logged out
الرئيسية / العلاقات العربية - الصينية في ظل عالم متعدد الأقطاب

العلاقات العربية - الصينية في ظل عالم متعدد الأقطاب

الأحد، 01 أيار 2011

إن طرح موضوع العلاقة مع الصين كملف لهذا العدد من مجلة (آراء حول الخليج) يستحق التنويه لا سيما أنه يأتي لاحقاً لموضوع الإصلاح السياسي، فالنموذج الصيني نموذج صالح وقريب وممكن التطبيق ويتواءم ثقافياً مع طبيعة المنطقة العربية، والمقصود بالتقارب هنا التقارب النمطي إذ الدائرة الحضارية متقاربة كونها ضمن قارة واحدة ولها عمق حضاري واحترام تاريخي متبادل.

عالم ما بعد العولمة سيتيح للحضارات الكبرى أن تنهض من جديد في عالم متعدد الأقطاب

يوضع هذا الموضوع على طاولة النقاش لكي يطمئن إلى أن التلاقح الحاصل بين ما هو ثقافي وما هو سياسي في سيرورة بخط متواز، ولا شك في أن العقل الذي يرسم استراتيجية الطرح ضمن مركز الخليج للأبحاث يثبت أن دور هذه المراكز أصبح متقدماً بخطوة على العمل السياسي في مجال الفكر الاستراتيجي، حيث إن استيحاء تجربة الصين يعد محوراً أساسياً في أجندة الإصلاح والتغيير وترجمة واقعية لما يمكن للدولة النامية أن تحققه بعيداً عن ازدواجية المعايير الغربية وقداسة الليبرالية كما يصورها الغرب الذي يسعى جاهداً إلى تعزيز هيمنته وسيطرته على منابع الطاقة والنفوذ، بطبيعة استعلائية قد تأخذ صوراً عدائية في كثير من الأحيان بصور شتى؛ فلم تستطع القوى الغربية أن تترجم علاقاتها مع دول الشرق إلا بلغة واحدة فقط هي لغة المصالح، ولم يفلح الغرب بفتح حوار حقيقي مع الشرق وحضاراته، بل على العكس من ذلك فبعد أن انتهت حقبة الاستعمار المباشر دخلت الدول الشرقية في أتون الهيمنة الغربية سياسياً واقتصادياً، مما عزز الفارق الحضاري وأنبت العداء والتناقض الفكري بصورة معمقة، ويقف الغرب حائراً متبلداً أمام نفسه في تساؤل عقيم، لماذا يكرهوننا؟ وللأسف إجابتهم عن هذا التساؤل الخطير لا تتلمس الجوانب الحقيقية المعمقة لهذه الحقيقة؟ وللإجابة عن هذا السؤال المحير يمكن التساؤل لكن بطريقة مختلفة هل العرب يكرهون الصين؟ الجواب لا، فهل يصلح هذا الجواب لأن تكون الصين العملاق القادم القطب الموازن الجديد بمباركة عربية؟ لربما يتساءل البعض وما علاقة الحب والكراهية في تحديد الخيارات السياسية؟ وليس الأمر كذلك، فالإنسان يبحث عن قُوته لكنه يعتز بكرامته أكثر، يعيش حاضره لكنه يمجد ماضيه وتراثه بصورة أعمق، الإنسان يشغل حيزاً في المكان والزمان، لكن وجوده الذي يتحقق به إنما هو بقيمة ذاته والمعنى الذي يكتسبه في عالم المُثُل، من هنا يحرص الإنسان ابن بيئة معينة على قيمه الحضارية الممتدة عبر الزمان والمكان لأنها تمتد بسرمدية تحقق أسمى المثل وغاية المثل ألا وهو الخلود، إن الإنسان خالد بحضارته وهي أسمى ما يمتلك سواء أشعر بذلك أم لم يشعر. من هنا تتماهى الحضارات وينظر بعضها إلى بعض لتحقق غاية واحدة وهي الخلود حلم الإنسان في تجربته التاريخية، ولن تكون إلا حضارة واحدة تنصهر فيها أحلام البشرية لتحقق حضارة الإنسان، ولن يكون الإنسان إلا ابن إنسان ولن تحتويه إلا إنسانيته، مما يحتم الانصهار الحضاري المرتقب بحركة دائرية تلتف حول محور مركزي، ولن يكون هذا المحور إلا في المنطقة العربية إن استطاعت توحيد مشروعها الحضاري والسيرورة باتجاه دور عالمي أكثر عمقاً وأكثر مركزية. إن مبدأ الصراع الحضاري هو استباق استراتيجي ذو طابع فلسفي لهذا الانصهار الحضاري الكبير في الحضارة الإنسانية الكبرى، وإن عالم ما بعد العولمة سيتيح للحضارات الكبرى أن تنهض من جديد في عالم متعدد الأقطاب، لكنه ذو محور واحد ليس بالضرورة أقوى المحاور لكنه أصلحها وسيكون هو عامل الدورة الحضارية الإنسانية وانصهارها في الحضارة العالمية الجديدة، وستبتدئ الحركة الحضارية من آسيا وتستطيع آسيا بما فيها من ست حضارات و18 دولة وأنظمة اقتصادية سريعة النمو واختلافات سياسية واقتصادية واجتماعية جوهرية بين المجتمعات أن تطور أي شكل من الأشكال العديدة في العلاقات الدولية في أوائل القرن الحادي والعشرين من المتصور أن تظهر مجموعة من العلاقات التعاونية والمتصارعة شديدة التعقيد تضم معظم القوى الكبرى والقوى ذات المستوى المتوسط في المنطقة أو قد تشكل قوة رئيسية أو نظام دول متعددة الأقطاب ليضم الصين واليابان والولايات المتحدة وروسيا وربما الهند التي تتوازى وتتنافس مع بعضها بعضاً أو بشكل آخر يمكن أن تسود السياسة الشرق آسيوية منافسة مستمرة ثنائية القطب بين الصين واليابان أو بين الصين والولايات المتحدة مع دول أخرى تنحاز إلى جانب أو آخر أو تختار سياسة عدم الانحياز أو ربما عادت سياسة الشرق آسيوية إلى شكلها التقليدي ذي القطب الواحد مع تسلسل قوة حول بكين إذا حافظت الصين على مستوياتها العالية من النمو الاقتصادي في القرن الحادي والعشرين وعلى وحدتها في حقبة ما بعد دنغ، وإذا لم تعوقها صراعات مستمرة فمن المرجح أن تحاول تحقيق آخر هذه النتائج، ونجاحها يتوقف على ردود أفعال اللاعبين الآخرين في لعبة سياسة القوة في شرق آسيا، وقد لاحظ (لي كوان يو) في عام 1994 أن حجم الإزاحة الذي أحدثته الصين في العالم يصل إلى درجة يكون على العالم معها أن يوجد توازناً جديداً خلال 30 أو 40 سنة لا يمكن أن ندعي أنه لاعب كبير، إنه أكبر لاعب في تاريخ الإنسانية، وإذا استمر النمو الاقتصادي الصيني عقداً آخر فسيكون على دول شرق آسيا والعالم أن تستجيب لدور هذا اللاعب الأكبر في التاريخ الإنساني، لكن الصين في نظر الغرب دكتاتورية كما صرح بذلك فرانسس فوكوياما في كتابه (نهاية التاريخ) وما حدث في الصين من تطور ونمو اقتصادي إنما هو حاصل بالإصلاحات الليبرالية كأن الليبرالية قدر البشرية المحتوم ونهاية التطور للفكر البشري، فيعد الغرب أن ما يمر به العالم من أزمة في طبيعة الأنظمة الشمولية والاقتصاد الاشتراكي لم يترك غير منافس واحد ألا وهو الديمقراطية الليبرالية ومبدأ الحرية الفردية والشعب، حيث إن مبدأي الحرية والمساواة اللذين أشعلا في البداية الثورتين الفرنسية والأمريكية يؤكدان بعد مائة عام ليس فقط رسوخهما بل قدرتهما على الانطلاق في حيوية من جديد، لكن ألا يحق لنا أن نتساءل أين هي العدالة؟ فمنذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، وما تلاها من سياسات الهيمنة الأمريكية، بدءاً بغزو العراق واحتلاله والتهديدات الأمريكية للنظام العربي، والانحياز الكامل للمشروع الصهيوني. كل ذلك جعل الدول العربية تدرك ازدواجية المعايير في سياسة الولايات المتحدة، مما أدى إلى تغير جوهري في مناخ العلاقات بشكل عام، كما أن المصالح الاقتصادية للصين كقوة كبرى أصبحت مهددة بالمشروع الأمريكي، ليس في منطقة الشرق الأوسط فحسب، بل في العالم، مما دفع الصين إلى تفعيل علاقاتها مع العالم العربي لا سيما أن العالم في المرحلة المعاصرة يتجه نحو التكتلات السياسية والاقتصادية وهو في طور تشكل لنظام جديد يغلب عليه تعدد القوى في النظام الدولي، وبالمقابل تسعى الولايات المتحدة إلى تحويل الهند إلى قوة عظمى في مواجهة القوة الصينية المتنامية، وقد بدأت إسرائيل بتبني الإستراتيجية الأمريكية في جنوب شرق آسيا، وبدأت أيضاً ترتبط بعلاقات وثيقة مع الهند، العدو التقليدي لكل من الصين وباكستان. ومن ناحية أخرى فالتعاون الأمريكي-الهندي الذي يهدف إلى تحويل الهند إلى قوة عالمية، وبالتالي حليف أمريكي محتمل ضد الصين وباكستان، انطلاقاً من التأكيد الأمريكي على أن الهند سوف تعتمد على التكنولوجيا العسكرية الأمريكية يعتبر تحالفاً استراتيجياً جعل الصين تسعى إلى الحصول على حلف موازن ووجدت ضالتها في الدول العربية وباكستان بسبب أن باكستان العدو اللدود للهند تحاول تشكيل تكتل جديد في مواجهة تكتل حلف شمال الأطلسي، وقد سعت الصين إلى ضم روسيا في هذا التكتل، لكن روسيا رفضت لأنها مستفيدة من الصراع القائم بين الهند والصين لكي تسوق منتجاتها العسكرية في البلدين المتصارعين. من جهة أخرى فإن الهجمة الأمريكية على العالمين العربي والإسلامي ومحاولة فرض السياسات الأمريكية الخاصة بإعادة تشكيل المنطقة في إطار ما يسمى (الشرق الأوسط الكبير)، وفرض الديمقراطية الغربية على الدول العربية، ستدفع باتجاه علاقات أعمق مع الصين؛ فالصين قوة عسكرية عظمى تمتلك عناصر القوة ومحدداتها والرادع النووي والقدرة التصنيعية العسكرية المتطورة والتقنية العالية والقدرة البشرية الكبيرة، حيث يبلغ عدد سكانها ربع سكان العالم تقريباً، والعالم يدرك مستقبل هذه القدرات مجتمعة، لقوة الصين المستقبلية، سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً، وما يعزز هذا الاتجاه التقارب الثقافي وعدم وجود صدام حضاري؛ حيث عبر عن ذلك الرئيس الصيني السابق زيمين حين قال: (إن الثقافة الصينية والثقافة الإسلامية لهما تأثير عظيم على الثقافات الأخرى، حيث كانتا سباقتين في كثير من النواحي الثقافية والطبية ومختلف العلوم الإنسانية التي بني عليها كثير من حضارات اليوم). هذا التقارب بين الحضارتين التاريخيتين أكده المفكر الأمريكي هنتنغتون في مقاله المشهور (صراع الحضارات) عندما قال (إن جبهة التحدي الأساسية القادمة في مواجهة السيطرة الغربية تتمثل في (محور الحضارة الإسلامية والكونفوشوسية)، والذي يمثل تهديداً حقيقياً للحضارة الغربية المسيطرة).

وصل حجم التجارة الثنائية بين دول المجلس والصين عام 2007 إلى 58 مليار دولار

صناعة النفط لعبت دوراً محورياً في تشكيل طبيعة العلاقات الاقتصادية

علاقات دول الخليج العربية مع الصين

تشكل الصين رابع أكبر قوة تجارية في العالم في السلع والخدمات بعد الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة واليابان بعدما ارتفعت قيمة صادراتها خلال عام 2001 الى 266.2 مليار دولار بنسبة 70 في المائة، أي ما يمثل 5.6 في المائة من الإجمالي العالمي. وقدر حجم الناتج المحلي الإجمالي للصين بنحو تريليون دولار أي ما يشكل نحو 4 في المائة من الناتج العالمي و10 في المائة من حجم الاقتصاد الأمريكي. ووفقاً للإحصائيات الرسمية فإن حجم التجارة الثنائية بين مجلس التعاون الخليجي والصين وصل عام 2007 إلى 58 مليار دولار أمريكي، وبلغت قيمة واردات الصين من دول المجلس 30.3 مليار دولار أمريكي، فيما وصلت قيمة الصادرات الصينية إلى دول المجلس إلى 27.7 مليار دولار مما يدلل على ارتباط الصين بعلاقات تاريخية وثيقة مع دول مجلس التعاون الخليجي، ويعد التعاون الاقتصادي الخليجي - الصيني أهم ركائز منظومة العلاقات بين الجانبين، إذ إن التبادل التجاري يعتبر أهم محاور هذا التعاون، حيث يلاحظ وجود زيادة مستمرة في حجم المبادلات التجارية بين دول مجلس التعاون والصين وإن كانت متذبذبة أحياناً فإن ذلك يرجع إلى التقلبات التي تشهدها أسعار النفط باعتباره المكون الرئيسي، حيث نمت العلاقات التجارية بين الجانبين منذ عام 1980م وارتفعت بشكل ملحوظ عام 2000م بينما ارتفع حجم التبادل التجاري عام 2004م بمقدار 17 مليار دولار، وزاد هذا الرقم إلى أن وصل إلى أكثر من 20 مليار دولار عام 2005م، وأصبحت الدول الخليجية الست ثامن أكبر شريك تجاري للصين في العالم وثامن أكبر سوق في العالم للمنتجات الصينية، وتاسع أكبر سوق تصدير للصين، كما حقق الطرفان تعاوناً إيجابياً في مجال المقاولات والطاقة والاستثمار، إلى جانب أن هناك طلباً كبيراً على الأزياء والمنسوجات والإلكترونيات ومنتجات الاتصالات الصينية في السوق الخليجية، كما زاد الطلب على النفط والغاز والمنتجات الكيماوية في السوق الصينية، كما أن حجم التبادل التجاري بين الصين ودول الخليج العربية ظل يرتفع بنسبة 40 في المائة كل سنة في الفترة من عام 1999م حتى 2004م، ولا شك في أن العلاقات الصينية - الخليجية تحكمها محددات عدة منها:

أولاً: فكرة الاحتياج المتبادل بمعنى إدراك كل طرف احتياجه للطرف الآخر، فعلى الجانب الصيني تبرز أهمية نفط الخليج، حيث تعتمد الصين بشكل كبير على نفط المنطقة، فتعد الصين شريكاً استراتيجياً مهماً لمساندة جهود الدول العربية الرامية إلى نقل التكنولوجيا وتنويع مصادر الدخل القومي والتجارة الخارجية، فالصين هي ثاني أكبر دولة في العالم من حيث استهلاك النفط بعد الولايات المتحدة الأمريكية، ففي عام 2000م استوردت الصين 51 في المائة من احتياجاتها النفطية من دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى الجانب الخليجي تحتل الصين مكانة متميزة لدى الاهتمامات الاستثمارية لدول الخليج، حيث تتمتع السوق الصينية بجاذبية كبيرة ويرجع ذلك إلى الاستقرار السياسي الذي تتمتع به الصين إلى جانب أنها أكبر سوق استهلاكية في العالم وما يوفره ذلك من فرص ضخمة أمام الصادرات الخليجية من النفط والبتروكيماويات والأسمدة والألمنيوم.

ثانياً: موقف الطرفين من القضايا التي تهم الطرف الآخر، فالدول الخليجية تدعم قضية الوحدة الصينية فلا يوجد أي تمثيل دبلوماسي بين الدول الخليجية وتايوان، كما أنها اعترضت على انضمام تايوان إلى الأمم المتحدة، وعلى الجانب الصيني يبرز دعم الصين للقضايا العربية التي تهم منطقة الخليج ومنها دعم القضية الفلسطينية.

القوى الغربية لم تستطع أن تترجم علاقاتها مع دول الشرق إلا بلغة المصالح

دور النفط

تعتبر دول الخليج العربية أكبر قوة نفطية في العالم، حيث تقدر احتياطياتها النفطية بنحو 474 مليار برميل، أي ما يعادل 45.8 في المائة من إجمالي الاحتياطي العالمي، وتمتلك واحداً من أكبر احتياطيات الغاز بواقع 25.6 تريليون متر مكعب أي ما يمثل 16.5 في المائة من احتياطي الغاز العالمي، وتعتبر الصين هي الأخرى إحدى القوى الاقتصادية المهمة وتمثل أكبر سوق استهلاكية في العالم تضم حوالي 1.3 مليار نسمة أي نحو 20 في المائة من سكان العالم بما يوفر فرصاً ضخمة أمام الصادرات الخليجية من النفط والبتروكيماويات والأسمدة والألمنيوم، ومع النمو الاقتصادي المتسارع الذي تشهده الصين منذ سنوات حيث بلغ معدل النمو الاقتصادي نحو 9.5 في المائة عام 2004م، أدى ذلك إلى زيادة طلبها على النفط، حيث إنها تعتبر ثاني أكبر دولة مستهلكة للنفط وأن استهلاكها للنفط خلال عام 2003م وصل إلى 100 مليون طن، كما أنها استحوذت على 30 في المائة من إجمالي الزيادة في الطلب العالمي على النفط خلال عام 2004م، وهنا تبرز أهمية العلاقات التبادلية بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي التي تعد مصدراً مهماً للطاقة في العالم، حيث فيها 45 في المائة من الاحتياطي العالمي للنفط، كما أنها تنتج نحو 20 في المائة من نفط العالم وقد بدأت الصين استيراد النفط من دول الخليج في عام 1995م، وفي عام 2003م استوردت الصين من الدول الخليجية نحو 28 مليون طن نفط أي 30 في المائة من وارداتها النفطية، وإذا كانت الصين اليوم لا تستورد سوى 2.5 مليون برميل يومياً من النفط فمن المتوقع أن تبلغ احتياجاتها 9 ملايين برميل يومياً عام 2025م، وبذلك ستكون منطقة الخليج أحد أهم مصادر إمدادات الصين من النفط خلال تلك الفترة ومن المقدر أن تعتمد الصين على النفط الخليجي بنسبة 95 في المائة من إجمالي استيرادها من الخارج خلال السنوات المقبلة، حيث إن صناعة النفط لعبت دوراً محورياً في تشكيل طبيعة العلاقات الاقتصادية القائمة بين دول مجلس التعاون الخليجي التي تمتلك إمكانات نفطية ومالية كبيرة.

الاستثمارات المشتركة

بلغ إجمالي المشروعات التي أقامتها الشركات الصينية في البلدان العربية 190 مشروعاً حتى عام 2003م بلغت قيمتها نحو مليار دولار، وتتركز هذه المشروعات بشكل أساسي في كل من الإمارات العربية المتحدة، وفي مشروعات النفط بالسودان، والمناطق الصناعية الحرة في مصر، وفي الوقت نفسه تبدو الاستثمارات الخليجية في الصين محدودة أيضاً، حيث إن عدد المشروعات الاستثمارية العربية مجتمعة لم يتجاوز 425 مشروعاً حتى عام 2004م بقيمة مليار دولار، وقد جاء نصف هذه الاستثمارات من الإمارات والباقي من السعودية والكويت ومعظمها مستثمرة في الغاز الطبيعي والأسمدة والكيماويات والعقارات، ومن المشروعات الخليجية الكبيرة نسبياً في الصين: مشروعا استثمار الغاز الطبيعي في بحر الصين الجنوبي باستثمار كويتي، ومشروع العقارات في شانغهاي باستثمار من الإمارات.

إن حالة المصالح المتبادلة بين الصين ودول الخليج تؤهلهما لتطوير علاقات متميزة يمكن أن تنعكس على نحو إيجابي على المستوى السياسي والقوة الاقتصادية وإجمالي حجم التجارة الخارجية للطرفين، لكن تعتبر التبادلات التجارية بينهما قليلة حتى إن كان الميزان التجاري بين الصين ودول الخليج يبلغ 65 في المائة من إجمالي حجم التجارة بين الدول العربية والصين حالياً، وخصوصاً عندما نأخذ في الحسبان التوتر الذي يسود العلاقات الخليجية - الغربية، ولاسيما الأمريكية منها. والعلاقات غير الرسمية العربية-الصينية قديمة قدم طريق الحرير والخلافة الإسلامية، وهذه أرضية جيّدة للانطلاق بعلاقات رسمية جديدة وخصوصاً مع وجود أكثر من جالية إسلامية في الصين، وتحتل الصين المركز الأول عالمياً من حيث النمو والاحتياطي النقدي، وهي قوة صاعدة اقتصادياً، تبدي حرصاً على تحقيق الانتشار في مناطق الثروات والنفوذ، فضلاً عن دبلوماسيتها النشطة القائمة على تجنّب النزاعات الدولية ونشر السلام، والاعتماد على المدخلات الاقتصادية لتحقيقها، فضلاً عن معرفة المشاهد المستقبلية المحتملة لما ستكون عليه هذه العلاقات.

مقالات لنفس الكاتب