; logged out
الرئيسية / دول الخليج أكثر أهمية للهند من إيران فهي توفر 50 % من وارداتها النفطية

العدد 183

دول الخليج أكثر أهمية للهند من إيران فهي توفر 50 % من وارداتها النفطية

الإثنين، 27 شباط/فبراير 2023

   في أكتوبر عام 2022م، قامت بعض الناشطات الهنديات، كحال أخريات في بقاع مختلفة من العالم، بقص شعورهن على الملأ تضامنًا مع النساء الإيرانيات في طليعة أكبر موجة احتجاجية مناهضة للحكومة الإيرانية منذ عام 2009م، والتي اندلعت في أعقاب مقتل الفتاة الشابة مهسا أميني إثر اعتقالها من قبل شرطة الآداب الإيرانية لعدم ارتدائها الحجاب

" بالشكل الصحيح". وبينما أعرب بعض الهنود عن تأييدهم للفعل الاحتجاجي التضامني من قبل الناشطات الهنديات، انتقدت قلة أخرى ما اعتبرته "المعايير المزدوجة" للناشطات، التي لم تنتفض أو تحرك ساكنًا حيال فرض حكومات في بعض الولايات الهندية مثل ولاية “كارناتاكا” حظر ارتداء الحجاب على الفتيات المسلمات في المدارس، (بحجة أن الزي المدرسي يجب ألا يعكس هوية دينية). وعبرت إحدى الناشطات بالقول:" لا أجد ضيرًا في تضامن النساء الهنديات مع المتظاهرات الإيرانيات، ولكن ينبغي أن يتم تطبيق مبدأ النسوية بشكل متساو فيما يتعلق بحقوق النساء في الهند أو إيران". وأضافت أخرى:" لا يمكن إكراه النساء على ارتداء الحجاب أو خلعه .. ما حدث في الهند كان نزع للحجاب بالقوة .. وما يحدث الآن في إيران هو العكس تمامًا".

ربما يرتبط هذا المزيج من الأحداث الاجتماعية، والدينية، والسياسية داخل إيران والهند بالسياسة الخارجية الأوسع والعلاقات الاستراتيجية بين البلدين، مما أدى إلى التزام نيودلهي الصمت حيال الأحداث التي تشهدها الجمهورية الإسلامية. حيث امتنعت الهند عن التصويت على القرار الذي اتخذه مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في نوفمبر الماضي، بشأن تشكيل لجنة تقصي حقائق للتحقيق في مزاعم ارتكاب السلطات الإيرانية انتهاكات حقوق الإنسان ضد المتظاهرين الإيرانيين. وتعتبر الهند واحدة من بين 16 دولة امتنعت عن التصويت على القرار، الذي رعته ألمانيا وهولندا، وجاء بعد قرابة أسبوع من تصويت نيودلهي ضد قرار خاص بإيران في اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة. (ومن المثير للاهتمام أن القرار حصل على دعم 25 دولة من بينها الولايات المتحدة والمملكة المتحدة إلى جانب 12 صوتًا من البلدان النامية، في حين صوتت كل من الصين، وباكستان، وأرمينيا، وإريتريا، وكوبا، وفنزويلا ضد القرار. وامتنعت دولتي قطر والإمارات العربية المتحدة عن التصويت)

من جانبها، لم تصدر نيودلهي بيانًا أو تفسيرًا للأسباب الكامنة وراء قرارها. فضلًا عن امتناعها عن التصويت على تعديل شفوي مقترح من قبل الجانب الصيني بحذف البند المتعلق بتشكيل لجنة تقصي الحقائق. (والذي تم رفضه فيما بعد). بشكل عام، يتسق موقف الهند الثابت بشأن التزام الصمت حيال ما يحدث في الداخل الإيراني مع نهجها في السابق، وذلك لنفس الأسباب المتجذرة في التاريخ المشترك والقيم الاستراتيجية المتبادلة بين الجانبين.

 10 أسباب وراء الصمت الهندي

أولًا، تنظر الهند إلى إيران باعتبارها جزء من "جوارها القريب"، في ظل تاريخ ممتد من العلاقات التقليدية بين الجانبين، وروابط ثقافية تاريخية وثيقة، فضلًا عن ترابط وتشابك تاريخهما القديم والحديث.

 ثانيًا، يرتبط ذلك أيضًا بتعداد المسلمين الكبير داخل الهند، والذي يُقدر بنحو 180 مليون نسمة، مما يعني أن الهنود المسلمين، وأغلبهم من الشيعة، هم ثاني أكبر أغلبية شيعية بعد إيران، وبالتالي يلعبون دورًا محوريًا في رسم سياساتها المحلية. مع ذلك، لم تُمارس طهران دورًا في الشأن الداخلي للهند على غرار ما تُتهم به بشأن تأجيج الفتنة الطائفية بين السنة والشيعة داخل منطقة الخليج والشرق الأوسط.

ثالثًا، ينبع المنطق الغالب على السياسات الهندية من المبدأ الأساسي لسياساتها الخارجية، المتجذر في حركتها التحريرية لنيل الاستقلال من الحكم البريطاني. كما نجحت مبادئها التوجيهية -المتمثلة في الحل السلمي للنزاعات، والمساواة في السيادة بين كافة الدول، واستقلال الفكر والعمل المتجسد عبر سياسة عدم الانحياز، والإنصاف في إدارة العلاقات الدولية -في الصمود إلى حد كبير أمام اختبار الزمن. ومن هذا المنطلق، لن تدخل الهند في الشؤون الداخلية للدول الأخرى، ولن تسمح لأي دولة أخرى بالتدخل في شؤونها، وهو ما يتشابه أيضًا مع سياستها القاضية بعدم عرض التوسط في أي من الأزمات الدولية أو السماح لدول أخرى بالوساطة في نزاعاتها الدولية.

رابعًا، تتمتع الهند وإيران بعلاقات تقليدية، وعملت الحكومة في كلتا الدولتين، بما في ذلك الحكومة الراهنة، على تحسين هذه العلاقات -في مجالات التجارة، والنقل، والعبور، والطاقة، والقطاعات الاستراتيجية. ويعود تاريخ العلاقات الهندية-الإيرانية إلى حقبة عدم الانحياز، وتساعد على تحقيق نيودلهي توازن في علاقاتها القوية مع خصوم إيران، الولايات المتحدة وإسرائيل، وآخرين، بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي.  وبقدر ما يُساء فهم سياسات الهند في بعض الأوساط، إلا أن سياساتها الخارجية غير البراقة تُشير إلى درجة من النضج قد تكون غير شائعة كثيرًا في دبلوماسية هذا العصر التي أضحت مُفرطة النشاط. ومن الصعب بمكان أن نجد دولة أخرى مؤثرة على الصعيد العالمي وقادرة في الوقت ذاته على التعامل، على قدم المساواة، مع كل من الولايات المتحدة وروسيا، والفلسطينيين وإسرائيل، ودول مجلس التعاون الخليجي وإيران. (يمكن القول إن بعض دول مجلس التعاون الخليجي صارت تنتهج نفس السياسة الخارجية بشأن الحفاظ على تعدد التكتلات والتحالفات والوقوف على مسافة واحدة من الجميع).

خامسًا، ربما تعزى أسباب صمت نيودلهي أيضًا إلى إدراكها أن هذه ليست المرة الأولى منذ اندلاع الثورة عام 1979م، التي يُطالب فيها المتظاهرون بمزيد من الحريات داخل إيران.  حيث تعد "الحركة الخضراء" عام 2009م، ومظاهرات "يوم الغضب" ما بين عامي 2011-2012م، والمسيرات ضد ارتفاع الأسعار في 2017م، فضلًا عن الاحتجاجات ضد ارتفاع أسعار الوقود عام 2019م، والتي راح ضحيتها مئات المتظاهرين، انعكاس للماضي الذي يعيد نفسه في إيران دون عواقب سياسية كبيرة. وحتى وإن حدث ذلك، فلن يكون له تبعات على الهند مثلما كان الحال مع العراق.

سادسًا، تُعتبر إيران الشريك الاستراتيجي للهند، حيث تساعدها على تجاوز عقبة باكستان، خاصة في التواصل مع أفغانستان ومنطقة آسيا الوسطى. وذلك نظرًا إلى أن التنافس بين الهند وباكستان لا يسمح للجانب الهندي بالنفاذ إلى أفغانستان عبر الأراضي الباكستانية. وبالتالي، فإن المنفذ الوحيد من أجل وصولها برًا إلى أفغانستان سيكون عبر إيران. حيث ظلت الهند طوال عقود ماضية مانحًا رئيسيًا داخل أفغانستان.

سابعًا، يتمثل المشروع الأكثر أهمية حاليًا بالنسبة للهند داخل الأراضي الإيرانية هو المتعلق بالربط -عبر ميناء تشابهار، الذي تعمل الهند على تطويره عبر ضخ استثمارات تتجاوز 500 مليون دولار. ويربط ممر النقل الدولي الشمالي الجنوبي بين مومباي وموسكو عبر بندر عباس، وباكو وبندر أنزل وأستراخان. كما تُظهر عمليات التشغيل التجريبي على مدار الأعوام القليلة الماضية أن الطريق أصبح أقصر بنسبة 40٪، وأوفر بنسبة 30٪. في حين يُنظر إلى حرص الهند على تطوير ميناء تشابهار باعتباره إجراء مضاد لمشروع تطوير ميناء غوادار الباكستاني الذي تروج له الصين. يُشار إلى أن الولايات المتحدة قد منحت الهند تنازلاً لتطوير ميناء تشابهار (بهدف تعطيل تقدم الصين في جنوب آسيا عبر ميناء جوادر).

 

ثامنًا، تسعى الهند إلى استكشاف إمكانية استئناف وارداتها من النفط الإيراني، في ظل استمرار ارتفاع الأسعار نسبيًا على مدار العام الماضي تحت ضغط العقوبات الأمريكية والأوروبية المفروضة على النفط الروسي. لاسيما وأن الزيوت الإيرانية الأفضل والأوفر تكلفة كانت جزءًا من سلاسل التوريد الرئيسية للهند، إلى أن هددت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بفرض عقوبات كبيرة. وقبل العقوبات المفروضة منذ عام 2019م، كانت إيران مصدرًا مهمًا لإمدادات النفط الهندية، بنسبة لا تقل عن ١١٪، وتصل أحيانًا إلى 15٪ من إجمالي فاتورة واردات النفط الهندية. ورغم استمرار نيودلهي في استيراد شحنات النفط من إيران، لكنها أضحت حاليًا بكميات أقل. وبعد توقف واردات اليوريا من إيران تحت ضغط العقوبات الأمريكية، وقعت الهند اتفاقًا العام الماضي (2022م) لاستخدام الروبية في دفع قيمة وارداتها من اليوريا، من أجل التحوط من اضطرابات الإمدادات العالمية، وارتفاع الأسعار، وتقلبات العملات الأجنبية، التي تعد جميعها نتاج للحرب الروسية الأوكرانية.

 ولطالما كانت معارضة الهند للعقوبات الغربية ضد إيران موضع تساؤل، إلا أن الإجابة تكمن في اعتقادها الراسخ بأن العقوبات واسعة النطاق يكون ضررها أشد وطأة على عامة الشعب، لا الحكومة، خاصة أنها تأتي إلى جانب العقوبات المفروضة سلفًا من قبل الأمم المتحدة. ومن هذا المنطلق، وضعت الهند ترتيبات تجارية ومقايضة متقنة لدفع تكاليف إمدادات النفط الإيرانية بما يخدم أيضًا مصالحها الاستراتيجية، وبالتالي استطاعت التغلب على المبادئ التوجيهية للعقوبات. كذلك، استخدمت الهند مصرفها التجاري المتحد، الذي ليس لديه انكشاف على الدولار في الولايات المتحدة، من أجل سداد مدفوعاتها لإيران بالروبية.

التبادل التجاري بين الهند وإيران: التحول من العجز إلى الفائض

شهد الميزان التجاري بين الهند وإيران تحولًا من العجز إلى فائض هامشي، وذلك نظرًا للتراجع الكبير في واردات الهند، المتعطشة لمصادر الطاقة، من النفط الخام الإيراني منذ قرار الولايات المتحدة بتمديد العقوبات الاقتصادية المفروضة على طهران في عام 2019م. بعدما كانت إيران ثاني أكبر موردي النفط إلى الهند في أوائل عام 2018م.

تاسعًا، من منظور التعاون الجيوسياسي، لم تكن إيران شريكًا وثيقًا لنيودلهي في منطقة الخليج والشرق الأوسط فحسب، بل أيضًا في مختلف المحافل الدولية التي يشكل البلدان جزءًا منها. على سبيل المثال، كان هناك دعم إيراني لنيودلهي داخل منظمة التعاون الإسلامي، خاصة مع سعى الجانب الباكستاني إلى حشد دعم ضد الهند بشأن الوضع السيادي لجامو وكشمير. كما اعترضت طهران على المحاولات التي ترعاها باكستان لتمرير قرارات ضد الهند في لجنة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة.

وما يفوق ذلك أهمية، أنه في الوقت الذي تتعرض الحكومة الهندية لانتقادات دولية حول معاملة الأقليات، قلما وجهت إيران انتقادات للهند على الساحة الدولية. من جانبها، تعارض الهند سياسة تغيير الأنظمة داخل أي من دول العالم، وظلت دومًا تجادل بأهمية أن ينبع التغيير من الداخل دون تدخل أو تشجيع من أي قوة خارجية. كما تعد طهران ونيودلهي شريكان في منظمة شنغهاي للتعاون. وكبادرة حسن النوايا، رحبت الهند بانضمام إيران كمراقب في رابطة دول جنوب آسيا للتعاون الإقليمي.

عاشرًا، ليس الأمر كما لو أن الهند أغمضت عيناها عن برنامج إيران النووي. بل إدراكًا منها لإمكانية أن تتسبب هذه القضية في زعزعة استقرار الشرق الأوسط، حث إعلان الرياض " الذي تم توقيعه بين الهند والمملكة العربية السعودية خلال عام 2010 م، الجانب الإيراني على "إزالة الشكوك الإقليمية والدولية بشأن برنامج أسلحتها النووية". بل وأيدت الهند الدعوات العربية لجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من الأسلحة النووية.

الخلافات

برغم القدر الكبير من الود الذي تتسم به العلاقات الثنائية بين طهران ونيودلهي، إلا أنها لم تخل من الخلافات والتوتر. ويتضح ذلك من خلال الأمثلة التالية.

  أولًا، تقدمت شركة النفط والغاز الطبيعي المملوكة للحكومة الهندية بخطة تطوير بقيمة 3 مليارات دولار إلى السلطات الإيرانية لتطوير حقل فرزاد-بي البحري، الذي يُقال إنه يحتوي على احتياطيات تبلغ 12.5 تريليون قدم مكعب، ويصل عمرها الافتراضي إلى 30 عامًا. وكانت تأمل الهند أن علاقاتها مع طهران خلال فترة العقوبات الغربية ستجعلها تحظى بمعاملة تفضيلية. إلا أن الجانب الإيراني أعلن انتظاره حتى يتقدم آخرون بعطاءات أفضل، وذلك بعد أن توفرت خيارات وبدائل جديدة عقب تخفيف العقوبات بموجب الاتفاق النووي لعام 2015م، وهو ما أثار غضب الجانب الهندي، إلى حد أن هددت شركات التكرير الحكومية الهندية خلال عام 2017م، بخفض واردات النفط الإيرانية بمقدار الخمس. في المقابل، هددت الشركة الوطنية الإيرانية للنفط بخفض نسبة الخصم الذي تقدمه للمشترين الهنود على الشحن من 80٪ إلى حوالي 60٪. وقال وزير النفط الإيراني حينها أن "خفض الهند صادراتها من النفط الإيراني، لن يسبب لنا مشكلات نظرًا إلى أن هناك العديد من العملاء الآخرين". وظلت المفاوضات متوقفة بسبب العقوبات حتى أن قررت الحكومة الإيرانية خلال عام 2020م، منح العقد لشركة محلية لتطوير الحقل. وجاء التطور الأحدث في سبتمبر 2022، بعدما عرضت إيران مرة أخرى على الشركات الهندية الحصول على حصة 30٪ من أسهم حقل فرزاد-بي.

ثانيًا، صرح السفير الإيراني لدى باكستان خلال عام 2016م، بأن الاتفاقية الثلاثية بين الهند، وإيران، وأفغانستان بشأن ميناء تشابهار الاستراتيجي "لم تنته بعد"، وأن باكستان والصين مرحَب بانضمامها وأضاف أن "مشروع تشابهار ليس منافسًا لميناء جوادر" في باكستان. ولم تكن هذه التصريحات، التي جاءت بعد فترة قصيرة من زيارة رئيس الوزراء ناريندرا مودي لطهران، موضع قبول من الجانب الهندي.

ثالثًا، انتقدت طهران تعامل السلطات الهندية مع المتظاهرين في ولاية كشمير خلال عام 2011م، ما أدى إلى إصدار الحكومة الهندية احتجاجاً على التدخل الإيراني في الشؤون الداخلية الهندية.

رابعًا، عدم اكتمال الصفقة التي وقعتها الهند مع إيران عام 2005م، بقيمة 22 مليار دولار ومدتها 25 عامًا من أجل تصدير الغاز الطبيعي المسال إلى الهند. فضلًا عن استمرار تعطل مشروع بناء خط أنابيب بطول 2700 كيلومتر بتكلفة 7 مليارات دولار لنقل الغاز الطبيعي من إيران إلى الهند عبر باكستان منذ عام 1995م. 

خامسًا، تباين المواقف بين طهران ونيودلهي حول النظام النووي العالمي. حيث انتقدت إيران التجارب النووية التي أجرتها الهند خلال عام 1998م، وأيدت قرار مجلس الأمن الدولي الذي يطالب الهند وباكستان بالحد من قدراتهما النووية من خلال التوقيع على معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية ومعاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. كما ضغطت إيران مرارًا وتكرارًا من أجل القبول العالمي لمعاهدة حظر الانتشار النووي، مما أثار حفيظة الجانب الهندي. وعلى الرغم من مزاعم إيران بأن المعاهدة تستهدف تل أبيب، إلا أن نيودلهي استشعرت في ذلك ضررًا لها أيضًا. فضلًا عن التحذير الذي أطلقته إيران، بأن الاتفاقية النووية رقم (123) التي وقعتها الهند مع واشنطن عام 2008، ستكون تهديدًا لمعاهدة حظر الانتشار النووي وستفتح "أزمات" جديدة أمام المجتمع الدولي.

خلاصة القول

على الرغم من هذه الخلافات، إلا أن البيان الذي أصدرته وزيرة خارجية الهندية السابقة عام 2010م، حول الأهمية الاستراتيجية لإيران يظل صحيحًا، ويمكن أن يعَد خاتمة مثالية في خضم الاحتجاجات الأخيرة والمخاوف الدولية بشأنها:

  "أولًا وقبل أي شيء، تعتبر إيران جزءاً مما تم تعريفه على أنه "جوارنا القريب". ثانيًا، تتمتع الجمهورية الإيرانية بموقع استراتيجي مع خط ساحلي طويل يمتد على طول الخليج، بما في ذلك المدخل الضيق عند مضيق هرمز - وهي منطقة تقع ضمن المعيار الأمني للهند ؛ ثالثًا، تعد إيران مصدر رئيسي للإمدادات الهندية من الطاقة والهيدروكربونات؛ رابعًا، في ظل عصر العولمة وتوافر فرص وآفاق هائلة للأعمال والاستثمارات الهندية، وسعى مجتمعاتنا إلى التحول الاجتماعي والاقتصادي، فإن التعاون التقني والاقتصادي مع إيران أضحى أمرًا بديهيًا ؛ خامسًا، التهديدات التي نواجهها من الإرهاب والتطرف تتطلب حوارًا و تعاونًا مكثفًا بين حكومتي البلدين. وللتغلب على هذه التحديات، فإننا نتشاطر العديد من المصالح المشتركة في هذا المجال متعدد الأطراف. من ثم، فإن سرد علاقاتنا على خلفية الروابط الحضارية طويلة الأمد بيننا هو أحد أوجه التكامل الأساسية والروابط الطبيعية“

 وفي خضم الحديث عن إيجابيات ومواطن التوتر الخاصة في العلاقات الهندية-الإيرانية، ليس هناك ما يظهر أن العلاقات بين الهند ودول مجلس التعاون الخليجي قد أهملت أو تضررت. وبالنظر إلى روابط الطاقة، والتجارة، والاستثمار، والمغتربين، والأمن، فإن دول مجلس التعاون الخليجي أكثر أهمية عن إيران بالنسبة للهند. حيث تعتبر دول المجلس حاليًا نقطة ارتكاز لأمن الطاقة في الهند. وتصل مساهمتها من واردات النفط الهندية نحو 50٪، بصرف النظر عن قطر باعتبارها المورد الرئيسي للغاز. كما تعد دول مجلس التعاون الخليجي الشريك التجاري الأول للهند من حيث التجمعات الاقتصادية. هناك أيضًا أكثر من ثمانية ملايين هندي في دول المجلس الست، يساهمون بحوالي نصف التحويلات السنوية البالغة 100 مليار دولار التي تتلقاها الهند. في حين تقدر قيمة التعاملات التجارية بين الهند ودول مجلس التعاون في ذروتها مجتمعة، نحو 200 مليار دولار سنويًا.  لكن في ضوء كافة الاعتبارات الاستراتيجية المذكورة سلفًا، ستحاول الهند الاحتفاظ بعلاقاتها مع إيران. ومن المستبعد أن يتغير هذا بغض النظر عن التطورات السياسية في الداخل الإيراني، لاسيما في الوقت الذي تقوم فيه دول مجلس التعاون الخليجي هي نفسها بإعادة ضبط علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية.

مقالات لنفس الكاتب