array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 184

الدول العربية مطالبة بالحوكمة والمقاربة بين القطاعين العام والخاص لإدارة الأزمات

الأربعاء، 29 آذار/مارس 2023

قدم المنتدى الاقتصادي العالمي تقريره الأخير خلال مؤتمره السنوي في دافوس في شهر يناير الماضي وجاء تحليل خبراء المنتدى مركزًا على المخاطر العالمية التي يواجهها المجتمع الدولي اليوم وخلال العقد القادم وبالتالي الفكرة الأساسية للتقرير تناولت مخاطر تدهور النظام الاقتصادي الدولي الذي يرسم مسار العلاقات الدولية منذ نهاية الحرب الباردة – بما يسمى بالعولمة.

 في هذا السياق، سيناقش المقال المخاطر العالمية وتداعياتها على الشرق الأوسط، خصوصًا المخاطر الاقتصادية والاجتماعية التي تستطيع أن تقوض استقرار المنطقة في الوقت الحالي وحتى عام ٢٠٣٠ م، وبالإضافة إلى ذلك سنقيّم أيضًا المخاطر المرتبطة بالشرق الأوسط، لاسيما على المستوى الأمني وفي الختام سنقترح رؤية لتجنب تداعيات كل هذه المخاطر.  

 

١. المخاطر الاقتصادية والاجتماعية

على المدى الطويل، سيؤثر التغير المناخي بشكل ملحوظ على كل مجلات الحياة في الشرق الأوسط الذي يُعتبر من أكثر المناطق هشاشة في العالم: خلال السنوات الثلاث السابقة، زاد معدل الحرارة في الشرق الأوسط درجة ونصف – وهذا يعتبر ضعف الزيادة العالمية -وعلى سبيل المثال سجل كل من العراق والكويت ٥٤ درجة في عام ٢٠١٦م، بالتالي رأينا في الماضي القريب عددًا من الكوارث الطبيعية مثل الجفاف والفيضانات اللذين تسببا بموت كثيرين ودمار هائل في المنطقة ومن الواضح أن تداعيات التغير المناخي ستفاقم الأزمات بما يتعلق بنقص الماء والغذاء وانتشار الأمراض أثناء العقد القادم.

على صعيد الخليج العربي، التصحر يمثل مشكلة كبيرة، خصوصًا في إقليم الربيع الخالي بين المملكة العربية السعودية، والإمارات، وعمان، واليمن.

وسينتج هذا التغيير خطرًا انسانيًا حقيقيًا حيث تعتبر المنظمات الإنسانية ان أكثر من ١٢ مليون شخص في العراق وسوريا سيتعذر عليهم الحصول على الماء والكهرباء بسبب زيادة درجة الحرارة وانخفاض نسبة هطول الأمطار، على سبيل المثال زادت تكلفة الحصول على الماء في الأردن نحو ٣٠٪ خلال العقد المنصرم.  

بالإضافة إلى ذلك، يوجد بعد استراتيجي لتأثيرات التغيير المناخي، فقضية الأمن المائي لا تقتصر على المجال الاقتصادي فقط، بل لها نتائج من الناحية الجيوسياسية وهذا ما نراه اليوم من خلاف بين مصر وأثيوبيا حول نهر النيل بالنسبة إلى ضمان الحصول على كميات المياه الكافية بعد بناء سد النهضة الإثيوبي.

لكن التغير المناخي ليس التحدي الوحيد الذي سيواجه الشرق الأوسط في المستقبل المنظور، لان دول المنطقة يجب عليها أن تنفذ سياسات طموحة لتلبية توقعات الناس على المستوى الاقتصادي والاجتماعي وعلى الرغم من كل الأزمات الموجودة في العالم العربي، تقدر الأمم المتحدة زيادة سكان بعض الدول العربية مثل العراق، مملكة البحرين وفلسطين حوالي ٥٠٪ بين ٢٠١٥و ٢٠٣٠م، وحوالي ٤٠٪ في السودان وسوريا وعمان.

 

الدراسات الديموغرافية عن الشرق الأوسط تشير إلى أنّ هذه الدول شابة وهذه الظاهرة تؤدي إلى احتياجات اقتصادية ضخمة، خصوصًا بالنسبة إلى سوق العمل لكن بسبب ضعف الهياكل الاقتصادية، يبقى معدل البطالة عاليًا جدًا في المنطقة وقد كان عاملاً مهماً خلف المظاهرات في عام ٢٠١١م – أو ما يسمى بالربيع العربي – وحسب الأمم المتحدة فإنّ معدّل البطالة في الشرق الأوسط يعتبر من أسوأ المعدلات في العالم اليوم، وفي هذا الإطار تُعتبر أوضاع الشباب والنساء مقلقة.

من الصعب ان نتوقّع تطوراً إيجابياً خلال هذا العقد بالنسبة إلى إصلاح الاقتصادات الوطنية في المنطقة بسبب استمرار الصراعات الخارجية أو التوترات الداخلية في بلدان مثل ليبيا وسوريا والعراق ومصر، ففي نفس الوقت نشاهد صعوبات في تنفيذ التغيير السياسي الضروري في بلدان أخرى كلبنان حيث الحكومة وكل الطبقة السياسية ليست لديها القدرة – وأيضًا الرغبة – لإصلاح النظام اللبناني على الرغم من الأزمة المالية المستمرة.

بالإضافة إلى هذه المشاكل تعاني منطقة الشرق الأوسط من تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا التي بدأت في عام ٢٠٢٢م، وادّت إلى تفاقم الأزمة الاقتصادية العالمية عبر زيادة أسعار الطاقة والتضخم الاقتصادي.

 

سيبقى ضعف التنمية الاقتصادية في عدد من الدول العربية سببًا من الأسباب الأساسية التي تواجه الحكومات للمحافظة على الاستقرار الاجتماعي، وكما لاحظنا خلال الثورات في عام ٢٠١١م، فإن حافز الشباب للتظاهر لم يكن سياسياً في البداية، بل كان اقتصادياً، إذ أنّ الثوار ما كان لديهم برنامجاً سياسياً دقيقاً، بل رغبة في تغيير الأنظمة، حيث الشباب كانوا قد فقدوا الأمل بتحسّن أوضاعهم الاقتصادية وهكذا من الممكن أن يشهد الشرق الأوسط ربيعاً عربياً جديداً خلال العقد القادم.

بناء على ما تقدّم، ينعكس وضع الدول العربية على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي على الفكرة المحورية في تقرير دافوس وهي مفهوم "متعدد الأزمات" الذي يعني مجموعة متداخلة من المشاكل مثل التغيير المناخي، البطالة، وتحديات الحكومات أمام إصلاح هياكلها الاقتصادية وهذه المسائل ليست موضوعًا داخليًا فقط لأنّنا نرى تأثير المخاطر العالمية على المنطقة مثل تأثيرات التغيير المناخي وتداعيات حرب أوكرانيا على الاقتصادات العربية.

 

لكن بالإضافة إلى هذه الاعتبارات الاقتصادية والاجتماعية، من الضروري أن نناقش المشاكل التقليدية في مجالات الأمن والجيوسياسية.                       

 

٢. الإطار الاستراتيجي للعقد الحالي

لم يتناول تقرير دافوس المخاطر الجيوسياسية التي ستواجه العالم بشكل عميق، وخاصة في منطقة الشرق الأوسط، بحلول عام ٢٠٣٠م، بسبب أنّ التقرير ركّز على الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية والمناخية، لذلك يجب علينا أن نأخذ بعين الاعتبار أيضًا التحديات الثلاثة الرئيسية لمستقبل المنطقة.

 

المنافسة بين الولايات المتحدة والصين وآثارها على الشرق الأوسط

على مدى العقد القادم ستلعب المنافسة الأمريكية-الصينية دورًا محوريًا في تطور النظام العالمي وسنرى تأثيرات هذه العلاقة المتوترة بين البلدين في كل المناطق من آسيا إلى أمريكا اللاتينية وبالتالي سيشهد العالم العربي نفس "الترند" عبر المواجهة غير المباشرة بين واشنطن وبكين. هذه المنافسة الأمريكية-الصينية تظهر في مجال البنى التحتية المحلية بسبب الاستثمارات المالية الصينية في إطار مبادرة الحزام والطريق ل "شي جين بينغ" ولاسيما الاستثمارات الصينية في عدد من موانئ دول الخليج التي رحبّت برؤوس الأموال الصينية خلال السنوات السابقة.

 على المستوى التكنولوجي برز الوجود الصيني في المنطقة بشكل واضح عبر انتشار "الجيل الخامس" لشبكات الاتصال تحت قيادة شركة "هواوي" واليوم يبدو واضحاً أنّ الولايات المتحدة تعتبر كل هذه الاستثمارات كتحدي كبير لهيمنتها الإقليمية، ولقد أكدت الإدارتان الأمريكيتان لدونالد ترامب وجو بايدن مطالبهما لدول الخليج وإسرائيل بالنسبة إلى إنهاء التقارب الاقتصادي بين الشرق الأوسط والصين بسبب المخاوف الأمريكية من أنّ تعزيز العلاقات بين الصين والعالم العربي سيؤدي إلى إضعاف نفوذ واشنطن.

على الرغم من رغبة الدول في المنطقة بتقوية التبادلات التجارية مع الصين منذ العقدين السابقين، لم تدرك هذه الدول التداعيات المحتملة بسبب المنافسة بين القوتين العظيمتين عليها والآن تواجه حكومات المنطقة مأزقاً رئيسياً بين ضرورة المحافظة على استقرارها الأمني من جهة والذي سيستمر عبر إطالة الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة ومن جهة أخرى عبر زيادة النمو الناتجة من تعزيز العلاقات مع الصين.

 

مع حلول عام، ٢٠٣٠م،  قد لا تقلّ التوترات بين واشنطن وبكين بل على العكس، خصوصًا في شأن  قضية تايوان التي تمثل محور المنافسة وحسب عدد من السيناريوهات العسكرية الأمريكية، من الممكن أن نرى بداية  صراع بين الصين والحكومة التايوانية قبل نهاية العقد الحالي ففي رأي الولايات المتحدة هذه المنافسة تؤدي إلى "مجموع صفري"  مثل الحرب الباردة ضد الاتحاد السوفيتي عندما اعتبرت الولايات المتحدة أن دول من العالم الثالث لم يكن لديها مرونةً من الخيارات، فإمّا معنا أو ضدنا وهكذا الدول العربية ليس لديها حرية القرار للخروج من هذا المأزق.            

 

استمرار القضية الفلسطينية

في ضوء الوضع الحالي في قطاع غزة والضفة الغربية، ستبقى القضية الفلسطينية موضوعًا حاسمًا لمستقبل العالم العربي وللأسف لا نلاحظ علامات تقدم من الجانبين فقد انعكست الانتخابات الإسرائيلية السابقة في شهر  نوفمبر ٢٠٢٢م، على تقوية حزب اليمين المتطرف التي تشارك حالياً في حكومة بنيامين نتنياهو الجديدة مع تعيين بتسلإيل سموتريش وزير المالية وإيتمار بن غفير وزير الأمن الوطني و بالتالي إسرائيل لا تعارض الرغبة للعودة إلى المفاوضات مع الفلسطينيين التي كانت معلقة منذ  عام ٢٠١٤ و على الرغم من اتفاقيات "إبراهيم" التي عُقدت بين الإمارات والبحرين وإسرائيل في عام ٢٠٢٠م، لم تؤدِ عملية التطبيع إلى التحسن في القضية  الفلسطينية.

 

في الواقع، يجب علينا أن نعترف أيضًا بغياب الرغبة الفلسطينية للعودة إلى عملية المفاوضات نظراً لأسباب عديدة... واليوم نشاهد نزاعًا داخلياً مستمراً بين السلطة الوطنية الفلسطينية وحماس. منذ العقد السابق ولا يبدو مستقبل الفلسطينيين واضحًا بسبب ضعف ثقة الفلسطينيين بالسلطة الحالية وغياب خلف قوي وشرعي بعد الرئيس محمود عباس الذي يبلغ من العمر ٨٧ عاماً. ومن المرجح أن وفاة عباس ستؤدي إلى صراع مفتوح بين حركة حماس وفتح حول السيطرة على الأراضي الفلسطينية.

 

في هذا السياق، يشير كل من تطرف الطبقة السياسية الإسرائيلية والتنازع الداخلي بين الفلسطينيين إلى غياب إمكانية التسوية للصراع ومن المحتمل أن نشاهد حرباً جديدة بين الجيش الإسرائيلي وحماس قبل عام ٢٠٣٠م.

على المستوى الإقليمي، إنّ استمرار القضية الفلسطينية لديه عدّة تداعيات أبرزها: أولاً، عجز دول المنطقة عن تأسيس نظام أمني مشترك، وثانياً الظروف الاقتصادية والاجتماعية المقلقة للجيل الحالي والجيل القادم من الفلسطينيين. 

 

مستقبل النظام الإيراني

في عام ٢٠٣٠م، يبقى موضوع العلاقات بين إيران والعالم العربي موضوعاً أساسياً ويطرح السؤال التالي: كيف سيكون النظام الإيراني في العقد القادم. ففي العام ٢٠٢٣م، يبلغ المرشد الأعلى للثورة الإسلامية علي خامنئي من العمر ٨٣ عامًا ولا يوجد شفافية حول خلافته وسيحدث الانتقال داخل السلطة الإيرانية خلال مرحلة صعبة للنظام بسبب المظاهرات الاجتماعية التي بدأت في عام ٢٠٢١م، كرد فعل الشباب الإيراني والتعبير عن غضبهم فيما يتعلق بارتفاع نسبة البطالة وإحباطهم على المستوى الاجتماعي والاقتصادي الحالي.

 

مستقبل النظام الإيراني سيمثل عاملاً مركزيًا لاستقرار الخليج والشرق الأوسط لأن نوع السلطة في طهران سيؤثر على السياسة الإقليمية للبلد، لاسيما حول دعمه المالي والعسكري لمنظمات إرهابية في اليمن ولبنان والعراق وغزة وحتى اليوم لا نرى إشارات تفيد بإمكانية تغيير المقاربة الإيرانية حول استغلال هذه الحركات ضد دول الخليج وإسرائيل.

 

بالإضافة إلى قضية الاستراتيجية غير المباشرة الإيرانية -أو ما يسمى الحرب الإيرانية بالوكالة -المسألة الكبرى اليوم وفي ٢٠٣٠م، ستكون التقدم في البرنامج النووي الإيراني ولا يبدو أن الوضع الحالي سيؤدي إلى تسوية هذه الأزمة خلال السنوات القادمة: التقارير الأخيرة للوكالة الدولية للطاقة الذرية تشير إلى زيادة تخصيب اليورانيوم حول ٨٤٪ وهذا التقدم يقرّب النظام الإيراني من القدرة على "عسكرة" الطاقة النووية.

في هذا السياق من الممكن أن نتخيل عدداً كبيراً من السيناريوهات، لكن يظهر لي أن الخيارين الأكثر أهمية هما التدخل العسكري المحدود من القوات المسلحة الأمريكية والإسرائيلية الذي يستهدف مواقع الصناعة النووية الإيرانية والاعتراف بإيران كقوة نووية وبالتالي انتشار الأسلحة النووية في المنطقة وفي هذين الخيارين، لا نرى انخفاض التوترات الإقليمية، بل تفاقمها.

لكن من الممكن الآن ألا تواجه منطقة الشرق الأوسط هذه السيناريوهات بعد إعلان المصالحة السعودية ـ الإيرانية والاتفاق بين البلدين على استئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما وإعادة فتح سفارتيهما.           

 

٣. خريطة إدارة تداعيات المخاطر في الشرق الأوسط

الإجابات لكل المخاطر التي قدمناها لسيت واضحة وفي الواقع، لا يوجد وسيلة واحدة لتسويتها كاملة ولن نرى نهاية الأزمة حول التغيير المناخي وتأثيراته على المنطقة في عام ٢٠٣٠م، ولن نشاهد سلامًا حقيقيًا بين الإسرائيليين والفلسطينيين قبل نهاية هذا العقد.

لكن من الممكن أن نتصوّر طرقًا جديدة لتخفيف تداعيات هذه المخاطر على الشرق الأوسط ولذلك المهمة الأولى ستكون تأسيس نظام إقليمي للحوكمة بين كل دول الشرق الأوسط وكما رأينا خلال أزمة "كوفيد-١٩"، فإنّ غياب التعاون والتنسيق بين الدول فاقم من التأثيرات السلبية للفيروس وغالبية المشاكل الحالية لا تهدد دولة وحيدة، بل تهدد كل المجتمع الدولي.

للأسف، تاريخيًا لم يكن لدى الشرق الأوسط نظام دبلوماسي إقليمي لتسوية الخلافات مثل الصراعات بين إسرائيل والدول العربية، أو المواجهة بين مصر وأثيوبيا حول نهر النيل.

منذ بضع سنوات أوصت عدة دراسات استراتيجية بتأسيس هذا النظام الإقليمي عبر مفهوم "نظام وستفاليا" للشرق الأوسط أو "عملية هلسنكي" للمنطقة. على الرغم من فشل المحاولات السابقة، يمكننا أن نرى أفقاً لتأسيس هذا النظام في السياق الإقليمي الحالي بسبب نهاية الأزمة بين قطر وجيرانها وبسبب المصالح بين تركيا ودول الخليج وبسبب عملية التطبيع بين إسرائيل وبعض الدول العربية وكل هذه الإجراءات تؤدي إلى بيئة سياسية مناسبة للتعاون الإقليمي. في الوقت نفسه ظهرت مبادرات دبلوماسية جديدة كـ "منتدى النقب" (بين الولايات المتحدة، إسرائيل، مصر، مملكة البحرين، والإمارات) واستشارات ""I2U2 التي تجمع الهند، الإمارات، الولايات المتحدة وإسرائيل.

بالطبع التقارب بين هذه الدول لا يعني نهاية الأزمات الحالية أو تسويتها كما نرى في فلسطين حيث اتفاقيات "إبراهيم" لا تمنع زيادة العنف بين الإسرائيليين والفلسطينيين لكن من الممكن أن نعتبر تحسين العلاقات الدولية في المنطقة وتأسيس إطارات دبلوماسية جديدة وسائلَ لتقدم النظام الإقليمي للحوكمة.

بالتالي، من الضروري أن نتخيل استجابة غير تقليدية للمخاطر الحالية ومن الواضح أن الحكومات ليست اليوم المؤسسات الوحيدة لمواجهة التحديات مثل التغير المناخي أو التنمية الاقتصادية الاجتماعية الضرورية للشرق الأوسط. في هذا السياق الجديد، من اللازم أن تعزّز حكومات المنطقة التنسيق مع القطاع الخاص والمجال العلمي، فقد عكست أزمة كورونا أهمية هذا العمل المشترك بين السياسيين والعلماء وصناعة الدواء لإنتاج لقاحات ضد الفيروس الجديد وبنفس الاتجاه، يجب على دول العالم العربي أن تحسّن هذه العلاقات الثلاثية في مجالات أخرى. على سبيل المثال، لن تقترب المنطقة من هدف خفض الانبعاثات لمحايدة الكربون وتخفيض تداعيات التغير المناخي عبر عملية حكومية فقط ولذلك الحوار مع الشركات من قطاع الطاقة والمجتمع العلمي سيسمح بتقييم أحسن للأولويات في مجال الاستثمار وبضرورة تغيير العادات الاجتماعية من مواطني دول المنطقة، خصوصًا بالنسبة إلى استهلاك الطاقة. في الخليج، هذا التنسيق مهم جدًا لأن عملية الاستجابة للأزمة المناخية ستؤدي إلى تحويل عميق لنموذج التنمية الاقتصادية الإقليمية التي اعتمدت على ريع النفط والغاز.                   

 

**

ختاماً، تواجه منطقة الشرق الأوسط عدداً من المخاطر العالمية مثل التغيير المناخي والأزمة الاقتصادية الراهنة التي تناولها تقرير دافوس وبالإضافة إلى ذلك وضح مقالي استمرار المشاكل الخاصة للشرق الأوسط مثل القضية الفلسطينية والأزمة الأمنية حول البرنامج النووي الإيراني.

ومن المتوقّع أن حكومات المنطقة ليس لديها القدرة على إنهاء كل هذه المخاطر قبل عام ٢٠٣٠م، لكن من الممكن أنّها ستعتمد مقاربة جديدة لإدارة هذه التحديات عبر تعزيز الحوار والتنسيق بين القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع العلمي، وفي هذا السياق، تقييمنا عن الوضع الإقليمي ليس متفائلًا أو متشائماً بل واقعياً.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* باحث متخصص في مجال الشؤون الاستراتيجية لمعهد الشرق الأوسط في جامعة سنغافورة الوطنية ــ سبق أن عمل أستاذاً مشاركاً في الدراسات الاستراتيجية بكلية الدفاع الوطني للإمارات العربية المتحدة بين ٢٠١٦ و٢٠٢١م، وعمل مستشاراً لشؤون الشرق الأوسط في وزارة الدفاع الفرنسية بين ٢٠٠٨ و٢٠١١م، وفي حلف الناتو بين ٢٠١١ و٢٠١٦م.

      

مقالات لنفس الكاتب