; logged out
الرئيسية / التزام واشنطن بتدعيم قدرات شركائها الخليجيين وتنسيق الشراكة في مجالات الدفاع السيبراني

العدد 184

التزام واشنطن بتدعيم قدرات شركائها الخليجيين وتنسيق الشراكة في مجالات الدفاع السيبراني

الأربعاء، 29 آذار/مارس 2023

مع بداية 2020م، كان العالم على موعد مع كم من التحديات غير المسبوقة، في مقدمتها أزمة تفشي جائحة كورونا (كوفيد -19) والغزو الروسي على أوكرانيا (أوائل فبراير 2022م). وفي الوقت الذي لم يكد العالم يتلمس خطواته للتعافي من التبعات الكارثية التي خلفها الوباء على الصعيدين الإنساني والاقتصادي، جاء الغزو الروسي ليُشعل فتيل واحدة من أكثر الحروب دموية في القارة الأوروبية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. وبينما لا يزال غير واضح متى وكيف سينتهي الصراع الدائر، إلا أنه من المؤكد أن المشهد الاستراتيجي العالمي قد أضحى أكثر تعقيدًا نتيجة الحرب الدائرة، وحالة الاستقطاب السياسي، إلى جانب المواجهة الاستراتيجية بين الشرق والغرب، والعقوبات المفروضة على روسيا، والتي تعتبر جميعها عوامل مسببة في تأجيج مزيد من الأزمات العالمية والإقليمية. وفي ضوء المعطيات السابقة، أصدر المنتدى الاقتصادي العالمي أوائل عام 2023م، النسخة 18 من تقريره بشأن "المخاطر العالمية"، والذي ينطوي على أهمية خاصة لتعريفه مفهوم "المخاطر العالمية" والذي يشير إلى احتمالية وقوع حدث أو ظرف عالمي، إذا ما تحقق فعليًا، سيخلف آثارًا سلبية على نسبة كبيرة من الناتج الإجمالي العالمي، وقطاع واسع من البشر أو الموارد الطبيعية.

وباعتبارها قوة عالمية عظمى، تولي الولايات المتحدة اهتمامًا وثيقًا بالتطورات الجارية على صعيد الجغرافيا السياسية والاقتصادية، التي تسهم في تشكيل الأحداث العالمية الراهنة. بالمثل، تعمل دول الخليج في ظل الموارد المالية والنفطية الوفيرة التي تتمتع بها والأطياف السياسية المتعددة، على صياغة استراتيجيات وطنية وإقليمية تهدف إلى التغلب على التحديات الاستراتيجية القائمة واغتنام الفرص الناشئة، من خلال التنسيق مع الولايات المتحدة، وأوروبا، وروسيا، والصين، وقوى عالمية أخرى. ومن بين الملفات الرئيسية التي تعد محل اهتمام مشترك للجانبين الأمريكي والخليجي؛ الأمن السيبراني والتغير المناخي، وهما من القضايا التي قد تنطوي على فرص مواتية بقدر ما تحمل تحديات.

الأمن السيبراني: يعتبر التوسع العالمي في استخدام وسائل الإنترنت أحد أبرز التطورات التحويلية التي يشهدها العالم منذ أواخر القرن العشرين. فخلال ما قبل ذلك، لم يكن عدد مستخدمي الشبكة العنكبوتية يتجاوز بضعة ملايين قليلة حول العالم، لكن مع مطلع القرن الحادي والعشرين، شهد عدد مستخدمي التطبيقات الإلكترونية المختلفة نموًا إلى ما يقرب من نصف إجمالي تعداد سكان العالم. حيث أصبح الملايين حول العالم من مختلف الطبقات الاجتماعية، والأجناس، والانتماءات الدينية، يعتمدون على استخدامات الإنترنت للقيام بأنشطتهم اليومية مثل؛ الأعمال المصرفية، والإدلاء بأصواتهم في الاستحقاقات الانتخابية، واكتساب المعرفة، فضلًا عن البحث عن مصادر ترفيهية وغيرها من الأنشطة. وبنفس القدر من الأهمية، تعتمد الهيئات العامة والخاصة، وكذلك مختلف المؤسسات والوكالات الحكومية على وسائل الإنترنت من أجل إجراء عملياتها. خلاصة القول، أصبح من الصعب ونحن في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، التفكير في أن ثمة قطاع مدني أو عسكري لم يتأثر بالاستخدام واسع المجال لوسائل الإنترنت.

وعلى الرغم من التقدم الهائل والقدرة التمكينية التي أحدثتها الثورة الرقمية داخل المجتمعات، إلا أنها جلبت معها أيضًا جانبًا مظلمًا متمثلًا في انتشار الجرائم السيبرانية والحروب الإلكترونية. وبقدر المكاسب الإجمالية المهمة التي يؤمنها التحول الرقمي والترابط الإلكتروني على صعيد المخرجات، بقدر ما واكب ذلك ظهور ثغرات كبيرة وخسائر سياسية عدة. حيث أصبحت المنظومة التي يقوم عليها الاقتصاد الرقمي العالمي، وأسس الديمقراطية، والمجال العام الواسع، معتمدة بشكل كامل على استقرار وأمن الفضاء السيبراني، الذي يلعب دورًا أيضًا في الأمن والسلامة البشرية نظرًا لاعتماد الإنسان اليومي على استخدام أشياء أصبحت أكثر اتصالًا بالإنترنت مثل السيارات والأجهزة المنزلية. من ثم تكتسب مسألة الثقة في البنية التحتية أهمية ملحة ليس فقط من أجل القدرة على التواصل واكتساب المعرفة واستخدام الأنظمة المصرفية، بل للتمكن حتى من قيادة سيارة أو شراء سلعة.

في مارس من 2023م، اعتمدت إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن استراتيجية وطنية جديدة خاصة بالأمن السيبراني، والتي تدعو صانعي البرمجيات والعاملين بالصناعة الأمريكية إلى الاضطلاع بمسؤولية أكبر في ضمان عدم تعرض أنظمتهم إلى عمليات قرصنة، بالتوازي مع تسريع الجهود المبذولة من قبل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة الدفاع الأمريكية من أجل تعطيل الأنشطة التي يقوم بها قراصنة الإنترنت في مختلف أنحاء العالم والمجموعات المستخدمة لبرمجيات "رانسوم وير" -وهى نوع من البرمجيات يحتوي على فيروسات ضارة تستخدم بغرض الابتزاز الإلكتروني أو طلب فدية. وعلى مدار الأعوام الماضية، مارست الحكومة ضغوطًا على الشركات من أجل الإبلاغ طوعًا عن الاختراقات في أنظمتها من أجل بيان أوجه العوار والعمل بانتظام على تعديل برامجها بما يساعد في معالجة الثغرات المكتشفة حديثًا. رغم ذلك، خلصت استراتيجية الأمن السيبراني الجديدة إلى أن هذه الجهود وإن كانت حسنة النوايا، تظل غير كافية في ظل ما يشهده العالم من محاولات مستمرة من قبل المجموعات المحترفة من قراصنة الإنترنت من أجل اختراق الشبكات الحكومية والخاصة. بالتالي، يجب بدلا من ذلك مطالبة الشركات بتطبيق الحد الأدنى من معايير الأمن السيبراني.

وقد حرصت الإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ حكم الرئيس الأسبق جورج دبليو بوش، قبل 20 عامًا، على اعتماد نسخة جديدة من الاستراتيجية الخاصة بالأمن السيبراني ويحدث ذلك في الأغلب بمعدل مرة واحدة خلال الفترة الرئاسية لأحدهم. إلا أن جهود إدارة بايدن في هذا الملف قد تختلف عن أسلافه في العديد من المحاور على رأسها: الحث على منح مزيد من التفويضات والاختصاصات للصناعة الخاصة التي تتحكم في قطاع واسع من البنية التحتية الرقمية داخل البلاد، بالتوازي مع توسيع نطاق دور الحكومة في اتخاذ إجراءات هجومية استباقية لدرء محاولات القرصنة السيبرانية خاصة من الخارج.  كما تضمن استراتيجية إدارة بايدن الخاصة بهذا الملف تصورات بشأن ما تصفه بتغييرات جذرية في آليات العمل التي يعتمد عليها النظام البيئي الرقمي، تتجسد عبر صياغة ضوابط وقوانين جديدة قد ترغم الشركات على تطبيق حد أدنى من تدابير الأمن السيبراني للبنية التحتية الحيوية وفرض مسؤولية على الشركات التي تفشل في تأمين الأكواد الخاصة بها، مثلما هو الحال مع شركات تصنيع السيارات ومورديها في حال وجود وسائد هوائية معيبة أو خلل في نظام الفرامل.

من ثم، تؤكد الاستراتيجية الجديدة للأمن السيبراني الأهمية المتزايدة لمحور الدفاع والهجوم بمجال الأمن السيبراني في تدعيم سياسات الأمن القومي الأمريكي. من ناحية أخرى، لم يسبق لإدارة الرئيس بوش الإفصاح علناً عن قدرات الولايات المتحدة في شن هجمات سيبرانية. في حين ترددت إدارة باراك أوباما في اتهام روسيا والصين صراحة بالوقوف وراء الهجمات السيبرانية التي تستهدف الهيئات الحكومية الأمريكية. من جانبها، عملت إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب على تدعيم الإجراءات الهجومية الاستباقية ضد القراصنة والجهات المدعومة من الدول في الخارج. كما دقت ناقوس الخطر بشأن أنشطة شركة "هواوى "، عملاق التكنولوجيا الصيني، متهمة إياها بأنها أحد أذرع الحكومة الصينية التي تسعى، من خلال إشرافها على إنشاء شبكات الجيل الخامس فائقة السرعة داخل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الحليفة لواشنطن، إلى تخويل الحكومة الصينية إمكانية الاطلاع ومراقبة أنشطة هذه الدول والتحكم في تعطيل عمل أنظمة الاتصالات عند اندلاع الأزمات والصراعات. مع ذلك، كانت إدارة ترامب أقل نشاطًا من حيث مطالبة الشركات الأمريكية بتطبيق الحد الأدنى من الحماية على البنية التحتية الحيوية، أو تحميلها مسؤولية الضرر الذي قد يقع جراء تركها الثغرات دون معالجة.

على النقيض، تسعى استراتيجية بايدن الجديدة بشأن الأمن السيبراني إلى إجراء تحولات جذرية على صعيد توزيع الأدوار وتقاسم المسؤوليات والمصادر في مجال الأمن السيبراني بين الجهات الأمريكية المعنية. بمعنى آخر، ترغب إدارة بايدن في إعادة موازنة مسؤولية التصدي للهجمات السيبرانية من خلال تحويل عبء الحفاظ على الأمن الإلكتروني الواقع على عاتق الأفراد، والشركات الصغيرة، والحكومات المحلية، إلى المنظمات التي تعد أكثر قدرة وفي وضع أفضل من أجل تقليص حجم المخاطر المُحدقة بالشعب الأمريكي. كما تعترف الاستراتيجية بأهمية تطويع جميع أدوات السلطة الوطنية بالتنسيق مع كافة الجهات الفاعلة من أجل صون وحماية الأمن القومي الأمريكي، والسلامة العامة، والازدهار الاقتصادي.

في السياق ذاته، حرصت دول مجلس التعاون الخليجي خلال العقود الأخيرة على تكثيف جهودها الرامية إلى تنويع اقتصاداتها بعيدًا عن قطاع النفط وتقليص الاعتماد على العوائد النفطية. وفي إطار تحقيق ذلك الهدف، أصبحت المجتمعات الخليجية من بين أكثر المجتمعات الرقمية على مستوى العالم، وذلك في ظل الاتجاه إلى إجراء غالبية المعاملات المالية وتدابير السياسة الحكومية وأنشطة القطاع الخاص من خلال وسائل الإنترنت. وكلما زاد التحول الرقمي في دول الخليج، كلما باتت عرضة لمزيد من الهجمات السيبرانية خاصة وأنها سبق وأن اختبرت العديد من الهجمات الإلكترونية التي استهدفت بنيتها التحتية الاقتصادية الحيوية. من جانبهم، أكد كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية خلال العديد من المحافل، التزام واشنطن ببناء وتدعيم قدرات شركائها من الدول العربية في مجال الدفاع السيبراني. كما تعمل كل من وزارتي الدفاع والخارجية الأمريكية على تنسيق الشراكة المتنامية بين واشنطن ودول مجلس التعاون الخليجي في مجال الدفاع السيبراني.

 

التغير المناخي والتحول الطاقي: ساهمت التحليلات العلمية بشأن تأثير السلوك الإنساني على النظام البيئي العالمي منذ بداية الثورة الصناعية حتى الآن، في ترسيخ فكرة أن تزايد الانبعاثات الكربونية وغيرها من غازات الاحتباس الحراري قد سبب أو بالأحرى يتسبب في نمو درجات الحرارة العالمية. وبحسب تقارير وكالة الفضاء الأمريكية(ناسا)، فإن التقديرات تُشير إلى أن الأنشطة البشرية، لاسيما المتعلقة بحرق الوقود الأحفوري، قد أدت إلى زيادة متوسط درجة حرارة الأرض بنحو 1 درجة مئوية -ما يوازي 1.8 درجة فهرنهايت، ويشهد هذا الرقم ازديادًا الآن بأكثر من 0.2 درجة مئوية (0.36 درجة. فهرنهايت) خلال العقد الواحد، بما ينذر بعواقب وخيمة على النظام البيئي، تشمل ارتفاع منسوب البحر، وزيادة شدة وتواتر “الظواهر المناخية المتطرفة" مثل العواصف، وموجات الجفاف، والفيضانات، وغيرها، فضلًا عن ندرة المياه، والغذاء، وتعطل الأنشطة الاقتصادية، وعدم الاستقرار السياسي.

 بالتالي، استدعى الأمر استجابة وتحركًا دوليًا سريعًا لما أصبح يُطلق عليه "حالة الطوارئ المناخية"، تبلور من خلال إنشاء اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ التي مهدت الطريق إلى سلسلة من المعاهدات الدولية تحت عنوان "مؤتمر الأطراف" (كوب) (COPs)"، الذي عقدت نسخته السابعة والعشرين بمدينة شرم الشيخ في مصر خلال نوفمبر الماضي، ومن المقرر انعقاد النسخة المقبلة بمدينة أبو ظبي أواخر 2023م، وتهدف مؤتمرات المناخ (كوب) إلى مراجعة البيانات، وتحديد الأهداف، واتخاذ قرارات مصيرية بشأن آليات تنسيق الاستجابة الدولية لأزمة تغير المناخ. وتُركز غالبية النقاشات الدائرة حول مؤتمر المناخ على قطاع الطاقة، الذي يمثل نحو 75% من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، الناتجة عن حرق الهيدروكربون المستخدم في قطاعات مثل الطاقة، والصناعة، والنقل، والتدفئة. من هنا أصبح التركيز الأساسي خلال عملية التحول الطاقي منصبًا على الانتقال بقطاع الطاقة العالمية بعيدًا عن ذلك النظام الذي يعتمد في الأغلب بشكل حصري على إنتاج واستهلاك الوقود الأحفوري، إلى آخر تقوده الطاقة الخضراء أو مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية. مع ذلك يتجلى التحدي في عدم استثمار دول العالم بشكل كاف في إنتاج الطاقة الخضراء خلال العقود الماضية، وبالتالي عدم تهيئة مصادر الطاقة المتجددة والطاقة النووية لتلبية وسد الاحتياجات العالمية من الطاقة.

لذلك عمدت الدول الغنية خلال السنوات القليلة الماضية إلى تبني مبادرات هامة من أجل معالجة إشكالية بطء وتيرة الاستثمار في إنتاج الطاقة الخضراء. وفي عام 2022م، أكدت المفوضية الأوروبية أن الواقع الجيوسياسي الجديد ومعطيات أسواق الطاقة تستلزم من الدول الأوروبية تسريع العمل بشكل جذري على التحول صوب الطاقة النظيفة، وزيادة استقلاليتها في مجال الطاقة بما يجنبها التعامل مع جهات توريد غير موثوقة أو أسواق الوقود الأحفوري المتقلبة. ومن هذا المنطلق، اعتمدت المفوضية الأوروبية مبادرة "ريباور إي يو"، التي صُممت بهدف إنهاء اعتماد الاتحاد الأوروبي على الوقود الأحفوري، بما في ذلك إمدادات الغاز الطبيعي القادمة من روسيا.

على الصعيد الأمريكي، تجاوزت تكلفة الخسائر المادية الناجمة عن الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغير المناخ، 150 مليار دولار خلال عام 2021م، أي زيادة بأكثر من 50 % عن العام السابق له (2020م). في حين من المتوقع أن يرتفع المبلغ إلى ما يقرب من 500 مليار دولار سنويًا بحلول أواخر القرن الحالي. وهو ما دفع الإدارة الأمريكية إلى اتخاذ خطوات ملموسة في سبيل اللحاق بركب الدول الأخرى بعد أن ظل الدور الأمريكي في هذا الملف متراجعًا خلال فترة رئاسة ترامب. وتمثلت أبرز هذه الخطوات في اعتماد قرار الرئيس جون بايدن والكونجرس في أغسطس الماضي " سياسة المناخ والطاقة" الأكثر شمولًا في التاريخ الأمريكي. كما أنه بموجب قانون "خفض التضخم"، سوف تستثمر الولايات المتحدة 370 مليار دولار في قطاع الطاقة النظيفة، بما يشمل ذلك تمديد وتوسيع الإعفاءات الضريبية للطاقة المتجددة والمركبات الكهربائية وكفاءة الطاقة. كذلك من المقرر أن يتم العمل على توفير مصادر رئيسية جديدة لتمويل الابتكارات في مجال الطاقة النظيفة.

أما على الجانب الآسيوي، فالصين هي من تتصدر الإنتاج العالمي من الطاقة المتجددة. حيث بلغت استثماراتها في الطاقة النظيفة خلال عام 2021م، نحو 380 مليار دولار-وهو ما يفوق قيمة استثمارات أي دولة أخرى. وفي يونيو 2022م، أعلنت الحكومة الصينية عزمها للوصول بنسبة الطاقة المولدة من المصادر المتجددة إلى 33% بحلول عام 2025م، بما يزيد عن النسبة المستهدفة خلال عام 2020م، والتي بلغت 28.8 %. وفي مايو 2022م، أعلن رئيس الوزراء الياباني فوميو كيشيدا عزم الحكومة توفير 150 مليار دولار من أجل تسهيل مشاريع الطاقة النظيفة.

إن المبادرات المطروحة من قبل الاتحاد الأوروبي، والولايات المتحدة، ودول مثل الصين واليابان بشأن معالجة أزمة التغير المناخي، إنما تؤكد ما لديهم من قناعات بحتمية تغيير العالم للآليات الخاصة به في توليد واستهلاك الطاقة من أجل خفض الانبعاثات مع تلبية الطلب المتزايد على الطاقة. تتمثل أحد التحديات الرئيسية التي تعترض هذا المسار في الدول الفقيرة، أو ما يعرف باسم "الجنوب العالمي"، وهي البلدان التي تفتقر إلى الموارد المالية الأساسية التي تؤهلها للانضمام إلى ركب التحول للطاقة النظيفة. بما يترتب عليه وضع تتحمل فيه الدول الأقل مسؤولية عن أزمة التغير المناخي العبء الأكبر مقارنة بالدول الغنية المسؤولة بشكل كبير عن تزايد انبعاثات غازات الاحتباس الحراري. كما يعكس هذا الانقسام بين شمال الكرة الأرضية وجنوبها حالة عدم التوافق حول سياسات المناخ، والتحول الطاقي، وتبعات ذلك على مسارات التنمية، ومعضلة من المسؤول عن انبعاثات الاحتباس الحراري ومن الذي عليه أن يدفع الثمن. وخلال مؤتمر التغير المناخي" كوب 27" الذي استضافته مصر في نوفمبر 2022م، اتفق الدبلوماسيون الممثلون عما يقرب من 200 دولة على إنشاء صندوق تمويل لمساعدة الدول الفقيرة والأكثر عرضة للمخاطر من أجل التأقلم مع الكوارث الطبيعية المتفاقمة بسبب انبعاثات غازات الاحتباس الحراري التي تتسبب بها أنشطة الدول الغنية. ومن المرجح أن يستغرق التفاوض على تفاصيل هذا الاتفاق وتحديد آليات تجميع التمويلات وقتًا طويلًا.

من جانبها، استطاعت دول مجلس التعاون الخليجي كغيرها من بقية دول العالم رؤية ما هو حتمًا قادم، أو بالأحرى قراءة المصير الذي يشير إلى أن العالم بصدد التحول بعيدًا عن استخدامات الطاقة الأحفورية، وأن مستقبل الطاقة يجنح صوب المصادر المتجددة، والطاقة النووية، والهيدروجينية التي تزداد حصتها نموًا، في مقابل انخفاض استهلاك الوقود الأحفوري مثل الفحم، والنفط، والغاز. لقد بدأت عملية التحول بالفعل قبل بضعة أعوام واكتسبت زخمًا ملحوظًا خلال الآونة الأخيرة. في ضوء هذا، تلعب العديد من العوامل دورًا في صياغة استراتيجيات دول مجلس التعاون الخليجي حول الانتقال الطاقي: أولاً، معاناة دول المجلس مثل غالبية دول العالم من الآثار المدمرة الناجمة عن الاحتباس الحراري وهو ما دفعها للانضمام إلى الجهود الدولية الرامية لاحتواء التلوث. ثانيًا، اضطلاع دول مجلس التعاون الخليجي بوصفها مركزًا رئيسيًا لإنتاج النفط والغاز، بدور رئيسي في تأمين إمدادات الطاقة لكافة دول العالم لتفادي حدوث اضطرابات اقتصادية أو انعدام الاستقرار السياسي، مدعومة في ذلك أيضًا بعلاقات قوية واستراتيجية مع القوى العالمية العظمى مثل الولايات المتحدة، وأوروبا والصين، وغيرها من كبار الدول المستهلكة للطاقة مثل اليابان، والهند، وكوريا الجنوبية ودول أخرى.

 إن نسبة انبعاثات المنطقة الخليجية من إجمالي الانبعاثات الكربونية العالمية لم تتعد 4.7 %، لكنها جاءت من بين الدول العشرة الأعلى في نسبة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بالنسبة للفرد، بما يؤكد أن أزمة التغير المناخي والتصحر باتت حقيقة ملموسة في مختلف أنحاء الجزيرة العربية. وبرغم تفاوت درجات خطورة الظواهر البيئية، إلا أن أثرها كفيل بتهديد اقتصاديات المنطقة واستقرارها وأمنها. ويعد خير مثال على ذلك أزمة نقص المياه والحرارة الشديدة، حيث أدت معدلات الطلب المتزايدة على المياه نتيجة نمو التعداد السكاني والاستثمار في إنتاج الطاقة المتجددة المعتمد بشكل كبير على استخدام المياه، إلى استثمار دول مجلس التعاون الخليجي المكثف في قدرات تحلية المياه لديها. وهو ما يشكل تحديًا نظرًا لأن معظم التقنيات المستخدمة في تحلية المياه غير آمنة على البيئة وتعتمد على محطات تستهلك الطاقة بشكل مفرط-وعادة ما تعمل بواسطة الوقود الإحفوري، كما أن لديها بصمة كربونية كبيرة.

بالمثل، أصبحت "الظواهر المناخية المتطرفة" أكثر تواترًا وأشد وطأة داخل منطقة الشرق الأوسط. التي تعتبر من أكثر المناطق عرضة لموجات الحرارة الشديدة والمصحوبة في بعض الأحيان بمستويات مرتفعة من الرطوبة إلى حد قد تستحيل معه داخل بعض المناطق الجغرافية قدرة الإنسان على التأقلم والتعايش. وعلى مدار الأعوام القليلة الماضية، اختبرت كل من سلطنة عمان، ودولة قطر، والإمارات موجات طقس شديد الحرارة، وعواصف ترابية، وفيضانات. وهكذا، أصبحت الظواهر المناخية المتطرفة شيئًا مألوفًا وتسبب في تكبد مليارات الدولارات في سبيل معالجة المشكلات الصحية الناتجة عنها، بالإضافة إلى تراجع الإنتاجية، والضرر الواقع على البنية التحتية، وتدمير المحاصيل، واضطراب حركة النقل.

وحرصًا على مخاطبة التحديات المرتبطة بأزمة التغير المناخي دون تقويض الأسس التي تقوم عليها النهضة الاقتصادية والاستقرار السياسي، تعهد قادة الدول الخليجية بالانضمام إلى الجهود العالمية لتقليص انبعاثات الكربون مع اعتماد في الوقت ذاته نهجًا مختلفًا بشأن التحول الطاقي. حيث حث القادة الخليجيون دول العالم على تبني انتقال طاقي تدريجي وإيجاد توازن بين مخاطبة الأزمة المناخية الملحة، وتأمين إمدادات كافية من النفط والغاز لتلبية متطلبات الأنشطة الاقتصادية العالمية. وهو ما أيدته واشنطن في ظل احتياج العالم إلى تأمين المزيد من إمدادات النفط والغاز الخليجية نتيجة المعطيات التي فرضها صراع الغرب وروسيا بسبب غزو الأخيرة لأوكرانيا. في غضون ذلك، تعمل إدارة جون بايدن، والاتحاد الأوروبي، والصين، وغيرها من القوى الآسيوية الكبرى إلى عقد شراكات مع دول الخليج بهدف توسيع قدرات المنطقة على إنتاج المزيد من الطاقة الخضراء.

مقالات لنفس الكاتب