; logged out
الرئيسية / 3 أهداف رئيسية لانضمام السعودية كشريك حوار لمنظمة شنغهاي و3 نتائج محتملة

العدد 185

3 أهداف رئيسية لانضمام السعودية كشريك حوار لمنظمة شنغهاي و3 نتائج محتملة

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

يعكس القرار الذي اتخذته المملكة العربية السعودية، في 29 مارس 2023م، بالموافقة على الانضمام إلى منظمة تعاون شنغهاي، بصفة شريك الحوار، التحول الكبير في السياسة السعودية، الذي يتوافق مع الطموحات التي تتبناها المملكة في تعزيز مكانتها على الساحتين الإقليمية والدولية خلال المرحلة القادمة، في إطار رؤية "2030". كما أن الدعم الواضح الذي أبدته الدول الأعضاء في المنظمة لهذه الخطوة يشير إلى الموقع الذي باتت تحظى به المملكة والذي كان له دور في استقطاب اهتمام القوى الدولية الرئيسية بتأسيس علاقات قوية على المستويات المختلفة معها.

واللافت في هذا السياق، هو أن هناك توافقاً ملحوظاً بين اتجاهات السياسة الخارجية السعودية والمبادئ والأهداف العامة التي تأسست بناءً عليها منظمة تعاون شنغهاي في 15 يونيو 2001م، والتي تتضمن بناء الثقة والالتزام بمبادئ حسن الجوار على المستويين الإقليمي والدولي، وتفعيل التعاون كمبدأ أساسي في إدارة التفاعلات الثنائية والمتعددة من أجل مواجهة التهديدات المشتركة، وتوسيع نطاق التعاون في المجالات المختلفة السياسية والاقتصادية والأمنية والتكنولوجية وغيرها، وتعزيز الجهود المبذولة من أجل تحقيق الاستقرار وبناء السلام وتعزيز التنمية المستدامة. وقد انعكست هذه الاتجاهات والمبادئ في اتفاق استئناف العلاقات الدبلوماسية الذي أبرمته السعودية وإيران برعاية صينية في 10 مارس 2023م، والذي استتبعه لقاءات وزيارات متبادلة لإعادة افتتاح مقار البعثات الدبلوماسية في الدولتين.

وفي الواقع، فإن هذه الخطوة التي تمهد للانضمام كعضو كامل في المنظمة – التي تعد التكتل الإقليمي الأكبر على مستوى العالم من حيث البعدين الجغرافي والبشري، حيث تصل مساحة الدول الأعضاء فيها إلى 30189 كيلو متر مربع أي ثلاثة أخماس المنطقة الأوراسية وربع مساحة العالم، في حين يبلغ عدد سكانها نحو 3.33 مليار نسمة بما يمثل نحو 42% من إجمالي سكان العالم - سوف يكون لها تأثير كبير ليس فقط على العلاقات الثنائية والجماعية بين المملكة ودول المنظمة، بل على السياسات التي تتبناها تلك الدول إزاء الملفات الإقليمية الرئيسية التي تحظى باهتمام مشترك من جانبها، لاعتبارات أمنية واستراتيجية عديدة، خاصة في ظل التحولات الملحوظة في سياسات القوى الدولية الأخرى المعنية بتلك الأزمات، والمنخرطة فيها بمستويات مختلفة، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.

أولاً: الأهداف الرئيسية:

يمكن القول أن ثمة أهداف رئيسية تسعى السعودية ودول المنظمة إلى تحقيقها عبر تلك الخطوة ويتمثل أبرزها في:

  • تكريس سياسة تنويع الشراكات الدولية: تأتي تلك الخطوة الجديدة التي اتخذها مجلس الوزراء السعودي في الجلسة التي عقدها في 29 مارس 2023م، لتعكس السياسة الجديدة التي تتبناها المملكة للتعامل مع التطورات التي طرأت على الساحة الدولية خلال الفترة الماضية. فقد بدا واضحاً أن الولايات المتحدة الأمريكية بدأت في توجيه اهتمامها الأساسي نحو منطقة الإندوباسيفيك، على نحو أدى إلى تقليص مستوى انخراطها في أزمات إقليمية رئيسية في المنطقة.

وقد انعكس ذلك في تعاملها مع التطورات التي شهدتها العديد من تلك الأزمات، وعلى رأسها الأزمة في اليمن، في الوقت الذي تفرض هذه الأزمات تداعيات مباشرة على أمن ومصالح شركائها الرئيسيين في المنطقة.

اتجاه واشنطن إلى تعزيز اهتمامها بما ترى أنه انتقال للثِقل الدولي إلى منطقة الإندوباسيفيك دفعها أيضاً إلى اتخاذ خطوات بدت من خلالها أنها لا تستوعب مصالح وحسابات شركائها، خاصة عندما بدأت في إجراء مفاوضات مع إيران للوصول إلى اتفاق جديد حول البرنامج النووي، حيث لم تعر اهتماماً كبيراً للدعوات التي أطلقها شركائها بضرورة المشاركة في تلك المفاوضات، باعتبار أن التداعيات التي يفرضها هذا البرنامج تنعكس على المنطقة بشكل مباشر، قبل أن تنعكس على مصالح القوى الدولية التي انخرطت في المفاوضات مع إيران.

لكن جاءت الحرب الروسية – الأوكرانية التي اندلعت في 24 فبراير 2022م، لتفرض تداعيات مباشرة في الاتجاه المعاكس. إذ كشفت مدى الأهمية الاستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط في التوازنات الدولية، وهو ما دفع القوى الدولية الرئيسية إلى إعادة صياغة أنماط تفاعلاتها مع الأزمات والتطورات التي تشهدها المنطقة بشكل عام.

وبدا ذلك جلياً في الجولة التي قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن في منطقة الشرق الأوسط خلال الفترة من 13 إلى 16 يوليو 2022م، والتي شملت كلاً من إسرائيل والأراضي الفلسطينية والسعودية. وقد استضافت المملكة خلال تلك الجولة ثلاث قمم شارك فيها الرئيس الأمريكي مع قادة السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي وكل من مصر والعراق والأردن.

ثم تلا ذلك قيام الرئيس الصيني شي شينبينج بزيارة السعودية في الفترة من 7 إلى 9 ديسمبر 2022م، حيث شارك بدوره في ثلاث قمم سعودية وخليجية وعربية. وتوازى ذلك مع الجولات التي قام بها وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف في المنطقة، والتي شملت دولاً عديدة منها مصر، والإمارات، والبحرين، والسعودية، حيث شارك خلال زيارته للأخيرة في اجتماع لوزراء خارجية دول مجلس التعاون في أول يونيو 2022م.

هنا، بدا لافتاً أن زمام المبادرة تحول إلى القوى الرئيسية في المنطقة، ولاسيما السعودية، التي بدت حريصة في تلك المرحلة على توجيه رسائل مباشرة إلى كل القوى المعنية بما يجري على ساحة منطقة الشرق الأوسط. فقد أكدت المملكة أن أنماط تفاعلاتها مع التطورات الطارئة على المستويين الدولي والإقليمي تعكس في الأساس رؤيتها لمصالحها الوطنية وآليات تعزيزها.

وكان العنوان الأبرز في التحركات السعودية في هذا التوقيت هو تنويع الشراكات الدولية. إذ بدا لافتاً أن الرياض حرصت على تأكيد أنها منفتحة على تأسيس علاقات استراتيجية نوعية مع القوى الدولية. كما تبنت موقفاً متوازناً من الحرب الروسية – الأوكرانية مكنها، على سبيل المثال، من ممارسة دور الوسيط، عندما نجحت في إبرام صفقة تبادل أسرى بين روسيا وأوكرانيا في 22 سبتمبر 2022م.

ومن دون شك، فإن توقيع اتفاق لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران برعاية الصين في 10 مارس 2023م، يخدم هذه الاستراتيجية الجديدة التي تتبناها المملكة، وتسعى من خلالها إلى توسيع هامش الخيارات وحرية الحركة المتاحة أمامها للتعامل مع التطورات التي تشهدها الساحتان الإقليمية والدولية.

  • رفع مستوى العلاقات الاقتصادية: سوف يفرض انضمام السعودية إلى المنظمة بصفة شريك الحوار، ثم انخراطها كعضو كامل، تداعيات عديدة على العلاقات الاقتصادية بين المملكة ودول المنظمة، خاصة في ظل المميزات التي تتمتع بها الأخيرة، حيث تمثل سوقاً كبيرة وتضم كتلة بشرية تمثل نحو 42% من سكان العالم، وتبلغ حصتها من الناتج المحلي الإجمالي العالمي نحو 24%. وتشير تقديرات عديدة إلى أن اقتصادات الدول التي انضمت إلى المنظمة تضاعفت 13 مرة منذ الإعلان عن تأسيسها. كما زاد حجم التجارة بين الدول الأعضاء في المنظمة من 762 مليار دولار في مرحلة التأسيس عام 2001م، إلى 6.062 تريليون دولار عام 2020م. كما زادت حصتها من التجارة العالمية من 5.7% في عام 2001م، إلى 17.5% عام 2020م.

ومن دون شك، فإن الانضمام إلى المنظمة سوف يوفر مزيداً من الفرص من أجل رفع مستوى التعاون الاقتصادي مع القوى الرئيسية فيها، لاسيما الصين، التي تكشف التقديرات أن حجم التبادل التجاري بينها وبين الدول الأعضاء في المنظمة وصل إلى 254 مليار دولار في عام 2021م، بعد أن كان يبلغ نحو 12 مليار دولار عام 2001م.

ومن هنا، فإن الخطوة التي اتخذتها السعودية سوف يكون لها دور في توسيع نطاق العلاقات الاقتصادية مع الصين، والتي شهدت طفرة في الأعوام الخمسة الأخيرة بدت جلية في وصول حجم التبادل التجاري بين الدولتين خلال الفترة من 2017 م، وحتى 2021م، إلى 320 مليار دولار. ويتوقع أن يرتفع هذا المستوى خلال المرحلة القادمة، خاصة بعد الاتفاقيات التي تم توقيعها بين الدولتين خلال زيارة الرئيس الصيني شي شينبينج إلى السعودية في الفترة من 7 إلى 9 ديسمبر 2022م، والتي بلغت قيمتها حسب وزير الاستثمار السعودي خالد الفالح حوالي 50 مليار دولار.

وبالطبع، فإن الصين تبدو بدورها معنية بتطوير علاقاتها الاقتصادية مع السعودية، لاسيما في ظل الموقع الاستراتيجي للمملكة الذي يتوافق مع المشروع الاستراتيجي الصيني "الحزام والطريق"، حيث تمتلك السعودية القدرة على تلبية 12% من الطلب العالمي على النفط، كما تقع بالقرب من خطوط المواصلات العالمية في الخليج العربي ومضيق هرمز وباب المندب والبحر الأحمر. فضلاً عن أنها تمتلك استثمارات في الصين تصل إلى نحو 100 مليار دولار.

إلى جانب ذلك، سوف توفر الخطوة السعودية فرصة أيضاً لرفع مستوى العلاقات الاقتصادية مع الدول الأخرى الأعضاء في المنظمة، لاسيما روسيا، خاصة أن الدولتين تعتزمان بالفعل زيادة حجم التبادل التجاري من 1.7 مليار دولار في عام 2021 إلى 5 مليار دولار في عام 2024م، وقد بدا هذا التوجه جلياً في استضافة الرياض، في 2 أكتوبر 2022، اللقاء المشترك لقطاعي الأعمال السعودي والروسي الذي عقد في الغرفة التجارية بالرياض، وشاركت فيه 34 شركة روسية ونحو 200 رجل وسيدة أعمال.

  • توسيع نطاق التعاون الأمني: يشكل انضمام المملكة إلى منظمة شنغهاي بصفة شريك للحوار خطوة جديدة لتعزيز الدور الذي تقوم به الأخيرة في عملية إعادة صياغة الترتيبات الأمنية والاستراتيجية في المنطقة الأوروآسيوية، في ظل المكانة التي تحظى بها المنظمة، التي تأسست في عام 2001م، من أجل توسيع نطاق التنسيق بين الدول الأعضاء حول قضايا الأمن الإقليمي ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة.

ورغم أن هذا الدور لم يبرز بشكل واضح في الفترة الماضية، فإنه قد يتصاعد تدريجياً في المرحلة القادمة، بفعل التطورات التي طرأت على الساحتين الدولية والإقليمية. إذ تدفع الخلافات المتصاعدة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكل من الصين وروسيا الأخيرتين نحو تفعيل الهدف الأساسي للمنظمة القائمة على تكريس حالة من التوازن على المستوى الدولي التي يمكن أن تساعد في مواجهة التهديدات المشتركة، باعتبار أن الخلل في هذا التوازن كفيل بتفاقم حدة تلك التهديدات خلال المرحلة القادمة.

وربما يمكن القول في هذا الصدد إن الانسحاب الأمريكي من أفغانستان في أغسطس 2021م، يوفر فرصة أخرى يمكن أن تساعد في تفعيل أهداف المنظمة خلال المرحلة القادمة، خاصة في ظل الاهتمام المشترك الذي تبديه القوى الرئيسية الأعضاء في المنظمة بما يجري على الساحة الأفغانية منذ عودة حركة "طالبان" إلى السيطرة على الحكم بعد 20 عاماً من سقوط النسخة الأولى من حكمها عقب شن الولايات المتحدة الأمريكية ما يسمى بالحرب ضد الإرهاب التي انتهت بسقوط نظامي "طالبان" في أفغانستان في عام 2001م، والرئيس العراقي الأسبق صدام حسين في عام 2003م.

وهنا، فإن المنظمة يمكن أن يكون لها دور في تعزيز الجهود التي تبذل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في أفغانستان، باعتبار أن ذلك يتوافق مع مصالح الدول المعنية بما يجري على الساحة الأفغانية، ومنها السعودية، التي كانت من أوائل الدول التي دعت حركة "طالبان" إلى العمل على اتخاذ الإجراءات الكفيلة بتكريس الأمن والاستقرار في أفغانستان، عقب وصولها إلى السلطة مجدداً في أغسطس 2021م.

هذا التوجه الذي تتبناه السعودية إزاء ما يحدث في أفغانستان انعكس في رعايتها مؤتمر "إعلان السلام في أفغانستان"، في 10 يونيو 2021م، الذي جمع كبار المسؤولين والعلماء من أفغانستان وباكستان، واستضافته رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة، وتمثل الهدف الأساسي من عقده في تعميق المصالحة بين الأطراف الأفغانية، وإرساء دعائم السلام في البلاد.

وعلى ضوء ذلك، فإن انضمام السعودية إلى المنظمة بصفة شريك الحوار، يمكن أن يساعد في توسيع نطاق التشاور مع الدول الأعضاء المعنية بالملف الأفغاني، حول التطورات السياسية والميدانية التي تجري على الساحة الأفغانية خلال المرحلة القادمة، خاصة ان تلك التطورات تفرض ارتدادات مباشرة سواء على أمن واستقرار دول الجوار، أو على مستوى الأمن الإقليمي بشكل عام.

فضلاً عن ذلك، فإن هذه الخطوة من شأنها أيضاً رفع مستوى التعاون على المستوى الأمني بين السعودية والدول الأعضاء في المنظمة، وهو أحد الأهداف الرئيسية من تأسيسها، خاصة في ظل الأهمية الخاصة التي توليها السعودية للحرب ضد التنظيمات الإرهابية.

ويكتسب هذا الملف تحديداً أهمية خاصة من جانب السعودية. فرغم أن التنظيمات الإرهابية الرئيسية، على غرار تنظيمي "القاعدة" و"داعش"، تعرضت لهزائم عسكرية نوعية خلال الأعوام الأخيرة، فإن ذلك لا ينفي أنها ما زالت لديها القدرة على تنفيذ عمليات إرهابية في أنحاء مختلفة من العالم وتكوين خلايا نائمة في المناطق التي سبق أن سيطرت عليها وخرجت منها بفعل تلك الهزائم العسكرية التي تعرضت لها، خاصة في العراق وسوريا.

وقد أكد البيان الختامي لقمة المنظمة التي عقدت في أوزبكستان، في 16 سبتمبر 2022م، على أهمية تعزيز التعاون في مجال الدفاع والأمن، مشيراً إلى ضرورة إجراء تدريبات عسكرية مشتركة لمكافحة الإرهاب بهدف زيادة مستوى التفاعل في مكافحة التشكيلات المسلحة الإرهابية الدولية وتحسين أساليب مكافحة الإرهاب.

ثانياً: النتائج المحتملة:

يمكن أن تسفر هذه الخطوة التي اتخذتها السعودية بالانضمام إلى منظمة تعاون شنغهاي بصفة شريك للحوار، وما ستتبعها من خطوات، عن تحقيق نتائج رئيسية هي:

  • دعم مكانة السعودية على الساحة الدولية: من شأن هذه الخطوة أن تدعم من مكانة السعودية على المستوى الدولي، وهو ما بات يحظى باهتمام خاص من جانب القوى الدولية. فقد أثبتت السعودية أنها فاعل مهم في عملية ضبط واستقرار سوق الطاقة العالمي، الذي تعرض لهزات قوية عقب اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية في 24 فبراير 2022م، كما حافظت على التوازن كمبدأ استراتيجي في تعاملها مع الحرب وما فرضته من معطيات جديدة على الساحة الدولية، رغم المناخ الاستقطابي الذي أنتجته بسبب تصاعد حدة الصراع بين روسيا من جهة والدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، وهو المناخ الذي اتسع نطاقه بعد ذلك في ظل تصاعد حدة التوتر أيضاً بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية حول ملف تايوان.
  • تحول المنظمة إلى تكتل عابر للأقاليم: سوف تساعد الخطوات التي اتخذتها المنظمة في اجتماعاتها الأخيرة، خاصة القمة الحادية والعشرين التي عقدت في العاصمة الطاجيكية دوشنبه، في 17 سبتمبر 2021م، والخاصة بمنح صفة شريك لعدد من الدول مثل السعودية وقطر ومصر، في زيادة مستوى التأثير والدور الذي تمارسه المنظمة على المستوى الدولي.

فقد تجاوزت المنظمة بهذه الخطوات التي يتوقع أن تتواصل خلال المرحلة القادمة الحيز الأوراسي وامتدت إلى أقاليم أخرى مؤثرة على مستوى العالم، ولاسيما إقليم الشرق الأوسط الذي يحظى بأهمية استراتيجية لا تبدو هينة، لاعتبارات مختلفة، بشكل جعله دائماً محط اهتمام خاص من جانب القوى الدولية، خاصة الولايات المتحدة الأمريكية والصين وروسيا والاتحاد الأوروبي.

ويتوافق ذلك، من دون شك، مع الرؤى التي تتبناها القوى الرئيسية في المنظمة تجاه الدور الذي يمكن أن تقوم به على المستوى الدولي، على نحو يبدو جلياً في مشاركتها في اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بصفة مراقب منذ عام 2004م، إلى جانب توقيعها اتفاقيات تعاون مع منظمات دولية بارزة مثل الأمم المتحدة، ومنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (اليونسكو)، والمنظمة الدولية للهجرة.

ومن دون شك، فإن توسع نطاق التأثير على المستوى الدولي يمكن أن يساعد في تحقيق أحد أهم أهداف تأسيس المنظمة، وهو تكريس التوازن الاستراتيجي على مستوى العالم في إطار نظام متعدد الأقطاب بما يساعد في تعزيز الجهود التي تبذل من أجل تحقيق الاستقرار ومواجهة التهديدات المشتركة على المستويات المختلفة.

  • انخراط المنظمة في جهود منع الانتشار النووي: ربما يكون للمنظمة دور مستقبلي في الجهود التي تبذل من أجل منع الانتشار النووي، أو بمعنى أدق تقليص الاتجاه نحو "عسكرة" البرامج النووية في بعض الحالات القائمة على المستوى الدولي. وهنا، تجدر الإشارة إلى أن المنظمة تضم دولتين تمتلكان حق الفيتو في مجلس الأمن، وهما الصين وروسيا، فضلاً عن أربعة دول تمتلك قنابل نووية، وهي الصين وروسيا والهند وباكستان. وتتزايد أهمية هذا الملف تحديداً في هذا التوقيت تحديداً في ضوء اعتبارات عديدة يتمثل أبرزها في تزايد التهديد باللجوء إلى الخيار العسكري النووي في إدارة التفاعلات على المستوى العالمي.

وقد بدا ذلك جلياً في مرحلة ما بعد اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية التي كان لها دور في تغيير بعض المفاهيم الاستراتيجية السائدة، ومنها حصر أهمية السلاح النووي في خدمة سياسات الردع فحسب، لاسيما بعد أن بدأت روسيا في التهديد باستخدامه فعلاً رداً على الدعم العسكري النوعي الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا. ففي 26 مارس 2023م، أعلن الرئيس الروسي فيلاديمير بوتين أن روسيا سوف تنشر أسلحة نووية تكتيكية في بيلاروسيا. وقبل ذلك بنحو شهر، وتحديداً في 22 فبراير 2023م، قال نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي ديمتري ميدفيديف أن "روسيا سوف تدافع عن نفسها بكل وسيلة بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية".

فضلاً عن ذلك، فإن هناك أزمات نووية مرشحة لمزيد من التفاقم خلال المرحلة القادمة، سواء في حالة دول تمتلك سلاحاً نووياً بالفعل على غرار كوريا الشمالية، التي بدأ مستوى التوتر يتصاعد تدريجياً في علاقاتها مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الإقليميين، خاصة اليابان وكوريا الجنوبية، أو في حالة دول تواصل تطوير أنشطتها النووية للدرجة التي ساهمت في اقترابها من مرحلة امتلاك القدرة على إنتاج القنبلة النووية بالفعل، وتحديداً إيران، العضو في المنظمة.

مصالح مشتركة

على ضوء ذلك، يمكن القول في النهاية أن موافقة السعودية على الانضمام إلى منظمة تعاون شنغهاي بصفة شريك للحوار تعكس حجم المصالح المشتركة بين السعودية والدول الأعضاء في المنظمة، على غرار الصين وروسيا، كما تشير إلى حدود التحولات البارزة التي طرأت على الساحة الدولية، خاصة منذ اندلاع الحرب الروسية – الأوكرانية، وتزايد اهتمام الولايات المتحدة الأمريكية بمنطقة الإندوباسيفيك، وهى التحولات التي يتوقع أن تتواصل خلال المرحلة القادمة، بشكل سوف يكون له تأثير بارز على أنماط التفاعلات التي تجري على ساحة منطقة الشرق الأوسط خلال المرحلة القادمة.

مقالات لنفس الكاتب