; logged out
الرئيسية / ضرورة تأسيس مظلة أمن غذائي عربي جامعة ومرنة لامتصاص الصدمات الخارجية

العدد 185

ضرورة تأسيس مظلة أمن غذائي عربي جامعة ومرنة لامتصاص الصدمات الخارجية

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

واقع العمل العربي المشترك: لا شك أن الاقتصاد العربي في ظل الواقع الحالي للعمل العربي المشترك شأنه شأن الاقتصاد العالمي إذ أن كلاهما يواجه تحديات مشتركة لعل أبرزها التضخم، النزاعات السياسية والتجارية، انكماش السوق العقاري العالمي، وغيرها العديد من التحديات، وأضحت مقومات التعافي في عصرنا الحالي تكاد تكون واحدة ويأتي على رأس القائمة منها الثورة الصناعية الرابعة واستراتيجيات التنمية المستدامة.

ويمكن القول في هذا الصدد إن الثورة الصناعية الرابعة ومعها التحول الرقمي في الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية وما انطوت عليه من خصائص ومزايا مثل التكنولوجيا الحيوية وإنترنت الأشياء والبيانات الضخمة والأمن السيبراني والذكاء الاصطناعي استطاعت أن يكون لها دور جوهري في أداء معظم الاقتصادات وبشكل لافت، الأمر الذي يحتم على الاقتصاد العربي ضرورة السير في ركب هذه التطورات والسعي نحو مواكبتها والتكيف معها على أن يتم ذلك جنبًا إلى جنب مع تطوير مهارات الطلّاب والباحثين من أجل مواجهة الاحتياجات المتغيرة لسوق العمل.

وفي ضوء ما سبق فإنه من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن المملكة العربية السعودية حصدت المركز الثاني على مستوى العالم في الوعي المجتمعي بالذكاء الاصطناعي، بعد أن كشف استطلاع للرأي ارتفاع معدل ثقة المواطنين السعوديين بالتعامل مع منتجات وخدمات الذكاء الاصطناعي في المملكة وفقًا لتقرير مؤشر الذكاء الاصطناعي بنسخته السادسة (Artificial Intelligence Index Report 2023) الصادر عن جامعة ستانفورد الأميركية خلال شهر أبريل الماضي، الأمر الذي يؤكد على نجاح الجهود الدؤوبة التي قادها ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان في إطار رؤية 2030 في مجال التحول الرقمي والهادفة لتعزيز الحوكمة الرقمية وتسهيل الأعمال ورفع مستوى جودة الحياة.

وغني عن البيان أن الاقتصاد العربي لا يسير خارج سرب المتغيرات الإقليمية والعالمية التي أثرت فيه بشكل كبير لا سيما التبعات السلبية التي خلفتها الأزمة الروسية الأوكرانية، ومن قبلها جائحة كورونا، وتقلب أسعار النفط، والعديد من التحديات الاقتصادية الهيكلية، غير أن هناك عدد كبير من الفرص المتاحة أمام الاقتصاد العربي التي تجعله مؤهلاً بل وقادراً على تحويل هذه الأزمات إلى فرص ذات فائدة له على أن يتم ذلك في إطار منظومة العمل العربي المشترك وعبر البوابة الرسمية له من خلال الأمانة العامة لجامعة الدول العربية، ولعل أبرز تلك الفرص يكمن في البناء على ما تم من نجاحات في موضوعات دعم التجارة العربية البينية، والتعاون عبر الحدود، والتحرير التجاري، وتبنّي أنظمة اقتصادية أكثر استدامة، واتباع سياسات ضريبية مستحدثة داعمة للاقتصادات العربية، وتبنّي الأعمال الاجتماعية كمحور أساسي في التنمية، ودور الحوكمة وحكم القانون في دعم الاقتصادات العربية، والاستقرار السياسي كداعم للتنمية الاقتصادية.

وتأسيساً على ما سبق یمكن استنباط حقيقة مفادها أنه في ضوء التحديات والصعوبات التي فرضتها طبيعة الأزمات الحالية فإنه أضحى من الأهمية بمكان قيام الدول العربية مجتمعة في إطار الجامعة العربية بإعداد "استراتيجية اقتصادية عربية جديدة" متماشية مع لغة الوقت الحالي ومستغلة لإمكانات الثورة الصناعية الرابعة وفي الرأس منها التكنولوجيا والرقمنة في سعيها لتفعيل وتعزيز دور العمل الاقتصادي العربي المشترك.

تفادي الاقتصادات العربية تداعيات الأزمات الاقتصادية العالمية

لا شك أن عوامل التقدم التكنولوجي، والقوى العاملة، والاستثمارات، تعتبر أحد المصادر الرئيسية لتحقيق النمو الاقتصادي، ولكن يتعين إدراك أن المتغيرات الاقتصادية أيضاً تؤثر على حجم النمو الاقتصادي، إذ لا يمكن لأي بلد أن ينمو إلا بما يتناسب مع مستوى مدخلاته، وهنا تجدر الإشارة إلى أن التأكد من الرفاهية الاقتصادية والأداء الاقتصادي يتم من خلال مقاييس النمو الاقتصادي، والتي تتضمن التغيرات التكنولوجية، وتراكم رأس المال الذي يتحقق من خلال عوامل عدة على رأسها معدلات النمو السكاني، والادخار، والحصول على الائتمان، والتجارة، والصادرات، مما يساهم في النمو الاقتصادي.

وفي إطار تطبيق ما سبق على الدول العربية فإنه يمكننا استنتاج النقطتين التاليتين:

أولاً: أهمية الصادرات كمحرك للنمو الاقتصادي في الدول العربية، مع مراعاة ضمان أن تكون الصادرات في الدول العربية محفزة للنشاط الاقتصادي كي ينعكس ذلك بالإيجاب على معدلات النمو الاقتصادي لديها.

ثانياً: أن زيادة حصة المدخرات لدى الدول العربية من شأنه زيادة معدلات النمو الاقتصادي لديها إذ ينتج عن ارتفاع معدل الادخار في هذه البلدان المزيد من الاستثمار وتراكم رأس المال بمرور الوقت، مما يؤدي إلى إنتاج المزيد من السلع والخدمات والنمو الاقتصادي، لذلك يتعين على الدول العربية تشجيع الادخار عن طريق خفض الضرائب، وخلق فرص العمل، ودعم ريادة الأعمال بما من شأنه تقليل معدلات الفقر وتحسين المدخرات الاقتصادية.

ثالثاً: تعتبر مشاركة القوى العاملة واحداً من المعطيات الهامة لتحقيق النمو الاقتصادي في الدول العربية إذ يتعين عليها الشروع في سياسات من شأنها تحسين مشاركة القوى العاملة من الجنسين ودمجها على وجه السرعة ضمن قوة العمل من خلال أنشطة التعليم والتدريب لكي تحفز معدلات النمو الاقتصادي لديها.

رابعاً: ضمان مشاركة القطاع الخاص في مسار النمو الاقتصادي في الدول العربية بأن تسعى جاهدة لتحقيق ذلك بسبل عدة من خلال تعزيز التعاون والشراكة بين القطاعين العام والخاص.

سياسات التكامل الاقتصادي العربي لمواجهة الأزمات  

لا يخفى على أحد أن واحداً من أبرز التداعيات السلبية التي خلفتها جائحة كورونا والأزمة الروسية ـ الأوكرانية كان تعطيل سلاسل الإمداد العالمية، مما أدى إلى حدوث أزمة أمن غذائي في العديد من البلدان لا سيما في العالم العربي الذي كان يعاني في معظمه من هشاشة الوضع الغذائي العربي ومدى تأثره بالصدمات الخارجية.

وبالتالي فإنه أصبح لزاماً على الدول العربية مجتمعة وفي إطار من العمل الاقتصادي العربي المشترك أن تسعى جاهدة نحو تأسيس مظلة أمن غذائي عربي جامعة لها، تكون مرنة وقادرة على امتصاص الصدمات الخارجية، وتستطيع التغلب على التداعيات السلبية الناجمة عن الأزمات الاقتصادية العالمية، على أن يتم ذلك من خلال توحيد وتضافر الجهود العربية وتحديث الخطط والسياسات الزراعية لتسهيل حركة التجارة والإنتاج بين الدول العربية.

تلعب ندرة المياه دوراً متعدد الأوجه في العالم العربي إلى الدرجة التي يمكن القول إنها باتت سمة دائمة لهذا الجزء الجاف من العالم الذي يواجه صعوبة فورية في الإمداد إلى درجة أنه يمكن أن يكون مصدراً للعديد من الأمراض المعدية في بعض الدول العربية، وأضحت ندرة المياه تشكل قيداً كبيراً على مسارات التنمية والتغير الديموغرافي والسياسات السكانية.

وتملك المنطقة العربية مجتمعة ثروة كبيرة من المناطق المناخية والأنظمة البيئية والتراث الثقافي والمعماري والديني والشعوب والتقاليد الحضرية والريفية والتاريخ المؤسسي والسياسي، ويعتبر هذا الإرث للعالم العربي أحد أهم العوامل الذي يمكنها من مجابهة هذه التحديات السالفة الذكر من نقص الغذاء والمياه والطاقة والتقلبات المناخية وغيرها الكثير غير أن هذا ينبغي أن يتم في إطار من العمل المشترك بين الدول العربية جميعها.

وتأسيساً على ما سبق يمكن القول إن الدول العربية مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالسعي نحو اتباع أنجع الطرق لضمان إمدادات كافية من المياه والغذاء على المدى القصير والطويل، على الرغم من انخفاض الاحتياطيات، وتهديدات تغير المناخ، وانحسار الأراضي الصالحة للزراعة، وتزايد احتياجات السكان، وتزايد التلوث، على أن يتم ذلك بطرق عدة منها على سبيل المثال فيما يخص المياه في العالم العربي، اتخاذ تدابير إدارة بيئية رئيسية مثل التعاون الإقليمي الذي يحمي مستجمعات المياه، وتحسين الكفاءات في التوزيع، وإدخال استراتيجيات التسعير للاستخدامات المختلفة، وتنفيذ حوافز الحفظ.

وليس هذا فحسب بل إن الدول العربية بمقدورها أيضاً أن تحدو خطوات جادة نحو تحقيق تكامل صنع السياسات بين قطاعي الغذاء والمياه، حول مفهوم المياه الافتراضية، الذي يعترف بقيمة المياه المتأصلة في المحاصيل واللحوم، سواء المستوردة أو المصدرة أو المنتجة محليًا للاستهلاك المحلي، إذ أن اتباع هذا النهج من شأنه الدفع قدماً للقطاع الزراعي العربي نحو التخصص في المحاصيل ذات الكفاءة المائية مع التركيز على الزراعة في الأجزاء الأقل إجهادًا للمياه في العالم العربي وبهذه الطريقة يتحقق مفهوم الأمن الغذائي من خلال مصادر غذائية متنوعة بدلاً من الاكتفاء الذاتي الوطني، مع استيراد بعض المحاصيل الأساسية من خلال الأسواق العالمية أو الإقليمية.

أما فيما يتعلق بتغير المناخ وتأثيره على العالم العربي فهو يؤدي في الغالب إلى تفاقم نقاط الضعف الحالية والملحة بالفعل والمتصلة ارتباطًا وثيقًا بالفقر والحرمان، وبالإضافة إلى ذلك فإن التكيف مع آثار تغير المناخ كالتصحر، وارتفاع مستوى سطح البحر، وإدارة المياه ربما لن ينجح بدون التعاون الإقليمي بين الدول العربية، وهو ما يستلزم منها البناء على ما سبق في تطوير أوجه التعاون الممكنة بينهم لمجابهة هذه القضية الملحة التي يتعين مواجهتها في إطار العربي الإقليمي أخذاً في الاعتبار مخاطر هذه القضية المحورية إذ أن تغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية يؤدي إلى تقويض الأساس البيئي والاجتماعي والاقتصادي للحياة في المنطقة، كما أن التغيرات في الدورة الهيدرولوجية حتماً ستؤدي إلى انخفاض إمدادات المياه العذبة والإنتاج الزراعي، أضف إلى ذلك أن الارتفاع المتوقع في مستوى سطح البحر سينجم عنه غمر وتآكل مساحات شاسعة من المستوطنات الساحلية، وأخيراً فإن فترات الجفاف الممتدة تتسبب بالفعل في خسائر في الأراضي الزراعية والرعوية وسبل العيش الريفية.

وبالتالي فإن التعاون العربي ستستفيد منه جميع الدول العربية كونه في أقل درجاته يؤدي إلى إحداث نوع من المرونة التي تتطلبها خيارات السياسة الوطنية، إذ أن موضوعات الغذاء والمياه والعمالة والطاقة تتطلب ضرورة التكامل البيئي العربي كونها تمثل أكثر الموضوعات إلحاحاً التي توفر فرصاً واعدة للنجاح، أخذا في الاعتبار أن الحروب والصراعات من شأنها التأثير السلبي على قدرة النظم البيئية  على دعم السكان الحاليين والمستقبليين، وبالتالي فعلينا إدراك أن العالم العربي في حالة شبه دائمة من الصراع، والكوارث البيئية يرجع أثرها بشكل أكبر على فئة السكان الأكثر ضعفًا، وبالتالي فإن هذه المسألة أضحت تتطلب الاعتراف بأننا بصدد مواجهة مهمة تفوق القدرات الفردية للدول ألا وهي  البقاء على قيد الحياة والاستثمار في التأهب للكوارث وهو ما يحتم على الدول العربية ضرورة التعاون إزاء مختلف هذه القضايا الملحة.

بقيت الإشارة إلى أن التعاون العربي لمجابهة هذه القضايا الملحة لا یمكن اعتباره حلاً شاملاً وذلك لأن بعض الموارد البيئية مثل المياه والغذاء مقيدة بشبكات خارج العالم العربي، والتعاون الوثيق بين الدول العربية لا يمنع أشكال التبادل الإقليمية والعالمية الأخرى، يضاف إلى ذلك مجموعة من العراقيل الأخرى والتي من شأنها الحد من التعاون العربي على النطاق المأمول لعل أبرزها، عدم الاستقرار السياسي، وانعدام الثقة، والتباين في التواريخ الوطنية، والمصالح والمسارات، والمؤسسات الضعيفة، واحتمالات الصراع العنيف، والتحالفات الجيوسياسية القائمة، والمصالح العالمية القوية، وغيرها من العقبات التي يمكن التغلب عليها بالنظر إلى التجارب الرائدة في مجال التعاون والتي من بينها حالة مجلس التعاون الخليجي الذي يمكن اعتباره أحد الأشكال الناجحة للتبادل الإقليمي المؤسسي في العالم العربي.

وفي إطار مما سبق يتضح أنه يمكن الدفع قدماً بالمشروعات الاقتصادية العربية المشتركة لتحقيق التكامل لا التنافس بين الدول العربية التي قطعت شوطاً كبيرًا في تجربة التكامل الاقتصادي الخاصة بها، ويمكن تقديم جملة الأمور التالية التي من شأنها إحراز تقدم أكبر في هذه التجربة العربية من التكامل الاقتصادي العربي، وهي:

  • النظر إلى السوق العربية المشتركة بوصفها خطوة هامة في مسار التكامل الاقتصادي العربي باعتبارها تشكل تكتلاً عربياً في مواجهة المتغيرات العالمية الجديدة التي تواجهها الدول العربية.
  • تكثيف الاهتمام العربي الرسمي بمشروع ربط الدول العربية بشبكات السكك الحديدية وتحرك وزراء النقل العرب نحو الدفع ببناء شبكات ذات منافع اقتصادية واجتماعية عديدة لدول الوطن العربي.
  • أهمية دور النقل والاتصال في النمو الاقتصادي للمنطقة، حيث أن المنطقة العربية هي واحدة من المناطق القليلة للغاية التي ليس لديها مثل هذا الارتباط بين بلدانها.
  • الاستخدام الأمثل للموارد المملوكة للعالم العربي، وتوزيع الاستثمارات في المشاريع الصناعية بين الدول العربية حسب الميزة التنافسية لكل دولة.
  • التوسع والمرونة في قوانين الاستثمار لتسهيل حركة رأس المال والتوظيف داخل الوطن العربي مما يعني زيادة الإنتاج وزيادة الدخل ورفع المستوى المعيشي لأفراد المجتمع في الوطن العربي.
  • زيادة حجم التجارة البينية بين الدول العربية وتوسع السوق العربية في مواجهة المنتجات المستوردة.

ولتحقيق جملة الأمور السابقة لا يمكن أن يتم بين ليلة وضحاها وإنما يحتاج إلى تضافر كافة الجهود المبذولة من الدول العربية في الإطار الإقليمي الجامع لهم تحت مظلة جامعة الدول العربية، وفي هذا الصدد يمكننا عرض مجموعة من الخطوات التي يمكن القيام بها في هذا الإطار والهادفة لتذليل العقبات التي تواجه التكامل الاقتصادي العربي على النحو التالي:

  • التنسيق بين السياسات الاقتصادية التي تطبقها كل دولة عربية على حدة والسياسات الاقتصادية الهادفة إلى تحقيق أهداف التكتلات الاقتصادية العربية، والتنسيق بين أي تكتل اقتصادي عربي صغير والكتلة الاقتصادية الشاملة حتى لا يكون هناك تعارضًا بينهما.
  • العمل على زيادة حجم التجارة العربية البينية العربية وإعطاء الأفضلية للأسواق العربية في تسويق المنتجات العربية.
  • الاهتمام بتزويد المؤسسات العربية بضمان تنفيذ برامج التعاون الاقتصادي العربي للوصول إلى التكتل الاقتصادي الفعال، جنباً إلى جنب مع العمل على تقليص التنافسية بين الاقتصاديات العربية.

وعليه فإنه يمكن القول إن نجاح العالم العربي في التعامل مع المتغيرات التي تفرضها البيئة الاقتصادية العالمية يظل مرهوناً بقدرته على بناء نظام اقتصادي عربي يتحمل مسؤولياته والتي يأتي على رأسها رعاية المصالح العربية، وتحمل عبء المخاطر الناجمة من الاتفاقيات الدولية ومنظمة التجارة العالمية واتفاقيات الشراكة غير أنه يتعين الأخذ في الاعتبار أن وجود فجوة علمية وتكنولوجية عميقة بين الدول العربية ودول العالم المتقدم مما يجعلها تواجه تحدياً صعباً يتطلب تطوير البحث العلمي والتحديث التكنولوجي وإنشاء شبكة من المراكز العلمية المتميزة، ومواكبة الثورة العلمية والتكنولوجية كمفتاح للتقدم والازدهار.

وختاماً يمكن القول إن العام العربي بحاجة لاستراتيجية فاعلة للعمل الاقتصادي العربي المشترك ترتكز على مبادئ أساسية ومحاور رئيسية يمكن تطبيقها كحزمة كاملة تنطوي على تحييد العمل الاقتصادي العربي المشترك عن العمل السياسي والخلافات العاجلة التي قد تنشأ بين الدول العربية، والتوزيع العادل للمزايا والأعباء على جميع الأطراف، وربط مراحل التكامل بمراحل التنمية الشاملة، وبناء موقف موحد تجاه العالم الخارجي، على أن يراعى عند تحقيق ذلك إيلاء قدر كبير من الاهتمام والأولوية لتنمية القوى العاملة العربية، وتعزيز البنية التحتية، والتنمية الزراعية والأمن الغذائي، والتصنيع، ويمكن تحقيق ذلك في الإطار العربي ومن خلال الجامعة العربية من خلال السعي نحو القيام بالخطوات التالية:

  • زيادة وتكثيف الاتصال والتنسيق بين الأنشطة ووكالات التخطيط في الدول العربية.
  • اختيار الأنشطة الاستثمارية التي قد تتجاوز مزاياها وعوائدها حدود التنمية الوطنية لتمتد لدعم التنمية الإقليمية مثل موارد المياه، ومصادر الطاقة الطبيعية، والبنية التحتية وغيرها الكثير، لأنه قد يكون من الأفضل في مثل هذه الحالات أن يتم الاستثمار بجهد عربي بدلاً من الجهود الوطنية التي تتميز في كثير من الأحيان بعدم القدرة على التقسيم أو بكونها خاضعة لاقتصاديات الدولة.
  • الاهتمام الجماعي ببعض قضايا ومشكلات التنمية التي ترتبط مباشرة بقدرات التنمية في الدولة وقدرات التنمية الوطنية والتي قد يكون من الصعب على أي دولة مواجهتها بمفردها، سواء كان ذلك بسبب ارتفاع النفقات المالية، أو تجاوز قدراتها البشرية المتاحة والممكنة.

بقيت الإشارة إلى أن العمل الاقتصادي العربي المشترك بحاجة إلى مزيد من الترابط والتنسيق في هياكله الإنتاجية، مع ضمان الاستخدام الأمثل للقدرات الذاتية والعلمية والتكنولوجية وهو ما يتطلب العمل على تعزيز أواصر العمل العربي المشترك بأن تعمل الدول العربية جنبًا إلى جنب عن كثب وعدم الاكتفاء فقط بما تم تحقيقه من بناء وإنشاء مشاريع مشتركة التمويل، أو انتقال للعمالة ورؤوس الأموال.

والخلاصة أن التكامل الاقتصادي العربي خطوات تراكمية تكاملية تعتمد على بعضها البعض وبالتالي فإنه من المنطقي أن تبدأ جزئياً حتى تصل إلى الشمولية على اعتبار أن الصورة الشاملة للتكامل ستكون بالتأكيد فوق القدرات الفنية والإدارية والتنظيمية للدول العربية، مع الأخذ في الاعتبار المواجهة المباشرة مع تحديات الواقع العربي المعاصر.

مقالات لنفس الكاتب