; logged out
الرئيسية / تفعيل العمل العربي المشترك يتطلب إرادة واستراتيجية محددة قابلة للتطبيق

العدد 185

تفعيل العمل العربي المشترك يتطلب إرادة واستراتيجية محددة قابلة للتطبيق

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

في ظل ما يشهده العالم من تغيرات على الساحتين الإقليمية والدولية، أصبح هناك حاجة ملحة لتبني استراتيجية عربية موحدة تستطيع أن تجد لها مكاناً في ظل حالة الاستقطاب الحادة التي أفرزتها الحرب الروسية – الأوكرانية. تلك الحرب التي أصبح يشار إليها باعتبارها نقطة فاصلة ستغير تداعياتها الوضع الدولي والنظام العالمي وموازين القوى العالمية السائدة. وإن كنا ندرك صعوبة تحقيق وحدة عربية شاملة فإنه من الممكن الحديث عن عمل عربي مشترك قائم على تلاقي الإرادات المختلفة لدعم القضايا العربية وتوحيد الرؤى بشأن التحركات المطلوبة لتعظيم الاستفادة. فما هو مضمون العمل العربي المشترك وأهميته في الوقت الحالي؟ وماهي التحديات التي تقف أمام تحقيق العمل العربي المشترك الهادف لتحقيق المصلحة العربية بمعناها الأوسع ومحفزات تحقيقه؟ وهل تستطيع دولة لبنان بصفة خاصة أن يكون لها دور داخل آلية العمل المشترك أم تظل ما تشهده من تحديات يقف عائقاً أمام لعب هذا الدور؟

العمل العربي المشترك (المضمون والأهمية):

في البداية ننطلق من تحديد المقصود بالعمل المشترك، فهو ذلك العمل الذي يتجاوز الدولة الواحدة إلى مساهمة مجموعة من الدول على اختلافاتها من أجل تحقيق أهداف معينة، سواء كانت أهداف سياسية، أو اقتصادية، أو اجتماعية انطلاقًا من واقع قائم، وقد تكون تلك الأهداف حالية بمعنى أنها تقتضي عمل مشترك محدد في الزمان والمكان، أو مرحلية يستدعي تحقيقها وضع آلية لعمل مشترك مستمر يتطور وفقاً للمستجدات، وينتقل من مرحلة إلى أخرى وفقاً لما تقتضيه الحاجة. وبهذا المعنى نجد الفارق الواضح بين الوحدة بمفهومها الشامل والعمل المشترك؛ حيث تقتضي الوحدة ذوبان الإرادة السياسية للدول في إرادة واحدة وشخصية واحدة، ولكن العمل المشترك لا يتطلب هذا الذوبان، وإنما يقتضي فقط أن تتلاقى الإرادات المختلفة لتحقيق أهداف محددة تصب في مصلحة الجميع.

ووفقاً لهذا التعريف، يمكن القول بأن الدول العربية هي النموذج المثالي لتحقيق مثل هذا العمل المشترك، في ظل ما يجمعها من روابط متأصلة، وما يواجهها من تحديات جعلت اللجوء إلى العمل المشترك ليس مجرد مطلب عادي وإنما هو ضرورة تقتضيها الأوضاع.

فمن خلال النظر إلى مستجدات الأوضاع التي يشهدها العالم العربي، نجد الكثير من التحديات التي تبرز الأهمية القصوى للتحرك العربي بشكل موحد، والتي يتمثل أهمها فى:

  • الحروب والصراعات الداخلية: من أبرز التحديات التي تتطلب توحيد الجهود العربية وتنسيق الرؤى بشأنها وإيجاد أرضية للعمل العربي المشترك هي الحروب والصراعات الداخلية المنتشرة داخل الكيان العربي، والتي سمحت بإيجاد موطئ قدم للتدخلات الدولية والإقليمية التي عملت على زيادة حدة الانقسام، بواسطة اتباع أسلوب الحرب بالوكالة واستقدام مرتزقة لتقوية إحدى طرفي الصراع، الذي بالأساس يعد شأنًا داخليًا.

وقد فشلت الدول العربية في التعامل مع مثل هذه الصراعات نتيجة الافتقاد لآلية موحدة تستطيع التدخل ولديها القدرة على الإلزام بوقف النزاع؛ فنجد دور جامعة الدول العربية أصبح قاصراً على الإدانة ودعوات ضبط النفس ومحاولات التوافق دون وجود أي إلزام حقيقي أو نظام قانوني قادر على التدخل لوقف هذه الصراعات، مما جعل العديد من الدول العربية مسرحاً للتدخلات الدولية والإقليمية التي تهدف لتحقيق أهدافها الخاصة سواء اقتصادية كالتدخل التركي في ليبيا، أو سياسية لإثبات النفوذ كالتدخل الروسي في سوريا، أو حتى تدخل طائفي كالتدخل الإيراني في كل من لبنان والعراق واليمن. ونتيجة لمثل هذه التدخلات أصبحت الصراعات الداخلية في الوطن العربي تتسم بالتشابك والتعقيد وتداخل المصالح بين الأطراف الداخلية والخارجية.

  • التداعيات الاقتصادية للحرب الروسية – الأوكرانية: لم تتوقف تداعيات هذه الحرب على الدول المنخرطة بها؛ وإنما امتد تأثيرها ليشمل الجميع على اختلاف درجات هذا التأثير؛ حيث تأثرت الدول العربية بتداعيات هذه الحرب بدرجات متفاوتة، فكانت أقل حدة بالنسبة للدول المصدرة للطاقة، وأكثر حدة على اقتصادات الأسواق الصاعدة ومتوسطة الدخل والبلدان منخفضة الدخل. وتمثلت أبرز التداعيات الاقتصادية في ارتفاع معدلات التضخم، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، بل وأصبح هناك صعوبة في توفير إمدادات الحبوب.

وقد حدد تقرير آفاق الاقتصاد الإقليمي، الصادر عن صندوق النقد الدولي أكتوبر 2022م، مجموعة من الصدمات المتزامنة التي تعرضت لها دول المنطقة من جراء استمرار تدهور الأوضاع العالمية، وأبرزها: تباطؤ الاقتصاد العالمي، وارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، وتشديد الأوضاع المالية بأسرع وأقوى من المتوقع مع أزمة ارتفاع تكلفة المعيشة.

  • أزمة المناخ: أصبحت قضية التغيرات المناخية واحدة من أهم القضايا التي تشغل العالم أجمع؛ لخطورة تأثيرها والذي يشمل جميع الدول مع اختلاف درجات التأثر، ولهذا شهد هذا الملف العديد من الجهود الدولية لمواجهة تغير المناخ وتوالت المؤتمرات الدولية بهذا الشأن، وكان أخرها مؤتمر المناخ (cop 27)، الذي عُقد بمدينة شرم الشيخ فى جمهورية مصر العربية.

 ولكن، بالرغم من جميع الجهود التي بُذلت لاحتواء ظاهرة الاحتباس الحراري إلا أن معظم الحكومات لم تلتزم بخفض إنتاج الوقود الأحفوري واستخدامه، نتيجة سعيها إلى تعظيم مصالحها الوطنية على حساب المصالح الدولية الجماعية المرتبطة بتغير المناخ.

 وعربياً تأثرت جميع الدول بالتغيرات المناخية بدرجات متفاوتة، خاصةً الدول ذات الاقتصاديات الضعيفة نظراً لمحدودية قدرتها على التعامل مع الأزمات والكوارث المناخية، فضلاً عن ارتفاع أسعار الغذاء نتيجة لتباطؤ الإمدادات الغذائية العالمية الناتج عن ارتفاع درجات الحرارة، مما أدى إلى انخفاض مستوى الأمن الغذائي، المرتبط أيضاً بالتأثير السلبي لأزمتي جائحة كورونا والحرب الروسية الأوكرانية في سلاسل الإمدادات العالمية.

وعلى الرغم مما ذُكر عن أسباب أهمية تنسيق الجهود العربية للوصول إلى آلية لتحقيق العمل العربي المشترك، إلا أن هناك عدد من التحديات التي تقف عائقاً أمام الوصول إلى هذه الآلية، منها ماهو مرتبط بالداخل العربي ذاته، ومنها ماهو نابع من البيئة الإقليمية والدولية.

التحديات الداخلية:

هناك العديد من التحديات النابعة من داخل الدول العربية أعاقت تحقيق عمل عربي مشترك قادر على استيعاب الاختلافات لتحقيق المصالح، ومن أبرز هذه التحديات التباين الكبير في حجم الموارد الاقتصادية بين الدول العربية، والذي خلق نوعاً من عدم الثقة في أى مشروع للعمل المشترك خوفاً من استغلال موارد الدول الغنية، مقابل خوف الدول الصغيرة والفقيرة أن يتم السيطرة عليها من قبل الدول الغنية، وبدلاً من التوجه نحو خلق فرص حقيقية للتنمية من خلال وضع رؤية شاملة لإمكانات الأقطار العربية، وطاقاتها وثرواتها، تم تكريس الانفصال والسعي لتحقيق الأهداف الخاصة بكل دولة على حدة.

يضاف إلى ذلك غياب الآليات القادرة على احتواء الأقليات الإثنية داخلها، وبالتبعية كان حرمان هذه الأقليات من الشعور بالانتماء عامل جذب للقوى الإقليمية والدولية ذات المصلحة للتدخل والعمل على تفتيت الدول من الداخل.

وما زاد من غياب رؤية واضحة لأهمية العمل العربي المشترك غياب التوافق العربي حول مفهوم الأمن القومي العربي من حيث تحديد مخاطره الأساسية وفقاً لشدة خطورتها وأولوياتها، وتحديد خطة شاملة وبرامج عمل متفق عليها لحمايته وصيانة مقدراته. فالأمن القومي الإقليمي بوجهٍ عام يتطلب المحافظة على قيم وأهداف النظام الإقليمي في وجه الاختراق الخارجي، وتأمين الحيز الجغرافي من خطر الاحتلال الخارجي والنزاعات الداخلية، بالإضافة إلى صيانة المصالح الاستراتيجية على كافة المستويات سواء السياسية أو الاقتصادية أو العسكرية.

ولكن بالتمعن في مفهوم الأمن القومي العربي نجد أنه يعكس الواقع العربي بكل وضوح، فهو لا يميز بين الأمن القومي المرتبط بالإقليم وبين الأمن القومي الذاتي المرتبط باستمرارية نظام الحكم، فضلاً عن أنه يظهر واقع التجزئة بين الأقطار العربية؛ حيث لا يعبر عن مصلحة واحدة.

التحديات الخارجية:

وهي التحديات القادمة من القوى الإقليمية والدولية، الراغبة في تفتيت أي شكل من أشكال الوحدة العربية، وخاصةً التنسيق حول عمل عربي مشترك لما في ذلك من ضرب مباشر لمصالح هذه القوى، فهناك توجس غربي وأوروبي من قيام شكل وحدوي للوطن العربي واتجاههم إلى إجهاضه بشتى الطرق، والسبب معروف وهو إحكام السيطرة على المنطقة العربية تلك المنطقة الغنية بالموارد والمتحكمة في شرايين الملاحة العالمية. مما يتطلب من الدول العربية تحقيق نوعاً من التوازن في العلاقات مع القوى الكبرى من منطلق إعطاء الأولوية لتحقيق المصلحة العربية الشاملة، والبعد عن السعي إلى تحقيق مصالح ضيقة تزيد من تبعية الدول العربية ولا تسمح بوجود استقلالية في القرار العربي.

وإذا نظرنا إلى دول الجوار العربي، نجد إسرائيل التي تمثل تحديًا قويًا يعيق إقامة أي نوع من العمل العربي المشترك بصورة مباشرة وغير مباشرة أيضاً، سواء بواسطة احتلالها للأراضي الفلسطينية، أو من خلال سعيها إلى إضعاف الدول العربية عن طريق تفتيتها، باعتبار أن الضمانات الفعلية لأمن إسرائيل هي تفتيت العالم العربي، وإضعاف الدول العربية لإبعادها عن الدفاع عن القضية الفلسطينية.

فضلاً عن وجود محاور إقليمية أكثر جذباً من الدول العربية وعلى رأسها المحور الإيراني، وأذرعه المنتشرة في المنطقة، والمحور التركي الآخذ في التنامي، وكلاً منهما يمتلك مشروعًا سياسيًا قوميًا هادف إلى الهيمنة الإقليمية، والتي لن تتحقق إلا في وجود فراغ على المستوى العربي. وعلى الرغم من خطورة هذه القوى الإقليمية إلا أن الدول العربية لم تسع لوضع محددات أساسية للعلاقات مع دول جوارها المباشر، ولا يوجد نهج موضوعي متبع لتحديد شكل العلاقة بدول الجوار، فتختلف الدول العربية فيما بينها في طريقة التعامل مع هذه الدول، مما زاد من صعوبة تبني عمل مشترك قائم على تحديد الأولويات والأهداف والمخاطر.

محفزات العمل العربي المشترك:

يشهد النظام الإقليمي والدولي العديد من التحركات، التي يمكن اعتبارها من محفزات الوصول إلى عمل عربي مشترك؛ إذا ما تم وضعها جميعاً في إطار تحقيق مصلحة عربية مشتركة، واستغلالها الاستغلال الأمثل، وتتمثل أهم هذه التحركات في:

  • تحركات عربية لرأب الصدع وتنسيق الرؤى:

والتي شملت العديد من التحركات بداية من (اتفاق العلا) في يناير 2021م، الذي أنهى الخلافات بين مصر والإمارات والسعودية والبحرين من جهة وقطر من جهة أخرى، والنجاح في تنفيذ بنود الاتفاق، وصولاً إلى الاتصالات المكثفة للتنسيق والتشاور، حيث قامت المصالحة على فكرة وضع الخلافات جانباً والبناء على نقاط الاتفاق وتوحيد الصف العربي أمام التهديدات الخارجية المشتركة، والذي مثّل نقطة القوة في إنجاحها.

كما شهدت الساحة العربية تحركات على ملف آخر وهو ملف العلاقات العربية ـ السورية؛ حيث ثمة تحركات مصرية ــ سورية مشتركة لإعادة العلاقات بين البلدين، بدأت منذ زيارة وزير الخارجية المصري سامح شكري إلى سوريا للتعبير عن التضامن المصري في أعقاب الزلزال المدمر الذي ضرب كلًا من تركيا وسوريا في فبراير 2023م، تلتها زيارة لوزير الخارجية السوري فيصل المقداد إلى مصر وسط أنباء بالترتيب لعقد لقاء يجمع كلًا من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس السوري بشار الأسد.

كما أعلنت المملكة العربية السعودية بدء مباحثات مع وزارة الخارجية السورية، بشأن استئناف تقديم الخدمات القنصلية في البلدين، في إطار حرص المملكة على تقديم الخدمات القنصلية الضرورية للشعبين. ومن شأن هذه التحركات سواء المصرية أو السعودية أن تمهد الطريق بشكل كبير لعودة سوريا إلى مقعدها في جامعة الدول العربية.

ومن أبرز محفزات العمل العربي المشترك أيضاً ما شهدناه في الآونة الأخيرة من تفعيل آليات تعاون مشترك بين عدد من الدول العربية، من الممكن أن تتوسع مظلتها لتشمل جميع الدول العربية، ومنها القمم الثلاثية بين كل من مصر والعراق والأردن، والتي تعقد بشكل مستمر هادفة إلى تعزيز سبل التعاون، وزيادة آليات التنسيق في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والصناعية والأمنية وغيرها. وكذلك انعقاد القمة العربية الخماسية في أغسطس 2022م، بين كل من مصر والأردن والعراق والبحرين والإمارات، والتي مثلت خطوة جديدة نحو تعزيز العمل العربي المشترك على مختلف المستويات.

  • تحركات عربية لتحديد المواقف من دول الجوار الإقليمي:

كما ذكرنا سابقاً، أنه من ضمن التحديات التي تقف أمام تحقيق العمل العربي المشترك، عدم وضع محددات أساسية للتعامل مع دول الجوار الإقليمي، خاصةً دولتي إيران وتركيا، فهناك احتياج إلى وضع طريقة محددة للتعامل قائمة على تحقيق المصالح المشتركة، والتأكيد على مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في الشؤون الداخلية. وهو ما بدأت المملكة العربية السعودية ومصر في التحرك بشأنه.

فمن جهة، أعلنت كل من إيران والمملكة العربية السعودية مارس 2023م، استئناف علاقاتهما الدبلوماسية برعاية صينية، ليضع هذا الاتفاق حداً للصراع القائم بين السعودية وإيران، والذي كان السمة الرئيسية للمشهد السياسي والأمني في الشرق الأوسط، واتخذ شكلاً تصاعدياً حتى أعلنت الرياض قطع العلاقات الدبلوماسية مع طهران في يناير 2016م، وقد أكد الاتفاق الحالي على احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية، وهو ما سيكون له بالغ التأثير على حالة الأمن والاستقرار في المنطقة برمتها؛ نتيجة لانتشار الأذرع الإيرانية في العديد من الصراعات العربية المشتعلة.

ومن جهة أخرى، تعمل مصر على وضع أطر محددة للتعامل مع الجانب التركي، فعقب اللقاء الذي جمع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والرئيس التركي رجب طيب أردوغان على هامش حفل افتتاح بطولة كأس العالم لكرة القدم في الدوحة، بالإضافة إلى موقف مصر التضامني مع تركيا عقب الزلزال المدمر فبراير 2023م، ظهر إصرار الجانبين على لسان العديد من المسؤولين المصريين والأتراك على عودة العلاقات بين البلدين، ووضع مسار لتوطيد العلاقات في مختلف المجالات.

  • تحركات دولية في ظل حالة من الاستقطاب غير المسبوق:

أعادت الحرب الروسية ـ الأوكرانية الحديث مرة أخرى عن إمكانية الوصول إلى عالم متعدد الأقطاب، فمنذ انهيار الاتحاد السوفيتي وتربع الولايات المتحدة الأمريكية على عرش النظام الدولي، بدأت روسيا والصين تَنافسهما الواضح والعلني للولايات المتحدة الأمريكية، والذي تعد المنطقة العربية في قلبه لما تملكه من ثروات وقدرات.

فعقب استضافة الممكلة العربية السعودية لقمة جدة للتعاون والشراكة بمشاركة قادة دول مجلس التعاون الخليجي ومصر والأردن والعراق إلى جانب الرئيس الأمريكي جو بايدن في يوليو 2022م، استضافت المملكة العربية السعودية قمة عربية صينية على ثلاثة مستويات سعودي، وخليجي ، وعربي في ديسمبر 2022م، لتثبت الدول العربية أنها تمتلك مساحة أوسع للتحرك وقدرة أكبر على تشكيل سياسة خارجية أكثر توازناً قائمة على مفهوم الحياد الإيجابي وبناء وتعدد الشراكات الاقتصادية والاستراتيجية مع القوى الكبرى، دون الانحياز لقوى على حساب القوى الأخرى أو استبدال قوى بقوى أخرى، وإنما الاستفادة من التعاون مع كل القوى الكبرى في إطار من الندية والاستقلالية، بما يعظم المكاسب والمصالح العربية في حالة استمرار التنسيق والتوجه لتبني آليات واضحة للعمل العربي المشترك.

لبنان والعمل العربي المشترك:

حين النظر إلى الحالة اللبنانية، يثور تساؤل هام حول إمكانية مشاركتها الفعالة في منظومة العمل العربي المشترك، وأن تجد لها موطأ قدم في آليات التعاون العربية وفقاً لما تمر به من تحديات جمة على مختلف الأصعدة؛ حيث تعاني لبنان من حالة شلل سياسي مصحوبة بأزمة اقتصادية حادة نتيجة انهيار سعر الصرف، والتي أدت بالتبعية إلى تدهور كبير في الخدمات العامة.

وقبل الحديث عن إمكانية مساهمة لبنان في أى شكل من أشكال العمل العربي المشترك، لابد في البداية من تحديد المسبب الرئيسي لكل هذه الأزمات المتلاحقة، والذي يكمن في غياب الشرعية السياسية؛ فحينما رفع اللبنانيون شعار (كلن يعني كلن) كان موجه لجميع رموز المشهد السياسي في لبنان الذين فقدوا ثقة الشعب اللبناني، نتيجة سعيهم لتحقيق مصالح ضيقة لا تعبر عن مصالح عموم الشعب، واتجهوا إلى دعم الطائفية والانتماءات الفرعية، مما جعل لبنان ساحة خصبة للتدخلات الخارجية.

وغرقت البلاد في أزمات لا حصر لها مع وجود فراغ سياسي، وحكومة تصريف أعمال لا تمتلك الصلاحيات التي تمكنها من عبور الأزمة نتيجة احتياجها إلى وجود إجماع داخلي لاتخاذ القرارات، وهو ما يعد مستحيلاً في الوقت الحالي في ظل حالة الاستقطاب بين مكونات الداخل اللبناني، فضلاً عن برلمان منقسم بشكل حاد.

لذا، لابد في البداية من حل الأزمة السياسية وملء الفراغ السياسي داخل دولة لبنان، بواسطة توافق الأطراف السياسية على مرشح رئاسي يحظى بإجماع الأطراف الفاعلة، والاتفاق على تقاسم جديد للسلطة، لكي تتمكن الدولة من وضع أهدافها ومتطلباتها للمرحلة القادمة وتنخرط بشكل فعّال في منظومة العمل العربي المشترك.

ويمكن القول بأن الاتفاق السعودي / الإيراني من الممكن أن يساعد في حل الأزمة اللبنانية، بواسطة دفع الطرفان السعودي والإيراني الفرقاء اللبنانيين نحو المصالحة السياسية، وانتخاب رئيس جديد للجمهورية، ثم تشكيل حكومة تعمل على معالجة الانقسام السياسي، واتخاذ خطوات إصلاحية من شأنها وقف حدة الأزمة الاقتصادية التي تعانيها البلاد.

الخلاصة، يعد العمل العربي المشترك طوق النجاة للدول العربية أمام جميع التحديات، وفيما يتعلق بإمكانية تحقيق العمل العربي المشترك؛ فعلى الرغم من أن هناك العديد من الآراء التي تؤمن بأن إصلاح جامعة الدول العربية وتفعيل دورها في الأزمات العربية هو الحل لتحقيق عمل عربي مشترك؛ إلا أن الواقع أثبت أن الأكثر أهمية من إصلاح جامعة الدول العربية توافر إرادة حقيقية لصياغة مواقف موحدة تجاه مجمل التحديات التي تواجه عالمنا العربي، ووضع استراتيجية محددة المعالم قابلة للتطبيق، مع التنفيذ المشترك لهذه الاستراتيجية من خلال وضع محفزات لجميع الدول العربية للمشاركة في تنفيذها، وقتها يمكن القول بأننا أمام نموذج حقيقي وفعّال للعمل المشترك القائم على استيعاب الاختلاف في منظومة أكثر شمولية. وفي ظل ما يشهده العالم من تغيرات فالوقت الحالي هو الوقت المناسب لزيادة التواصل والتعاون ما بين الحكومات العربية عبر لقاءات حوارية مباشرة ودائمة، والاستفادة من آليات التعاون المتوفرة حالياً وتوسيع مظلتها لتشمل الجميع.

مقالات لنفس الكاتب