; logged out
الرئيسية / تفعيل التعاون العربي/الإفريقي يتطلب إرادة سياسية ودراسة احتياجات وقدرات الطرفين

العدد 185

تفعيل التعاون العربي/الإفريقي يتطلب إرادة سياسية ودراسة احتياجات وقدرات الطرفين

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

يرتبط العالم العربي بأقاليم القارة الإفريقية عبر العديد من المسارات ففضلًا عن الدول العربية التي تقع في الشمال الإفريقي،  كان الحضور العربي في الأقاليم الإفريقية جنوب الصحراء له تأثيراته وبصماته الواضحة عبر العصور التاريخية، فقد صاغ الجوار الجغرافي الكثير من أطر التقارب بين الجانبين وتطورت علاقات التعاون وتغيرت صيغ هذا التعاون وفقًا للعديد من العوامل السياسية والاقتصادية والثقافية التي تعرضت لها دول المجموعتين وكان لها انعكاساتها على توجهاتها الخارجية، وفى ظل التطورات المتلاحقة التي يشهدها العالم وما تطرحه هذه التطورات من ضرورات للتقارب والتعاون تتجاوز الجوار الجغرافي والعلاقات التاريخية والأبعاد الثقافية المتنوعة كالتي تجمع بين العالم العربي والدول الإفريقية جنوب الصحراء، هذا فضلًا عن التحديات التي تواجهها الدول العربية ونظيراتها الإفريقية والتي تطرح فرصًا للتعاون والتقارب بين الجانبين تطرح أيضًا معوقات وعقبات أمام التعاون بين الجانبين .

ويسعى التقرير الحالي إلى البحث في أطر التعاون العربي الإفريقي الراهنة ما بين الفرص والتحديات، من خلال توضيح أولويات التعاون بين الجانبين، وكذلك عقبات التعاون، والفرص المستقبلية لهذا التعاون.

أولاً – أولويات التعاون العربي / الإفريقي

تطرح العلاقات العربية ـ الإفريقية العديد من أطر التعاون بين الجانبين تلك العلاقات التي تدفعها مجموعة من الاحتياجات الاقتصادية والأمنية والجيو سياسية للطرفين وكذلك المميزات والسمات التي يتميز بها كل طرف:

  • الأبعاد الاقتصادية

     حقق التعاون العربي الإفريقي الاقتصادي والتنموي انطلاقات قوية سواء منذ بداية ستينيات القرن العشرين أو في أعقاب تدشينه مؤسسياً في مؤتمر القمة العربي الإفريقي الأول عام 1977م، وحتى أواخر السبعينيات. إلا أن ذلك التعاون ما لبث أن شهد تراجعات ملحوظة في ظل التصدعات العديدة التي خلفتها الظروف السياسية المعقدة التي مر بها العالم العربي وكذلك دول القارة الإفريقية.

      ومع بداية التسعينيات في ظل التحولات الحاسمة التي أصابت هيكل النظام الدولي ومع تزايد دور مؤسسات التمويل والإقراض الدولية كالبنك وصندوق النقد الدوليين في تحديد العلاقات بين الدول النامية والقوى الكبرى برزت بعض الأفكار الإفريقية متسائلةً عن جدوى الحديث عن تعزيز  التعاون العربي ــ الإفريقي في ظل الحسابات النسبية لحجم المساعدات المقدمة من الجانب العربي مقارنة بتلك المقدمة من المجتمع الدولي بدوله ومؤسساته المختلفة، وكذلك الأعباء السياسية التي تفرضها طبيعة الالتزامات الجيوستراتيجية المفترضة على الجانب الإفريقي إزاء القضايا العربية المصيرية كقضية فلسطين والتدخل الدولي في العراق والصومال وقضية مياه النيل.. إلخ، لكن عاد الحديث عن ضرورات واستراتيجيات إحياء التعاون العربي ـ الإفريقي في أعقاب القمة العربية الإفريقية الثانية في مدينة سرت الليبية في أكتوبر 2010م.

 حيث تتنوع مجالات التعاون الاقتصادية بين الجانبين العربي والإفريقي،  تبرز مجموعة من المجالات أهمها، المجال الزراعي حيث دفعت الأزمة الغذائية التي عاشها العالم في عام 2008 م، دول الخليج العربي للبحث عن دول تمتلك قدرات زراعية هائلة فكانت دول القرن الإفريقي من أهم هذه الدول، فقد كانت العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي وإقليم الشمال الإفريقي أقوى بالمقارنة بالأقاليم الإفريقية الأربعة الأخرى، إلا أن السنوات الأخيرة شهدت اهتمامًا متزايدًا من دول الخليج بالأقاليم الإفريقية غير الناطقة باللغة العربية، وأصبحت المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر المستثمرين في الأراضي الزراعية في جميع أنحاء إفريقيا تليها الإمارات العربية المتحدة وقطر والبحرين والكويت-جميع الدول التي تركز بشكل متزايد على الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على واردات السوق.

وتستثمر دول الخليج بشكل كبير في البنية التحتية والاتصالات والأمن الغذائي في إفريقيا ولدى شركة الاستثمار IAS International التي تتخذ من قطر مقراً لها خطط للاستثمار في عدد من المشاريع التنموية في جمهورية إفريقيا الوسطى بقيمة 1.6 مليار دولار أمريكي، بما في ذلك تطوير منطقة اقتصادية خاصة معفاة من الضرائب؛ كما تمتلك شركة E & (المعروفة سابقًا باسم اتصالات)، مشغل الاتصالات الإماراتي، حصصًا في العديد من شركات الاتصالات الإفريقية في تنزانيا وبنين وبوركينا فاسو وتوجو والنيجر ومالي وموريتانيا وجمهورية إفريقيا الوسطى وتشاد والجابون وساحل العاج. وتعمل شركة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات القطرية Ooredoo في شمال إفريقيا بينما تعمل زين الكويتية في السودان وجنوب السودان والمغرب. كما يدير بنك المشرق في دولة الإمارات العربية المتحدة استثمارات في 14 دولة في جميع أنحاء القارة. ويبدو أن ممولي دول مجلس التعاون الخليجي ينظرون إلى إفريقيا على أنها فرصة للاستثمار طويل الأجل أيضًا. بينما تستمر العمليات الإفريقية لبنوك دول مجلس التعاون الخليجي في العادة تدار من دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أنها تسعى بنشاط إلى إقامة شراكات مع المقرضين المحليين.

إن الوجود المتنامي لدول مجلس التعاون الخليجي في البنية التحتية في إفريقيا ملحوظ بشكل خاص، حيث تدير موانئ دبي العالمية تسعة موانئ ومحطات في ثماني دول إفريقية، بما في ذلك الجزائر وأنجولا ومصر وموزمبيق ورواندا والسنغال والصومال وجنوب إفريقيا، وقد استحوذت عليها مؤخرًا. حصة مسيطرة في شركة Africa FMCG Distribution Ltd.

وفي صيف 2022م، أصدرت الإمارات وكينيا بيانًا مشتركًا أعلنتا فيه عن عزمهما التفاوض على اتفاقية شراكة اقتصادية شاملة (CEPA). ويعتبر هذا بمثابة مقدمة لزيادة القيمة الإجمالية للتجارة الثنائية غير النفطية بين الإمارات وكينيا، والتي ارتفعت إلى 2.3 مليار دولار عام 2021م، وتشهد الشركات الخاصة أيضًا فوائد تعزيز العلاقات، حيث تختار الشركات الإفريقية بشكل متزايد دولة الإمارات كقاعدة للعمليات، حيث تم تسجيل 1600 شركة إفريقية جديدة عضوًا في غرفة تجارة دبي منذ أكتوبر 2021م، مما يدل على الفرص المتاحة لهذه الشركات لاستخدامها دولة الإمارات كقاعدة للمشاركة الخارجية ومنصة للاستفادة من الفرص العالمية للتصدير.

حيث تعد الإمارات وقطر والمملكة العربية السعودية هي أكثر دول العالم العربي ظهورًا في إفريقيا. والإمارات العربية المتحدة هي أكبر مستثمر في إفريقيا بعد الصين لعام 2021م، كما تعمل الدول العربية في الشمال الإفريقي على مد الجسور مع الدول الإفريقية في أقاليم جنوب الصحراء، وتبني أدوار رائدة فيما يتعلق بالمستقبل الاقتصادي لإفريقيا، فوقعت موريتانيا على اتفاقية التجارة الحرة الإفريقية، كما تتجه تونس لزيادة استثماراتها في الدول الإفريقية الأخرى في مجالات النقل والتصنيع وتعبيد الطرق وتسهيل التبادل التجاري عبر شبكات الطرق والمواصلات البرية والبحرية والجوية.

كما أكد البنك الأمريكي "جي بي مورجان تشيس" أن المغرب في طريقه ليصبح أكبر مستثمر إفريقي داخل القارة الإفريقية في أفق سنة 2025م، وكشف أكبر بنك في أمريكا، أن استثمارات المملكة المغربية في إفريقيا تضاعفت خلال السنوات الأخيرة وامتدت إلى دول لم تكن ضمن دائرة البلدان الإفريقية التي يتعامل معها المغرب على الصعيد الاقتصادي.

  • الأبعاد الثقافية

تعد الأبعاد الثقافية من أهم عوامل التقارب بين الشعوب الإفريقية ونظيرتها العربية، وخاصة ما يتعلق بدور المسلمين العرب في نشر الإسلام في القارة، حيث يحرص المسلمون في الأقاليم الإفريقية جنوب الصحراء على التعلم ومتابعة أفكار العلماء المسلمين من العرب أكثر من أي علماء آخرين، وتمثل إفريقيا نسبة كبيرة من السكان المسلمين في العالم. فاعتبارًا من عام 2019م، كان 16% من المسلمين في جميع أنحاء العالم يعيشون في إفريقيا جنوب الصحراء، بينما يعيش 20% منهم في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. إلى جانب المسيحية، يعد الإسلام هو الانتماء الديني الأكثر شيوعًا في إفريقيا، يليه العديد من الديانات الإفريقية التقليدية.

كما تقوم الجمعيات الإسلامية الخيرية العربية بأدوار رائدة في العديد من الدول الإفريقية، حيث تخدم أنشطتها المناطق الفقيرة والمعرضة للكوارث الإنسانية في دول كثيرة في القارة.       

  • الأبعاد السياسية

حفل تاريخ العلاقات العربية ـ الإفريقية بسنوات من مساندة الطرفين لبعضهما البعض وخاصة في أوقات الأزمات والحروب إلا أن العقود الأخيرة شهدت بعض التراجع في الاهتمام من الطرفين بالقضايا السياسية للطرف الآخر، وربما يعود ذلك إلى تزايد الأزمات على نحو غير مسبوق على الطرفين، هذا فضلًا عن تزايد اهتمام القوى الدولية والإقليمية بأحداث العالم العربي وكذلك أزمات القارة الإفريقية.

وعلى الرغم من التطورات التي شهدتها دول المجموعتين والتي حالت في كثير من الأحيان دون الحصول على التضامن والدعم في القضايا المصيرية، لا تزال هناك دول إفريقية تلتزم بمبادئ محددة إزاء القضايا العربية الحيوية وأهمها القضية الفلسطينية، ومن هذه الدول موريتانيا التي قطعت علاقاتها مع إسرائيل في عام 2009م، وكذلك جمهورية جنوب إفريقيا. 

ثانيًا – معوقات التعاون العربي – الإفريقي 

على الرغم من عوامل التقارب المختلفة التي تجمع الشعوب العربية ونظيرتها الإفريقية، وما تشكله من محفزات لتدعيم التعاون بين الجانبين، إلا أن هناك مجموعة من المعوقات التي تحد من تفعيل هذا التعاون بعضها ينبع من مشكلات لدى الدول العربية أو الدول الإفريقية، والبعض الآخر يرتبط بالتطورات الإقليمية والدولية التي تضع أحد الطرفين في مأزق لاختيار ومقارنة بين أطراف التعاون، ومن أهم هذه المعوقات ما يلي:     

  • 1-الأزمات الأمنية في القارة

تواجه أقاليم إفريقيا جنوب الصحراء تحديات أمنية متعددة الجوانب منذ أوائل القرن الحادي والعشرين. فإذا كانت فترة ما بعد انتهاء الحرب الباردة قد تميزت بشكل خاص في المنطقة بعودة الحروب الأهلية خلال التسعينيات، فقد شهد العقدان الماضيان ظهور تهديدات غير متكافئة ومختلطة مثل القرصنة في خليج غينيا وقبالة البحر الأحمر، وباء الإيبولا في غرب ووسط إفريقيا، وانتشار الشبكات الإجرامية ، مع نمو غير مسبوق للإرهاب والتطرف العنيف حيث تحولت أقاليم القارة التي لم يخل أيا منها من بروز الجماعات الإرهابية إلى ساحة لنمو وتصفية الحسابات والتجنيد وتحقيق أهداف هذه الجماعات. تسلط هذه التحديات الأمنية الضوء على الدور البارز الذي تلعبه الجهات الفاعلة غير الحكومية الآن، وتتحدى بشكل متزايد الاحتكار المشروع لاستخدام القوة، وهي السمة الحصرية للدولة الإفريقية الحديثة.

  • 2-التدافع الدولي والإقليمي على القارة

تقع القارة الإفريقية في قلب منافسة شرسة بين الفاعلين الدوليين والإقليميين للحضور والاستثمار وتنمية المنافع من التعاون مع دول القارة وقد زادت الحرب الروسية ـ الأوكرانية من الضغوط على دول القارة في ظل التدافع غير المسبوق ومحاولات كسب الحلفاء من قبل القوى الدولية وخاصة الولايات المتحدة والصين وروسيا، وفى ظل غياب رؤية استراتيجية لدى الجانبين لتخطيط علاقاتهما وفقاً للأسس الاستراتيجية والأيديولوجية التي تتفق وضرورات الأمن والمصالح المشتركة. يعنى التعاون العربي/ الإفريقي من مشكلات ترتبط ربما بقبول الأطراف الدولية للحضور العربي في القارة وكذلك مدى قدرة الدول الإفريقية على تحقيق التوازن في علاقاتها الخارجية.

  • 3-انعكاس الخلافات العربية ـ العربية على التعاون مع دول القارة

انعكست الخلافات العربية على مسيرة التعاون العربي – الإفريقي، فخلال الأزمة الخليجية ـ القطرية التي بدأت في يونيو 2017م،  انتقلت هذه الأزمة إلى العلاقات بين دول الخليج ودول القارة وخاصة في منطقة القرن الإفريقي، فاتجهت بعض الدول الإفريقية لقطع العلاقات مع قطر، في حين حاولت دول إفريقية أخرى تحقيق التوازن ورفضت قطع علاقاتها مع قطر ، كما لا تزال الخلافات بين الجزائر والمغرب؛ بسبب جبهة البوليساريو والصحراء الغربية، تلقي بتأثيراتها على سير العمل في الاتحاد الإفريقي في ظل عضوية الجمهورية الصحراوية في المنظمة القارية؛ وقد ألقت هذه الخلافات بظلالها على الأزمة الليبية، حيث كانت إحدى نقاط الاختلاف، التي اشتهرت بين الجانبين العربي والإفريقي تتمثل في أن البلدان الإفريقية قد نظرت إلى تدخل الناتو في ليبيا عام 2011م، على أنه أفضى إلى تدمير ليبيا؛ ما انطوى على اتهامٍ ضمني لجامعة الدول العربية بتحمل مسؤولية هذا التدخل.

  • 4-المنافسة الجيوسياسية

من العوامل التي تعيق التعاون العربي ــ الإفريقي، تصاعد التنافس بين الدول العربية للحضور والاستثمار في إقليم البحر الأحمر حيث تنظر بعض الدول الإفريقية إلى حيث يدعم هذا التنافس مصالح القوى العالمية التي تجد في الفوضى التي يشهدها الإقليم تعزيزًا لمصالحها.

كما شهدت منطقة الساحل الإفريقي صورة أخرى من التنافس بين الدول العربية على الحضور والاستثمار في هذه المنطقة.

  • 5-عدم التزام الجانب العربي بالتزاماته

في ظل الأزمات الإنسانية التي تعاني منها العديد من الدول الإفريقية، أصبح التقارب بين هذه الدول ومحيطها الإقليمي والدولي يعتمد في المقام الأول على الدعم الذي ستقدمه الدول المجاورة للقارة وفى مقدمتها الدول العربية، إلا أن المشكلات التي يعاني منها التعاون العربي ـ الإفريقي يرتبط بعدم التزام بعض الدول العربية بتعهداتها تجاه دول القارة. 

ثالثًا – مستقبل التعاون العربي / الإفريقي

إدراكاً للأهمية المتنامية التي أضحى يتمتع بها البعد الإفريقي في الساحة الدولية وللفرص التي يطرحها التعاون العربي الإفريقي عُقِدت عدة قمم خلال السنوات الأخيرة بين الجانبين منها ما كان في الكويت (2013م) ومالابو عاصمة غينيا الاستوائية (2016م)، ولقد اشتملت القمم، على طرح عدة أهداف ذات مصلحة مشتركة للجميع، مثل: الصفقة الخضراء أو مبادرة الحائط الأخضر؛ لأجل الحفاظ على البيئة والشروع في تطبيق برامج التنمية المستدامة ذات المنافع طويلة المدى، وكذلك إيجاد آلية لتحرير انتقال الأفراد فيما بين الدول العربية والإفريقية، بما في ذلك الجوانب المتصلة وطرق تمويل المشروعات المشتركة. في سياقٍ متصل، هناك اهتمام متنامٍ في المجالات الزراعية والاقتصادية، ولقد عُقِد بالفعل معرض تجاري عربي – إفريقي في دولة توجو بناءً على قرار من الاتحاد الإفريقي.

وينتظر التعاون العربي / الإفريقي العديد من المجالات لتفعيله وانعكاسه على مكانة الجانبين في النظام الدولي ومن أهم هذه المجالات.

  • 1-الاستثمار في البنية التحتية

بالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، ولا سيما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ودولة قطر، أصبح ممر الشرق الأوسط / إفريقيا استراتيجية استثمار بارزة بشكل متزايد على مدى السنوات القليلة الماضية. بين عامي 2017 و 2019 م، قبل جائحة COVID-19 ، زادت أحجام الاستثمار من خلال النفقات الرأسمالية والاستثمار الأجنبي المباشر من دول مجلس التعاون الخليجي إلى إفريقيا بشكل مطرد. الآن، مع انتعاش العالم من آثار الوباء وإدارة عدم الاستقرار الجغرافي السياسي، استمرت استثمارات دول مجلس التعاون الخليجي في الارتفاع، لتصل إلى 8.3 مليار دولار أمريكي حتى الآن في عام 2022م، والتي عادت تقريبًا إلى مستويات ما قبل الوباء.

وتوفر احتياجات البنية التحتية الهائلة فرص للعديد من المشروعات وفقًا لبنك التنمية الإفريقي (AfDB)، ستحتاج إلى تمويل إلى حد كبير من القطاع الخاص. ووفقًا أيضًا لبنك التنمية الإفريقي، فإن احتياجات تمويل البنية التحتية للقارة ستصل إلى 170 مليار دولار أمريكي سنويًا بحلول عام 2025م، مع فجوة تقدر بنحو 100 مليار دولار أمريكي سنويًا. ومع ذلك، وفقًا لشركة McKinsey & Co ، فإن 80 % من مشاريع البنية التحتية في إفريقيا تفشل في مرحلة الجدوى وتخطيط الأعمال. أيضًا، وفقًا لشركة McKinsey & Co ، تحتل الإمارات المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة (وتتقدم قليلاً على الصين) من حيث الرغبة في الاستثمار في البنية التحتية الإفريقية.

 2-معالجة أزمة الديون

وفقًا لصندوق النقد الدولي، بلغ الدين العام في دول إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، بحلول منتصف عام 2022م، حوالي 60 % من الناتج المحلي الإجمالي، حيث يتحول تكوين هذا الدين بشكل مطرد نحو مصادر خاصة عالية التكلفة، مما يؤدي إلى زيادة تكاليف خدمة الديون ومخاطر التمديد، حيث يُنظر الآن إلى 19 دولة من أصل 35 دولة منخفضة الدخل في المنطقة إما في ضائقة ديون أو معرضة لخطر الضائقة.

وبعد تراجع واضح من الصين -أكبر مستثمر في القارة -يواجه صانعو السياسة في جميع أنحاء المنطقة الآن مهمة واقعية لتحديد مسار الاستقرار على خلفية الاضطرابات الجيواقتصادية. فقد أعلن الرئيس شي جين بينج في يناير 2022م، أن الصين ستخفض المبلغ الرئيسي الذي تقدمه إلى الدول الإفريقية بمقدار الثلث، من 60 مليار دولار أمريكي إلى 40 مليار دولار أمريكي. في أعقاب تراجع الصين، ظهرت فرص لزيادة الاستثمار من دول مجلس التعاون الخليجي.  

فهناك فرص كبيرة لمقدمي الائتمان في دول مجلس التعاون الخليجي، سواء المملوكين للدولة أو من القطاع الخاص، لتأسيس أنفسهم كمقرضين أساسيين في جميع أنحاء إفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. حيث تتمتع البنوك والصناديق الخليجية بسيولة قوية بشكل استثنائي.

كما يوفر التمويل الإسلامي أيضًا فرصًا كبيرة. مع وجود ما يقرب من 15 % من السكان المسلمين في العالم في الأقاليم الإفريقية جنوب الصحراء الكبرى، وحوالي 40 % من سكان الأقاليم يُعرفون بأنهم مسلمون، توجد أوجه تآزر واضحة بين القارة ودول مجلس التعاون الخليجي لتوفير ليس فقط التمويل التقليدي ولكن أيضًا المتوافق مع الشريعة الإسلامية التمويل. فقد كان استخدام جمع الأموال المتوافق مع الشريعة الإسلامية في إفريقيا جنوب الصحراء أمرًا انتهازيًا، مدفوعًا بشكل أساسي بإصدارات الصكوك السيادية، لكننا نتوقع أن يصبح استخدام التمويل المتوافق مع الشريعة الإسلامية الداخلي ضروريًا. 

  • التعاون في إطار عالم الجنوب – الجنوب

تسعى عدد من الدول العربية والإفريقية إلى محاولة الخروج من دائرة التبعية للقوى الكبرى في النظام الدولي، ورسم سياستها الخارجية بصورة مستقلة، وربما تتقارب الأهداف والإرادات بين دول المجموعتين للوصول إلى إرساء قواعد وقيم تحترم المصالح الحيوية لدولهم التي تنتمي لعالم الجنوب، مع ضرورة أن تسعى دول المجموعتين للوصول للتعاون الذي يعتمد على مفاهيم الشراكة على قدم المساواة ويبتعد عن التبعية أو التمييز بين الدول على أسس غير موضوعية.  ويبدو أن إعلان السعودية ومصر والجزائر رغبتهم في الانضمام إلى مجموعة البريكس (BRICS) يمثل تأكيدًا لهذا التوجه حيث تسعى الدول العربية ونظيرتها الإفريقية للتخلص من التبعية للقوى الغربية.  

كما يمكن للتعاون العربي ـ الإفريقي أن يصل لبناء منظمة إقليمية مشتركة تحمي مصالح الطرفين في ظل التغيرات الدولية المتلاحقة.

خاتمة

في ظل التدافع الدولي والإقليمي على القارة الإفريقية والذى يتزايد مع تصاعد الأزمات الدولية، حيث تبحث القوى المختلف عن موطئ قدم في القارة، يسمح لها بتفادي الخسائر الناجمة عن الأزمات ومنها الحرب الروسية الأوكرانية، ويفتح أمامها مجالات للاستثمار وتحقيق المصالح المختلفة في ظل توافر الموارد الطبيعية والقوانين التي تتبناها العديد من الدول الإفريقية للتيسير على الاستثمار، وفى هذا الإطار تبحث الكثير من الدول الساعية للتقارب والتعاون مع الدول الإفريقية للبحث عن الأطر التاريخية والإنسانية التي تجمعها بدول وشعوب القارة حتى تستخدمها كمدخل لتنمية العلاقات والتعاون الاقتصادي، وهنا تبرز  أهمية تفعيل التعاون بين الدول العربية ونظيرتها الإفريقية حيث يجمع الجانبين الكثير من الروابط التاريخية والدينية والتي يمكن البناء عليها لتحقيق مصالح الجانبين .   

إلا أن تفعيل التعاون العربي – الإفريقي يتطلب إرادة سياسية من دول المجموعتين من جانب، وكذلك دراسة موضوعية لاحتياجات وقدرات كل طرف في التقارب، وكذلك علاقاته مع الدول والقوى الدولية والإقليمية وكيفية تنسيق العلاقات وإحداث التوازن بين التعاون العربي والإفريقي، وغيره من أنواع التعاون الأخرى في الإقليمين، مع وجود أفكار لأشكال من التعاون الجديدة التي قد تجمع أطرافًا أخرى من خارج الإقليمين لتحقيق المصالح والاستقرار في دول المجموعتين.

مقالات لنفس الكاتب