; logged out
الرئيسية / اختلاف الأجندات الوطنية والصراعات الإقليمية أهم التحديات ودافعًا للتعاون

العدد 185

اختلاف الأجندات الوطنية والصراعات الإقليمية أهم التحديات ودافعًا للتعاون

الأحد، 30 نيسان/أبريل 2023

لغياب صانع القرار الاستراتيجي  The Strategist، وتركه  صنع القرار العربي للدبلوماسيين والسياسيين والناشطين، ورجال السياسة من الجماعات الإسلامية وأحيانًا العسكر؛ عجز العرب عن رؤية المصالح  العربية الاستراتيجية الكبرى، لذا نرى القصور العربي في تحقيق الوحدة أو التكامل والتعاون والعمل الإقليمي العربي إلا في أقل الحدود جراء تقدم المصالح القطرية في ترتيب أولويات العمل العربي المشترك، وإن كان ذلك لا يعني عدم إمكانية تحقيقه أو خلو التاريخ العربي المعاصر من تجارب وحدوية ناجحة مثل الاندماجية في المملكة العربية السعودية بين مجموعة من الأقاليم الكبيرة التي كانت مستقلة عن بعضها البعض مثل نجد والحجاز وعسير، فقد كان الملك عبد العزيز آل سعود ـ طيب الله ثراه ـ صانعًا للقرار الاستراتيجي  The Strategist قبل أن يكون قائدًا عسكريًا أو مفاوضًا سياسيًا، كما تميز بنفس الفكر الشيخ زايد آل نهيان في ودولة الإمارات العربية المتحدة التي تكونت جراء قرار استراتيجي من مجموعة إمارات كانت مستقلة إلى وحدة  فدرالية تعطي خصوصية لكل إمارة واستقلالية في بعض المجالات وتوحد أعمالًا أخرى كالدفاع والتعليم والصحة، ولم تكن أشكال الوحدة الناجحة حصرًا على دول الخليج العربي، فقد  توحد شطرا اليمن الجنوبي والشمالي عام 1990م،وها هي الدولة بعد مضي ثلاثة عقود  لا تزال يمن موحدة رغم محنة الانفصال عام 1994م،و محنة نغمة الانشقاق بعد  استيلاء الحوثيين على صنعاء. رغم أن عدن هي عاصمة الشرعية.

والعمل العربي المشترك توصيف مهذب لتخبط الدبلوماسيين والسياسيين والناشطين، ورجال السياسة من الجماعات الإسلامية والعسكر، وخروج نسخة مزيفة من المنشود في التعاون والتنسيق بين الدول العربية في مختلف المجالات، بما في ذلك السياسة والاقتصاد والأمن والثقافة والتنمية، بهدف تعزيز التكامل والتضامن بين الدول العربية وتحقيق مصلحتها المشتركة، ومرد هذا التخبط هو عدم تحقق المتطلبات وقصور التفاهم والثقة المتبادلة بين الدول العربية لتعزيز التعاون والتنسيق، بالإضافة إلى قصور الالتزام بمبادئ ميثاق جامعة الدول العربية، والتي تشمل احترام سيادة واستقلال الدول الأعضاء، وحل النزاعات بطرق سلمية، والعمل من أجل تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة العربية. وعدم تحمل كلفة العربي المشترك بتوفير الموارد المالية والفنية اللازمة لتنفيذ المشاريع المشتركة. يضاف إلى ذلك بروز متغيرات في كل عقد من حياة الجامعة العربية والعجز عن إدراك ضرورة المحلية في التعامل مع كل عقد؛ ومن تلك المتغيرات التطورات السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية وكيفية تأثيرها على العمل العربي المشترك، مثل التغيرات في السياسات الوطنية والإقليمية والتحديات الأمنية والاقتصادية. كما أن من المتغيرات تنوع القضايا الإقليمية والدولية التي تؤثر على الدول العربية وتتطلب تنسيقاً وتعاوناً مشتركاً، مثل الصراعات الإقليمية والقضايا الإنسانية والبيئية. كما يعاني العمل العربي المشترك من غياب الرؤية المشتركة بين الدول العربية تنص على أهداف وأولويات التعاون. وغياب التنسيق والتعاون عبر آليات فعالة للتنسيق والتعاون بين الدول العربية، سواء كانت هذه الآليات مؤسسات رسمية أو غير رسمية. بالإضافة إلى غياب الثقة المتبادلة بين الدول العربية وهي متطلب أساسي للعمل العربي المشترك، حيث تساهم في تعزيز التعاون وتعزيز العلاقات الثنائية والإقليمية. ثم اختلافات الأجندات والمصالح وغياب تحقيق التوافق والتنسيق العربي المشترك بسبب اختلاف الأجندات الوطنية المتباينة بين الدول.

إمكانية تنشيط العمل العربي المشترك

في 2004م، أعجب البعض بخطوة الزعيم الليبي العقيد معمر القذافي حين طلبت بلاده الانسحاب الرسمي من جامعة الدول العربية، واعتبروها إحراجًا للزعماء العرب بوضعهم أمام مسؤولياتهم التاريخية في هذا الظرف الحرج الذي يمر به العالم العربي واعتبروها بمثابة مسمار يدق في نعش الجامعة العربية ويبحثون لأنفسهم عن بديل.  وغاب عنهم أن أول دليل على أن العمل العربي المشترك ممثل في الجامعة العربية لا زال ضرورة عربية ولا زال يعمل هو بقاء هذا الهيكل منذ إنشائه قبل 78 عامًا رغم الصعاب التي مرت بها الجامعة العربية، وككل منظمة إقليمية وهناك بعض المحفزات والتحديات التي يمكن أن تؤثر في العمل العربي المشترك، فمن المحفزات الثقافة والتراث في الثقافة والتراث العربي محفِّز  كبير للعمل العربي المشترك، حيث تمتلك الدول العربية تاريخًا وثقافة غنية تمثل إرثًا مشتركًا يمكن أن يُعزِّز التواصل والتفاهم بين الدول العربية ويعزِّز العمل العربي المشترك في مجالات مثل الفن والأدب والتراث الشعبي. كما يُعَدُّ التعاون الاقتصادي والتنموي بين الدول العربية محفِّزًا قويًا للعمل العربي المشترك. يمكن أن يؤدي التكامل الاقتصادي وتبادل الخبرات والمعرفة في مجالات مثل التجارة والاستثمار والتنمية المشتركة إلى تعزيز التعاون وتحقيق فوائد اقتصادية متبادلة بين الدول العربية. أما التحديات فأولها اختلاف الأجندات الوطنية المتباينة بين الدول العربية. كما تواجه الدول العربية تحديات إقليمية مشتركة، مثل الصراعات الإقليمية والتوترات السياسية، والأزمات الأمنية، والصراعات الدينية والقومية، وقد تكون هذه التحديات دافعًا للتعاون والتنسيق العربي المشترك للتصدي لهذه التحديات والعمل على تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة. أيضًا المتغيرات الإقليمية والدولية وتداعيات الحرب الروسية ـ الأوكرانية والاستقطاب الدولي ودخول الصين للعالم العربي من أغنى أبوابه وهي دول مجلس التعاون ومحاولة إعادة تشكيل التحالفات السياسية والعسكرية والاقتصادية.

العمل الخليجي المشترك كقاطرة العمل العربي المشترك

 العمل الخليجي المشترك يمثل جزءًا هامًا من العمل العربي المشترك، حيث تجمع دول مجلس التعاون الخليجي في تعاون وتنسيق يحتذى به على مختلف المجالات، بما في ذلك الأمن الإقليمي، والاقتصاد، والثقافة. لكن العمل الخليجي المشترك يحتاج إلى أن يكون قاعدة متزنة ليساعد في تحريك العمل العربي المشترك، ولتطوير العمل الخليجي المشترك وجعله قاطرة للعمل العربي المشترك، يمكن اعتبار عدة خطوات تكاملية بين دول الخليج نفسها كتعزيز التكامل الاقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي عن طريق تعزيز التبادل التجاري والاستثمار المشترك، وتطوير البنية التحتية الاقتصادية المشتركة، مثل شبكات النقل والطاقة والاتصالات. فكثير من العمل الاقتصادي الخليجي المشترك يشتكي من التنافس أكثر من التكامل، ولا يمكن لاقتصاد خليجي به مثل هذا القصور أن يمثل دور القاطرة للعمل العربي الاقتصادي المشترك. وفي السياق نفسه يمكن تعزيز التعاون الثقافي والاجتماعي: بين دول مجلس التعاون الخليجي عن طريق تبادل الخبرات والمعرفة في المجالات الثقافية والفنية والاجتماعية، وتعزيز التواصل الشعبي ولعل دورة كأس العالم في قطر خير مثال ناجح على ذلك. كما يجب تقوية القاعدة الأمنية بتعزيز التعاون الأمني بين دول مجلس التعاون الخليجي عن طريق تبادل المعلومات الأمنية والتنسيق في مكافحة التطرف والإرهاب، وتعزيز الأمن الإقليمي، ليكون عاملاً محفزًا لتعزيز دور العمل الأمني العربي المشترك.

العمل العسكري الخليجي كمحفز للعمل العربي المشترك

لقد تغيرت هيئة الخليج منذ 4 عقود فاختلط اللون الكاكي مع بياض دشاديش أهله وحمرة شماغهم وصار اللون الدارج على رجاله في صحاريه وسواحله. كما لم يعد الخليج مغاصات لؤلؤ وموانئ تجارية فقط فقد تصاعدت النزاعات والتوترات العسكرية في المنطقة وقد شهدت أعتى وأطول الحروب في العصر الحديث كالحرب العراقية الإيرانية 1980-1988م، وكانت حرباً طويلة ودموية وأسفرت عن خسائر بشرية ومادية كبيرة على الجانبين. كما كان الغزو العراقي الغاشم لدولة الكويت 1990م، عاملًا من عوامل انهيار نظام الأمن العربي أعقبها حرب تحرير الكويت. ثم دخلنا في تبعات حرب تحرير العراق 2003-2011م، وأطاحت بنظام الطاغية صدام حسين. واستمرت الحرب لسنوات عديدة وأسفرت عن تغيرات كبيرة في الساحة السياسية والأمنية في العراق. ثم حرب اليمن عندما انتزعت جماعة الحوثي الإرهابية الشرعية واحتلت العاصمة اليمنية صنعاء وتصاعدت التوترات والاشتباكات بين الحوثيين المدعومين من إيران والحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والتحالف العربي بقيادة السعودية.

الخليج ليس نفطًا وليس دول رفاه فقط، ففيه وفرة مال ووفرة عنف ووفرة أسلحة، وليقود العمل العربي المشترك في جانبه العسكري أو على الأقل محفزًا له يجب القيام ببعض الخطوات كتعزيز التكامل والتنسيق العسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي عن طريق تبادل المعلومات العسكرية، وتنظيم التدريبات والمناورات المشتركة، وتطوير قدرات الدفاع المشتركة. ويمكن تطوير البنية التحتية العسكرية المشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي، مثل تطوير قاعدة بيانات مشتركة للمعدات العسكرية والتسليح، وتطوير البنية التحتية اللوجستية المشتركة. ويمكن تعزيز التدريب والتطوير العسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي عن طريق تبادل الخبرات والمعرفة في مجالات التدريب العسكري، وتنظيم برامج تدريب مشتركة ومتقدمة، وتطوير القدرات الفنية والتكنولوجية للقوات المسلحة. والأهم تعزيز التعاون الصناعي العسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي عن طريق تطوير صناعات الدفاع المشتركة، وتعزيز التعاون في مجالات الإنتاج العسكري والتكنولوجيا العسكرية. ثم تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال العمل العسكري وتدعيم خطوط الأمن الخليجي الخمس المكونة من الأمن الذاتي لكل دول منفردة وثم الأمن الجماعي الخليجي والأمن العربي المشترك والتعاون مع الحلفاء ثم التعاون مع الأصدقاء.

  تلعب دول مجلس التعاون الخليجي دوراً هاماً في التعاون العسكري العربي المشترك في إطار جهود تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة. وقد تم التأكيد على هذا الدور في عدة مناسبات ومبادرات دولية وإقليمية. ومن بين الأدوار الرئيسية التي تؤديها دول الخليج في التعاون العسكري العربي المشترك تشكيل تحالفات عسكرية مشتركة مع دول عربية أخرى لمواجهة التحديات الأمنية المشتركة، مثل تحالف دعم الشرعية في اليمن وتحالف القوة البحرية العربية. تتضمن هذه التحالفات تنسيق الجهود العسكرية والاستفادة من القدرات العسكرية المتاحة في الدول الأعضاء. بالإضافة إلى أن دول الخليج تستطيع أن تقدم التدريب والتأهيل العسكري للقوات العربية المشتركة، وتشارك في تنظيم التدريبات والمناورات المشتركة. يهدف ذلك إلى تعزيز التكامل العسكري ورفع مستوى الاستعداد والجاهزية العسكرية للقوات المشتركة. وبتبادل المعلومات الأمنية والاستخباراتية بشأن التهديدات الأمنية المشتركة، مما يساعد في تعزيز التنسيق والتعاون العسكري بين الدول الأعضاء. كما سعت دول الخليج إلى تعزيز القدرات الصناعية العسكرية المحلية والتعاون في مجال التصنيع مع دول عربية أخرى.

 سعت بعض دول الخليج العربي لتصنيع الأسلحة المتنوعة، بما في ذلك الأسلحة النارية، والذخائر، والمدرعات، والمركبات العسكرية، والطائرات الحربية حيث تشترك دول الخليج العربي في تطوير وشراء مروحيات وطائرات مقاتلة ونقل واستطلاع من مصنعين دوليين معروفين. وتعمل بعض الدول على تطوير قدرات صناعة الطيران المحلية، مثل الإمارات العربية المتحدة التي تطور مشاريع لإنتاج طائرات متقدمة وتطوير صواريخ بالتعاون مع شركات دولية، وهناك أيضًا تجميع وصيانة المعدات العسكرية حيث تتضمن هذه الصناعة تجميع وصيانة المعدات العسكرية المستوردة مثل الدبابات، والمدرعات، والمركبات العسكرية الأخرى، والطائرات، والسفن. أما الصناعات الدفاعية فتشمل تطوير وتصنيع أنظمة الدفاع الجوي، والاتصالات العسكرية، وأنظمة الاستشعار العسكري، والإلكترونيات العسكرية، والبرمجيات العسكرية، والتكنولوجيا العسكرية المتقدمة.

وقعت اتفاقية الدفاع العربي عام 1950م، بين دول عربية مختلفة، بهدف تعزيز التعاون العسكري بينها وتعزيز قدراتها الدفاعية. تأسست هذه الاتفاقية في ظل التحديات الأمنية التي واجهت المنطقة العربية في ذلك الوقت، بما في ذلك التهديد الإسرائيلي بعد إعلان قيام دولة إسرائيل في عام 1948م، وتهدف اتفاقية الدفاع العربي المشترك إلى تعزيز التعاون العسكري في مجالات مثل التدريب العسكري، والتعاون الاستخباراتي، وتبادل المعلومات الأمنية، وتطوير القدرات الدفاعية المشتركة، والتعاون في مجال الصناعات العسكرية والتكنولوجيا العسكرية. ومع ذلك، فإن اتفاقية الدفاع العربي المشترك لم تحقق تطوراً كبيراً على مر السنوات، ولم تكن فعالة بشكل كبير في تعزيز التعاون العسكري بين الدول الأعضاء. وقد تأثر تنفيذ الاتفاقية بالعديد من التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية في المنطقة العربية. وعلى الرغم من ذلك، قد تستمر بعض أشكال التعاون العسكري الثنائي بين بعض الدول الأعضاء في إطار اتفاقية الدفاع العربي المشترك، بناءً على الاتفاقات الثنائية والتحالفات الإقليمية الأخرى.

  ولا يمكن لدول الخليج ترقية اتفاقية الدفاع العربي المشترك إلا بإزالة العوائق التي كانت وراء عدم تحقق أية تطور كبير على مر السنوات، كالتحديات السياسية حيث تأثر تنفيذ اتفاقية الدفاع العربي المشترك بالتحديات السياسية والخلافات الداخلية بين الدول الأعضاء. فقد كانت هناك اختلافات في الأجندات الوطنية والأولويات الأمنية للدول الأعضاء، مما أثر على قدرتها على التعاون العسكري المشترك. كما لم تبخل دول الخليج على تنفيذ الكثير من الخطوات العسكرية العربية المشتركة سواء في مواجهة الصهاينة أو في قوات الردع في لبنان أو الصومال ومع ذلك تأثرت بعض الدول الأعضاء بضيق الموارد المالية والاقتصادية، مما قد أثر على قدرتها على تنفيذ التزاماتها وتعزيز قدراتها الدفاعية. قد يكون تطوير الصناعات العسكرية المشتركة مكلفًا وتحتاج إلى استثمارات كبيرة وتكنولوجيا متقدمة.

 تأثرت اتفاقية الدفاع العربي المشترك أيضًا بالتحالفات والشراكات الدولية التي قامت بها بعض الدول الأعضاء، والتي قد تكون أولوياتها الأمنية تتجه في اتجاهات أخرى خارج إطار الاتفاقية. وبدت للبعض كحركة انشقاق بعد انهيار نظام الأمن العربي بعد غزو العراق للكويت وظهور جدوى التحالفات الدولية. كما تواجه بعض الدول الأعضاء تحديات أمنية مشتركة، مثل التهديدات الإرهابية والصراعات الإقليمية، والتي قد تكون تتطلب تركيز الجهود والموارد على حلول ذات أولويات عاجلة، وقد يؤثر ذلك على قدرتها على تنفيذ التزامات اتفاقية الدفاع العربي المشترك. بالإضافة إلى تطور الأوضاع الإقليمية والدولية والتفاعل الإيجابي الكبير بين بعض الدول العربية والدول العظمى خصوصًا بعد الحرب الروسية الأوكرانية ونجاح الخليجيين خاصة في تهذيب توحش الاستراتيجيات الغربية التي كانت تتعامل معنا بصيغة إملائية فجة. دون إدراك أننا مرتكز للتحولات الكبرى

للرقي بالعمل العربي المشترك في جوانبه العسكرية يجب تطوير الفكر العسكري، ويحتاج الفكر العسكري الخليجي نفسه إلى تطوير ليكون قاطرة للفكر العسكري العربي المشترك، وفي دول الخليج العربي يعتمد الفكر العسكري على عدة جوانب ومبادئ، تشمل الدفاع عن السيادة والأمن الوطني عبر بناء قوات مسلحة قوية ومتطورة تكون قادرة على حماية حدودها وصون استقلالها الوطني. وهنا نقطة تغيير مهمة وهي توسيع مدى السيادة والأمن الوطني لتشمل العالم العربي كما كان حال الاتحاد السوفيتي متعدد الأعراق والقوميات.

كما يركز الفكر العسكري في دول الخليج على تطوير القدرات العسكرية الخاصة والاعتماد على القوة الذاتية للتصدي لأي تهديدات أمنية تواجه الدولة، سواء كانت داخلية أو خارجية. وفي الفكر العسكري العربي المشترك يجب وقف التنوع التسليحي من مصادر مختلفة وتوحيد السلاح بصناعته أو بتوريده من جهة واحدة.

في مجال التعاون والتحالفات الإقليمية تعزز دول الخليج التعاون العسكري الإقليمي والتحالفات الدفاعية مع دول أخرى في المنطقة، بهدف تعزيز قوتها الدفاعية والتصدي للتهديدات الأمنية المشتركة. ولا بأس من ذلك لكن يجب أن يكون العمل العربي المشترك في الدائرة الثانية بعد الدفاع المحلي وقبل الحلفاء والأصدقاء. كما تعتمد دول الخليج على التحديث والتطوير التكنولوجي في قواتها المسلحة، واستيراد الأسلحة والتجهيزات العسكرية المتطورة من دول أخرى، بهدف تحسين قدراتها العسكرية وتعزيز جاهزيتها لمواجهة التحديات الأمنية. وتُعَزِّز دول الخليج أيضاً التدريب والتأهيل العسكري للقوات المسلحة، بما في ذلك تطوير القدرات البشرية والفنية للجنود والضباط، وتعزيز القدرات القيادية والتكتيكية للقوات المسلحة. وهذا هو الجانب الوحيد الجاهز بالإضافة إلى الاحتشاد الاستراتيجي المتوفر.

يقوم الفكر العسكري الخليجي على العقيدة القتالية والاستراتيجية؛ والعقيدة القتالية DOCTRAIN"، هي مجموعة من المبادئ والمفاهيم التي توجه الجيش أو القوات المسلحة في تصميم وتنفيذ عملياتها القتالية. ,تتضمن العقيدة القتالية عادة المبادئ العامة المتعلقة بالتكتيك والاستراتيجية، والقواعد العامة لتنظيم وتشكيل القوات المسلحة، والقدرات المطلوبة والتكنولوجيا المستخدمة، و العقيدة القتالية قد تختلف بين الدول والجيوش المختلفة، حيث تعتمد على احتياجات كل جيش. وقد تتطور العقيدة القتالية مع مرور الزمن وتغير التهديدات الأمنية والتكنولوجيا فالعقيدة القتالية لإيران ستتغير من الصواريخ والمسيرات إلى الردع النووي كما تغيرت من قبلها العقيدة القتالية الهندية والباكستانية.

لا يوجد عقيدة عسكرية واحدة موحدة تنطبق على جميع دول الخليج العربي بشكل موحد، حيث تختلف العقائد والاستراتيجيات العسكرية من دولة إلى أخرى بناءً على التحديات الأمنية والتهديدات التي تواجهها كل دولة على حدة. ومع ذلك، يمكن وجود بعض العناصر العامة للعقائد العسكرية في دول الخليج العربي وعليه يجب توحيد العقيدة القتالية الخليجية وهي غربية في جلها لغياب السلاح الشرقي عن معظم دول الخليج ثم الدخول في معضلة توحيد العقيدة القتالية العربية المتنوعة السلاح وأساليب القتال وحجم التشكيلات، فاللواء المصري يساوي جيش كويتي كامل والفرقة العراقية تساوي الجيش الإماراتي وهكذا بالإضافة إلى ضرورة توحيد الذخائر والأوامر وكراسات التدريب. وهذا جهد يحتاج لعقود والحل الأفضل هو عدم الدمج بأي شكل والمشاركة كجيوش تحالف coalition، فقد حارب الجيش الفرنسي إلى جانب الجيش السوري والمصري والأمريكي في حرب تحرير الكويت ونجحوا رغم تنوع الأسلحة والعقيدة القتالية.

كما يجب توحيد الاستراتيجية الدفاعية وهي النهج والخطط التي تتبعها الدول العربية للدفاع عن نفسها وتهدف الاستراتيجية الدفاعية إلى تحقيق الأهداف العامة للدولة في مجال الدفاع والأمن، وتتضمن تحديد السياسات والمبادئ العامة لاستخدام القوة العسكرية، وتنظيم القوات المسلحة، وتطوير القدرات العسكرية، وتحديد الاحتياجات المالية والموارد البشرية، وإدارة الأزمات والتعامل مع التهديدات الأمنية.

وتختلف الاستراتيجية الدفاعية العربية من دولة إلى أخرى، حيث تعتمد على عدة عوامل مثل النظام السياسي، والموقع الجغرافي، والتهديدات الأمنية الإقليمية والدولية، والاقتصاد والموارد المتاحة، والتكنولوجيا العسكرية، والقوى والضعف في البنية التحتية العسكرية. وتتطور الاستراتيجية الدفاعية مع مرور الزمن وتغير الظروف الأمنية والسياسية والاقتصادية.

 

أخيرًا يقلق الباحث أن لا يجد سوى الكلمات الأكثر تقليديّة لتلافي الأخطاء التاريخيّة التي أوقعنا فيها صانع القرار العربي منذ توقيع اتفاقية الدفاع العربي عام 1950م، والذي ربما كان عسكريًا أو سياسيًا أو دبلوماسيًا لكنه لم يكن استراتيجيًا.

مقالات لنفس الكاتب