; logged out
الرئيسية / واشنطن مطالبة بصياغة سياسات تتوافق مع مصالح القوى الإقليمية وإلا انحسر نفوذها

العدد 186

واشنطن مطالبة بصياغة سياسات تتوافق مع مصالح القوى الإقليمية وإلا انحسر نفوذها

الإثنين، 29 أيار 2023

على مدى فترات زمنية طويلة، لم يدع المناخ السياسي العام في منطقة الشرق الأوسط سوى مجالًا محدودًا للتفاؤل. ويُعزى ذلك إلى أسباب عدة من بينها؛ الفشل في التوصل لحل سلمي للنزاع العربي -الإسرائيلي، واحتدام المنافسة الإقليمية، إلى جانب أزمة برنامج إيران النووي، وانعدام الاستقرار السياسي في لبنان والعراق، بالتزامن مع استمرار شرور الحرب الأهلية في كل من ليبيا، وسوريا، واليمن. مع ذلك، ساهمت الأحداث والتطورات الجارية منذ بداية عام 2023م، في إدخال ديناميات استراتيجية جديدة على المنطقة من شأنها تمهيد الطريق أمام سيادة السلام واستعادة الاستقرار السياسي والنهضة الاقتصادية الإقليمية، مدعومة بالخطوات التي اتخذتها الأطراف المتناحرة من أجل إصلاح العلاقات فيما بينها بعد عقود من التوتر. ولعل أبرز الأمثلة على ذلك، اتفاق المصالحة الذي تم مؤخرُا بين الرياض وطهران في سبيل استعادة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين.

 يعد الاتفاق السعودي الإيراني مثالًا هامًا على ما أنجزته جهود المصالحة التي تشهدها المنطقة خلال الآونة الأخيرة ولحسن الحظ إنه لن يكون الوحيد. فحرص على الحفاظ على مصالحها الاقتصادية التي تعتمد بشكل كبير على صورتها كدولة داعمة لمناخ الأعمال وملاذاً آمناً للشركات، عمدت دولة الإمارات منذ عام 2019م، إلى فتح المجال أمام عودة التفاعل مع الجانب الإيراني ورفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وإعادة فتح سفارتها في إيران، في المقابل، أعلنت طهران بدورها تعيين سفير لها لدى أبو ظبي للمرة الأولى منذ عام 2016م، بالمثل، دشنت تركيا منذ بدايات عام 2021م، مبادرات دبلوماسية تهدف إلى تحسين العلاقات مع كل من مصر، والمملكة العربية السعودية، والإمارات بعد أن ظل التوتر عنوانًا لها منذ عام 2010م، وقد أثمر ذلك عن تبادل الوفود والزيارات بين كبار المسؤولين العرب والأتراك وإتمام عدد من الصفقات الاستثمارية. ساهمت بيئة خفض التصعيد بين أنقرة، والقاهرة، وأبو ظبي في تقليص حجم التوترات داخل ليبيا بعدما كان الجانبان يدعمان طرفًا من أطراف النزاع الداخلي. ومع قدوم عام 2021م، تزعمت الرياض جهود رأب الصدع الخليجي مع دولة قطر، ومنذ ذلك الحين، تبادل قادة المملكة، وقطر، ومصر، والإمارات الزيارات فيما بينهم. وأخيرًا، جاء إعلان عدد من الدول العربية التي كانت تدعم عناصر الثورة السورية ضد الرئيس بشار الأسد، عن عودة العلاقات مع دمشق. وشهد هذا الاتجاه تسارعًا منذ اندلاع كارثة الزلزال المُدمر في فبراير الماضي، الذي تسبب في ضرب عدة دول في المنطقة على رأسها سوريا وتركيا مما استدعى تدفق المساعدات والدعم العربي إلى سوريا. وكذلك الأمر حتى بالنسبة لتركيا، التي برغم من دعمها القوي للعناصر القتالية ضد نظام الأسد، واحتلالها أجزاء من شمال سوريا، إلا إنها أعادت فتح قنوات التواصل مع الرئيس بشار الأسد.

تتواكب هذه التحولات مع جهود تدعيم التنمية الاقتصادية وتحركات جيوسياسية في المنطقة في ظل تشكيك حلفاء واشنطن بالمنطقة في التزام الشريك الأمريكي طويل الأمد تجاه الشرق الأوسط، خاصة في وقت تسعى قوى عالمية أخرى، بالأخص الصين، مُستفيدة من علاقاتها التجارية المتنامية مع دول المنطقة، إلى كسب مزيد من النفوذ. فقد جاء اتفاق المصالحة بين المملكة العربية السعودية وإيران بوساطة صينية. وهو الاتفاق الذي يعكس حرص الرياض على إعلاء وتدعيم الأمن الإقليمي في إطار جهودها للتوسع في الاقتصاد الوطني، وإجراء منظومة إصلاحات، وتنويع موارد الدخل القومي. يتزامن اتجاه الرياض للتعاون مع بكين في هذا الملف في وقت تشهد علاقاتها التاريخية مع الحليف الأمريكي توترًا، بينما تسعى طهران، على الجانب الأخر، إلى تقويض المحاولات الغربية الرامية لعزلها دوليا والتخفيف من وقع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها. ناهيك عن أن بكين تعد من أهم الشركاء التجاريين لكل من المملكة العربية السعودية وإيران.

ثمة اعتقاد لدى الجانبين السعودي والإيراني بأن التعامل من خلال الوسيط الصيني من أجل استعادة علاقاتهما الإقليمية يضمن لهم استفادة مؤكدة، كما أن التعاون مع بكين في مثل هذا الملف يعد في حد ذاته تطورًا جديدًا لكلتا الدولتين. بالعودة إلى عام 2015م، كانت الأولوية الرئيسية لطهران حينذاك تتمركز حول تحسين العلاقات مع الجانبين الأمريكي والأوروبي، في حين اعتبرت أن مفاوضاتها مع دول الجوار أولوية ثانوية. وتمخض عن ذلك، التوقيع على خطة العمل الشاملة المشتركة -الاتفاق النووي بين طهران والولايات المتحدة والأعضاء الدائمين بمجلس الأمن بالإضافة إلى ألمانيا-والذي نص على الحد من أنشطة إيران النووية مقابل تخفيف العقوبات المفروضة على الجمهورية الإسلامية. ومع انتخاب إبراهيم رئيسي رئيسًا للبلاد، عمدت إيران إلى تغيير بوصلة علاقاتها الخارجية مانحة اهتمامًا وزخمًا جديدًا لجهود تحسين علاقاتها مع دول الجوار وروابطها التجارية. وفي سبيل تحقيق ذلك، أعادت طهران علاقاتها الدبلوماسية بشكل كامل مع دولتي الكويت والإمارات خلال عام 2022م، إلا أن إتمام اتفاق المصالحة مع الرياض بوساطة بكين، جاء بمثابة جائزة كبرى لطالما سعت إليها إيران -وبداية انفتاح حقيقي على العالم العربي، ربما يمتد قريبًا ليشمل كل من البحرين ومصر.

بالنسبة للمملكة العربية السعودية، يُشكل الاتفاق مع إيران بوساطة صينية تحولًا استراتيجيًا في وقت تشهد علاقاتها مع واشنطن فتورًا تاريخيًا في ظل تراجع مستوى رضى المملكة عن سياسات الولايات المتحدة داخل المنطقة منذ الغزو الأمريكي للعراق في عام 2003م، حيث لم تكن الرياض سعيدة بالإطاحة بنظام الرئيس العراقي صدام حسين في عهد جورج بوش، فيما شعرت بالانزعاج من توقيع إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما الاتفاق النووي مع إيران. كما أصبح هناك قناعة لدى السعودية وقوى إقليمية أخرى بأن الولايات المتحدة، سواء تحت حكم الجمهوري ترامب أو الديمقراطي بايدن، أصبحت تولي اهتمامًا وتركيزًا أكبر بالمنافسة على الريادة العالمية أمام الصين وروسيا، مقارنة بانشغالها بقضايا المنطقة.

 ينعكس هذا التحول للمنافسة على الريادة العالمية بشكل واضح من خلال مضامين الاستراتيجيات المُصاغة حديثًا بشأن أجندة الأمن القومي الأمريكي. من جانبها، وضعت القيادة السعودية هدفًا طموحًا لترسيخ أقدام المملكة ضمن مصاف الاقتصادات الصناعية المتقدمة، ووضع الرياض كمركز ثقافي وسياحي عالمي بحلول عام 2030م، إلا أن هذه الاستراتيجية الطموحة تتنافى مع المفهوم الأمريكي المُتصور بشأن الأمن الإقليمي وتفضيل واشنطن فكرة عزل طهران إقليميًا ودوليًا.

ومع ذلك، لا تزال الرياض راغبة في بناء علاقات وثيقة ومستقلة مع الولايات المتحدة، والصين، وروسيا والقوى العالمية الأخرى إلى جانب الاضطلاع بدور محوري في المنطقة يوازن الدور الذي تلعبه مصر، وإيران، وتركيا، وإسرائيل، إلى جانب حماية أمنها القومي وحماية مصالحها الإقليمية. ومن أجل الحفاظ على هذه المكانة يتعين العمل على تعزيز علاقة الرياض مع كافة دول الجوار.

الولايات المتحدة وأزمات الشرق الأوسط: عندما قام الرئيس الأمريكي جون بايدن بزيارة إلى مدينة جدة ولقائه القادة العرب في يوليو 2022م، صرح بشكل واضح بأن بلاده لديها التزام راسخ حيال أمن واستقرار الشرق الأوسط. وحرص الرئيس الأمريكي على طمأنة نظرائه العرب بشأن عدم تخلي واشنطن عن المنطقة. وبرغم من انشغال الإدارات الأمريكية الأخيرة بالمنافسة العالمية أمام المارد الصيني والحرب الدائرة في أوكرانيا، إلا أن المصالح الحيوية لواشنطن تظل متمركزة داخل منطقة الشرق الأوسط بما يشمل ذلك: تدفق إمدادات آمنة من صادرات النفط والغاز، وعدم انتشار أسلحة الدمار الشامل، ومجابهة الحركات والأيديولوجيات المتطرفة، بالإضافة إلى حماية أمن إسرائيل.

وحرصًا على الحفاظ على مصالحها الرئيسية في المنطقة، دأبت واشنطن على التفاعل الوثيق مع النزاعات والأزمات التي تشهدها المنطقة، ومن بينها الأزمة السورية. إذ يعود تاريخ العلاقات الدبلوماسية بين واشنطن ودمشق إلى عام 1944م، وشهدت منذ ذلك الحين موجة من التقلبات بدأت عام 1967م، مع تأزم العلاقات الثنائية بين البلدين ثم عودة المياه إلى مجاريها خلال عام 1974م، ومع اندلاع الثورة السورية في مارس من عام 2011م، تدهورت العلاقات بين واشنطن ودمشق مرة أخرى. إلا أن صعود تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" في 2014م، جعل الحكومة الأمريكية تعمل بشكل وثيق مع الائتلاف الدولي من أجل تلقينه هزيمة ثقيلة، ولا يزال الائتلاف ملتزمًا بهدف القضاء على تنظيم الدولة من خلال دعم عودة الاستقرار للمناطق التي تم تحريرها، وتسهيل عودة المواطنين النازحين، وإيجاد حلول طويلة الأمد بشأن ملف المقاتلين الأجانب في صفوف داعش الذين تم اعتقالهم، بموازاة العمل على إعلاء تحقيق العدالة والمساءلة داخل دولتي سوريا والعراق. وحتى وقتنا هذا، تظل الولايات المتحدة أكبر مانح دولي لجهود دعم الاستقرار في الشمال السوري عبر توفير مساعدات مالية تجاوزت قيمتها 350 مليون دولار منذ أواخر عام 2016م، يتم تكريسها من أجل تمويل برامج التعافي المبكر ودعم الاستقرار. في حين تجاوز إجمالي المساعدات الأمريكية المُخصصة من أجل تدعيم الاستقرار داخل كافة المناطق السورية منذ عام 2011م، نحو 1.3 مليار دولار أمريكي. ويشمل ذلك الإعلان في أكتوبر من عام 2019م، عن تخصيص حزمة مساعدات مالية جديدة بقيمة 50 مليون دولار أمريكي من أجل مواصلة تمويل المشروعات والمبادرات التي تدعم عودة الاستقرار إلى الداخل السوري، مع التركيز على مساندة الأقليات الدينية والعرقية. علاوة على ذلك، ساهمت واشنطن منذ عام 2018م، في تأمين التزامات وتعهدات بمساعدات بأكثر من 700 مليون دولار من قبل شركائها في التحالف الدولي لدعم الاستقرار في سوريا وجهود التعافي المبكر.

وفي الشأن اليمني، أبدت الولايات المتحدة ترحيبا بالجهود المبذولة من جانب كافة أطراف النزاع الداخلي بهدف تحويل اتفاق الهدنة المؤقت إلى اتفاقية سلام دائم. كذلك ثمنت واشنطن الجهود المبذولة من قبل حلفائها في المنطقة من بينهم المملكة العربية السعودية وسلطنة عمان لإحراز تقدم في جهود التوصل لعملية سلام داخل اليمن. حيث ساعدت الهدنة الموقعة في تحسين وصول المساعدات الإنسانية والاقتصادية إلى أبناء الشعب اليمني. وفي عام 2023م، تعهدت واشنطن بتقديم مساعدات مالية بقيمة 444 مليون دولار لمساندة الشعب اليمني. ورحبت بالدعم المقدم من قبل شركائها، بما يشمل ذلك الوديعة المُعلن عنها من قبل المملكة بقيمة 1 مليار دولار لدى البنك المركزي اليمني. واليوم، أصبح اليمن يحظى بفرصة غير مسبوقة كي ينعم بالسلام والاستقرار، لذلك تحرص أمريكا على حث كافة أطراف النزاع على اغتنام الفرصة السانحة من أجل خلق مستقبل أفضل وأكثر إشراقًا لليمنيين. وفي ضوء ذلك، يعمل المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن تيم ليندر كينج بشكل وثيق مع الأمم المتحدة والحلفاء الإقليميين والممثلين عن اليمن من أجل حشد الدعم لجهود السلام الجارية.

على الصعيد الليبي، اتُخذ قرار عام 2015م، بنقل مقر السفارة الأمريكية في طرابلس بشكل مؤقت إلى تونس فيما يعرف الآن بـ “مكتب ليبيا الخارجي". مما يعني أنه على مدار نصف عقد من الزمان لم تبد الولايات المتحدة حضورًا فعلياً داخل ليبيا أو أقله بصورة مستدامة وذات جدوى. فبعد أن وقع الدبلوماسيون الأمريكيون في مرمى نيران القتال بين الجماعات المسلحة والميليشيات الذي اندلع في كافة أنحاء العاصمة الليبية خلال صيف عام 2014م، صدر قرار إغلاق مقر السفارة وإجلاء أفراد البعثة الدبلوماسية الأمريكية ونقلهم إلى تونس، ولم تعد البعثة منذ ذلك الحين إلى ليبيا على الرغم من تحسن الأوضاع الأمنية نسبيًا خلال الأعوام الماضية بما شجع عددًا من السفارات الأجنبية الأخرى على إعادة فتح سفاراتها داخل ليبيا أو أن تكون في طريقها إلى ذلك. وتعود أسباب هذا الغياب الأمريكي جزئيًا إلى الإرث الثقيل ذي الطابع السياسي الذي خلفه الهجوم الإرهابي على مقر البعثة الدبلوماسية الأمريكية بمدينة بنغازي في عام 2012م، والذي راح ضحيته السفير الأمريكي لدى ليبيا في ذلك الوقت جون كريستوفر ستيفنز وثلاثة آخرون من أعضاء البعثة الأمريكية. وتعد هذه الحادثة المأساوية الدافع وراء تجنب إدارة بايدن غير الاعتيادي، المخاطرة بالتوقيع على عودة البعثة الدبلوماسية إلى داخل الأراضي الليبية.

هكذا، وفي ظل غياب التواجد الفعلي على الأراضي الليبية، يضطر أعضاء البعثة الدبلوماسية الأمريكية لدى ليبيا مباشرة عملهم من خلال المقر المؤقت للسفارة في تونس وهو ما يجعلهم عاجزين عن بناء جسور الثقة مع الأطراف الفاعلة الرئيسية داخل ليبيا وفهمهم وربما حتى التأثير عليهم وذلك نتيجة عدم قدرة أو ربما عدم رغبة بعض الليبيين في السفر إلى تونس عادة بسبب ظروف مالية أو سياسية. وما أضفى مزيدًا من التعقيد على هذا الشأن، هي الأهمية المتزايدة التي باتت تكتسبها قضايا الأمن والطاقة الليبية على مدى الأعوام القليلة الماضية، لتصبح الدولة الإفريقية الغنية بالنفط مطمعًا لقوى خارجية ساعية وراء تحقيق مصالحها.

 مع ذلك، يجب أن يكون واضحًا أن سياسات المساعدات الإنمائية الأمريكية تجاه ليبيا على المستوى المحلي تعد شاملة وتستحق الثناء. حيث تركز هذه المساعدات على تدعيم المجتمع المدني، وإعلاء قيم حقوق الإنسان، والعمل على تطبيق العدالة وبناء السلام، فضلاً عن تدريب الكوادر الصحفية، وتنظيم ورش عمل للحكومة البلدية المنتخبة، ومساعدة المواطنين الليبيين على التكيف مع التحديات المحدقة المتعلقة بأزمة تغير المناخ. لكنه لا يزال من غير الممكن أن تؤتي أي من صور الدعم المهمة هذه ثمارها مع استمرار مباشرة البعثة الأمريكية عملها من خارج الأراضي الليبية.  ومع ذلك، تظل الولايات المتحدة من أشد الداعمين لجهود بناء حكومة موحدة وشاملة، يناط بها حفظ أمن البلاد والعمل في الوقت ذاته على تلبية الاحتياجات الاقتصادية والإنسانية للشعب الليبي. كما تلتزم واشنطن بتقديم المساعدة اللازمة من أجل بناء المؤسسات الليبية، وتعزيز المصالحة السياسية، والاستجابة للاحتياجات الإنسانية، وتدعيم قدرات الدولة الليبية على الحكم بفاعلية من خلال إجراء انتخابات حرة نزيهة والعمل على حماية الأراضي الليبية، وإدارة الأموال العامة بشفافية ومسؤولية.

ويمثل قطاع الطاقة موردًا رئيسيًا للاقتصاد الليبي، كما تشكل عائدات النفط والغاز أحد أهم مصادر النقد الأجنبي للبلاد، بما يؤكد مدى أهمية ضمان استمرارية نشاط قطاع الطاقة الليبي داخل كافة أنحاء البلاد. يشار إلى أن العديد من الشركات الأمريكية لديها استثمارات طويلة الأجل داخل ليبيا لاسيما تلك الرائدة في قطاع الطاقة.  

مع بدايات عام 2023م، اجتاحت المظاهرات شوارع المدن الإسرائيلية احتجاجًا على التعديلات القضائية المقترحة من قبل حكومة بنيامين نتنياهو للحد من سلطات المحكمة الدستورية، والتي يرى منتقدوها أن مثل هذه التعديلات ستُزيل الرقابة عن عمل الائتلاف الحكومي. وفي ظل تصاعد وتيرة العنف في الضفة الغربية، فقد تسببت إجراءات الحكومة اليمينية التي سمحت بوجود بؤر استيطانية وإدلاء بعض أعضاء حكومة نتنياهو الداعمة لبناء المستوطنات بتصريحات وتعليقات تحريضية ضد الجانب الفلسطيني، في إثارة انتقادات المسؤولين الأمريكيين.  فهل يؤثر ذلك على العلاقات الوثيقة بين الحليفين؟

لطالما كانت الولايات المتحدة داعمًا رئيسيًا لإسرائيل بإجمالي مساعدات عسكرية أمريكية سنوية تتجاوز 3 مليار دولار. كما أنه نادر ما تعرضت الأفعال أو السياسات الإسرائيلية إلى انتقاد من قبل زعيم أمريكي.  إلا أن التطورات الأخيرة، اضطرت الرئيس جون بايدن، الذي عادة ما يعرب عن دعمه الصريح والراسخ لمبادئ الصهيونية وإسرائيل، إلى توجيه تحذير لحكومة نتنياهو لوقف تطاولها على الهيئة القضائية داعيًا إياها للعمل على التوصل إلى تسوية حقيقية. وقد أوضح الرئيس الأمريكي أنه لن تتم دعوة رئيس الوزراء الإسرائيلي في أي وقت قريب لزيارة واشنطن بعدما كان قادة إسرائيل وافدين دائمين على البيت الأبيض.

وبعد أن أصبحت إسرائيل اليوم واحدة من أقوى القوات العسكرية في المنطقة، قد يكون من السهل أن تغفل مدى اعتمادها على الحليف الأمريكي إلا أن الواقع يقول عكس ذلك. فوفقًا لبيانات مؤسسة "خدمة بحوث الكونجرس" التابعة للكونجرس، تعتبر إسرائيل أكبر متلقي للمعونات الخارجية الأمريكية منذ الحرب العالمية الثانية. وعلى الرغم من امتلاك إسرائيل صناعة دفاعية متقدمة خاصة بها تنتج أنظمة دفاعات صاروخية، وأدوات الأمن السيبراني والطائرات بدون طيار، إلا أنها لا تزال بحاجة إلى مواد باهظة الثمن من الولايات المتحدة لكي تكفل لها الحفاظ على تفوقها العسكري مثل الطائرات الحربية المقاتلة. على سبيل المثال، استفادت تل أبيب من المعونة الأمريكية في شراء 50 طائرة مقاتلة من طراز إف-35. علاوة عن ذلك، توفر الولايات المتحدة غطاءً دبلوماسيًا حيويًا لإسرائيل، مستفيدة من مقعد واشنطن الدائم لدى مجلس الأمن في عرقلة أية قرارات معادية لها. كما كان للوساطة الأمريكية دور في إتمام اتفاقات إبراهام التي بموجبها حظيت إسرائيل باعتراف أربع دول إسلامية بما يساعد في منح حكومة نتنياهو الدعم اللازم كي تنجح في تأسيس علاقات دبلوماسية مع الدول الإسلامية الأخرى. كذلك تنعم الولايات المتحدة وإسرائيل بشراكة استخباراتية وثيقة، وعميقة، وطويلة الأمد. وحتى وإن يكن الدعم الأمريكي لإسرائيل مهددًا على المدى القصير، إلا أن ثمة شكوك متزايدة بشأن استمراره على المدى البعيد.

لذلك ينبغي أن تكون نتائج استطلاع الرأي الذي أجرته مؤسسة "جالوب" مؤخرًا بمثابة صيحة إيقاظ لقادة إسرائيل الذين يعتبرون الدعم الأمريكي لبلادهم أمرًا مسلماً به. وفي الوقت الذي يعتبر أعضاء الحزب الجمهوري أشد موالاة لإسرائيل عن أي وقت مضى، يوجد انقسام بين الديمقراطيين في الشعور بالتعاطف مع الإسرائيليين والفلسطينيين. علاوة على ذلك، خلص استطلاع رأي لمؤسسة "بيو" للأبحاث خلال عام 2022م، أن غالبية الشعب الأمريكي تحت سن 30 عامًا لديهم نظرة غير مواتية لإسرائيل، حتى أن الأمريكيين من أبناء الديانة اليهودية لم يعودوا مناصرين لإسرائيل كما كانوا في السابق. بل وقد كشفت دراسة مسحية أجريت عام 2021م، أن نسبة تقترب من ربع اليهود الأمريكيين (و38 % ممن هم دون سن الـ 40 عامًا) يعتبرون إسرائيل دولة عنصرية. وقد يعود بعض من أسباب البرود الأمريكي المتنامي تجاه إسرائيل، بالأخص بين صفوف المنتمين للتيار التقدمي، إلى علاقة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الوثيقة مع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب-وخلافه المتزايد حاليًا مع الرئيس بايدن.

الآفاق المستقبلية: ظل الأمريكيون على مدى ثلاثة أرباع القرن الماضي لاعبًا رئيسيًا داخل منطقة الشرق الأوسط وصاحب حضور أساسي في كافة الأحداث المتعاقبة، أما الآن، تجد واشنطن نفسها على الهامش في لحظة تغيير تاريخية فارقة. في حين، نجحت بكين أن تتحول بشكل مفاجئ إلى طرف فاعل جديد بعدما كانت على مدار أعوام صاحبة دور ثانوي. من جانبه، أعلن فريق بايدن الرئاسي ترحيبه بعودة العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران، وعودة الدفء للعلاقات بين أنقرة والرياض وأبو ظبي، إلى جانب رأب الصدع في العلاقات الخليجية ما بين قطر من جهة والمملكة والإمارات والبحرين ومصر من جهة أخرى. كما عمدت الإدارة الأمريكية إلى التخفيف من حدة معارضتها لعودة سوريا مرة أخرى إلى الحضن العربي. إذ تساعد بيئة خفض التوترات في المنطقة في تمكين الولايات المتحدة من التركيز على الأولويات المدرجة على أجندتها العالمية حيث لا تزال واشنطن ممسكة بالكثير من خيوط اللعبة الرئيسية في قضايا المنطقة، بدعم روابطها التجارية، والعسكرية، والاستخباراتية الممتدة مع مختلف الأطراف الفاعلة في الشرق الأوسط. فبعد أن أُسدل الستار على نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، انفردت واشنطن بمكانتها باعتبارها اللاعب الوحيد الأساسي من خارج المنطقة. مع ذلك، عاد الوجود الروسي إلى المشهد مرة أخرى خلال عام 2015م، مع إرسال موسكو وحدات عسكرية لمساندة قوات الرئيس السوري بشار الأسد في حربه ضد العناصر والجماعات المسلحة. في الوقت ذاته، حرصت بكين على مدار الأعوام الماضية على امتلاك قواعد عسكرية خاصة بها داخل المنطقة سعيًا وراء مصالحها للاستفادة من مصادر الطاقة واكتساب نفوذ يتخطى حدود القارة الآسيوية. من ثم، ينبغي على الولايات المتحدة العمل على تشجيع الدول العربية، وإيران، وتركيا، وإسرائيل لاستكشاف إمكانية بناء هيكل أمنى إقليمي موسع يعترف بالاحتياجات الأمنية الرئيسية لكافة الأطراف الإقليمية الفاعلة، وخفض التوترات، وتدعيم السلام والاستقرار بالمنطقة. كما يتعين عليها صياغة سياسات تتوافق مع رؤية القوى الإقليمية لمصالحها الخاصة، وإلا ستخاطر بمواصلة انحسار نفوذها مقابل صعود نجم الصين وروسيا.

مقالات لنفس الكاتب