; logged out
الرئيسية / 3 سيناريوهات لمستقبل الأزمة الليبية والحل باتفاق الفُرقاء لتحقيق المُصالحة

العدد 186

3 سيناريوهات لمستقبل الأزمة الليبية والحل باتفاق الفُرقاء لتحقيق المُصالحة

الإثنين، 29 أيار 2023

شهدت الأزمةُ الليبيَّةُ في النصف الأول من هذا العام (2023م) تطوُّرات عديدة، ومرت بمحطَّاتٍ بارزةٍ، وتستمرُّ ملامحُ المشهـد المُرتبك والمُعقَّد لأوَّل وهلةٍ؛ بسبب استمرار حالة الجُمُود السِّياسيِّ، وانقسام السُّلطة التنفيذيَّة، والإخفاق في إقامة الانتخابات المُرتقبة والاستفتاء على الدستُور التوافقيِّ حتَّى هذه اللحظة، ممَّا يعني تواصُل المراحل الانتقاليَّة، والدَّوران في حلقٍ مُفرغةٍ من عدم الاستقرار السِّياسيِّ والاقتصاديِّ، وتواصُل المُفاوضات واللقاءات والتَّجاذُبات بين الفُرقاء السِّياسيين الليبيين، وحُلفائهم الإقليميين والدَّوليين. وضمن هذا السِّياق، تتناولُ هذه المقالة أبرز التَّطوُّرات السِّياسيَّة في المشهد الليبي خلال النِّصف الأوَّل من هذا العام، وذلك من خلال التَّركيز على الجوانب الرَّئيسيَّة التَّالية: أوَّلاً: استمرارُ إشكاليَّة الانقسام السِّياسيِّ في ليبيا والصراع على عوائد النفط، ثانياً: إقرارُ التَّعـديل الدستُوريِّ الثالث عـشـر، ثالثاً: تشكيلُ اللجنة المُشتركة لإعـداد القوانين الانتخابيَّة (6+6)، رابعاً: مُبادرة المُمثل الخاص للأمين العام للأمم المُتحدة في ليبيا عبد الله باتيلي. خامساً: دورُ العامل الخارجيِّ في تطوُّرات الأزمة الليبيَّة الرَّاهنة، سادساً: السيناريُوهات المُحتملة لتطوُّر الأزمة الليبية.

أولاً: استمرارُ إشكاليَّة الانقسام السِّياسيِّ في ليبيا والصراع على عـوائد النفط:

كان الصراعُ على النفط حاضراً في الأزمة الليبية منذ بدايتها عام 2011م، فمن المعلوم أن الاقتصاد الليبي "ريعي" يعتمد على سلعة واحدة، وهي "النفط"، الذي يُساهمُ بشكلٍ مُباشرٍ في الناتج المحلي الإجمالي بحسب تغير الكميات المنتجة وأسعار التصدير، وقد بلغ إنتاج النفط الخام مليون و214 ألف برميل يوميًا, حسب الموقع الرسمي للمؤسسة الوطنية للنفط (مطلع شهر مايو2023م)، فالغرب يريد ألا يتوقف النفط الليبي عن التدفق، بيد أن التوترات والاضطرابات التي حدثت أكثر من مرة، وتسببت في إغلاق عدد من الحقول والموانئ النفطية كانت حجر عثرة في طريق تلك المصالح، بل أدت تلك التوترات أيضًا إلى نزيف اقتصادي حاد، وخسائر مالية كبيرة..

وفي ذات السياق، قامت حكومة الوحدة الوطنية بتكليف فرحات بن قدارة رئيسًا لمجلس إدارة المؤسسة الوطنية للنفط، خلفًا لمصطفى صنع الله، الذي رفض هذه الخطوة، واتهم رئيس حكومة الوحدة الوطنية الموقتة عبد الحميد الدبيبة بالفساد المالي والسياسي، بعد قرار إطاحته من المؤسسة، مُعتبرًا أن تعيين ابن قدارة جاء وفق صفقةٍ سياسيَّةٍ.

وفي تطور بارز على هذا الصعيد، شهدت الساحة الليبية حالة من الجدل (ديسمبر2022م) على خلفية مطالبة شركة إيني للطاقة الإيطالية برفع معدل الربحية إلى 20% وتعديل اتفاقية "الإبسا 4" لحقل الوفاء البري للقطعة البحرية(C41) . وقالت وزارة النفط بحكومة الوحدة المنتهية ولايتها إن: "مُطالبات الشركة الإيطالية غير مقبُولة، ولا تستند لأيِّ أساسٍ، مُوضِّحةً أنَّها قد تُؤدِّي إلى زيادة حصِّتها في المشرُوع بخلاف التعاقُدات السَّابقة". من جانبه، رفض رئيسُ الحكومة المُكلف من البرلمان، فتحي باشاغا، تغيير نسبة المُشاركة بين المُؤسَّسة الوطنيَّة للنفط وشركة إيني الإيطالية في شركة مليتة للنفط والغاز، مُحذِّرا من صفقاتٍ مشْبُوهةٍ". وقالت وزارة النفط والغاز، التابعة لحكومة «الوحدة» المُؤقتة، إنه "لا يُنصح بإجراء أي تعديل على اتفاقيات مستقرة؛ لأن ذلك قد يفتح الباب أمام مطالب أخرى بالتعديل لحصص الإنتاج مع الشركاء الآخرين، بما سيربك النمط التعاقدي الليبي".

 وفي ظل تلك المعطيات وتبعاتها، تُواجهُ الدَّولةُ الليبيَّةُ ملامح صراعٍ جديدٍ، مُتعـدِّد الأبعاد، سياسيّاً واقتصاديّاً وعسكريّاً..، حيثُ أنَّ فشل كافَّة الأجسام السِّياسيَّة الموجُودة في المشهد الرَّاهن في تحقيق الاستحقاق الانتخابيِّ أدَّى إلى مزيدٍ من التعقيد للأزمة الليبيَّة، فبعد منح الثقة للسيد فتحي باشاغا رئيساً للحُكُومة(10/2/2022م)، خلفاً لعبد الحميد الدبيبة، أعلن الأخيرُ أنَّهُ لنْ يُسلِّم السُّلطة إلاَّ لحُكُومةٍ مُنتخبةٍ، وأشار إلى خُطَّةٍ لإجراء انتخاباتٍ تشريعيَّةٍ قبل نهاية يونيو 2022م، موعد نهاية خارطة طريق "مُلتقى الحوار السِّياسيِّ" الذي تشكَّلت حُكُومتُهُ بمُوجبه. وتنُصُّ الخُطَّةُ على "إجراء الاستفتاء على الدستُور بالتزامُن مع الانتخابات البرلمانيَّة". وكان مجلسُ النواب قد اعتبر أنَّ ولاية دبيبة انتهت بحُلُول موعد انتخابات ديسمبر 2021م، ولهذا سعى لتعيين حُكُومةٍ مُؤقتةٍ جديدةٍ للإشراف على استفتاءٍ على دُستُورٍ انتقاليٍّ، وانتخاباتٍ جديدةٍ في غُضُون 14 شهراً. بينما يرى دبيبة أنَّ مجلس النواب نفسه انتهت شرعيَّتُهُ بعد نحو ثماني سنواتٍ من انتخابه، وأنَّ جدولهُ الأطول للانتخابات يهدفُ إلى إطالة بقائه في السُّلطة. وفي جلسة (3/مارس/2022م) قام رئيسُ الحُكُـومـة وعـددٌ من الوُزراء بأداء اليمين القانُونيَّة، أمـــام البـرلمـــان. وفي مُنتصف مايو تمَّ إقرارُ قانُونُ الميزانيَّة العامَّة للدَّولة لعام 2022م، لحُكُومة باشاغا، كما دعم البرلمان مُمارسة هذه الحُكُومة لمهامِّها من مدينة سرت، حتَّى تتمكَّن منْ دُخُول العاصمة، والعمل من هُناك.

وهُنا عاد شبحُ الانقسام للبلاد منْ جديدٍ، وأصبحت هُناك حُكُومتان، الأولى: برئاسة الدبيبة تعملُ من طرابلس، وترفُضُ تسليم السُّلْطة للحُكُومة الجديدة (الثانية فعليًا) التي كلَّفها البرلمانُ، برئاسة باشاغا، وهكذا عاد المشهدُ الليبيُّ إلى تلك الصُّورة القاتمة، وانعكست هذه الظُّرُوفُ سلبيّاً على حياة المُواطن، وعلى الخدمــات الأســاسيَّة والظروف المعيشية .. ويعني ذلك أيضا: استمرار الانقسام في بعض المُؤسَّسات، والتَّضارُب في القرارات .. وإشكاليات محلية ودولية لا حصر لها، تتعلق بوحدة تمثيل الدولة في المحافل الدولية، واعتراف بعض الدول بإحدى الحكومتين دون الأخرى.

ثانياً: التَّعـديلُ الدستُوريُّ الثالثُ عـشـر: حيثُ تمَّ إقرارُ هذا التَّعديل بإجماع النُّوَّاب الحاضرين في جلسة مجلس النواب المُنعقدة في بنغازي بتاريخ: 7/فبراير/2023م. وقد نُشِرَ نصُّ هذا التَّعديل في الجريدة الرَّسميَّة الصَّادرة عن المجلس في:23/2/2023م، وتضمَّن التَّعْديلُ ثلاثةً وثلاثين مادَّةً، وجاء في مادَّته الأولى: "يُسْتبدلُ بنُصُوص المواد: 17) إلى30) من الباب الثالث وتعديلاته المُتعلق بنظام الحُكم النُّصُوص الآتية:"، ونصَّت المادة الثانية على أنه: يتكون نظام الحكم من سلطة تشريعية مكونة من غُرفتين تحت مُسمَّى مجلس الأمَّة، وسُلطة تنفيذيَّة يترأسُها رئيسٌ مُنتخبٌ مُباشرة من الشَّعب". وحسب التَّعديل تتكوَّنُ السلطة التشريعية من غُرفتين الأولى: هي مجلس النواب ويكون مقره بنغازي، والغرفة الثانية: هي مجلس الشيوخ، ويكون مقره طرابلس. ويتولى سن القوانين وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية". وتضمَّن التَّعديلُ مواد تتعلق بتكوين مجلس النواب ومشروعات القوانين ومقترحاتها، والسؤال والاستجواب، وتكوين مجلس الشيوخ، والعضوية فيه، وانعقاد جلساته، واختصاصاته، واللجنة المشتركة وغيرها، ونصَّت المادَّةُ (30) من التَّعديل الدستُوريِّ على: (حُكم انتقالي لانتخابات مجلس الأمة ورئيس الدَّولة)، والتي تنُصُّ على: "أنْ تُجْرَى انتخاباتُ الرئيس والمجلس خلال 240 يوماً من تاريخ دُخُول قوانين الانتخابات حيِّز التنفيذ، وفي حال تعذُّر إجراء الانتخابات الرِّئاسيَّة لأيِّ سببٍ كان، تُعْتبرُ كُلُّ الإجراءات المُتعلِّقة بالعمليَّة الانتخابيَّة كأن لمْ تكُنْ.

جديرٌ بالذِّكْر أنَّ المجلس الأعلى للدَّولة الاستشاريِّ عقد جلسةً طارئةً (في2/مارس/2023م) برئاسة رئيس المجلس: خالد المشري، بمقر المجلس في طرابلس. وصوَّت المجلسُ خلال هذه الجلسة، بمُوافقة غالبيَّة الأعضاء الحاضرين بعد اكتمال النِّصاب، على التَّعديل الدُّستُوريِّ الثالث عشر الذي أقرَّهُ مجلسُ النواب بالتَّشاوُر مع المجلس الأعلى للدَّولة. كما تمَّ الاتِّفاقُ على الشُّرُوع في تشكيل لجنةٍ لوضع القوانين الانتخابيَّة.

ثالثاً: تشكيلُ اللجنة المُشتركة لإعـداد القوانين الانتخابية (6+6):

ما تزالُ التَّحدِّياتُ التي واجهت العمليَّة الانتخابيَّة في ليبيا مُنذُ تحديد موعدها السَّابق في أواخر ديسمبر 2021م، ماثلةً للعيان، فثمَّة تحدِّياتٌ أمنيَّةٌ كما أشرنا سلفاً، وتحدِّياتٌ سياسيَّةٌ، بالإضافة إلى المصالح المُتعارضة للفُـرقـــاء، وكذلك صراعاتُ القـوى الإقليميَّة والدَّوليَّة في إطـــار المشهـــد الليبيِّ. فبعد الإعلان رسميًا عن تأجيل الانتخابات أشار عماد السايح رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات إلى أن أمر التأجيل يعود بالأساس إلى قصور التشريعات الانتخابية فيما يتعلق بدور القضاء في الطعون والنزاعات الانتخابية، مما أثر سلبًا على قرارات المفوضية. من جانبه نصح رئيس لجنة متابعة الانتخابات في البرلمان الهادي الصغير، في جلسة(27/12)، بعدم تحديد تاريخ للانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي تعذر إجراؤهـا في 24 ديسمبر. وكانت هذه اللجنة أعلنت "استحالة" إجراء الانتخابات الرِّئاسيَّة في موعدها؛ بسبب ظُرُوفٍ مُرتبطة بتقارير فنِّيَّةٍ وقضائيَّةٍ، وأخرى أمنيَّةٍ. على إثر ذلك، تقدَّمت المُفوَّضيَّة الوطنيَّة العُليا للانتخابات، باقتراح إلى مجلس النواب لتأجيل الانتخابات الرئاسية شهراً عن موعدها حتى 24 يناير2022م، مُشترطةً لإجراء الانتخابات في موعدها المُقترح إزالة ما وصفتها "بالقُوَّة القاهرة" لاستكمال العمليَّة الانتخابيَّة. وفي يناير2022م، شكَّل البرلمان لجنة "خارطة الطريق" التي تضُمُّ مُمثلين عن كافَّة مُدُن ومناطق ليبيا، والتي بدأت أعمالها ولقاءاتها بشكلٍ مُكثفٍ بالتواصُل مع كافة الأطراف والمُؤسَّسات المعنيَّة وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا؛ للوُصُول إلى ما يُحقِّق إرادة الشعب الليبي بإنجاز الاستحقاق الوطنيِّ بإجراء الانتخابات الرئاسيَّة والبرلمانيَّة، وتذليل كافة العراقيل والعقبات التي حالت دُون تنظيمها في موعدها السابق.

ومع بداية يوليو 2022م، تجددت المُظاهرات ضد الأجسام السياسية الحالية، في بعض المدن، وتم اقتحام مقر البرلمان في طبرق، وحرق بعض المُستندات والمقرَّات، فأعلن مجلسي النواب والرئاسي دعمهُما لحقِّ المُواطنين في التظاهُر دُون تخريب مُمتلكات الدَّولة. وقالت هيئة رئاسة البرلمان في بيان لها: إنها "تكفل للمُواطنين حق التظاهر والتعبير عن آرائهم سلميّاً". وشدَّدتْ على سعيِّها لإجراء انتخاباتٍ رئاسيَّةٍ وبرلمانيَّةٍ في أقرب وقتٍ".

ولم تفلح كل الجهود والمطالبات سالفة الذكر في إجراء الانتخابات حتى كتابة هذه السطور، فتم تشكيلُ اللجنة المُشتركة لإعـداد القوانين الانتخابية (6+6): حيث جاء في المادة: الثلاثين الفقرة: (ب)، حسب التعديل الدستوري الثالث عشر: "تُشكَّلُ لجنةٌ مُشتركةٌ منْ قبل مجلسي النُّوَّاب والدَّولة بواقع ستة أعضاء عن كل مجلسٍ، للتَّوافُق بأغلبيَّة الثُّلُثين من أعضاء كُلِّ مجلسٍ؛ وذلك لإعداد مشرُوعات قوانين الاستفتاء والانتخابات، وفي حال عدم التوافُق على النِّقاط الخِلاَفِيَّةِ، تَضَعُ اللجنةُ آليَّة اتِّخاذ القرار بِشَأْنِهَا، وتكُونُ قـرارتُها نهائيَّةً ومُلـزمةً، وتُقـدِّمُ القـوانين إلى مجلس النُّواب لإصـدارهـا كما تُوافقُ عليها بدُون تعـديلٍ" .   

وبناءً على هذه المادَّة تمَّ تشكيلُ اللجنة منْ قبل المجلسين (النُّوَّاب والأعلى للدَّولة)، وعقدت تلك اللجنةُ المُشتركة«6+6»، بتاريخ: (5/أبريل/2023م)، اجتماعها الأوَّل بمقر المجلس الأعلى للدَّولة في طرابلس، وهُو الاجتماعُ "التَّحضيريُّ الأوَّلُ" للجنة، تمهيدًا لوضع القوانين والتَّشريعات للانتخابات المُزمع إجراؤُها قبل نهاية هذا العام وفقًا للتَّعديل الدُّسْتُوريِّ الثَّالِثَ عَشَرَ. وتمَّ خلال الاجتماع تبادُل وجهات النَّظر حول استراتيجيَّة عمل اللجنتين، والآليَّات التي ستُتَّبعُ لأداء المهامِّ المُوكلة إليهما، وآليَّات عملهما واجتماعاتهما، وتحديد الأُسس التي سينطلقُ منْ خلالها عملُهُما. ويأتي هذا الاجتماعُ استجابة لطلب المجلس الأعلى للدَّولة الذي دعا اللجنة إلى الاجتماع في العاصمة طرابلس. وكان رئيس مجلس النواب قد حث الأعضاء الستة المُنتخبين من المجلس باللجنة المُشتركة (في2/أبريل/2023م) على ضرورة التعجيل بالاجتماع مع اللجنة المُشكَّلة من مجلس الدولة، وسُرعة إنجاز قوانين الانتخابات إيماناً بتحقيق إرادة مليونين وثمانمائة ألف ناخبٍ في إجراء الانتخابات الرِّئاسيَّة والبرلمانيَّة القادمة.

ويبدو أن ضغط الوقت سيكون عاملا مؤثرا في عمل هذه اللجنة، على الرغم من عدم التطرق إليه في نص التعديل الدستوري المشار إليه سلفا، إلا أن المبعوث الأممي باتيلي حسم تلك النقطة بوضع مدة قصوى أمام المجلسين للتوافق على القوانين الانتخابية، حتى منتصف العام الجاري، وإلا سيلجأ إلى آليات أخرى تقررها البعثة الأممية بالتشاور مع مجلس الأمن. وفي هذا الصدد، صرح السيد فتح الله السريري عضو اللجنة عن مجلس الدولة الاستشاري لبعض وسائل الإعلام أن: "اللجنة في حالة اجتماع دائم للنقاش حول القوانين الانتخابية، ولدينا الصلاحيات لاعتمادها دون الرجوع إلى المجلسين، وذلك بتصويت ثلثي أعضائها، وفي حالة عدم توفر الثلثين ترجع كل لجنة إلى مجلسها للتصويت عليها".

رابعاً: مُبادرة المُمثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا عبد الله باتيلي: تم تعيين السيد عبد الله باتيلي، من السنغال، اعتبارًا من 25/سبتمبر/2022م، ممثلاً خاصاً للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا، ورئيساً لبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، خلفاً للسيد يان كوبيش، من سلوفاكيا، الذي عمل في السابق بصفة المبعوث الخاص ورئيس البعثة. وبعد عدد من الجولات والمباحثات التي أجراها باتيلي مع الفرقاء الليبيين، وبعض دول الجوار، أطلق مبادرته حول الأزمة الليبية، والتي ارتكزت على أن معظم مؤسسات الدولة فقدت شرعيتها منذ أعوام، وأن مجلسي النواب والدولة أخفقا في التوافق على قاعدة دستورية للانتخابات. وأوضح في مُبادرته: "يتطلَّبُ تنفيذ الانتخابات الرِّئاسيَّة والتَّشريعيَّة توافُقاً وطنيّاً واسعاً ينطوي على التأييد والمُشاركة الفاعلين لطيفٍ أوسع من الأطراف المعنيَّة، بما في ذلك المُؤسَّساتُ الوطنيَّةُ، والشَّخصيَّات السِّياسيَّة، والأطراف الأمنيَّة، وزُعماء القبائل وغيرهم من الفاعلين". واقترح باتيلي إنشاء "لجنة توجيه رفيعة المُستوى في ليبيا". وستعملُ الآليَّةُ المُقترحة على الجَمْعِ بين مُختلف الأطراف الليبية المعْنيَّة بمن فيهم مُمثلُو المُؤسَّسات السِّياسيَّة وأبرز الشَّخصيَّات السِّياسيَّة وزُعماء القبائل، ومُنظمات المُجتمع المدني، والأطراف الأمنية الفاعلة، وممثلين عن النساء والشباب. وبالإضافة إلى تيسير اعتماد إطار قانوني وجدول زمني ملزم لإجراء الانتخابات في 2023م، فإن اللجنة المُقترحة سوف تمنح منصة للدفع قدما بالتوافق حول الأمور ذات الصلة، مثل: تأمين الانتخابات، واعتماد ميثاق شرفٍ لجميع المُرشَّحين".

يُذْكرُ أنَّ باتيلي أكَّد أنَّهُ بالإمكان وضعُ خريطة طريقٍ للانتخابات بحُلُول مُنتصف يونيو القادم، وإنَّ المُبادرة جاءت بعد طلباتٍ تقدَّم بها لكـافَّة أطـراف الأزمة الليبيَّة، بشأن مُقترحاتهم لحـلِّ الأزمـــة. وغداة إعلان باتيلي عن تفاصيل مُبادرته لاحت بوادرُ «انقسامٍ ورفضٍ» لهذا الطَّرح، وخُصُوصاً بين المُؤيِّدين لمسار مجلسي النواب و«الأعلى للدولة» الرَّامي للتَّوصُّل إلى الاستحقاق بعد مُوافقتهما على التَّعديل الثالث عشر للإعلان الدستوري. وبدت بوادر الرفض للخطة الأممية ظاهرة في تعليقات العديد من النواب وأعضاء مجلس الدولة، لا سيما بعد إشارته إلى أن "مدة انتخاب أعضاء مجلس النواب انتهت، وعليهم تقديم أنفسهم للشعب من جديد لانتخابهم". وتهدف رؤية باتيلي إلى وضع خريطة طريق واضحة للوصول إلى الانتخابات في مُنتصف يونيو المُقبل لإجراء الاقتراع في نهاية العام الحالي (2023م)، كما أنها تعتمدُ على تهيئة المسارين الأمنيِّ والعسكريِّ، بما يضْمنُ سلامة الأجواء المُحيطة بالانتخابات. وبشأن اللجنة المعنيَّة بالانتخابات طمأن باتيلي المُتخوِّفين منْ تشكيلها، وقال إنها: "ستكُونُ مُخوَّلةً بتنفيذ المُبادرة الأممية، ولا تحْملُ حلاًّ من الخارج، ولا تهـــدفُ إلى تجاوُز الأطراف السِّياسيَّة المحلِّيَّة".

خامسًا: دور العـامل الخارجي في تطورات الأزمة الليبية الراهنة:

تخبرنا أدبيات التحول الديمقراطي أن عملية الانتقال إلى الديمقراطية في كافة بلدان العالم تتسم بدرجة كبيرة من التعقيد وطـول الأمد من جانب، وبتعدد مساراتها والاختلاف البين في نتائجها، من جانب آخر. ويعتمد ذلك على عدة عوامل منها: الظروف الإقليمية والعالمية السائدة في اللحظة التاريخية التي يحدث فيها هذا التحول.

وعندما نتحدَّثُ عن ملامح المُستقبل لهذه الأزمة المُعقَّدة في ظلِّ المُعطيات المُشار إليها سلفاً، نستطيعُ القول أنَّ ثمَّة توجُّهاتٍ مُعلنة للمُجتمع الدَّوليِّ والقوى الفاعلة فيه على ضرُورة تسوية الأزمة الليبيَّة، التي طال أمدُها، وتعدَّدت مساراتُها، في أسرع وقتٍ، غير أنَّ الواقع على الأرض يشير –على ما يبدو- إلى وجود أطرافٍ مُعطِّلةٍ ومُعرقلةٍ لجُهُود التسوية، سواءٌ محلِّيَّةٌ أو إقليميَّةٌ أو دوليَّةٌ، فكُلُّ طرفٍ مُستفيد من استمرار الأزمة فهُو بالتأكيد صاحبُ مصلحةٍ في عدم التَّوصُّل إلى تسويةٍ قريبةٍ لها.

وإذا أردنا تبيان دور العامل الخارجي في هذه الأزمة فيمكن التركيز على الموقف الأمريكي من تطورات الأزمة الليبية حاليًا، فالإدارةُ الأمريكيَّة تتحرَّكُ في سياق الأزمة الليبيَّة عبر عدة مساراتٍ سياسية وعسكرية ودبلوماسية، حيث تلقي الإدارة الأمريكية بثقلها في رعاية كل المباحثات السياسية، حتى أصبحت شريكًا للأمم المتحدة في رعاية كل المفاوضات السياسية الرامية إلى الوصول إلى الانتخابات البرلمانية والرئاسية. ودبلوماسيا، تستثمر أمريكا علاقاتها بحلفائها التقليديين في المنطقة خاصة دول الجوار الليبي وعلى رأسها مصر وتونس من أجل توحيد وجهة نظر شاملة نحو عدم انزلاق ليبيا مجددا إلى الحروب والاقتتال الداخلي، وتنتهج نفس السياسة تجاه دول الاتحاد الأوروبي. ومؤخرا (4/5/2023م) زار المبعوث الأمريكي الخاص إلى ليبيا السفير ريتشارد نورلاند العاصمة التشادية أنجامينا لإجراء مشاورات مع المسؤولين التشاديين حول التعاون الإقليمي في مجالي أمن الحدود والتنمية الاقتصادية لمواجهة التحديات الأمنية في المنطقة، ومنها الجماعات الإرهابية والمنظمات الإجرامية العابرة للحدود. كما قام بزيارات مماثلة للكونغو والنيجر.

وفي مدينة شتوتغارت الألمانية اجتمع نورلاند (في أبريل الماضي) مع قائد القيادة العسكرية الأمريكية بأفريقيا «أفريكوم»، الجنرال مايكل لانغلي، ونائب القائد المسؤول عن التواصل المدني العسكري، والسفير يونغ، وشدد نورلاند على أهمية تشكيل جيش موحد بقيادة مدنية يكون قادرًا على حماية السيادة والاستقرار الليبيين، وذلك في ضوء تردّي الوضع الأمني الإقليمي. واعتبر نورلاند أن تردّي الوضع الأمني الإقليمي يعطي أهمية أكثر من أي وقت مضى للدبلوماسية والتنمية والدفاع لدعم ليبيا لــ "تشكيل جيش موحّد.

سادساً: السِّيناريُوهـاتُ المُحتملةُ لتطوُّر الأزمة الليبيَّة:

-السيناريو الأول: (المُتفائل): وهو القائم على نجاح الأطراف المعنية أو الفرقاء الليبيين في السير قدمًا نحو إجراء الانتخابات المرتقبة، من خلال نجاح لجنة (6+6) في أداء مهامها بشأن القوانين الانتخابية في الموعد المحدد، وكذلك الوصول إلى توافق بين المجلسين النواب والأعلى للدولة لتشكيل حكومة أزمة موحدة، يكون من صميم عملها تهيئة كل الظروف لإنجاح العملية الانتخابية في البلاد، فيتم انتخاب برلمان جديد، ورئيس للدولة، وتنتهي بذلك الأزمة بمراحلها الانتقالية، وتستقـر الأوضاع، ويتم توحيد المؤسسة العسكرية.

-السيناريو الثاني: (المُتشائم): يرى أن الفرقاء يُخفقون في الوصول إلى التوافقات المطلوبة لإنهاء الأزمة، وتفشل لجنة (6+6) في تحقيق المهام المُوكلة إليها، ويستمر الانقسام السياسي من خلال وجود الحكومتين والمجلسين معًا، وبالتالي، لا يتم إجراء الانتخابات المرتقبة هذا العام لعدم توافر الظروف الملائمة لإجرائها.

-السيناريو الثالث (التوفيقي): الوصول إلى الحد الأدنى من التوافق السياسي والتشريعي –من خلال الضغط الخارجي-الذي يمكن من خلاله إجراء الانتخابات المرتقبة، على الأقل البرلمانية منها، وتأجيل الانتخابات الرئاسية حتى تتكامل ظروف إجرائها المتعلقة بشروط الترشح، ومعطيات البيئة السياسية والأمنية.

 

* الخـاتمـة:

تتواصلُ فُصُولُ الأزمة الليبيَّة المُمتدَّة والمُعقَّدة، وتتشابكُ خُيُوطُها مع دوائر التَّدخُّل والتأثير الإقليميَّة والدَّوليَّة، وتعـدُّد السِّيناريُوهاتُ المطرُوحةُ لمُستقبل تلك الأزمة، مع قرب نهاية هذا العام، (كما أشرنا سلفاً)، ويظـلُّ اختلافُ الرُّؤى والمصالح بين الأطراف الخارجيَّة الفاعلة في المشهـد الليبيِّ عاملاً مُهمّاً لا يُمْكنُ تجاهُلُهُ، وسواءٌ نجحت الأطرافُ المُختلفةُ (وخُصُوصاً الفُرقاء الليبيُّون منهُم) في تنظيم الانتخابات المُرتقبة لكسر حالة الجُمُود السِّياسيِّ وتجديد شرعـيَّة المُؤسَّسات، أو لم تنجح في ذلك، يظلُّ المُواطنُ الليبيُّ في حالة ترقُّبٍ مُستمرٍّ لما تحملُهُ لهُ الفترة المُقبلةُ من تطـوُّراتٍ جديدةٍ، والحقيقةُ التي لا يُمكنُ تجاهُلُها أنَّهُ ما لمْ يُرد الفُرقاءُ أنفُسُهم إنهاء الأزمة وتحقيق المُصالحة الوطنيَّة وتقديم مصلحة الوطن العُليا على المصالح الضيِّقة (الفـرديَّة والحزبيَّة وغيرهما) فسيظلُّ البلدُ يدُورُ في حلقـةٍ مُفْـرغةٍ من صــراعــات المصــــالـح والمحــاور، بعـيداً عن تحقيق التَّـوافُـق المنشُــود.   

مقالات لنفس الكاتب