; logged out
الرئيسية / قوة الجبهة العربية ممرّ إجباري لتعزيز مكانة العرب إقليميًا ودوليًا وتحقيق مصالحهم

العدد 186

قوة الجبهة العربية ممرّ إجباري لتعزيز مكانة العرب إقليميًا ودوليًا وتحقيق مصالحهم

الإثنين، 29 أيار 2023

يرصد هذا المقال عدداً من أزمات العالم العربي ودورها في إضعاف العمل العربي الجماعي وفي تراجع دور العالم العربي ومكانته الإقليمية والدولية، ويسعى إلى تقديم عدد من الاستراتيجيات والسياسات اللازمة أمام النظام الرسمي العربي والدول العربية لاحتواء الأزمات وحلها، وصولاً إلى استعادة زمام المبادرة في التأسيس لمنظومة عربية فاعلة على المستوى الإقليمي وتحقيق مكانة مرموقة في المجتمع الدولي تساهم في التفاعل الحضاري الإيجابي بين شعوب العالم أجمع.

شكّل العالم العربي منذ قرن من الزمان تقريباً، وضمن الوحدات الدولية والإقليمية، منظومة ووحدة سياسية معتمدة على مجموعة الدول العربية، ومرّت هذه المنظومة بتطورات وتحولات استراتيجية متعددة سياسياً واقتصادياً وأمنياً، تنوّعت ما بين التعاون الثنائي، وتشكيل جامعة الدول العربية للتعاون والتنسيق، وما انبثق عنها من مؤسسات العمل العربي المشترك، وما بين التكتلات المتعددة كالاتحاد المغاربي أو مجلس التعاون الخليجي.

وقد تباينت العلاقات العربية البينية ما بين ذلك التعاون وبين الخلاف والقطيعة والعداء والحصار، وتجميد العضوية في جامعة الدول العربية أو المنظمات العربية الأخرى.

وكان للأزمات وحالات الفوضى والاضطراب التي شهدتها بعض الدول العربية تأثير سلبي كبير على واقع العمل العربي الجماعي، والعلاقات العربية البينية، ومواقف الأشقاء، وعلى سياسات الدول العربية تجاه بعضها، وعلى الأمن العربي، وعلى مكانة العالم العربي الدولية والإقليمية.

ومن المهم إدراك طبيعة الأزمات من حيث أبعادها ومستوياتها؛ فثمة تحديات سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية لم تصل إلى مستوى الاستعصاء لتشكل أزمة عابرة للدولة، وتعدّ أزمة داخلية محدودة، كما هو  الحال في عدد من الدول العربية، وهناك أزمات بنيوية في طبيعة تشكيل الدولة الواحدة ونظامها السياسي أدّت بالدولة إلى حالة من الضعف وربما الفشل في تحقيق الاستقرار والمساهمة في دعم العمل العربي الجماعي، وتعزيز الأمن القومي، ولكن بعض هذه الأزمات الوطنية الداخلية تطوّر بشكل كبير ليصل إلى أزمة إقليمية بسبب الخلافات والانقسامات الحادة التي وصلت إلى حدّ الحرب الأهلية، كما هو الحال في سوريا أو اليمن أو ليبيا، ومن قبلُ في العراق أو الصومال أو الجزائر أو لبنان.

وفي المقابل نجد أزمات في مستوى بينيّ بين دولتين عربيتين معاً أو أكثر، وتتعدّد أسبابها وانعكاساتها بأبعاد سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية أو أمنية، وربما تصل إلى مستوى استراتيجي خطير من انعكاسها على الأمن العربي وعلى دور العرب وعلاقاتهم الإقليمية أو الدولية، فضلاً عن بعض الأزمات العربية مع المحيط الإقليمي، كما حدث في الحرب العراقية- الإيرانية، أو أزمة سد النهضة بين كل من مصر والسودان مع أثيوبيا، أو أزمة علاقات عدد من الدول العربية مع تركيا، وغيرها، وذلك نتيجة تباين مصالح الأطراف الخارجية أو مشاريعها في المنطقة العربية تعاوناً أو استغلالاً وإضعافاً أو نفوذاً وهيمنة.

أزمات العالم العربي، وانعكاساتها على إضعاف العمل العربي المشترك

ثمة أزمات عربية متعددة أثرت بشكل كبير على تعطيل العمل العربي المشترك وإرباكه، وتضعف الجسم العربي أمام التدخلات والمشاريع الخارجية لاستثمار حالات الانقسام والتجاذبات، وإن كانت بعض الأزمات العربية قد انتهت نسبياً كالأزمة الخليجية مثلاً، وبعضها يشهد انفراجات متعددة مثل ليبيا واليمن والعراق، مع أننا نشهد في المقابل بوادر أزمات جديدة في تونس والسودان.

ولعل العناوين البارزة في التأثير السلبي على العمل الجماعي تتمثل في تراجع مستواه تجاه القضايا القومية الكبرى، وعلى رأسها القضية الفلسطينية وإدارة الصراع العربي- الإسرائيلي، وتزايد مستويات الاستقطاب البيني والمحاور الإقليمية والدولية، وهشاشة البنى الاجتماعية والثقافية العربية، الأمر الذي أفقد المنظومة العربية تأثيرها في الإقليم أمام دول أخرى، كما أثّر بشكل كبير على دور دول عربية مرجعية وكبرى، كالسعودية مثلاً أو مصر أو الجزائر، ومن قبل العراق أو سوريا، وعلى حضورها وفاعليتها القومية، فضلاً عن فاعليتها الدولية والإقليمية تجاه القضايا العربية.

ولعل التباين السياسي واستمرار حالة الخلاف بين الدول العربية الكبرى من أكبر تحديات العمل العربي المشترك، وكذلك استمرار الفجوة بين مشرق العالم العربي ومغربه سواء في التنسيق أو التعاون، فضلاً عن التدخلات الخارجية، الدولية والإقليمية، واستمرار الاحتلال الإسرائيلي الجاثم في قلب العالم العربي في فلسطين، وما يتبع ذلك من الفوضى والانقسام السياسي، بل والاحتراب الأهلي، في كلٍّ من سوريا وليبيا واليمن والعراق، وآخرها السودان، الأمر الذي حرم العالم العربي من استثمار ثرواته وتحقيق التقدم والتنمية الواسعة، بل إن هذا الواقع أدى إلى استنزاف طاقات العالم العربي ككل ودوله العربية منفردة، وإنهاكها سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وأمنياً، حيث لا تزال بعض الدول العربية مشغولة بالخلافات والصراعات المسلحة بينها وفي داخلها، ولم تتمكن من تحقيق الاستقرار والتكامل، وتقديم النماذج الناجحة في التعاون والعمل العربي المشترك، وتعاني بعض الدول من انعكاسات أزمات دول عربية أخرى عليها، مثل اللجوء والمخاطر والتحديات الأمنية والبنى التحتية في مجالات الإيواء والصحة والتعليم.

فلو أخذنا الحالة السورية مثالاً على التأثير في العمل العربي الجماعي وعلى دور العرب ومكانتهم الإقليمية والدولية خلال العقد المنصرم، فإننا سنجد أن الحرب الأهلية التي شهدتها قد ساهمت بشكل كبير في إضعاف العمل العربي من ناحية اختلاف مواقف الأطراف العربية تجاهها، وبالتالي انتقال هذا الاختلاف إلى خلاف داخل النظام العربي حول التعامل مع كل من الأزمة والنظام والمعارضة، حتى وصل الأمر إلى تجميد عضوية سوريا في جامعة الدول العربية، رغم أن الشهور الماضية تشهد تطورات في عودة سوريا للجامعة وربما حضور القمة العربية في الرياض.

ومن جانب آخر، فإن الأزمة السورية فتحت المجال أمام التدخلات الخارجية، الإقليمية والدولية، بشكل جعل سوريا ساحة مستباحة، كادت أن تودي بها إلى التقسيم إلى ثلاث دول، ووصلت إلى واقع تتحكم به كل من الولايات المتحدة وروسيا وإيران وتركيا، وبعض المجموعات المسلحة، وأصبحت الحكومة السورية أضعف طرف في هذه المعادلة، الأمر الذي أفقد العالم العربي دولة مهمة كسوريا في تعزيز العمل والتعاون العربي سياسياً واقتصادياً، وكذلك في ميزان العلاقات الإقليمية والدولية.

أما الأزمة اليمينة فإنها لا تقل تأثيراً على العمل العربي عن الأزمة السورية، فقد أنهكت الأزمة الشعب اليمني، واستنزفت موارده وطاقاته وأبناءه، وفتحت المجال أمام زيادة منسوب التحديات والتهديدات الأمنية لمنطقة الخليج العربي وباب المندب، كما أنها أحدثت تحديات سياسية واقتصادية واجتماعية جديدة لدول الخليج العربي، مما سبب إرباكاً ولو مرحلياً لسياسات دول الخليج ومواقفها تجاه الأزمة اليمنية والتعامل مع المكوّنات والقوى السياسية اليمنية، بالإضافة إلى المقاربات الاستراتيجية في حل الأزمة، بدءاً بالمبادرة الخليجية مروراً بعاصفة الحزم وانتهاء بمبادرة سياسية جديدة للحل لا تزال في طور التشكل ربما على أصداء الانفراج النسبي في العلاقات السعودية- الإيرانية.

ومن جانب آخر فإن كلاً من الأزمة السورية واليمنية، ومن قبلهما الأزمة العراقية، أثرت بشكل مباشر في مستوى العلاقات العربية-الإيرانية وطبيعتها، نظراً للدور الإيراني المباشر وسياسات إيران تجاه المنطقة العربية وتجاه أزماتها، الأمر الذي أثر بشكل مباشر على العمل العربي المشترك وصعوبة تشكيل الموقف الموحّد نتيجة اختلاف المواقف العربية في النظر إلى الاستراتيجية العربية اللازمة للتعامل مع إيران نسبيا وخضوع أربع دول عربية للتأثير الايراني المباشر في سياساتها.

وعند الذهاب باتجاه الأزمة الليبية فإن تباين المواقف العربية تجاه الملف الليبي، والتدخلات الخارجية، سواء كانت من تركيا أو روسيا، أو من دول عربية دون أن يكون هناك قرار من جامعة الدول العربية، ساهمت في إضعاف العمل العربي المشترك في التعامل مع ذات الازمة، وفي مستوى العلاقات العربية-التركية وطبيعتها مثلاً، حيث برّرت أطراف عربية الدور التركي فيما اعتبرته أطراف عربية أخرى تدخلاً أو تنافساً على النفوذ والدور.

إنّ تأثير هذه الأزمات وتداعياتها على العمل العربي المشترك لم يكن في صالح الأمة العربية، فكيف يمكن للتعاون الاقتصادي والتنموي العربيّ مثلاً أن يتحقق في بيئات مضطربة، وكيف يمكن للمشاريع العربية أن تنجح لدى الشعوب العربية اللاجئة أو النازحة والخائفة، وكيف يمكن استثمار البنى التحية العربية في الثروة الزراعية أو الحيوانية، وفي توظيف الطاقات وخلق فرص العمل، في بيئات العنف والفوضى والطائفية والاقتتال الداخلي.

أما أزمة الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ومن خلفها المشروع الصهيوني، فإنها تشكّل أكبر عائق أمام الاستقرار في المنطقة، وأكبر تحدّ أمام تحقيق تقدّم في تعزيز التعاون العربي والعمل المشترك، حيث كشف نهج إدارة النظام العربي للصراع العربي- الإسرائيلي خلال العقد المنصرم تبايناً في المواقف، ورغم أن الدول العربية مضت خلف مبادرة السلام التي طرحت عام 2002م، إلا أن النتائج على أرض الواقع، وانسداد أفق السلام مع الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وتباين مواقف بعض الدول العربية تجاه التعامل مع إسرائيل وبناء علاقات معها، أسهمت في زيادة الفجوة بين الدول العربية تجاه كيفية إدارة الصراع.

فضلاً عن التباين العربي كذلك في المواقف تجاه القوى والفصائل الفلسطينية وإدارة العلاقة معها، ما بين التأييد والدعم للشعب الفلسطيني وحقوقه، مع رفض أو تجميد التعامل مع بعض مكوّناته وقواه المناضلة ضد الاحتلال، والذي انعكس على العمل الدبلوماسي العربي والمجموعة العربية في الأمم المتحدة نتيجة لحالة التباين الراهن تجاه القضية الفلسطينية.

كما لا يمكن فصل القضية الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عن الأمن القومي العربي، حيث يشكّل المشروع الصهيوني مشروعاً استعمارياً احتلالياً توسّعياً، وهو مصدر التهديد الوجودي الأبرز للعالم العربي وشعوبه جميعاً، وليس ضد الشعب الفلسطيني وحده.

ومن الأزمات والتحديات المستعصية أمام تفعيل العمل العربي المشترك أزمة "الحرب على الإرهاب"، حيث هذه الأزمة عدداً من الدول العربية للانضمام إلى تحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية الدولي ضد الارهاب، وبات معيار تصنيف مستوى الحلفاء مبنياً على المدى الذي تقوم به أي دولة عربية في التجاوب مع فهم وبرامج الولايات المتحدة في الحرب على ما تسميه الإرهاب، والذي توسّعت به كثيراً كما لاحظنا خلال المرحلة الماضية منذ عام 2001م، وكذلك في القدرة على ضبط الاستقرار فيها، حتى لو كان ذلك على حساب المصالح القومية العليا وحقوق الإنسان والحريات العامة.

بل إن هذه الأزمة أحدثت واقعاً جيوسياسياً معقداً على مستوى العالم العربي ككلّ، حيث ترتبط بعض الدول العربية بتحالفات واتفاقيات أمنية وعسكرية تحول أو تعقدّ تعزيز التعاون العربي المشترك في البعد الأمني والعسكري.

كما أتاحت هذه الأزمة التدخل المباشر في الدول العربية من قبل دول وأطراف إقليمية ودولية، وأصبح كل طرف يدّعي بأنه يحارب "الإرهاب"، فأصبحت الأرض العربية وشعوبها مستباحة بحجة محاربة الإرهاب الذي تحوم شكوك كثيرة حول من يقف خلف منظمات متطرفة وتجوّلها في الشرق والغرب.

الواقع العربي وانعكاساته على العمل المشترك وعلى الأمن العربي والعلاقات البينية والإقليمية

يعدّ تجاوز العالم العربي للتحديات آنفاً، وقدرة مؤسسات العمل العربي المشترك على خلق بيئة عمل مشترك وجماعي بمواقف متقاربة، وسياسات جامعة، إسهاماً حقيقياً في تحقيق واقع العمل المشترك الأفضل وبالتالي تعزيز الأمن القومي العربي المنشود.

فالعرب بحاجة إلى رؤية استراتيجية موحدة تجاه التعامل مع الأزمات والقضايا القومية، مثل القضية الفلسطينية، والمحاور والتحالفات الإقليمية والدولية، والإصلاح السياسي والاقتصادي والتنمية والحكم الرشيد.

ورغم أن ثمة تفاوتاً في الإرادات تجاه الواقع العربي والعمل المشترك بين تيار الوحدة، أو تيار الفردية والقُطرية أو التيارات الإقليمية والدولية الساعية إلى اختراق العالم العربي وزيادة نفوذها فيه، وتفضيل التعامل مع كل دولة عربية على حدة، إلا أن فرص بناء عمل عربي مشترك لا تزال ممكنة وعلى مستويات متعددة.

ولكن هذه الفرص تحتاج استثماراً ناجحا وواقعيا من خلال تطوير منظومة جامعة الدول العربية ومؤسسة القمة العربية ومؤسسات العمل العربي المشترك، بالانتقال نحو العمل على شكل قاطرة لا بد لها من دولة قائدة تقود النظام العربي ولو بشكل دوري وتبادل فيما بين الدول الكبرى العربية، وتتحمل مسئوليات النهوض بالعمل العربي المشترك نحو تحقيق الأهداف العربية، الأمر الذي يطوّر العمل المشترك وواقع جامعة الدول العربية لتصبح جامعة ممثلة للشعوب وللمصالح العربية القومية العليا، بالقدر ذاته الذي تمثل فيه الأنظمة والحكومات.

ويتطلب الوصول إلى هذا المستوى من النجاح والعمل المشترك احترام آمال وطموحات الشعوب العربية، واستيعاب طاقاتها، وفتح البيئة السياسية أمام شراكة سياسية فاعلة مع القوى السياسية والاجتماعية الفاعلة لتحويل واقع كل دولة عربية إلى دولة حديثة متقدمة صناعياً واقتصادياً وتجارياً ومستقلة سياسياً وأمنياً.

ومن المصداقية والموضوعية الإشارة إلى أن العالم العربي شهد تاريخياً عملاً مشتركاً وجماعياً، سواء تجاه الصراع العربي-الإسرائيلي، أو أثناء حرب أكتوبر عام 1973م، أو تجاه الموقف من تدخلات إيران في المنطقة العربية خلال العقد المنصرم، أو في محطات التنمية والتعاون الاقتصادي خلال ثمانينيات القرن الماضي، كما بدت تجربة مجلس التعاون الخليجي كمحاولة طموحة للتعاون الجماعي، ولكنها اليوم تتعرض لمخاطر وجودية بسبب الخلافات بين نخبها الحاكمة على الدور الإقليمي وبعض السياسات الخارجية.

وثمة محطات ساهمت كذلك في شقّ الصف العربي بشكل كبير مثل الحرب العراقية-الإيرانية، أو احتلال العراق للكويت وحرب الخليج الثانية، أو احتلال الولايات المتحدة للعراق عام 2003م، أو الحرب على "الإرهاب"، أو في التعامل مع موجة الربيع العربي عام 2011م، وتداعياته، أو إزاء محاولات اسرائيل تطبيع علاقاتها مع دول عربية غير دول المواجهة خلال الأعوام الثلاثة الماضية.

وإذا ما تابعنا النتائج المترتبة جراء بعض المواقف المشتركة والعمل العربي الجماعي فإننا نرى الإيجابية على الأمن العربي أحياناً؛ فمثلاً نجح النظام العربي في صدّ إسرائيل حتى اللحظة عن تحقيق أهدافها في اختراق المنطقة العربية واختراق شعوبها ثقافياً أو أمنياً، أو الانفراد بالشعب الفلسطيني.

ولكن العالم العربي عجز في المقابل عن حماية العراق أو لبنان أو سوريا أو اليمن من تدخلات إيران وسعيها لزيادة نفوذها في هذه الدول، الأمر الذي زاد من مستويات التهديد للأمن العربي عموماً وأمن الخليج العربي خصوصاً.

ولقد أنتجت الأزمات العربية والواقع العربي القائم حالة من تناقض التوجهات والأولويات العربية، ويعود ذلك لأسباب ذاتية لدى بعض الدول العربية، متعلقة بسوء تقدير للأحداث أو التحالفات وبناء العلاقات الخارجية، أو بطموحات سياسية فردية ضيقة، أو بفشل في إدارة الحكم، كما يعود لأسباب تعود للتدخلات الأجنبية والأطماع الخارجية.

وقد أنتج هذا الحال ثلاثة مستويات لطبيعة العلاقات العربية البينية:

  • الانعزال والعزوف أو الفشل في بناء علاقات مع الدول العربية.
  • الاستعاضة عن العلاقات مع الدول العربية ببناء علاقات إقليمية أو دولية.
  • بناء العلاقات بشكل تقليدي وبالحدّ الأدنى.

ولم يشهد العالم العربي خلال العقد المنصرم بناء علاقات عربية بينية قوية تصل إلى حد التعاون الاستراتيجي بين بلدين عربيين، أو تحرّك دولة عربية، ولو كبرى، للضغط باتجاه تفعيل العمل العربي المشترك وفق برنامج مقنع.

أما العلاقات العربية-الإقليمية فقد شهدت خلال العقد المنصرم تحولات استراتيجية مهمة، حيث عزّزت دول عربية علاقاتها مع إيران، سواء بإرادتها المباشرة أو نتيجة الظروف التي حكمت ذلك، كالعراق ولبنان وسوريا واليمن، وعملت دول عربية على تطوير علاقاتها مع تركيا كقطر وليبيا، فيما فتحت دول عربية أخرى علاقات مع أطراف اخرى.

ولعلّ هذا الحال يشير إلى تباين الحال في النظام السياسي العربي، ويفتح المجال نحو تشتيت العمل العربي المشترك، وتباين الأولويات، وبالتالي يحمل انعكاسات خطيرة على الأمن العربي وعلى القضايا العربية المشتركة.

إنّ ضعف النظام الإقليمي العربي والتجاذبات والانقسامات بين وحداته سيساهم في تعاظم الضغوط الدولية والتدخلات الأجنبية، ويزيد من مستوى التبعية للقوى الدولية الفاعلة والمسيطرة على النظام الدولي، ربما يساهم في زيادة نفوذ القوى الإقليمية والدولية لتؤثر بدورها في العالم العربي.

ولكن من المهمّ الإشارة هنا إلى أن قيام دولة عربية واحدة بأخذ زمام المبادرة والفاعلية نحو جمع العرب، أو حل أزمة عربية، أو إعادة علاقة عربية متوازنة مع دولة إقليمية، وتحملها لمسؤولياتها تجاه ذلك وتأمين متطلباته، يساهم كثيراً في التعاون العربي وتحقيق المكانة الإقليمية والدولية المقدّرة للعالم العربي، وهذا ما يلاحظ في مبادرات كلٍّ من الجزائر والسعودية مثلاً، وخلال الشهور القليلة الماضية تجاه جمع الفرقاء الفلسطينيين، أو البدء بمسار حل للأزمة اليمنية أو الأزمة السورية، أو عقد اللقاءات مع إيران وبناء تفاهمات جديدة معها حول تدخلاتها في المنطقة العربية وحول طبيعة العلاقة معها في ظل ايران لا تتدخل في الدول العربية وتعمل لمصالحها الوطنية في حدودها.

سبل واستراتيجيات حل الأزمات وإعادة إحياء العمل المشترك

إن طاولة الحوار والمصالحات العربية الوطنية والقومية يمكن أن تخلق بيئة وحالة عربية متقدّمة، وهو ما يتطلب شجاعة ورؤية واضحة وأهداف محددة من قبل قيادات عربية، تسخّر طاقتها لخدمة الأمة العربية وشعوبها، وتحقق الاستقرار لأوطانها، وتوقف الحروب والأزمات الداخلية والعنف والاستنزاف العربي.

ولعل من أهم الاستراتيجيات والسياسات اللازمة لحل الأزمات، وإعادة الأمل في المشروع العربي والعمل العربي المشترك على المستوى القومي اعتماد الدبلوماسية الرسمية والشعبية أداة لحلّ الخلافات والنزاعات بين الفرقاء داخل الدولة الواحدة وبين الدول العربية، والمبادرة في إجراء مصالحات وطنية، والاعتماد على الذات، والابتعاد عن الاستقطابات الدولية من خلال تحديد الحلفاء الاستراتيجيين والأصدقاء والأعداء والمنافسين، وبناء العلاقات الإقليمية على أساس التكافؤ والندية، والتعامل مع الصراع العربي- الإسرائيلي على أساس مواجهة واحتواء وتحجيم التمدد الإسرائيلي والمشروع الصهيوني التوسّعي الساعي نحو تمزيق وحدة الصف العربي ونشر حالة الفوضى في الدول العربية، وإعادة النظر في "المبادرة العربية للسلام" مع اسرائيل، وتفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك، وتنويع مصادر القوة العربية، مع التوزان في الإنفاق العسكري، في مقابل تعزيز الجوانب التعليمية والاجتماعية والصناعية والتكنولوجية والصحية والبحث العلمي والتطوير.

أما على المستوى الوطني- القُطري فإن الدول العربية وشعوبها بانتظار بناء السلم الأهلي المستند إلى وحدة المجتمعات والانتماء الوطني وبناء الجماعة الوطنية، ومواجهة الاختراقات الخارجية، وتعزيز الوعي بمخاطر تهديد السيادة، وفتح مساحات واسعة في الاعلام العربي حول المصالحات وحلّ الأزمات، ونبذ الانقسام والفوضى، ورفض خطابات الكراهية، وتعزيز ثقافة الأمل والمبادرة لدى الشباب، إضافة إلى تطبيق معايير الحكم الرشيد في الإصلاح السياسي والإداري، وتعزيز الحريات والديمقراطيات وتوسيع دائرة الشراكة والمشاركة السياسية.

دور العالم العربي ومكانته في النظام الدولي

كلما كانت الأزمات محتدة وساخنة كانت مكانة العالم العربي ودوره إقليمياً ودولياً في وضع متراجع وضعيف، ويساهم ذلك في تشتيت الموقف العربي الموحّد خلال التصويت في مؤسسات الأمم المتحدة مثلاً، ويفرغ نقاط قوة العرب للتأثير في المنظومة الدولية، كما أنه يرفع درجة تأثير الضغوط الدولية والإقليمية عليه أو على دوله منفردة.

وكلما تم احتواء الأزمات، وتوصلت أطرافها إلى حلها أو تخفيف آثارها فإن مكانة العالم العربي تتقدم إقليمياً ودولياً، حيث تتفرغ الدول العربية حينها لإدارة العلاقات الخارجية وبنائها من أرضية موحّدة ومستقرة.

ويعتبر العمل العربي الجماعي عاملاً مهماً في رفع مكانة العالم العربي، حيث يعزّز العمل الجماعي العربي من مستوى التنسيق العربي ككتلة واحدة في علاقاتها وقضاياها الإقليمية والدولية، وقد أثبتت التجارب التاريخية القريبة والمتوسطة أنه لا تستطيع أي دولة عربية منفردة، مهما امتلكت من قدرات وإمكانات، أن تدخل في مواجهات إقليمية أو دولية وتكسب الجولة، كما أن الواقع السياسي يشير إلى أنّ إيران مثلاً أو تركيا أو إسرائيل لا تستطيع أن تحقق مصالحها إلا في حال انفردت بعلاقاتها مع كل دولة عربية على حدة، الأمر الذي يؤكد أن تصليب الجبهة العربية والعمل الجماعي هو ممرّ إجباري للعرب لتعزيز مكانتهم وليكون لهم دور ريادي في المنظومتين الإقليمية والدولية يحقق مصالحهم ويؤمّن شعوبهم ودولهم وأنظمتهم على حد سواء.

مقالات لنفس الكاتب