; logged out
الرئيسية / الجريمة والفساد والانتحار.. ثالوث المجتمع الإسرائيلي

الجريمة والفساد والانتحار.. ثالوث المجتمع الإسرائيلي

السبت، 01 كانون2/يناير 2011

في الآونة الأخيرة، تعالت صرخة رئيس الكنيست رونين ريفلين، معلناً أن الجريمة في إسرائيل باتت تشكل تهديداً استراتيجياً بعدما أصبح المجتمع الإسرائيلي مجتمعاً متوحشاً، على حد قوله، وتأتي هذه الجلسة إثر وقوع نسبة عالية من الجرائم بلغت 13 جريمة، ثمان منها في الأسابيع القليلة الماضية.

حسب المعطيات فإن الحديث هنا ليس عن جرائم عادية، بل عن جرائم تتم لتصفية حسابات بين مجموعات الجريمة المنظمة التي تكاد تسيطر على المدن الرئيسية في إسرائيل، وهو اعتراف تقدم به رئيس الكنيست عندما أشار موجهاً حديثه إلى نواب البرلمان (هل تعلمون أن الناس في إسرائيل يدفعون المال ليحصلوا على الحماية؟ فقد أصبح ذلك موضة وأسلوب حياة).

وكما هو معروف فإنه ليست هذه الموجة الأولى من الجرائم التي تعم المجتمع الإسرائيلي، غير أنها هذه المرة تجد أرضاً خصبة لتصفية حسابات سياسية بالتوازي مع تصفية الحسابات في العالم السفلي ومافيات الجريمة المنظمة.

وثمة من يرى أن أصول الجريمة في المجتمع الإسرائيلي متجذرة بحيث لم يعد بالإمكان فصلها عن طبيعة (المجتمع) الإسرائيلي. ذلك أن كياناً قام على القتل والاغتصاب والتشريد، لا يزال يعيش إلى يومنا هذا على مواصلة أنماط مختلفة من الجرائم نفسها. ولم يقتصر الأمر على الفلسطينيين وحدهم. فطبيعة الأمور تقول إن مجتمع الجريمة ضد الآخرين، لا يستطيع أن يعيش من دونها حتى مع نفسه.

وتكشف المعلومات والمعطيات التي تقدمها المؤسسات الأمنية الإسرائيلية حقيقة لا غبار عليها وواضحة وضوح الشمس، وهي أن الإسرائيليين الذين يستمرئون قتل الفلسطينيين وتعذيبهم، صاروا يقومون بالشيء نفسه مع بعضهم بعضاً.

معلومات أجهزة الشرطة تقول إن الإسرائيليين يمارسون 8 جرائم اغتصاب يومياً. وحسب معطيات عام 2008 فقد ارتفعت جرائم المخدرات بنسبة 20 في المائة في جرائم المخدرات في أوساط الشبيبة منذ 2007، جزء من الارتفاع العام بمعدل 38 في المائة في جرائم تجارة واستيراد المخدرات.

ومن المعطيات التي عرضتها القيادة القطرية في أغسطس الماضي يتبين أنه في عام 2008 أفادت الشرطة بوجود 419.837 جريمة. ومنذ عام 2007 سجل انخفاض في ثلاثة مجالات مركزية لجرائم الشارع: انخفاض 13 في المائة في اقتحام الشقق (انخفاض 20 في المائة منذ عام 2006)، انخفاض 16 في المائة في اقتحام المحلات التجارية، وانخفاض 13 في المائة في السرقة من السيارات. كما سجل انخفاض 9 في المائة في عدد حالات السلب المسلح وفي 2008 عالجت الشرطة 2993 حالة سلب مسلح مقابل 3.292 في عام 2007.

وفي العام المنصرم فتحت الشرطة 33.326 ملفاً جنائياً للشبيبة، وهو ما سجل ارتفاعاً بنسبة 5 في المائة مقابل عام 2007. ومنذ 2007 أيضاً سجل ارتفاع دراماتيكي بمعدل 20 في المائة في مجال جرائم المخدرات في أوساط الشبيبة. كما سجل ارتفاع في عدد أحداث العنف بين جدران المدارس 3.582 مقابل 3.229 في عام 2007. إن الارتفاع في عدد ملفات المخدرات يمكن أن يعزى إلى النشاط المبادر إليه من الشرطة في العام المنصرم، وليس بالضرورة إلى الشكاوى التي رفعت إلى الشرطة ضد الشبيبة.

في الشرطة كان هناك من وصف عام 2008 بأنه (سنة المخدرات)، حيث سجل ارتفاعاً بمعدل 38 في المائة في كشف جرائم المخدرات واستيرادها في العام المنصرم 4.532 ملف تجارة واستيراد مخدرات في عام 2008 مقابل 3.278 في عام 2007. وفي عام 2008 وضعت اليد على 303 كلغ من الهيروين مقابل 136 كلغ في عام 2007، ووضعت اليد على 135 كلغ من الكوكايين – منها 96 كلغ في حاوية شهر حزيران في ميناء حيفا - مقابل 36 كلغ في السنة السابقة.

وفي عام 2008 نجحت الشرطة بحل لغز 512 ملفاً جنائياً من خلال عينات (دي.إن.إيه) أخذت من مشبوهين متورطين في جرائم جنائية. فمثلاً، حل لغز قتل المحامية عنات بلنير في رمات هشارون قبل نحو ثلاث سنوات يمكن أن يعزى إلى عينة الـ (دي.إن.إيه). في عام 2008 كان هناك 9.641.763 نداء إلى مركز 100 التابع للشرطة، وارتفاع بنحو نصف مليون مكالمة وافدة بالنسبة لعام 2007. وعالجت الشرطة في السنة الماضية 276 عبوة ناسفة وقنبلة يدوية موجهة للمس بمواطنين على خلفية جنائية.

ويقول مراقبون إن أبرز أنواع الجريمة في إسرائيل هو المرتبط بممارسة العنف، ما يشير إلى تأصل العنف في هذا المجتمع، وثمة أسباب أخرى تربوية تعزز العنف في هذا المجتمع، منها أن الطفل ينشأ في مناخ يدجن العنف. فالطفل الإسرائيلي يتغذى مصطلحات مثل الأعداء، حرب البقاء، الجيش، الأمن والإرهاب. وهذه المصطلحات ترافق الطفل منذ نعومة أظفاره وبدئه إدراك الأشياء، وحتى وصوله إلى عمر الخدمة العسكرية، وهي فترة (تزدهر) بالعنف والمذابح ضد الشعب الفلسطيني. وبذلك يتلبس العنف الفرد الإسرائيلي، وما إن يترك الخدمة في جيش الاحتلال أو أي مرفق عسكري آخر حتى يمارس العنف داخل العائلة، فجرائم العنف العائلي تصاعدت من نحو 1600 جريمة عام 1997، إلى نحو 4000 جريمة عام 2000، ومن ثم إلى أكثر من 7000 جريمة عام 2009.

وفي عام 2000 كان الإسرائيليون يرتكبون جريمة اغتصاب كل 13 ساعة، لكنهم صاروا يرتكبون جريمة اغتصاب كل 4 ساعات عام 2009.

هذا عن الجريمة، أما عن الفساد، فحدّث ولا حرج، فقد خلص تقرير البنك الدولي إلى أن (إسرائيل فاسدة من رأسها إلى أخمص قدميها)، معتبراً أن نسبة الفساد في المؤسسات الرسمية فاقت النسبة المقبولة في الدول المتقدمة، ففي إسرائيل وصلت النسبة إلى 8.80 في المائة، بينما في الدول الغربية لا تزيد على 4.91 في المائة مما وضع إسرائيل في أسفل سلم الدول الغربية وعلى رأس قائمة الدول الأكثر فساداً في مجموعة الدول المتقدمة.

والواقع أن الفساد السياسي في إسرائيل أصبح منظماً ويدور حول 3 أنواع من الفساد: الامتيازات الحكومية، الرشوة، والتعيينات السياسية، وهو منتشر بدءاً من رئيس الحكومة ومروراً بالوزراء وأعضاء الكنيست والموظفين الكبار.

 إسرائيل وتجارة الأدوية المزورة

يستدل من معطيات وزارة الصحة والشرطة الإسرائيليتين، أن إسرائيل تصنف ضمن الدول العشر الأولى في العالم في قائمة الأكثر انتشاراً للأدوية المزورة والتداول التجاري بها. وتعرّف منظمة الصحة العالمية الدواء المزيّف بأنه (منتج لا تتلاءم تركيبته وعناصره والمعايير العلمية، وهو نتيجة لذلك غير فعّال وغالباً ما يكون خطراً على المريض).

وتقول المنظمة العالمية إن 30في المائة من الأدوية التي توزع في بلدان العالم الثالث هي مزورة، كما أن عدد الذين لاقوا حتفهم في العالم جراء استعمال هذه الأدوية المزورة يصل إلى 200 ألف شخص.

وتقدر وزارة الصحة والشرطة الإسرائيليتان أن حجم تجارة الأدوية المزورة داخل السوق الإسرائيلية يتراوح ما بين 80 و100 مليون شيكل في السنة الواحدة.

يشار إلى أن منظمة الصحة العالمية توقعت أن يصل حجم التجارة بالأدوية المزورة عالمياً إلى 75 مليار دولار، فيما لم تتخذ الإجراءات الرادعة للحد من تفشي هذه الظاهرة. وتربط (الصحة العالمية) بين مافيا الأدوية المزورة ومافيا السلاح وتبييض الأموال وتمويل المنظمات الإجرامية.

 جنود على خط الانتحار

يمكن معاينة حوادث الانتحار داخل المجتمع الإسرائيلي بوضوح، وبصورة خاصّة في صفوف الشبابورجال الأعمال والجنود، وحتى الأطفال. وأكدت دراسة مسحيّة أعدّها البروفيسور إيلان أفتيرفي جامعة تل أبيب، أن 13 في المائة من الشبّان الإسرائيليين فكّروا فيالانتحار، وأن عدد الذين انتحروا تزايدت أعدادهم في العامين الأخيرين، بحيث ارتفعتنسبة المنتحرين 4.1 في المائة خلال عام واحد. وأفاد تقرير رسمي بأن حوادث الانتحارالمنتشرة بين الجنود تشكّل خطراً أشدّ وأكثر قتلاً من العمليات العسكرية، وأنالانتحار بات يشكّل سبب الوفاة الأول لدى الجنود، اعتباراً من عام 2003 الذي لقيفيه 43 جندياً حتفهم انتحاراً، فيما قتل ثلاثون آخرون في عمليات عسكرية. وفيالأرقام أن ثلاثين جندياً على الأقلّ ينتحرون كل عام، وأن التدابير الوقائيةلمعالجة هذه الظاهرة لم تؤدِّ إلى نتيجة.

وبحسب التقرير نفسه، فقد وصل عدد الجنود المنتحرينمنذ مطلع العام الحالي وحتى تاريخه إلى 19 جندياً، فيما بلغ عدد المنتحرين 21جندياً في عام 2009.

وما يقلق قادة الجيش الإسرائيلي هو أن قسم الصحّةالنفسيّة في الجيش يعدّ الكثير من البرامج الإرشادية للقادة، من أجل الوقوف علىأسباب هذه الظاهرة ووضع الحلول المناسبة لها ومكافحتها، ومنها عدم اصطحاب السلاح إلى البيت ونصح القادة بالتقرّب من جنودهم ومراقبتهم لمعرفة الحالات التي تدفع إلى الاضطراب النفسي الذي يقود إلى الانتحار، وبالتالي مساعدة المضطربين في التغلّب علىمشكلاتهم قدر الإمكان.

السؤال المطروح هو لماذا وصل الجيش الإسرائيلي إلى هذه الحالة؟ الجواببسيط، وهو أن الجنود الذين قيل لهم إن جيشهم لن يقهر اكتشفوا أن المخزون النوويالذي أنتجه مفاعل (ديمونة)، وما يمتلكه الجيش من أسلحة، لم يتمكّن من وضع حدللانتفاضة الفلسطينية، ولم يهزم (حزب الله) في لبنان في عام 2006، ولم يتمكّن منإعادة احتلال غزّة أواخر عام 2008 وأوائل عام 2009.

أخيراً يرى مراقبون أن ما يجري في إسرائيل بشكل عام ليس من فراغ، بل هوتراكمات تزداد عاماً بعد عام، ويزيدها المهاجرون الجدد الذين قدموا من دول الاتحادالسوفييتي السابق، وفي ظل التوتّر الأمني المتواصل منذ اندلاع الانتفاضة الأولى،إذ إن هؤلاء المهاجرين الذين جاءوا ليس حبّاً في هيرتزل، ولا تنفيذاً لما ورد فيالتلمود، بل رغبة في الاستثمار في حياة أفضل، اكتشفوا أن للعروس زوجاً كما كتب أحدمبعوثي هيرتزل إلى فلسطين، وأن فلسطين ليست أرض العسل واللبن، بل هي أرض الموتوالدماء. وهل ثمة أحد يتذكر ما قاله رئيس الكنيست السابق أبراهام بورغ، حين صرح (بأن إسرائيل غدت دولة من المستوطنين تقودها زمرة من الفاسدين).

 

مجلة آراء حول الخليج