; logged out
الرئيسية / صعود الدور الإقليمي الخليجي جاء من توظيف مقومات دوله للتأثير بفاعلية في أزمات المنطقة

العدد 186

صعود الدور الإقليمي الخليجي جاء من توظيف مقومات دوله للتأثير بفاعلية في أزمات المنطقة

الإثنين، 29 أيار 2023

" دبلوماسية تقليم المخالب" هو عنوان حملة غير مسبوقة يقودها حكماء مجلس التعاون لدول الخليج العربية في مواجهة حرب بالوكالة تتمدد كالمخالب عبر جماعات طائفية وعرقية وقبلية وجهوية تستهدف ست دول عربية على الأقل وهي اليمن، والعراق، وسوريا، ولبنان، وليبيا، والسودان، وتستنزف دماء شبابها ومواردها وخيرات شعوبها وتزداد شراسة وضراوة وعنفًا من خلال مواجهات عسكرية عبثية هي أقرب إلى حروب الظلال حيث يختفي الفاعل تحت مظلة قوى محلية وإقليمية ودولية تختلق أعداءً لتمارس سياسة الابتزاز والهيمنة تكريسًا لمصالحها ومن دون اعتبار لحق الشعوب في العيش بكرامة داخل أوطانها.

إن نظرة سريعة نلقيها على وسائل التواصل الاجتماعي تكشف أن هناك خرائط جاهزة ومعدة بالتفاصيل مع حدود مرسومة بدقة لما يسمى "الشرق الأوسط الجديد" حيث يتناثر النظام العربي كما نعرفه إلى جزر مبعثرة تتناهشها قطعان من الضواري تعرف " من أين تؤكل الكتف"! وقد آن لهذا أن يتوقف، ولعل الاتفاق الثلاثي بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران بوساطة بكين هو محطة على الطريق في دبلوماسية تقليم المخالب.

لماذا القيادة لمجلس التعاون؟

بداية ربما من المفيد التأكيد على أن قيادة دول مجلس التعاون للنظام العربي في هذه المرحلة الحافلة بالاحتمالات تبدو قدرًا أكثر منها اختيارًا، لأسباب عدة أذكر من بينها:

أولًا: إن العالم اليوم يبدو على مفترق طرق، فالنظام القديم يتهاوى لتحل محله كتل وتحالفات جديدة لا مكان فيها لدول منفردة.

ثانيًا: إن المؤسسات الدولية التي قامت إثر الحرب العالمية الثانية والتي كانت أبرز مهامها تثبيت نظام دولي يقوم على حق الشعوب في تقرير مصيرها، وضمان أمنها داخل حدودها المعترف بها دوليًا، وعدم التدخل في شؤونها الداخلية ... هذه المؤسسات الدولية باتت وخصوصًا بعد الحرب في أوكرانيا، أقرب إلى مرحلة انعدام الوزن، ما يدفع الدول الصغرى خاصة، إلى ابتكار وسائل وسبل جديدة للدفاع عن سيادتها واستقلالها وحقوق شعوبها في الأمن بعيدًا عن التهديد بالعدوان من أعداء مفترضين أو واقعيين.

ثالثًا: إن نظامنا العربي، وخاصة بعد كوارث ما أطلق عليه الربيع العربي بات أقرب إلى خيمة مخلعة الأوتاد تغري الدول الإقليمية والقوى العظمى باستخدام كل الوسائل المحرمة، بما فيها العسكرية لاقتطاع حصتها مما تعتبره أرضًا سائبة وشعوبًا تائهة يسهل ابتلاعها.

أخيرًا، وربما هنا كما يقال بيت القصيد: لقد شهد مطلع السبعينات من القرن الماضي حدثًا غير مسبوق في تاريخنا المعاصر وهو الإعلان عن قيام دولة الإمارات العربية المتحدة، وكانت تلك أول تجربة وحدوية عربية يقدر لها النجاح عبر ما يزيد على نصف قرن وما زالت مستمرة. المدهش في قيام هذه الدولة وصمودها هو أنها جاءت بعد تاريخ حافل بالنكسات الوحدوية العربية، ولعل أشهر تلك النكسات التي ما زالت جراحها لم تندمل هو قيام الجمهورية العربية المتحدة في نهاية الخمسينيات من القرن الماضي، وقد جمعت جناحي الأمة العربية مصر وسوريا، ثم وقع الانفصال الآثم، وتكررت تلك التجارب الوحدوية، وبعضها انتهى إلى حروب بين الأشقاء. لذلك فإن قيام دولة الإمارات كان وسيبقى أصدق مفاجآت تاريخنا العربي المعاصر.

ثم في مطلع الثمانينات من القرن الماضي تم استكمال تجربة وحدوية غير مسبوقة وهو الإعلان عن قيام مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وضم ست دول عربية دفعة واحدة، ورغم العثرات فقد نجح المجلس في أن يتحول إلى كيان متماسك، يستوعب خيارات أعضائه، ويفاخر بانتمائه العربي. نستنتج من كل ذلك، أن مجلس التعاون الخليجي هو الكتلة العربية الوحيدة التي تتمتع اليوم بالاستقرار السياسي والاجتماعي والوفرة الاقتصادية بما يجعل قيادته للنظام العربي ليست خيارًا بل قدرًا. 

دور مجلس التعاون في إطفاء الأزمات العربية

خلال السنوات القليلة الماضية بدأت دول مجلس التعاون الخليجي تحتل مركز الصدارة في الاقتصاد والسياسة الإقليمية العربية. وبدأت تراكم القوة الناعمة والذكية من خلال مكانتها الاقتصادية والمالية والإعلامية والدولية، وظهرت بوضوح على الساحة الإقليمية في الشرق الأوسط والعالم العربي والساحة العالمية الخارجية وبرز ذلك من خلال دورها في الوساطة السياسية والمساعدات الاقتصادية والمالية واستثماراتها المتنامية ونفوذها السياسي المتصاعد في المنطقة. وقد عزز الربيع العربي، الذي بدأ في عام 2011، أدوار دول مجلس التعاون الخليجي. (عبد الله باعبود: 2014).

فقد لعبت دول المجلس دوراً هاماً في التوسط وتهدئة الوضع، وتحقيق الوفاق والتفاهم بين الأطراف المتنازعة كما وفرت الدعم السياسي والاقتصادي للدول التي تواجه صعوبات في حل الأزمات الداخلية، ولعبت دوراً محورياً في تحسين العلاقات بين الدول العربية والدول الأخرى في المنطقة وخارجها. وساهمت في الاستثمار من أجل تعزيز اقتصادات الدول التي أنهكتها الحروب العبثية فقدمت الدعم اللوجستي وساعدت في تطوير البنى التحتية والمرافق الأساسية.

ففي العراق أعلنت الإمارات في عام 2021م، عن استثمار 3 مليارات دولار كجزء من جهود إعادة الإعمار ووقعت مجموعة موانئ أبو ظبي عقدًا مع الشركة العامة لموانئ العراق لتحسين التعاون في قطاعي النقل البحري. كما وقعت شركة مصدر اتفاقية مع وزارة الكهرباء العراقية لبناء خمسة مشاريع للطاقة الشمسية كجزء من جهود البلاد لمعالجة نقص الطاقة وتغير المناخ. وأبدت دولة الإمارات اهتمامًا بدعم الزراعة والسياحة العراقية، فقد وقعت شركة إماراتية للتكنولوجيا الزراعية "أول صفقة استثمار زراعي لها مع حكومة إقليم كردستان في عام 2022م، لمساعدة المزارعين في استخدام التكنولوجيا لزيادة الإنتاج وإدارة المياه بكفاءة للري". وفي مجال قطاع النفط فقد منحت وزارة النفط العراقية ثلاثة عقود مدتها 20 عامًا لتطوير حقول النفط والغاز الطبيعي في محافظتي البصرة وديالى لشركة نفط الهلال الإماراتية التي تعمل منذ فترة طويلة في إقليم كردستان، ومثل هذا الاستثمار ساهم في تعميق العلاقات الاقتصادية وفي "حل النزاع الطويل الأمد بين أربيل وبغداد حول حقوق تصدير الهيدروكربونات". ويرى بريفان أن استثمار الإمارات في كل من كردستان وبقية العراق من خلال شركة نفط الهلال التي هي أول شركة طاقة تمتلك حصصًا في إقليم كردستان يسمح لها بالاستثمار في مناطق أخرى من العراق، "وهو تطور غير مسبوق في العلاقات بين شركات النفط العاملة في إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية التي اعتادت إدراجها على القائمة السوداء")بريفان سعيد :2023).

وفي السنوات الأخيرة أكدت المملكة العربية السعودية على أهمية زيادة العلاقات الاقتصادية كوسيلة لبناء الثقة مع العراق وتمت مناقشة سبل ووسائل التعاون الاقتصادي والتجاري والاستثماري بما فيه التعاون في مبادرات لمعالجة آثار تغير المناخ على مستويات عالية كما تم تبادل العديد من الزيارات بين مستثمرين سعوديين وعراقيين لاستكشاف فرص الاستثمار وأعلنت السعودية عن أهداف لتسجيل نحو مئة شركة في العراق. كما شهدت السنوات الأخيرة تزايدًا في التبادل التجاري بين البلدين إذ بلغت التجارة في السنوات الخمس الماضية 4.7 مليار دولار. ويعتبر مشروع الربط الكهربائي بين السعودية والعراق من المشاريع الحيوية الذي يتوقع الانتهاء منه بحلول عام 2024م، حيث سيتم من خلاله تصدير1 جيجاوات من الكهرباء إلى العراق في المرحلة الأولى من المشروع عبر خط بطول 270 ميلا يمتد من عرعر إلى بغداد(بريفان).

واستجابة لرغبة العراق لتنويع مصادر الطاقة وتلبية الطلب العام المتزايد بادرت دول مجلس التعاون بالتخطيط لمشروع يربط العراق بالشبكة الكهربائية لدول المجلس، ويوفر 1.8 جيجاوات من الكهرباء بحلول عام 2025م، من محطة الوفرة في الكويت إلى محطة الفاو في جنوب العراق. يتم تمويله من قبل الكويت وقطر، بميزانية قدرها 220 مليون دولار، وقد وقعت هيئة الربط الكهربائي لدول مجلس التعاون الخليجي خمسة عقود في فبراير مع الشركات المنفذة للمشروع.

وفي نفس السياق بادرت دول مجلس التعاون لتقديم العون لمصر لمساعدتها في حل أزماتها الاقتصادية ومديونيتها وانخفاض قيمة الجنيه بنسبة 14٪ وذلك بعد أن دفع الغزو الروسي لأوكرانيا المستثمرين الأجانب إلى سحب مليارات الدولارات من أسواق الخزانة المصرية، مما ضغط على العملة وفي نفس الوقت قفزت الديون الأجنبية من 40 مليار دولار في عام 2015م، إلى 137 مليار دولار في يناير2023م.

وقد تكفلت ثلاث دول خليجية بتقديم ما يصل إلى 22 مليار دولار كما أودعت المملكة العربية السعودية 5 مليارات دولار لدى البنك المركزي المصري وتعهدت باستثمارات إضافية "يمكن أن تجلب ما يصل إلى 10 مليارات دولار من العملات الأجنبية إلى مصر" (رويتر). وتعهدت قطر بصفقات استثمارية بقيمة 5 مليارات دولار، ومن المتوقع أن يتم شراء حصص بقيمة 2 مليار دولار من قبل صندوق أبو ظبي السيادي.

وتعد دول مجلس التعاون من أكبر الممولين للسودان من خلال تقديم المنح والقروض لدعم العديد من الأنشطة الاقتصادية والصحية والتعليمية والطاقة والبنية التحتية. وقد لعبت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة دورًا نشطًا في محاولة تشكيل عملية الانتقال السياسي في السودان سلميًا واستبعادًا لأية حلول عسكرية. وتعهدت الدولتان بتقديم حزمة مساعدات بقيمة 3 مليارات دولار. وقد حصل السودان على قرض من صندوق النقد الدولي بقيمة 2.5 مليار دولار أمريكي وحزمة تخفيف عبء الديون في يونيو 2021م، وعملت السعودية والإمارات بشكل وثيق مع صندوق النقد الدولي للمساعدة في تأمين القرض. كما قدمت الإمارات 3 مليار دولار في 2018م، لدعم الاقتصاد بالاستثمار فيه، والسعودية 500 مليون دولار في 2019م، وكذلك الحال بالنسبة لقطر التي قدمت 500 مليون دولار في 2019م، كقروض ومنح اقتصادية.

وفي الأزمة الحالية التي تمر بها السودان لم تتوان دول المجلس عن تقديم العون والمساعدة. فقد برزت المملكة العربية السعودية كقوة إقليمية أخذت زمام المبادرة في أعمال الإغاثة والمساعدة الإنسانية والإنقاذ. وبالإضافة إلى ذلك تولت المملكة والإمارات دورًا بارزًا في عمليات الإجلاء من السودان، وتم استخدام العديد من السفن البحرية لنقل آلاف المدنيين عبر البحر الأحمر من مدينة بورتسودان الساحلية. كما وجه الملك سلمان بالتبرع بمبلغ 100 مليون دولار للمساعدات الطبية ومساعدة النازحين ونظمت حملة تبرعات عامة "للتخفيف من آثار الظروف التي يمر بها الشعب السوداني حاليًا" كما ذكرت وكالة الأنباء السعودية.

وعلى الجانب الآخر، شاركت دول مجلس التعاون الخليجي بفعالية في معالجة الأزمة اليمنية، سواء من خلال المساعدات الإنسانية أو التدخل العسكري، فضلًا عن الجهود الدبلوماسية لإيجاد حل سلمي للصراع. فبادرت بتقديم مساعدات إنسانية للتخفيف من معاناة المدنيين اليمنيين المتضررين من النزاع. ووفقا للأمم المتحدة، كانت دول مجلس التعاون الخليجي من بين أكبر المانحين للمساعدات الإنسانية لليمن. وقد قادت المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة تحالفًا عسكريًا في اليمن منذ عام 2015م، والذي يهدف لاستعادة الحكومة اليمنية الشرعية ودحر المتمردين الحوثيين الذين سيطروا على جزء كبير من البلاد. وقدم هذا التحالف الدعم العسكري واللوجستي لقوات الحكومة اليمنية. كما شاركت دول مجلس التعاون الخليجي في جهود دبلوماسية مختلفة لحل الأزمة اليمنية، مثل محادثات السلام التي قادتها الأمم المتحدة في ستوكهولم في عام 2018م، ودعت إلى حل سياسي للصراع. وعلى الصعيد نفسه قدمت دول المجلس العديد من المبادرات لتحقيق الاستقرار الاقتصادي اليمني من خلال تحسين الخدمات الأساسية في البلاد وتعزيز سعر صرف العملات الأجنبية والمساعدات الإنسانية لتخفيف معاناة الشعب اليمني.

ولم تتوان دول المجلس عن تقديم الدعم والمساندة للشعب الليبي منذ الثمانينات إما من خلال تأييد أية إجراءات دولية تستهدف رفع المعاناة عن الليبيين أو بتقديم المساعدات الإنسانية أو الطبية. فمنذ عام 1988م، سعت المملكة العربية السعودية لإنهاء الحصار الذي فرض على الشعب الليبي بسبب تفجير الطائرة الأمريكية فوق مدينة "لوكيربي" الأسكتلندية، ونجحت في تعليق العقوبات ثم رفعها نهائيًا بعد أن استمرت لأكثر من أحد عشر عامًا، 1992-2003م.

وقد "أتاحت الثورة الليبية مجالاً واسعًا للدبلوماسية الخليجية للقيام بدور لافت في القضايا الإقليمية، وهو ما يعكس نقلة نوعية كبيرة في أداء مجلس التعاون، سواء على المستوى الجماعي أو على المستوى الفردي، سياسيًا وعسكريًا وإنسانيًا (عمر الحسن:2011م). وقد حظي الدور الإغاثي والإنساني بجانب ملحوظ من الاهتمام الخليجي خلال الثورة الليبية ضد نظام القذافي وذلك من خلال تقديم مساعدات إنسانية عاجلة لإغاثة المتضررين داخل الأراضي الليبية، أو الهاربين من المعارك العسكرية على حدود الدول المجاورة، ولدعم الشعب الليبي، قدمت الكويت 50 مليون دينار وقطر إمدادات من المنتجات البترولية بقيمة 35 مليون دولار.

قابلية الأزمات للحل في المدى المنظور

تعد الأزمات الحالية التي تشهدها بعض الدول العربية من الأزمات المعقدة والصعبة الحل وقد تستمر لفترات طويلة. ومع ذلك، فإنه يمكن العمل على تحقيق الحلول الدائمة لهذه الأزمات بالتعاون وتقريب وجهات النظر بين الأطراف المتنازعة ومن خلال الدور الإقليمي الفاعل لمنظمات مثل مجلس التعاون الخليجي. ويتطلب الحل العمل على عدة جبهات، من بينها التفاوض والحوار بين الأطراف المتنازعة والتي يجب أن تنطلق من الرغبة الصادقة للوصول إلى حلول سلمية ومتفق عليها. كما يتطلب الحل العمل على إعادة الاستقرار الأمني والاقتصادي وتطوير البنية التحتية ودعم القطاعات الحيوية في الدول المتضررة. ومن المهم أيضًا تعزيز دور المؤسسات الدولية الرامية إلى الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة مثل الأمم المتحدة والجامعة العربية، والتي يعول عليها الإسهام في التوصل إلى تخفيف حدة التوتر بين الأطراف المتنازعة.

الدور الريادي لدولة الإمارات

 تلعب دولة الإمارات العربية المتحدة دورًا هامًا في التعامل مع الأزمات الحالية والعمل على تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة بطريقة فعالة ومستدامة. وتبرز الدبلوماسية الفعالة التي تملكها الدولة ومدى قدرتها على الوساطة كمكون أساسي في الدور الذي تقوم به في حل هذه الأزمات، مما يجعلها تلعب د ورًا محوريًا في التوسط في النزاعات وتعزيز الحوار والتفاهم بين الأطراف المتنازعة. كما أن دولة الإمارات رائدة في تنفيذ التزاماتها في مجال المساعدة الإنمائية الرسمية لأقل البلدان نمواً، ولها دور مهم في التعاون الإنساني من خلال تقديم المساعدات للدول المتضررة من الأزمات كالمساعدات الطبية والغذائية والإغاثية والمالية. وحيث أنها عضو مشارك في لجنة المساعدات الإنمائية (DAC) التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD فقد لعبت دورًا محوريًا في تقديم المساعدات الإنسانية والإنمائية "ولا ترتبط المساعدات الإنسانية التي تقدمها الدولة بالتوجهات السياسية للدول المستفيدة منها، ولا البقعة الجغرافية، أو العرق، أو اللون، أو الطائفة، أو الديانة، بل تراعي في المقام الأول الجانب الإنساني الذي يتمثل في احتياجات الشعوب" مما يساهم في تخفيف المعاناة وتحسين الأوضاع الإنسانية في الدول المتضررة. وفي مجال الاستثمار والتنمية، لدولة الإمارات بصمة واضحة فهي تساهم بشكل فعال في الاستثمار في الدول العربية بهدف حل مشاكلها الاقتصادية وتطوير بنيتها التحتية مما يساعد في تحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لمواطنيها. وحسب تقرير دولة الإمارات للمساعدات الخارجية لعام 2021م، فقد بلغت المساعدات الرسمية للدولة نحو 3.08 مليار دولار والمساعدات الإنمائية الرسمية نحو 1.55 مليار دولار أمريكي، أي ما ّيمثل 4 .0% من الدخل القومي الإجمالي لدولة الإمارات وحافظت على مكانتها، وللعام العاشر على التوالي، ضمن أهم كبار المانحين.

وكان لها دور بارز في تقديم المساعدات من المواد الغذائية والإمدادات الطبية وغيرها من المواد الأساسية للشعب اليمني منذ بدء النزاع في عام 2015م، كما قدمت المساعدة للاجئين السوريين منذ بداية الصراع في سوريا، ففي عام 2020م، تعهدت بتقديم 197 مليون دولار لدعم اللاجئين السوريين في لبنان. وفي أعقاب الانفجار الذي وقع في مرفأ بيروت في أغسطس 2020م، قدمت الإمارات مساعدات طارئة لدعم الضحايا والمساعدة في إعادة بناء المدينة. وشملت المساعدات إمدادات طبية وأغذية ومأوى. كما ساهمت في تقديم مساعدات لدعم اللاجئين والمتضررين من النزاعات والكوارث الطبيعية في أفغانستان وتعهدت في عام 2021م، بتقديم 30 مليون دولار كمساعدات لأفغانستان.

وبلغة الأرقام وكما ذكر تقرير 2021م، أن مجموعة الدول العربية استحوذت على 66 % من إجمالي المساعدات الإماراتية بقيمة بلغت 2.03 مليار دولار أمريكي. وعلى مستوى أكثر الدول استقبالًا للمساعدات الإماراتية خلال عام 2021م، جاءت اليمن في المرتبة الأولى بقيمة 261.3 مليون دولار أمريكي، بمعدل نمو 339% مقارنة بعام 2020م، وقد جاءت المساعدات على شكل منح بنسبة 100 %، وتوزيعها إلى مساعدات إنسانية بنسبة 83 % ومساعدات تنموية بنسبة 16 % ومساعدات خيرية بنسبة 1 %. وجاء الأردن في المرتبة الثانية للعام الثاني على التوالي بقيمة 175.4 مليون دولار أمريكي وكانت المساعدات على شكل منح بنسبة 100 %، منها مساعدات تنموية بنسبة 67 % ومساعدات إنسانية بنسبة 32 %، وخيرية بنسبة 1 %. وفي المرتبة الثالثة جاءت موريتانيا بقيمة 154.6 مليون دولار أمريكي بمعدل نمو 431% مقارنة بعام 2020م، وجاءت المساعدات على هيئة قروض بنسبة 95 % ومنح بنسبة 5%، وتوزعت على المشاريع التنموية بنسبة 79 %، والمساعدات الإنسانية بنسبة 18 % والمساعدات الخيرية بـ 3. 0% وفي المرتبة الخامسة جاء السودان بقيمة 189.9 مليون دولار أمريكي وشكلت المساعدات على هيئة منح ما نسبته 100%، وتوزعت المساعدات التنموية بنسبة 67% ومساعدات إنسانية بنسبة 27% ومساعدات خيرية بنسبة 7%. وقد استحوذت الخمس دول على أكثر من ربع قيمة المساعدات الإماراتية خلال العام بنسبة 26 %.

الخلاصة

لقد تصاعد الدور الإقليمي لمنظومة دول مجلس التعاون الخليجي، "مقارنة بمنظومة العمل العربي المشترك، التي أصابها الضعف والترهل"، ولعبت دورًا فاعلًا على المستوى الإقليمي لمعالجة ما تشهده المنطقة من أزمات لا تقتصر تأثيراتها وتداعياتها على الدول العربية فحسب، وإنما تمتد أيضًا إلى دول المجلس. وكما أكد عمر الحسن أن مجلس التعاون انتقل "عبر تحركاته الفاعلة والمدروسة من المرحلة التي وصفها البعض بـ "الشريك الفاعل" إلى مرحلة "الفاعل المؤثر"، وتحوّل في مواقفه وتحركاته على المستوى الخارجي من مستوى "رد الفعل" إلى مستوى "الفعل". (عمر الحسن:2011). وهذا الصعود في الدور الإقليمي الخليجي لم يأت من فراغ، وإنما جاء انعكاسًا لتوظيف دول المجلس لما تمتلكه من مقومات سياسية واقتصادية مكنتها من التأثير بفاعلية في مجريات الأزمات والمشكلات التي تتعرض لها المنطقة عمومًا، ومنطقة الخليج خصوصًا، المحكومة عربيًا بالتاريخ والجغرافيا والمستقبل المشترك.

مقالات لنفس الكاتب