array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العلاقات الخليجية-الأمريكية والمُحَدِّدَيْن الإيراني والعراقي

السبت، 01 كانون2/يناير 2011

كُلُّ حديث عن العلاقة بين دول الخليج العربية والولايات المتحدة الأمريكية يجب أن يُربَط بزَمنه وأوانِه. صحيح أن العلاقة بين الجانبين هي علاقة استراتيجية وممتدة ولها تاريخ عريق من التماسك إلى حد الاندماج السياسي والأمني منذ ما قبل الحرب الكونية الثانية، إلاّ أن الوقائع على الأرض عادة ما تُغيِّر في هوامش تلك العلاقة إلى حد ملامسة الجوهر أحياناً، وإن كان من طرفٍ واحد، كما هو دَيْدَن الولايات المتحدة في علاقاتها الخارجية حتى مع الأوروبيين والكوريين.

إن العلاقة بين الأمريكيين ودول الخليج عند انتصار الثورة الإسلامية في إيران في فبراير 1979 شيء، والعلاقة عند الحرب العراقية-الإيرانية (1980 – 1988) شيء آخر والعلاقة عند غزو الكويت من قِبَل صدام حسين (أغسطس 1990) شيء، والعلاقة بعد الإطاحة به في إبريل عام 2003 شيء آخر. واليوم وعندما بات الملف النووي الإيراني شاغِل المنطقة الأول، أو حين تُنشَر وثائق ويكيليكس فإن العلاقة بين الخليجيين والأمريكيين تبدو شيئاً آخر أيضاً.

هذا في ما خَصّ السياسة، لكن هذه العلاقة تأخذ مسارات أخرى في المنعطفات الاقتصادية أيضاً. فحين ارتفع البرميل إلى مستويات قياسية كانت العلاقة مختلفة. وحين بدأت الأزمة الاقتصادية تتوسّع وبنوك كُبرى تنهار أصبحت العلاقة أيضاً مختلفة. وحتى في الصفقات التجارية أو التسليحية تظهر هذه العلاقة بسمات أخرى غير تلك التي اعتاد عليها الطرفان.

ما يعني من كل ذلك أن أصل التعاون العضوي قائم، لكنه قابل للتبدّل صعوداً ونزولاً، وحتى اصطفافاً طبقاً للمصالح. خصوصاً أن الولايات المتحدة عادة ما تريد من حلفائها (سواء العرب أو الأوروبيين) حضوراً وتماهياً في مشروعاتها السياسية والاقتصادية وحتى العسكرية. وهو ما اتضح جلياً خلال حرب العراق وأيضاً خلال الأزمة الاقتصادية العالمية.

لذا فإنني، ومن هذا المنطلق، توخّيت التطرّق إلى ملَفَّيْن أعتقد أنهما كانا ضمن ذلك الفضاء من العلاقات الاستراتيجية بين الجانبين، إلاّ أنهما أيضاً خَضَعَا للزمن والأوان اللذان شكّلهما طبقاً لمقتضيات ساعته ولحظته، وهما الملفان النووي الإيراني والعراقي. وقد يُلحَظ ذلك بشكل واضح من خلال التصريحات التي يُطلقها الطرفان بين حِين وآخر.

 الملف النووي الإيراني

يبدو أن هناك رؤية أمريكية خليجية مشتركة في هذا الملف، إلاّ أنه وفي الوقت نفسه فإن بروز دورَيْن خليجِيَّيْن مغايِرَيْن يتمثلان في الموقفَيْن القطري والعُماني، وبالتحديد العُماني، (بحكم العلاقة بين كلٍّ من الدوحة ومسقط) ألقى بظلاله على مُتَنَفَّس للحوار بل للوساطة حتى بين واشنطن وطهران. وإذا ما اعتمدت الولايات المتحدة على هكذا وساطات فإن ذلك يعني بروز دور حقيقي لدول الخليج العربية في ما خصّ هذا الملف. خصوصاً أن سلطنة عُمان تقود سياسة خارجية هادئة، لكنها نشطة وذات بُنيَة صلبة تستثمر خلالها علاقاتها الجيدة بالطرفين الأمريكي والإيراني للوصول إلى مشتركات أو تسوية من نوع ما. وقد جُرِّبت هذه الوساطات في السابق داخل الإقليم سواء في اليمن أو بين السعودية وإيران في عام 1990 بعد ثلاث سنوات من القطيعة بين الجانبين.

كما أن المقترح الذي قدّمه وزير الخارجية البحريني الشيخ خالد بن أحمد بن محمد آل خليفة حول إنشاء بنك للوقود النووي أيّده الأتراك، فإنه أيضاً يصب في هذا المجال الذي يدفع دول الخليج لأن تأخذ مكانها الطبيعي من هذا الملف الذي يتحرَّك بالقرب من جوارها المباشر. لذا فإننا نسمع بين الفَيْنَة والأخرى مطالبات خليجية لواشنطن بوضع دول الخليج في صورة المشهد النووي الإيراني، بل إشراكها في محادثات مجموعة (5 + 1) مع طهران، وهو ما نادى به وزير الخارجية البحريني صراحة مؤخراً خلال مؤتمر صحفي جمعه مع وزير الخارجية الكويتي.

وربما تصبح دول الخليج معنية بهذا الملف أكثر من غيرها باعتبارها خاضعة (ومعها إيران أيضاً) لقواعد الجغرافيا وإلزاماتها وهو ما يعني مصالح متبادلة حسّاسة جداً. كما أن أيَّ خصومة (حتى لو كانت على مستوى الدبلوماسية القاسية) بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بسبب الملف النووي ستؤثّر في دول الخليج وفي مصالحها مع إيران، خصوصاً أن هذه الخصومة ستتطلّب قرارات أممية وأخرى من جانب واحد قد تصدر بحق إيران.

وقد يكون طلب دول الخليج من واشنطن في محلّه حين تطالب بوضعها في حقيقة المشهد للمفاوضات، خصوصاً أنها ترى العديد من السياسات الأمريكية غير الواضحة تجاه هذا الملف، أو على الأقل التي لا يجري بشأنها تنسيق مُسبَق، ليس آخرها تصريح وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون الذي قالت فيه إن (الولايات المتحدة ليس لديها مانع في أن تحافظ طهران على قدرات تخصيبية إذا ما أوضحت وضعها مع الوكالة الدولية للطاقة النووية)، في الوقت الذي نعلم فيه أن موضوع التخصيب هو أساس الخلاف بين الغرب وإيران.

كما أن مضابط التجارة الدولية بيّنت أن حجم التبادل التجاري بين إيران والاتحاد الأوروبي زاد بنسبة 14 في المائة خلال الأشهر السبعة الأخيرة. فإذا كانت هذه الدول التي قامت بالدفع لتصدير هذه القرارات (أممياً) لم تأخذ الحيطة إزاء المعاملات التي تشمل بنوكاً إيرانية، ولا حول منع إيران أو رعاياها والهيئات المسجلة فيها أو من قبل الأشخاص أو الهيئات العاملة بالنيابة عنها من الاستثمار، ولا تجنّب تقديم خدمات مالية، ومن ضمنها التأمين وإعادة التأمين، أو نقل أي أصول مالية أو أصول أخرى أو موارد انطلاقاً من أراضيها حسب نصوص القرار الأممي الأخير، فمن هي الدول التي يجب عليها أن تلتزم بتلك القرارات إذاً؟ أم أن ما يدور في الإعلام شيء، وما يجري تحت الطاولة شيء آخر بين الجانبين؟ رغم أن الجميع يُدرك أن سياسة العقوبات لا تجدي نفعاً أمام السياسات الناعمة والاعتماد على قنوات الحوار.

وللعلم فإن إيران صَدَرَت بحقها (ومنذ عام 2006 ولغاية اليوم) خمسة قرارات أممية بسبب برنامجها النووي، وهي القرار 1696 (صدر في أغسطس 2006)، والقرار 1737 (صدر في ديسمبر 2006)، والقرار 1747 (صدر في مارس 2007) والقرار 1803 (صدر في مارس 2008)، والقرار الجديد 1929 (يونيو 2010). تُضاف إليها قرارات من جانب واحد صادرة عن دول مختلفة كالولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وأستراليا.

 القضية العراقية

منذ التجيير الأمريكي ضد العراق مطلع العام 2002 وما تلا ذلك من شنّ الحرب ضد نظام صدام حسين في 22 مارس عام 2003 ثم سقوط بغداد في 9 إبريل من العام نفسه، فقد بدا أن هناك خلافات خليجية-أمريكية على نتائج هذه الحرب. فدول الخليج تعتقد أن الولايات المتحدة تحالفت (موضوعياً) مع إيران من دون أن تُدرك، وذلك عبر إسقاط عدو موازن ومُزعِج لطهران (حتى لو كان نظام صدام حسين والبعث)، وتقديم العراق لاحقاً إلى الإيرانيين كأرض مفتوحة بعد هدم مركز الدولة العراقية، والذي عادة ما تملؤه الهوامش، ويملؤه الجوار القوي كتحصيل حاصل.

وبالفعل فقد استطاعت إيران أن تملأ الفراغ الذي خلفه سقوط نظام البعث، مستفيدة من جوارها القريب منه، وأيضاً عبر حلفائها من الأحزاب الشيعية والكردية والذين أصبحوا في السلطة بعد أن كانوا في جوفها إبَّان المنفى. لقد كان هذا الأمر من أكثر الخلافات الخليجية-الأمريكية، والذي لا تزال ارتداداته فاعلة إلى الآن، رغم الطلبات الأمريكية المتكررة لدول الخليج بأن تدعم التغيير في العراق، وأن تُساهم فيه بفاعلية عبر التمثيل الدبلوماسي والاستثمار.

لقد أضَرَّ هذا التغيير الراديكالي في العراق بميزان القوى الاجتماعي والسياسي في المنطقة، خصوصاً أن حاكِمِيه الجُدد أصبحوا في الحكم طبقاً لمقتضيات الأكثرية والأقلية وهامش النفوذ الذي فقده بشكل واضح عرب الوسط، بالإضافة إلى أنهم (أي الحاكمين الجُدد) لا يرتبطون بعلاقات مفهومة وواضحة بدول المنطقة فضلاً عن علاقاتهم العضوية القديمة مع طهران.

ورغم أن دولاً خليجية دفعت بسفراء لها في بغداد كالكويت والبحرين ودولة الإمارات العربية المتحدة، إلاّ أن ذلك لا يعكس توجهاً أحادياً من هذه الدول، إذ ما زال الموقف الخليجي يرى أن نتائج تلك الحرب لم تكن لصالحه وإنما لصالح أطراف أخرى. ليس فقط نتائج الحرب، بل حتى نتائج العملية السياسية نفسها ومسار تطورها. فالتساؤل مازال فاعلاً عن مدى قدرة الولايات المتحدة على التأثير في العملية السياسية واصطفافها لِمَن. فخلال الانتخابات الأخيرة لم تتعامل واشنطن مع فوز القائمة العراقية بـ 91 مقعداً كما يجب وفقاً للرؤية العربية، رغم أنها حازت المركز الأول، حيث كان بإمكان وصول إياد علاوي إلى رئاسة الوزراء في العراق أن يُحدِث توازناً في الداخل والإقليم. هكذا كانت الدول العربية ومن ضمنها دول الخليج تنظر إلى هذا الأمر.

أضِف إلى ذلك، أن موقف الولايات المتحدة أيضاً غير واضح من مسألة (فدرلة) العراق وبالتحديد منطقة الشمال العراقي التي يتركّز فيها الأكراد. فإذا ما حصل أمر كهذا، فإن تداعياته على عُموم الإقليم واضحة، فظهور منابع للنفط في تلك المنطقة سيُعيد التساؤل من جديد عن مركز التحكم النفطي في المنطقة، وأيضاً مدى تأثير ذلك في الأمن التركي والسوري والإيراني التي يتواجد فيها ذلك الحزام الديموغرافي لبقية المجموع الكردي. وإذا ما عُرِف أن الأمن الإقليمي مترابط فإن ذلك مدعاة لأن يُؤثّر في الأوضاع الداخلية في الخليج وعموم المنطقة العربية، وهذا الأمر لابد أن يبقى واضحاً لدى الأمريكيين.

وأعتقد أن ما ذكرته (الملف النووي الإيراني والملف العراقي) هما من أكثر الملفات إلحاحاً في العلاقات الخليجية-الأمريكية. ولا أعتقد أن قضايا أخرى مثل الصراع العربي-الإسرائيلي حاضرة كحضور هذين الملفّيْن في تلك العلاقة. وربما تفتح الأيام المقبلة الآفاق بشكل أرحب لكي تتعزّز هذه القناعة، خصوصاً بعد مفاوضات أسطنبول القادمة بين الغرب وإيران وبعد تشكيل الحكومة العراقية.

مقالات لنفس الكاتب