; logged out
الرئيسية / قراءة في مقررات قمة أبوظبي (قمة المياه وتدعيم العمل المشترك)

قراءة في مقررات قمة أبوظبي (قمة المياه وتدعيم العمل المشترك)

السبت، 01 كانون2/يناير 2011

منذ أن تم الاجتماع الأول لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في أبوظبي في 25 مايو 1981، فإن الاتجاه العام لدول المجلس كان دائماً ما يجمع بين الاهتمام بالقضايا الكبرى المرتبطة بالمنطقة بالإضافة إلى القضايا الأخرى التي تصب مباشرة في مصلحة دول مجلس التعاون الخليجية.

صحيح أن هناك قضايا سياسية فرضت نفسها في أوقات كثيرة على توجهات المجلس وبشكل خاص القضايا المصيرية الخاصة بالعالم العربي وعلى رأسها الموقف من الصراع العربي-الإسرائيلي والحرب بين العراق وإيران وغزو الكويت وجزر الإمارات المحتلة، إلا أن الاهتمام بتدعيم الوحدة بين الدول الخليجية الست كان دائماً يشكل المرجعية الأساسية لتوجهات القادة الخليجيين.
فلم يغب عن فكر وتوجه هؤلاء القادة أهمية إزالة الحواجز بين دولهم، والاستفادة من القواسم المشتركة بين شعوبهم، الأمر الذي يقيم وحدة فعلية على كافة الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية. ولعل من أهم العوامل التي ساعدت على إتمام الوحدة بين الدول الخليجية ذلك التشابه الواسع المدى فيما بين شعوب هذه الدول على مستوى العادات والتقاليد والاهتمامات اليومية. إضافة إلى ذلك فإنه توجد بين هذه الشعوب أرضية مشتركة على مستوى الثراء وطبيعة المشكلات التي تواجهها؛ فرغم أن الثراء أوجد بنية مشتركة بين هذه الدول فإنه سبب أيضاً مشكلات مشتركة ناجمة عن هذا الثراء.

فالأمر الذي لا يمكن إنكاره هنا أن النفط شكّل عاملاً حيوياً في تشابه أطر التنمية بين دول مجلس التعاون إلى حد كبير، رغم المحاولات التي تنتهجها بعض دول المجلس لتنويع مصادر دخلها. كما أن النفط شكل عامل توحد رئيسياً في استمرارية عمل مجلس التعاون متضافراً في الوقت نفسه مع بنية العادات والتقاليد المتشابهة.

ويمكن القول أيضاً إن بنية الثراء القائمة على النفط ومشتقاته دعمت استمرار العادات والتقاليد المتشابهة، من حيث تجذر المشتركات وتواصلها بشكل متجانس، وإن بأطر وأشكال جديدة. فالعادات والتقاليد والقيم قد تغيرت بسبب الثراء، ولم يكن هذا التغير يرتبط بدولة دون أخرى قدر ارتباطه بمجمل الدول الخليجية كاملة متخذاً أشكالاً متنوعة، لكنها في النهاية شكلت أرضية مشتركة جديدة فيما بينها.
واللافت للنظر هنا أن الثراء النفطي بين دول المجلس ارتبط أيضاً بتشابه المشكلات التي تواجهها هذه الدول، وإن بنسب مختلفة، وعلى رأسها الخلل الحاصل في البنية السكانية وضعف معدلات التنمية وتغير بنية القيم وازدياد معدلات الاستهلاك ومشكلات المياه وما يرتبط بها من تدهور بيئي.



وتُعد مشكلة المياه من أبرز المشكلات التي تواجه دول الخليج مجتمعة، وربما تمثل القضية الأساسية على المدى المنظور. من هنا فإن الاهتمام بها سوف يمثل هاجساً متواصلاً لمجلس التعاون الخليجي؛ فالمشكلة وصلت إلى مستويات مخيفة ربما تؤثر أيضاً في ما حققته هذه الدول من تقدم شامل مستفيدة في ذلك من وفورات النفط المتواصلة. والغريب في الأمر هنا أنه كما وحد النفط بين دول المجلس فإن مشكلات المياه وندرتها وحّدت أيضاً فيما بينها.

وتبرز قضية ندرة المياه وتراجع مخزونها في ضوء الأهمية التي أولتها إياها مقررات القمة الحادية والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية في أبوظبي يومي 6 و7 ديسمبر 2010، إلى الحد الذي يمكن أن يُطلق فيه المرء على هذه القمة اسم (قمة المياه). فالمقررات التي سوف نناقشها فيما يلي ركزت بشكل كبير وغير مسبوق على قضية المياه بوصفها أحد أهم المخاطر التي تواجه دول مجلس التعاون مجتمعة ومن دون استثناء، وهو أمر لا يمكن تجاهله أو التعامل معه من موقف آني لا يرى الأبعاد المستقبلية والاستراتيجية والأمنية له.
فقد كشف مؤتمر الخليج الخامس للمياه الذي عُقد بالدوحة في شهر مارس 2001 عن ارتفاع الطلب على المياه في دول مجلس التعاون من 6 مليار متر مكعب عام 1980 إلى 25 مليار متر مكعب عام 1995، وأن دول المجلس تواجه عجزاً مائياً بلغ 15 مليار متر مكعب وسوف يرتفع في عام 2025م إلى 31 مليار متر مكعب، وأن استهلاك المياه الحالي لدول مجلس التعاون يصل الى 22 مليار متر مكعب حسب إحصائيات عام 1996. ووفق هذا المعدل فمن المتوقع أن تكون دول المجلس في حاجة إلى حوالي 49 مليار متر مكعب من المياه سنوياً عام 2025م.

وما يزيد من تفاقم مشكلة المياه في منطقة الخليج هو التزايد السكاني والتوسع العمراني والصناعي والزراعي الكبير وقلة الأمطار، وهي أمور دفعت دول المجلس إلى الاعتماد على وحدات تحلية المياه ذات التكلفة العالية والاستهلاك الهائل للطاقة. فمن المعروف تزايد اعتماد دول المجلس على المياه المحلاة؛ فوفقاً للكتاب الإحصائي للمياه لدول مجلس التعاون الخليجي الصادر عام 2010 فقد بلغ إجمالي سعات التحلية في دول المجلس 14,5 مليون متر مكعب في اليوم، بما يعادل 3194 مليون غالون في اليوم، حيث بلغت أعلى نسبة سعات في المملكة العربية السعودية 38 في المائة ثم الإمارات 34 في المائة ثم الكويت 13 في المائة ثم دولة قطر 7 في المائة ثم مملكة البحرين 5 في المائة ثم سلطنة عمان 3 في المائة.

إن تفاقم مشكلة المياه يستدعي العمل المشترك الاستراتيجي بين دول مجلس التعاون، مما يستدعي أيضاً القراءة المعمقة لمقررات قمة أبوظبي الأخيرة التي ركزت بشكل كبير على مواجهة أزمة المياه في دول المجلس. والتساؤلات التي يجب الإجابة عنها في ضوء مقررات هذه القمة تتعلق بما يلي:

- كيف واجهت قمة أبوظبي مشكلة المياه؟
- هل اتسمت الحلول المقترحة بالشمولية وبعد النظر، أم أنها اتسمت بالمواجهة الإجرائية الطارئة؟
- هل تساعد مثل هذه الحلول العمل المشترك بين دول المجلس، أم أنها تدعم الحلول الفردية لكل دولة على حدة؟

وأوصى (إعلان أبوظبي) الصادر عن الدورة الحادية والثلاثين للمجلس الأعلى لمجلس التعاون لدول الخليج العربية التي عقدت في العاصمة الإماراتية أبوظبي يومي السادس والسابع من ديسمبر 2010 بوضع استراتيجية بعيدة المدى بشأن المياه تساعد على مواجهة النقص الحاد المتوقع في المياه في دول الخليج في السنوات المقبلة. وقد اتسمت هذه التوصيات بالسمات التالية:

* الدعوة إلى التعاون الشامل في مواجهة أزمة تناقص المياه في الخليج، على مستوى الدول الخليجية ككل، بما يعني ضرورة مواجهة جوانب المشكلة من أبعادها كافة من ناحية الاستهلاك المنزلي والزراعي والصناعي بالإضافة إلى تحديد كافة الإجراءات التي يمكن من خلالها مواجهة هذه الإشكالية.

* هذه المواجهة لم تنطلق اعتماداً على تصورات نظرية قدر انطلاقها من قاعدة بيانات دقيقة تحدد حجم المياه المتوافرة، وطبيعة الاحتياجات الآنية والمستقبلية على السواء، بالإضافة إلى تحديد طبيعة المشروعات التي يمكن أن تتم فيما بين الدول الخليجية من ناحية، وبينها وبين غيرها من دول الجوار من ناحية أخرى.

* رغم توافر النفط والغاز الطبيعي في دول الخليج، وهو ما ساعد حتى الآن على استخدام وحدات تحلية المياه ذات الاستهلاك الهائل للطاقة، فإن القمة دعت إلى البحث عن مصادر أخرى بديلة تحافظ على النفط والغاز الطبيعي من ناحية، وتضمن الحفاظ على البيئة من ناحية أخرى.

* من هنا جاء تأكيد القمة على أهمية توسيع دائرة البحوث العلمية التي تكفل توفير مصادر المياه بمستويات منخفضة من استهلاك الطاقة وبقدر كبير من الأمان البيئي يتفق مع المعايير الدولية المتعارف عليها. وفي هذا السياق يمكن أن يشكل التعاون العلمي بين المؤسسات البحثية والأكاديمية بين دول الخليج، في ظل تنوع تلك المؤسسات والكادر البحثي فيما بينها، نقطة انطلاق مهمة من أجل إيجاد حلول جذرية لأزمة المياه في هذه الدول.

* في هذا السياق لم تفصل تلك التوصيات فيما بين البحوث المتعلقة بالمياه وتلك المتعلقة بالطاقة، فكلتاهما مرتبطتان ببعضهما البعض، وتعتمدان على بعضهما البعض. ويمكن أن تشكل جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لما لها من سمعة أكاديمية ذات مستوى عالمي قاطرة البحث الخليجي في كل من بحوث الطاقة والمياه على السواء وبالتعاون مع غيرهما من المؤسسات البحثية والأكاديمية الخليجية الأخرى.

* ومن الجوانب التي ميزت قرارات قمة إعلان أبوظبي هذا العام تركيزها على الجانب التشريعي والقانوني الذي يمكن أن يعزز من كفاءة إنتاج الطاقة والمياه ويرشد من استهلاكهما، وهي مسألة يمكن أن تخلق مناخاً تشريعياً قانونياً واحداً بين دول مجلس التعاون الخليجي مجتمعة مع مراعاة بعض الفروق النسبية فيما بينها. إذ إن أهمية هذه البيئة التشريعية القانونية الموحدة تأتي من أنها تساعد على مواجهة تناقص المياه بعقلية واحدة، وتؤمن استمرار أشكال التعاون المختلفة من دون مواجهة أية مشكلات تشريعية أو قانونية تثبط من هذا التعاون.

* لم تقف مقررات القمة فقط عند إمكانية إيجاد بنية تشريعية وقانونية عامة فيما بين الدول الخليجية، لكنها تعدت ذلك إلى التركيز على بنية القيم الاستهلاكية ومحاولة تغييرها بما يقود إلى ترشيد استهلاك المياه من خلال الجمع بين التوعية وإيجاد شرائح تسعيرية جديدة تتناسب وحالة التناقص في مصادر المياه التي تواجهها هذه الدول.

* الشعوب الخليجية من مواطنين ووافدين تحتاج إلى توعية واسعة بأهمية المياه ومدى الأضرار التي سوف تنجم عن تناقصها بشكل كبير. وإذا كان هذا سوف يتم من خلال تغيير بنية القيم الاستهلاكية فإنه يحتاج إلى ضوابط أخرى ترتبط بإحساس الفرد بالمياه كسلعة مثلها مثل غيرها من السلع لها سعر محدد يتعاظم بمرور الوقت، بحيث ينمحي من ذاكرته استهلاك المياه من دون الإحساس بأهميتها وإيلائها الاحترام والتقدير الكافيين.

* نظراً لارتباط المياه بالزراعة فإن قمة أبوظبي أولت الزراعة قدراً كبيراً من الأهمية من حيث وضع سياسات زراعية وطنية تهدف في المقام الأول إلى المحافظة على المياه وذلك من خلال استخدام تقنيات زراعية جديدة تأتي على رأسها زراعة نباتات غير عالية الاستهلاك للمياه وتتحمل الملوحة العالية لها. ولعل هذا الأمر يرتبط أيضاً بضرورة وضع سياسات زراعية عامة بين الدول الخليجية مستفيدة في ذلك من التشابه الكبير فيما بينها، كما يشجع على التعاون العلمي أيضاً.

* اللافت للنظر هنا أن كل تلك المقررات جاءت مصحوبة في الوقت نفسه بالتأكيد على ضرورة الحفاظ على البيئة بمفهومها الشامل وفقاً للمعايير العالمية. وهي مسألة يجب أن تتعاون دول الخليج فيما بينها من أجل وضع مجموعة من التشريعات البيئية الصارمة التي تضمن بيئة خليجية آمنة، خصوصاً في ظل ما يتمتع به المواطنون الخليجيون من حرية الحركة من بلد إلى آخر. وفي هذا السياق يمكن الاتفاق بين دول المجلس على مراعاة بعض الفروق بين الدول الخليجية، وهي فروق بسيطة ونسبية، بما يضمن وجود تشريع عام خاص بالحفاظ على البيئة في دول الخليج مجتمعة.

وفي كلمة يمكن القول إن قمة أبوظبي الأخيرة واجهت مشكلة المياه من منظور شامل يساعد، إذا حدث وتم تنفيذه ومتابعته فعلاً، على مواجهة استراتيجية شاملة لأزمة المياه في دول الخليج، من خلال طروحات شاملة تؤدي إلى التعاون المشترك بين هذه الدول ومؤسساتها البحثية والأكاديمية، كما تخلق منظوراً واسعاً للتوعية بين مواطني دول مجلس التعاون الخليجي.

 

مقالات لنفس الكاتب