array(1) { [0]=> object(stdClass)#12962 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 95

معضلة الطاقة والغذاء وسبل حلها

الأربعاء، 01 آب/أغسطس 2012

شهد العالم خلال السنوات القليلة الماضية غلاء أسعار النفط والغذاء مما كان له تداعيات سلبية على أمن واستقرار العالم. إذ حققت أسعار النفط قفزة تاريخية في السنوات الأخيرة، وبلغت أسعار معظم المواد الغذائية أرقاماً قياسية. وبات شبح الجوع يخيِّم على معظم دول العالم بعد أن ظنت أنها في مأمن منه بسبب الثورة الخضراء، واندلعت أعمال الشغب والمظاهرات كنتيجة لأزمة الغذاء.

وحتى تتمكن الحكومات من معالجة الجذور الحقيقية للأزمة يتعين عليها فهم العوامل التي تحرك السوق والسعي نحو تقليل الطلب ولا سيما في قطاع الطاقة.

ولم تبذل الحكومات حتى الآن سوى جهود طفيفة لمعالجة الأسباب الحقيقة للمشكلة التي تفاقمت نتيجة بعض الانعكاسات السياسية. فقد عمدت بعض الحكومات إلى فرض قيود تجارية ومراقبة أسعار السلع كرد فعل للضغوط الهائلة التي تعرضت لها من أجل توفير الغذاء لشعوبها، الأمر الذي كانت له عواقب سلبية زادت المشكلة حدة وتعقيداً. ومن اللافت للانتباه أن الحكومات، ولا سيما الإدارة الأمريكية التي تعتبر أكبر مستهلك للطاقة على مستوى العالم، لم تبذل سوى جهود طفيفة لتشجيع السكان على الترشيد والاقتصاد في استهلاك الطاقة.

والواقع أن البحث عن أفضل السبل لمعالجة الأزمتين يتطلب منا في المقام الأول رصد وتقييم مجريات الأحداث التي دفعت العالم إلى هذا الوضع الصعب. فغلاء أسعار النفط مثلاً يعود إلى خصائص هذه السلعة التي تعتمد عليها وسائل النقل والمواصلات بشكل مكثف نظراً لسهولة نقلها وتخزينها. وعجزت أنظمة النقل عن إبداء المرونة الكافية، ومن ثم الاستجابة بكفاءة لغلاء أسعار النفط في ظل غياب البدائل الحقيقية، مما أدى إلى ارتفاع الطلب على النفط حتى بعد زيادة أسعاره (وسيكتشف المستهلكون في مرحلة ما أن ترشيد الاستهلاك هو الحل الأمثل من الناحية الاقتصادية، مما سيؤدي إلى خفض الطلب على النفط. واتجهت شركات الطيران وسائقو السيارات بالفعل إلى شراء أجهزة أكثر كفاءة وفاعلية ستؤدي إلى خفض استهلاك النفط بمجرد استخدامها على نطاق واسع).

لا يخضع النفط لقواعد العرض المعتادة نظراً لأن معظم احتياطي النفط يخضع لسلطة الشركات المملوكة للحكومات التي لا تستجيب لسياسة العرض والطلب على عكس الشركات الخاصة. فمثلاً، لا تعمد هذه الشركات إلى زيادة إنتاجها لجني أرباح سريعة عند ارتفاع الأسعار وتقنع هي وحكوماتها بجني الأرباح الناشئة عن زيادة أسعار إنتاجها الحالي، وذلك في ضوء ضَعف الحافز لدى هذه الشركات والدول لجمع المزيد من الأموال؛ فهي نادراً ما تتوجه إلى الاستثمار أو تتخيل أن ينفد ما لديها من أموال وممتلكات. وقد يكون هذا هو السبب وراء إعلان المملكة العربية السعودية وقطر ودول كثيرة أخرى وقف أو إبطاء مشروعاتها الحالية. 

وترى بعض الدول التي يسيطر عليها "هاجس الموارد" أن الإنتاج يجب أن يتناسب عكسياً مع الأسعار بمعنى أنه يجب خفض الإنتاج كلما زادت الأسعار. والسبب وراء ذلك هو جشع حفنة من السياسيين ولهثهم وراء جني الأموال مما يضر بالمناخ الاستثماري على المدى الطويل في هذه الدول. وتأتي روسيا وفنزويلا على رأس الدول التي خفضت إنتاجها بالرغم من مواردهما الكثيرة.

وقد يكون هذا هو السبب وراء غلاء الأسعار. فارتفاع أسعار النفط لم يؤدِّ إلى خفض الطلب بل إنه ترك انعكاسات سلبية على سلسلة العرض في بعض الدول. وعلى الصعيد العالمي، باتت منحنيات العرض شبه رأسية، الأمر الذي أدى إلى تحويل التقلبات الطفيفة إلى هزات كبيرة في الأسعار (وأسهمت ظاهرة القروض الخاصة - القروض الممنوحة من الأشخاص والشركات الخاصة – في تفاقم المشكلة جراء تحول النفط والسلع الغذائية إلى أدوات استثمارية هامة شهدت إقبالاً متزايداً بسبب ضَعف الأداء الاقتصادي في الأسواق الأخرى والتنبؤ بزيادة أسعار هذه السلع).

حكومات الدول الغربية باتت غيرقادرةعلى التأثيرالمباشرفي مجريات الأزمة الغذائية

سيكتشف المستهلكون للنفط في مرحلة ما أن ترشيد الاستهلاك هوالحل الأمثل من الناحية الاقتصادية

قد يكون من الصعوبة بمكان رصد وتحليل الأسباب التي أدت إلى غلاء أسعار المواد الغذائية. وقد لجأ الكثير من الخبراء إلى تفسير هذا الغلاء على أنه انعكاس لارتفاع أسعار الوقود نظراً لاستخدام المحاصيل الزراعية ولا سيما الذرة والسكر في مادة الإيثانول – التي يتم مزجها مع البنزين – وفول الصويا في إنتاج الديزل الحيوي. وازداد الإقبال على تحويل الحبوب الزراعية إلى وقود حيوي وتغيير الأنماط الزراعية المعروفة من توفير الغذاء إلى إنتاج الوقود الحيوي الأكثر ربحاً.

وبالرغم من رواج هذا التفسير الذي يشير بأصابع الاتهام إلى أسعار الوقود وأسواق الطاقة، فمن الصعب تحديد انعكاسات ارتفاع أسعار النفط والوقود الحيوي على تكلفة المواد الغذائية على نحو دقيق، إذ يتفاوت حجم المخاطر والتهديدات حسب المحصول الزراعي نفسه، إلا أن الدراسات والأبحاث الدقيقة تشير إلى أن الاستثمار في الوقود الحيوي يمثل السبب وراء ارتفاع أسعار السلع الغذائية بنسبة تتراوح من 10 إلى 30 في المائة. والواقع أن ارتفاع أسعار الغذاء على مستوى العالم لم يكن الدافع الرئيسي وراء إعادة النظر في استثمارات الوقود الحيوي، وإنما يعود إلى أن ارتفاع تكلفة إنتاج بعض أنواع الوقود الحيوي – ولا سيما إيثانول الذرة وديزل الحبوب الزيتية – والآثار السلبية على ظاهرة الاحتباس الحراري والبيئة.

لا يمثل إنتاج الوقود الحيوي حلقة الوصل الوحيدة بين أزمة الطاقة وأزمة الغذاء، إذ تزايد الطلب على الوقود والغذاء في آن واحد وخصوصاً مع الطفرة التي تشهدها الاقتصادات الآسيوية العملاقة مثل الصين والهند. فقد تأثر العرض، المحدود والبطيء أصلاً، جراء تزامن جملة من العوامل تمخض عنها اضطراب أسعار الطاقة وقلة الإنتاج في القطاع الغذائي. فعلى سبيل المثال، أدت موجة الجفاف التي تعرضت لها أستراليا إلى خفض إنتاجها من بعض المحاصيل الزراعية، كما كان العجز في المهندسين الأكْفَاء ونقص معدات الحفر سبباً في عجز مصدري النفط على التعامل مع الأزمة بكفاءة وعدم مقدرتهم على استخدام حقول البترول التي تم اكتشافها مؤخراً.

وربما يتحول بعض هذه العوامل إلى أمراض مزمنة، فقد يتعرض الإنتاج الزراعي لمزيد من التهديدات بسبب ظاهرة التغير المناخي خلال العقود القادمة (على الأقل حتى يكتشف المزارعون سبل جديدة ومبتكرة لتعزيز القدرة الإنتاجية). ويبدو أن فرص الحصول على مهندسين مؤهلين ومعدات ثقيلة ستكون أكثر صعوبة في المستقبل المنظور.

تنطوي أزمة نقص الغذاء والوقود من الناحية النظرية على فرصة هائلة لدفع مسيرة الإصلاح في الاتجاه الصحيح، حيث أسهمت زيادة الأسعار في رفع دخل المزارعين الذي يشكلون العقبة الرئيسية نحو النهوض بالقطاع الزراعي. أما على الواقع العملي، فلم تسعَ أي من حكومات الدول الكبرى إلى الاستفادة من هذه الفرصة.

فعلى سبيل المثال، جددت الولايات المتحدة التزاماها بالسياسات الزراعية التي تقدم دعماً غير مبرَّر لمزارعيها بالرغم من عدم احتياج هؤلاء الفلاحين إلى هذا الدعم في السنوات الأخيرة. وعلى نفس المنوال، لم تشهد برامج الدعم الزراعي المتَّبَعة في اليابان وأوروبا سوى تعديلات طفيفة.

وتتبنى الحكومات في بعض الأحيان سياسات قد تضر بالمزارعين أنفسهم. وليس أدل على ذلك من قيام الهند بوقف تصدير الأرز إلى الخارج، الأمر الذي أدى إلى خفض أسعار الأرز المحلية مما دفع الفلاحين إلى الإعراض عن زراعة الأرز وبالتالي نقص الإنتاج. والسبيل الأمثل، بل قد يكون الأوحد، نحو ضمان الأمن الغذائي والخروج من هذه الأزمة هو تعزيز التواصل بين المنتجين والمستهلكين في الأسواق العالمية التي توفر مجموعة متنوعة من المنتجات والسلع.

وينطوي غلاء أسعار الوقود على فرصة هائلة لترشيد الاستهلاك، غير أن الكثير من الحكومات لا يكترث بالعوامل التي تؤثر على توجُّهات السوق. وعلى سبيل المثال، قامت الدول الغنية بالنفط وموارد الطاقة، مثل إيران وكثير من دول الخليج العربي، بخفض أسعار المنتجات النفطية عن معدل الأسعار السائدة في السوق العالمي. وفي المقابل، لجأت الصين إلى مراقبة أسعار النفط والكهرباء، وهو ما يعلل جزئياً انقطاع التيار الكهربي أوائل العام الماضي، إذ عانت شركات توليد الكهرباء من ارتفاع أسعار الفحم ولكنها لم تستطع تمرير هذه الزيادة إلى المستهلك النهائي وتعرضت هذه الشركات لضغوط كبيرة أدت إلى انخفاض مخزونها من الفحم وجعلها أكثر عرضة لمشاكل توليد الطاقة، وهو ما حدث فعلاً أثناء العاصفة الثلجية التي تسببت في حدوث أضرار ضخمة لخطوط السكك الحديدية في البلاد.

ويجب علاج الجذور الأصلية للمشكلة وليس الانعكاسات الناجمة عنها. والحقيقة المرة هي أن حكومات الدول الغربية باتت غير قادرة على التأثير المباشر في مجريات الأزمة، وهذا يرجع جزئياً إلى آليات العولمة التي تحكم العالم.

ونرى في قضية الغذاء أن السياسات الحكومية تؤثر إلى حدٍ ما في سلسلة العرض والطلب، غير أن آليات العولمة تجعل من الصعب انفراد حكومة أو دولة بعينها بمقدرات الأمور في هذا الشأن، فقد تمتلك الحكومات بعض التأثير في سلسلة الطلب على المواد الغذائية، ولكن التأثير الأكبر يتمثل على المستوى العالمي في زيادة إنتاج المحاصيل.

وعلى صعيد النفط، تقف الدول الغربية مكتوفة الأيدي من ناحية العرض، ولكنها مع ذلك تلعب دوراً كبيراً في تشكيل ملامح الطلب على النفط بوصفها من أكبر المستهلكين في العالم. وكي تتمكن هذه الدول من التأثير في عملية الطلب على النفط، يجب أن تسعى إلى تغيير أنماط استخدام الطاقة، وبالطبع فإن هذه التغييرات مرهونة بابتكار وتطبيق أساليب تقنية حديثة.

ويمثل الاعتماد على التقنية المتطورة أحد المحاور الهامة لزيادة إنتاج المواد الغذائية وتقليل الطلب على النفط. ولكن حشد الجهود الحكومية، وراء تطبيق سياسة تقنية تتسم بالكفاءة والفاعلية، ينطوي على صعوبة بالغة.

تعتمد الابتكارات والتطورات التقنية على استثمارات طويلة الأجل والنفس أيضاً؛ فالنتائج غير مؤكدة وأفضل من يتولى دفة هذا المجال هم مديرون أذكياء لديهم المقدرة على استقراء توجُّهات السوق والتكيف مع وقائعه بعيداً عن الأنظمة الروتينية الحكومية التي لا تمتلك سجلاً جيداً في هذا المجال. ووجد السياسيون أنفسهم وسط هذه الأزمة المتلاطمة الأمواج وكان عليهم الإسراع باتخاذ خطوات ذات نتائج ملموسة للتغلب على مشكلة غلاء أسعار الغذاء والوقود، فلجؤوا إلى مراقبة الأسعار واستمالة بعض الجماعات التي تحظى بمحاباة سياسية مثل منتجي الوقود الحيوي وفرض قيود تجارية.

ومما يدعو للقلق أن الاستثمار في مجال التقنية لا يرقى في الواقع إلى المستوى المطلوب لمعالجة الجذور الحقيقية للمشكلة، بل إن بعض الحكومات الغربية تسعى إلى تقليص حجم استثماراتها في المعاهد الدولية للبحث الزراعي على الرغم من أن هذه المعاهدة كانت وراء حدوث الثورة الخضراء ويتوقع أن تلعب دوراً هاماً في تكرار هذا الإنجاز خلال العقود القادمة إذا توفرت لها الموارد الكافية. ويبدو أن الاستثمار في قطاع تقنية الطاقة بدأ ينهض من سُبات طويل منذ ثمانينيات القرن الماضي، إلا أنه لا يرقى إلى المستوى المطلوب أيضاً.

وتبدو استثمارات القطاع الخاص مشجعة في بعض القطاعات والأنشطة مثل إنتاج الوقود الحيوي المتطور وتصنيع بطاريات حديثة يمكن أن تسهم في تشغيل السيارات بالكهرباء بدلاً من النفط.

أما عن القطاعات التي تحتاج إلى الاستثمارات الحكومية بشدة، مثل محطات الفحم المتطورة ذات الانبعاثات المنخفضة لما لها من أهمية بالغة في تجنب انبعاثات ثاني أكسيد الكربون التي تعتبر السبب الرئيسي وراء ظاهرة الاحتباس الحراري، فإن هذه الاستثمارات تعتبر ضئيلة للغاية. فمن المرجح أن تقوم الخطط الاستثمارية الحكومية بدعم حفنة صغيرة من محطات الفحم المتطورة بالرغم من الحاجة الماسة إلى إنشاء العشرات من هذه المحطات في العقد القادم.

ونخلص في النهاية إلى أن تصرفات الإنسان هي التي أوجدت في الأساس أزمتي الغذاء والوقود وعبقرية الإنسان هي الحل نحو الخروج من هذا المأزق. ويتطلب هذا الأمر تنظيم وتنسيق أفضل من جانب الحكومات وخاصة في مجال الاستثمار في التقنية.

 

 

مقالات لنفس الكاتب