; logged out
الرئيسية / عدم شرعية مذكرة إثيوبيا وأرض الصومال كونها تصرف من لا يملك فيما لا يملك

العدد 195

عدم شرعية مذكرة إثيوبيا وأرض الصومال كونها تصرف من لا يملك فيما لا يملك

الخميس، 29 شباط/فبراير 2024

ما فتئ العالم يغطّ في سبات عميق بعدما أمضى مساء 31 ديسمبر 2023م، محتفلًا برأس السنة الجديدة حتى استفاق صبيحة الأول من يناير 2024م، على زلزال سياسي يكاد يعصف بأمن واستقرار ليس منطقة القرن الإفريقي فحسب، بل أمن وسلامة البحر الأحمر، إذ وقع كل من إقليم أرض الصومال ودولة إثيوبيا مذكرة تفاهم وصفها طرفاها بــ "الـتاريخية" في حين يرى الآخرون أنها تهديدًا لأمن المنطقة بما ينعكس على أمن وسلامة الملاحة بالبحر الأحمر حيث ضُمّنت الاتفاقية 5 ركائز وهي : استئجار أديس أبابا شريطًا ساحليًا من هارجيسا بطول 20 كيلومترًا من شاطئ البحر الأحمر متضمنًا ميناء بربرة لمدة 50 عامًا؛ تدشين قاعدتين إثيوبيتين إحداهما عسكرية والأخرى بحرية في ميناء بربرة ؛ مِكنة بناء منطقة تجارية في ميناء بربرة؛ استحواذ هارجيسا على نسبة 20% من الخطوط الجوية الإثيوبية وأخيرًا اعتراف إثيوبيا بأرض الصومال كدولة مستقلة ذات سيادة. فهل من دلالة لتوقيت المذكرة؟ بمعنى هل أُبرمت المذكرة في خلسة من العالم سيما المعني بالقرن الإفريقي؟ ولماذا أحدثت وما زالت تحدث هذا الضجر الصاخب؟ هل ثمة أيدٍ خفية تسعى لشرذمة القرن الإفريقي؟ وإذا ما وجدت فمن هي وما تداعيات ذلك على أمن البحر الأحمر والذي يعد جزءًا رئيسًا من السلم والأمن الدوليين...

وبالرجوع إلى توقيت توقيع المذكرة، يثور التساؤل حول النوايا الخفية لهذا التوقيت، إذ إن ظاهر الأشياء بل وباطنها يقودنا إلى نتيجة واحدة وهي تعمّد إبرام المذكرة في خلسة من الجميع؛ ففي حين تنخرط الولايات المتحدة الأمريكية في الدفاع عن عربدة ابنها غير الشرعي- الكيان الصهيوني- في الأراضي المحتلة وتزويده بالسلاح والدعم الدبلوماسي وكذلك فعلت معظم الدول الغربية، في حين تنشغل مصر وبعض الدول المحورية في العالم العربي في محاولات مضنية لإيقاف الحرب الدائرة في قطاع غزة ولو عبر هدنة مؤقتة تمهيدًا لبحث إيجاد حلّا للقضية الفلسطينية برمتها متمثلة في حل الدولتين كما أشرنا في مقالنا السابق، نجد انخراط حوثيو اليمن في النزاع الإسرائيلي الفلسطيني وهو ما يهدد الملاحة البحرية في البحر الأحمر وبالفعل كان لذلك أثرًا ملموسًا على حركة التجارة الدولية. إضافة إلى انغماس روسيا والمعسكر الشرقي في الحرب مع أوكرانيا والدعم الأوروبي لتلك الأخيرة؛ فهل ينقص النار حطبًا؟

يبدو أن رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد، ماضٍ في مشروعه إذ أدلى بتصريحات في أكتوبر الماضي عن حق الدولة الإثيوبية في أن تجد لها موطئ قدم على البحر الأحمر وأن تلك المسألة هي "وجودية" وأن منالها آتٍ لا محالة إما طوعًا أو على ظهر دبابة حال عدم التوصل لاتفاق مع دول القرن الإفريقي. وعقب ذلك التصريح شخصت الأنظار نحو إريتريا، بحكم كونها إقليمًا إثيوبيا سابقًا وهو ما أثار حفيظتها واستنكارها ولم يدر بخلد أحدٍ أن يضبط أبي أحمد مؤشر بوصلته نحو هارجيسا سيما في ضوء ما أقدمت عليه الأخيرة بإلغاء نسبة إثيوبيا.

يقودنا ذلك إلى التساؤل والبحث عن الموكلين "الفاعلين الأصليين" وعن أهدافهم من تلك الخطوة، إذ كيف لدولة ذات موازنة مهترئة وديون متكدسة وحروب أهلية تعصف بأية تنمية اقتصادية وعوز هنا وفقر هناك أن تضطلع بتمويل هذا المشروع !! ، ويبدو أن أبي أحمد، يسعى جاهدًا لاستعادة واستعاضة ما فات إثيوبيا وما لحقها من تداعيات أسر الحدود الأرضية وهو ما كان له أثرًا سيئًا على الاقتصاد الإثيوبي.

ما برحت إثيوبيا في تصدير مظلومية تاريخية مزعومة للمجتمع الدولي متمثلًا في كونها دولة حبيسة وهو ما يضرب في الصميم اقتصادها الوطني ويعطّل عجلة التنمية ملوحةً بتهديد الاستقرار الإقليمي والأمن الملاحي في البحر الأحمر حال استمرار وضعها كدولة حبيسة. شسوع فرق بين من يسعى، وهذا حق مشروع، لتلبية احتياجاته الأساسية وبين من يهرول حول أهداف توسعية تتخطى الفرض الأول. وهذا هو الوضع الإثيوبي الحالي، إذ إن كامل تجارته الخارجية تتم عبر مواني جيبوتي؛ فما الدافع وراء إيجاد بدائل ثم أن هناك تخوفات تلوح في أفق دول القرن الإفريقي مبعثها عزم إثيوبيا بناء قاعدة عسكرية على الساحل الغربي للبحر الأحمر رغم كونها دولة حبيسة؛ فهذا إن كان له من دلالة فهي دلالة توسعية تهدد أمن المنطقة.

المناورة المتهورة لإثيوبيا لا تخلو من مفاجآت، إذ على ما يبدو أن التفكير التوسعي لأبي أحمد يسيطر على قراراته؛ فهو يسعى بهذه الخطوة نحو إيجاد مساحة له على المسرحين الإقليمي والدولي كلاعب فاعل وركيزة أساس، يصبو له ذوي المصالح في المنطقة ويخطب وده من يريد الاستثمار فيها. ولئن كان لهذا من دلالة مبدئية فهي أن العام 2024م، لن يكون كنهر هادئ بل كبحر هائج ذو أمواج عاتية ورياح عاصفة على الشرق الإفريقي وخاصة منطقة القرن الإفريقي.

فهمًا للإشكالية... دافعية الأطراف على المذكرة

في محاولة لفهم دوافع التقارب والتفاهم بين طرفا المذكرة يجب الأخذ في الاعتبار موقف إثيوبيا السابق الرافض للاعتراف بأرض الصومال كدولة بمعزلٍ وبسابقية عن الاعتراف الأورو-أمريكي، إذ صرح ميلس زيناوي، رئيس وزراء إثيوبيا السابق بأن الاعتراف الإثيوبي بأرض الصومال سيكون بلاحقية للاعتراف الأورو-أمريكي؛ فما الذي حدا إذن بأبي أحمد أن يعدل نهج سلفه وأن يعجّل بوتيرة الاعتراف بإقليم أرض الصومال؟

في ذات الوقت تحدثت تقارير إثيوبية عن حزمة تنازلات من قبل أبي أحمد، لإبرام هذا الاتفاق مبررة هذه التنازلات بعدم جدوى المفاوضات السياسية التي قادها أبي أحمد منذ أن وصل إلى سدة الحكم عام 2018م، في إقناع أي من دول القرن الإفريقي في استئجار ميناء وبناء قاعدة عسكرية على ساحل البحر الأحمر.

  1. من أرضين وصومال واحد إلى أرضٍ واحدة وصومال واحد

أرضان وصومال واحدة هكذا شقَّ سكين الاستعمار الصومال: أرض الصومال البريطانية والتي استقلت عام 1960م، وأرض الصومال الإيطالية والتي استقلت بدورها أيضًا عام 1960م، واندمجا كسابق عهدهما في مكوّن واحد هو الصومال. إلا أن النزعة الانفصالية باتت متجذرة في إقليم أرض الصومال؛ ففي عام 1991م، وعقب الإطاحة بالرئيس الصومالي السابق سياد بري، أعلنت أرض الصومال الانفصال والاستقلال عن الصومال بإجراء منفرد ولم تعترف بها أية دولة لحين كتابة هذه السطور.

  1. إثيوبيا: من دولة ساحلية إلى دولة حبيسة

كذلك أعمل الانفصال نصله في الجسد الإثيوبي، حيث حملت بداية حقبة التسعينات من القرن الماضي؛ فبعد أن كانت إثيوبيا دولة ساحلية وقوة بحرية فاعلة في المنطقة بفضل امتلاكها عدة موانئ أهمها مينائيّ مصوع وعصب وبانفصال إريتريا عنها عام 1993م، فقدت إثيوبيا شريانها البحري ومتنفسها الساحلي وحُرمت من دفء مياه البحر الأحمر وما ترتب على ذلك من آثار سياسية واقتصادية لا تخطئها عين.

ولربما كان من بين بواعث هذا الاتفاق مداعبة الداخل الإثيوبي سياسيًا والعمل على كسب شعبية جديدة وازدياد رقعة المؤيدين لسياسة أبي أحمد؛ كما أن للمذكرة حال تنفيذها بعدًا اقتصاديًا ملحوظًا إذ تقدر الرسوم المدفوعة لجيبوتي ما يربو على ملياري دولار سنويًا.

نتيجة أولية للتوافقات التبادلية بين الطرفين

تقدم مذكرة التفاهم الموقعة مطلع هذا العام بين إقليم أرض الصومال ودولة إثيوبيا إذن تفسيرًا مبدئيًّا للإشكالية السالف ذكرها، إذ إن إقليم أرض الصومال يسعى أن يكون بديلًا لإريتريا بالنسبة لإثيوبيا؛ بأن يمنحها شريانًا بحريًا يفض عذرية حبستها الجغرافية وهو ما تسعى إليه إثيوبيا في تحدٍ سامت وفي ذات الوقت، تعي أرض الصومال مدى إلحاح حاجة إثيوبيا للبحر الأحمر وترغب هي الأخرى في شراكة اقتصادية ورافد مالي ينتشلها من الوضع الاقتصادي المتردي والأهم هو أن تُفرط عُقد العزوف عن الاعتراف بها دوليًّا بأن تنتزع اعترافًا بها كدولة من جانب دولة فاعلة في المنطقة بحجم وثقل إثيوبيا يعقب ذلك- من وجهة نظرها- توالي الاعترافات.

مضمون المذكرة... قراءة ما بين السطور

نضحت مذكرة التفاهم والتي لا تنطوي على ثمة إلزام قانوني، بل تعبر عن تقارب رؤى واتفاق في وجهات النظر بين الطرفين، بالأسباب الداعية لذلك؛ فمن ناحية ترغب إثيوبيا في أن تنفض غبار الدولة الحبيسة عن نفسها بأن تغادر نادي الدول الحبيسة والتي رزحت تحت نيره ما يزيد عن 40 عامًا وأن تعاود الحال لما كانت عليه قبل 1993م، أي قبل انفصال إريتريا وتنعم بكونها دولة ساحلية ولو بالإيجار، إذ تقضي المذكرة بأن تستأجر إثيوبيا من الصومال ما مساحته 20 كيلو متر ساحليًا في حيز ميناء بربرة المطل على خليج عدن بما يمنحها مكنة الوصول إلى مياه البحر الأحمر واستغلالها في الأغراض التجارية والبحرية وذلك لمدة 50 عامًا. تبحث إذن إثيوبيا عن موضع قدم على الساحل الغربي للبحر الأحمر بغية الوصول إلى أوروبا وباقي دول العالم عبر المعبرين الحيويين قناة السويس ومضيق باب المندب.

لم يقتصر الاتفاق على الجانبين التجاري والاستغلال البحري بل إن الجانب العسكري كان حاضرًا وبقوة إذ صرحت أرض الصومال وكذلك فعلت إثيوبيا بأن المذكرة تشمل أيضًا تأجير جزء من ساحل إقليم أرض الصومال كقاعدة حربية بحرية للبحرية الإثيوبية.... فهل العمل على بناء وعملقة أسطول بحري سيساعد على الاستقرار أم أنه سيفتح أبوابًا للصراع والتسليح تستنزف مقدرات الإقليم وتوقعه في شرك الحروب ؟!

ريادة البحر الأحمر إذن تفوح من سياسة أديس أبابا وإن لم تصرح بذلك صراحة، والهدف الاستراتيجي ليس بخافٍ على عين فاحصة متفحصة، إذ إن المستهدف من تلك الخطوة هو أن تصبح إثيوبيا لاعبًا محوريًّا في الإقليم وضامنًا يعول عليه في أمن وسلامة البحر الأحمر وأن تحجز لها مقعدًا في محور المدافعين عن الملاحة والتجارة الدولية وخاصة تأمين مضيق باب المندب بعد التهديد الذي يتعرض له إبان حرب غزة من قبل الحوثيين والقراصنة الصوماليين، الأمر الذي يستتبعه تمتعها بنفوذ سياسي عسكري اقتصادي يضمن لها فرض سياستها على المنطقة.

تقلد منصب المتحدث الرسمي باسم القرن الإفريقي والظهور بمظهر حامي حمى البحر الأحمر والتجارة الدولية وحليفًا إقليميًا للقوى الدولية الفاعلة هو هدف الأهداف من وراء ذاك اتفاق...

ليس بمستغربٍ إذن أن تصف إثيوبيا هذا الاتفاق بــ "التاريخي" إذ يعيد لها تدفق المياه الدافئة للبحر الأحمر عبر شريانها البحري الجديد وهو ما يساهم وبحسب ما عبرت عنه أديس أبابا بـــ "تنويع وصولها إلى الموانئ البحرية"، والمتتبع لمجريات الأمور الإفريقية وبالأخص القرن الإفريقي يجد أن نواة هذه المذكرة بدأت عام 2019م، حينما قامت إثيوبيا بشراء 19 بالمائة من ميناء بربرة في مقابل احتفاظ أرض الصومال بحصة 30 % في حين ظفرت شركة موانئ دبي العالمية بنصيب الأسد المدير 51 % لمدة 30 عامًا وهذا ما قوبل بالرفض التام من مقديشو واجتمع البرلمان الصومالي حينئذ وصدّق على قرار صومالي بإلغاء الصفقة لكن لم يكن ثمة تأثير للتحرك الصومالي على الصفقة أو المشروع.

في مقابل فك أسر الإقليم الأرضي الإثيوبي الحبيس واستنشاق هواء البحر الأحمر على أرضٍ إثيوبية ولو بالتأجير، نجد أن هناك مقابلًا كان بمثابة الدافع والمحرك لإقليم أرض الصومال في الانخراط في هذه الصفقة وهو حلم الاعتراف الدولي بها ومكافأة من يفض عذرية عدم الاعتراف بها بهذا المقابل السخي كذلك كان الجانب الاقتصادي حاضرًا أيضًا في فكر هارجيسا إذ بمقتضى الاتفاق سوف تتحصل هارجيسا على حصة 20 % من الخطوط الجوية الإثيوبية ويعد هذا الاستحواذ رافدًا اقتصاديًا مهمًا لأرض الصومال إذ سيدر عليها دخلًا بما قيمته 1.4 مليار دولار سنويًا. كذلك تسعى هارجيسا للاستفادة من الثروة البشرية الإثيوبية والتي تقدر بنحو 120 مليون نسمة في أن تجتذب استثمارات إثيوبية بما ينعش اقتصادها القومي.

الدوافع السياسية والاقتصادية ليست فقط هي المحرك الدافع لهارجيسا للانخراط في هذا الاتفاق، هناك أيضًا الباعث الأمني، إذ تسعى هارجيسا لعقد اتفاقية دفاع مشترك يضمن أمنها الداخلي سيما بعد تمرد قبيلة "طولبهنتي" عليها وإعلانها الخضوع لسلطة حكومة مقديشو المركزية، الأمر الذي قابلته الأخيرة بمنحها صفة ولاية فيدرالية مؤقتة، كما تسعى هارجيسا لضمان أمنها الخارجي خاصة مع الجانب الصومالي وهو ما تسعى لتوريط إثيوبيا في مستنقعه.

لذلك ألقت مذكرة التفاهم هذه بظلال التخوف والقلق على الدول المعنية حيث أعربت كل من مصر والولايات المتحدة الأمريكية وتركيا وكذلك الاتحاد الإفريقي عن دعمهم لوحدة واستقرار وأمن وسلامة الأراضي الصومالية.

شرعية المذكرة من وجهة نظر القانون الدولي

القانون الدولي لا يعترف إلا بأشخاصه وهم الدول والمنظمات الدولية ودولة الفاتيكان فيما يتعلق بإبرام الاتفاقات والمعاهدات الدولية وذلك وفقًا لما فرضته اتفاقية ڤيينا للمعاهدات الدولية لعام 1969م، والتي تعد المرجع الرئيس والركن الركين في إبرام المعاهدات الدولية، وبسحب هذا المبدأ على مشروع الاتفاقية "مذكرة التفاهم" وبالنظر إلى كون إقليم "أرض الصومال" جزء لا يتجزأ من الصومال ويقبع تحت سيادته ولا يتمتع بالشخصية القانونية الدولية ولا بالأهلية القانونية لإبرام المعاهدات الدولية، يتضح لنا على الفور عدم شرعية المذكرة دوليًا لأنها وببساطة شديدة تصرف من لا يملك فيما لا يملك.

تداعيات المذكرة

أسلفت الأسطر السابقة عن عدم شرعية مذكرة التفاهم المبرمة بين إقليم أرض الصومال ودولة إثيوبيا حيث إن أرض الصومال ليست بشخص من أشخاص القانون الدولي ولا تتمتع بالشخصية القانونية المستقلة ومن ثم فهي جزء لا يتجزأ من الصومال، تسري عليه قوانينه وتمارس عليه سيادته.  ينبثق عن ذلك أن إقليم أرض الصومال غير مخول له ولا مرخص له بعقد الاتفاقات والصفقات بمعزل عن العاصمة مقديشو وإلا اعتبرت هي والعدم سواء. في هذا السياق لم يكن غريبًا أن وصفت الصومال وبحق الاتفاق في اليوم التالي له بأنه: "عمل من أعمال العدوان يقف عائقًا أمام السلام والاستقرار".

ما يؤجج الموقف ويؤزمه هو أن المذكرة تأتي بعيّد أيام من نجاح جيبوتي في انتزاع موافقة مقديشو وهارجيسا على العودة لطاولة المفاوضات وحل خلافاتهما وهو ما يعصف بمصداقية هارجيسا لدى مقديشو وجيبوتي.

في حسابات ميزان القوى تتفوق إثيوبيا وترجح كفتها العسكرية على الصومال إذ لا يتعدَ قوام جيش الصومال 20 ألف جنديًا بينما يصل تعداد الجيش الإثيوبي إلى 130 ألفًا ، لكن رجحان كفة الجيش الإثيوبي لا تعني انزواء واستبعاد النزاع المسلح؛ فيذكرنا التاريخ باندلاع حرب بين الطرفين عام 1977م، عندما قامت الصومال بغزو منطقة حدودية متنازع عليها تسمى "أوجادين" وانتهى الأمر بضمها إلى إثيوبيا بعدما تفوقت الآلة العسكرية الإثيوبية على نظيرتها الصومالية.

احتمالية نشوب صراع عسكري بين مقديشو وأديس أبابا قائمة إذن وسواء اندلعت شرارة الحرب أو توقف الأمر عند حد التلويح بها يقوض كل ذلك الأمن في القرن الإفريقي ويضربه في مقتل.

الفئوية والطائفية هما سيدا الموقف في الداخل الإثيوبي وكذا الصومالي، لا تنعم أي من الدولتين باللحمة والاستقرار الداخلي. في حين تنغمس مقديشو في جولات طويلة مع حركة الشباب المجاهدين تستنزف طاقة وموارد البلد الفقير نجد أن أديس أبابا أيضًا غارقة بل مستغرقة في مستنقع الحروب الداخلية كتيغراي وأمهرة... والتمادي في تنفيذ هذا الاتفاق يسكب البنزين على النار ويزيد الاضطراب والتناحر بما ينعكس سلبًا على الأمن الإقليمي.

بيد أن أخطر نتيجة لذلك الاتفاق قد تتمثل في لعب أديس أبابا بورقة آلاف الجنود الإثيوبيين في الصومال، حيث يقدموا الدعم والعون لحكومة مقديشو؛ فإذا ما حاول أبي أحمد، استخدامهم لفرض رؤيته فسوف تشتعل المنطقة ليس لسنوات بل لعقود وعقود...

كذلك فإن الاتفاق الإثيوبي-الأرض صومالي سيثير حفيظة لاعبون أساسيون في المنطقة وسيشكل تهديدًا للأمن القومي للبعض منها؛ فعلى سبيل المثال تضخ كل من الإمارات العربية وتركيا والصين مليارات الدولارات كاستثمار أجنبي في مجال الموانئ وهناك قبل هذا وبعده، مصر، والذي أعرب رئيسها صراحة عن أن مصر لن تسمح بالمساس بالصومال وسيادته وأن الصومال بلدًا عربيًّا وهناك اتفاقية دفاع مشترك تستفيد منها الصومال وأن مصر على استعداد للتدخل إذا ما طلب الصومال ذلك.

أرض الصومال والمراهقة السياسية

غاب عن حسابات إقليم أرض الصومال محدوديته في كل شيء، المساحة، التأثير السياسي، عدد السكان... إلخ؛ فإذا ما منح إثيوبيا 20 كيلو متر بطول الساحل بفرض شرعية ذلك- وهذا غير صحيح- في مقابل الاعتراف بها فكم عليه منحه والتنازل عنه لغير إثيوبيا نظير الاعتراف بها؟ وهل سيتبقى بعد ذلك شيء ؟!

تعتقد هارجيسا أن أديس أبابا سوف تسبغ عليها الحماية وسوف تكون درعًا واقيًا لها من الأسهم الصومالية، وهذا صحيح حال حدوثه، لكن من سيسمح لهما بذلك !!

بالنسبة لإقليم أرض الصومال؛ فإن هذا المسلك سوف يجلب سخط الداخل من الحركات المعارضة الأمر الذي معه قد تجد هارجيسا نفسها أمام موجة بل موجات من المواجهة المسلحة مع تلك الحركات كما أن هذا الاتفاق قد وحّد الصف الصومالي فيما يتعلق بمجابهة مضمون الاتفاق؛ فها هي حركة الشباب المجاهدين تعلن رفضها التام للاتفاق وتدعو لمقاومته بالسلاح وتجيّش لذلك الشعب الصومالي على قول إن هذا واجب وطني: الذود عن أراضي الوطن وسيادته.

كما سيترتب على تنفيذ الاتفاق إلصاق تهمة الخيانة بقادة الإقليم ووضعهم في كفة واحدة مع إثيوبيا وهذا مما يعمّق المشكلة ويسهم بدوره في قلقلة الإقليم وزعزعة استقراره.

لا تنسَ الصومال أن إثيوبيا هي من خلقت حركة الشباب المجاهدين والذي أغرق الصومال في حرب داخلية ونزاع مسلح قوّض الأمن الصومالي وما يزال يهدد الوحدة الوطنية إلى اللحظة، فتجرؤ إثيوبيا مرة ثانية باعتدائها على سيادة أرضٍ صومالية متمثلة في عقد اتفاق بينها وبين الإقليم المعلن انفصاله من طرف واحد وهو إقليم أرض الصومال سيزيد من حدة التوتر بين البلدين ويتخطى ما هو حادث الآن بسحب السفراء وهو ما يسهم في تأزيم الموقف وتعقيده.

على صعيد الاستقرار الإقليمي بما في ذلك أمن وسلامة الملاحة بالبحر الأحمر؛ فإنه من المتوقع أن يُحدث الاتفاق دويًّا ويسبب استفزازًا للصومال وسيدفعها إلى تعطيله بكافة الطرق بما فيها القوة المسلحة، الأمر الذي ستقابله جبهة إقليم أرض الصومال بعقد تحالفات واتفاقيات دفاع مشترك ليدخل القرن الإفريقي في دوامة من الحروب وعدم الاستقرار....

قد تنتهج الصومال سياسة عدو عدوي صديقي بأن تسعى لخلق تحالفات وتكوين جبهات من شأنها ردع التوغل الإثيوبي مما قد يزيد الداخل الإثيوبي اشتعالًا وتعقيدًا الأمر الذي سيكون له مردودًا سيئًا على استقرار إثيوبيا والقرن الإفريقي أيضًا.

كما أن هاجس الانفصال الوبائي يسيطر على دول القرن الإفريقي، لذلك نتوقع أن تقف له بالمرصاد، ذلك أن الفئوية والتشرذم هما النتيجتان الحتميتان التي تنتظرها دول القرن لتمرير الاتفاق بين إقليم أرض الصومال وإثيوبيا

جملة القول ومفاده، أن السياسة التوسعية المنتهجة من قبل إثيوبيا تعمل على شرذمة إقليم القرن الإفريقي وينذر بالانزلاق في مستنقع الحروب الأهلية مما يقوض الاستقرار والأمن بالمنطقة وبما يتبعه ذلك من انعكاسات على أمن وسلامة الملاحة في البحر الأحمر...

قادم المستجدات سيميط اللثام عن حقيقة تلك سياسات...

مقالات لنفس الكاتب