; logged out
الرئيسية / تفعيل (الوكلاء) و "وحدة الساحات" للتنصل من النتائج و"المقايضة" بين إيران والغرب

العدد 196

تفعيل (الوكلاء) و "وحدة الساحات" للتنصل من النتائج و"المقايضة" بين إيران والغرب

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

اتساقًا مع الإطار العسكري لفرضية "الحروب بالوكالة"، إذ في مضمونها تشكل جاذبية استراتيجية للدولة الطامعة في توسيع نفوذها وهيمنتها سواء على مستوى الإقليم أو النظام الدولي ككل. حيث أن تشابك المصالح والنفوذ في مناطق جغرافية معينة يحفز الدول بأن تخوض حروبًا عبر تطويع وكلاءها بالمنطقة لتحقيق مصالحها كونها تمتاز بعدد من الأهداف، وذلك على النحو التالي: 

  1. تحقيق أهداف سياسية بأقل التكاليف وبأعلى العوائد الممكنة، ومن دون تحمل المسؤولية المباشرة لأوجه الصراع وارتداداته.
  2. انخفاض تكلفة الحروب بالوكالة مقارنة بتكلفة الحروب التقليدية. كما أنها تُعد بمثابة "أداة استثنائية" في السياسة الخارجية للدول ذات الثقل لإنجاز أهدافهم الخاصة عبر توظيف مبررات الحرب القائمة فعلى سبيل المثال: يتم توظيف سياقات الصراع بكونها تهدف لـ "حماية الأقليات، خلق مناطق آمنة، حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان ..إلخ".
  3. توسيع قاعدة النزاعات المسلحة على مستوى العالم واستثمارها في مجالات غير مشروعة مثل: "تجارة الأسلحة".
  4. تأجيج النزاعات الإقليمية في مناطق فرعية ذات ثقل جيوسياسي بما يسهم في تحقيق مكاسب دولية لإعادة ترسيم صراع النفوذ بين الأقطاب الدولية التقليدية والصاعدة.
  5. اختبار مدى استعداد الطرف المنافس نفسياً واقتصادياً وعسكرياً في خوض المعارك.
  6. نشر أيديولوجيات معينة وتوسيع نطاق نفوذها والتأثير في موازين القوى الإقليمية والعالمية.

وبالنظر لتطورات القضية الفلسطينية وارتدادات الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، فثمة تصاعد في نشاط في حركة الفاعلين في الشرق الأوسط -خاصة من دون الدول-في إطار ما تم الترويج له من مبدأ "وحدة الساحات"، ليؤسس بدوره لما يُعرف بـ "الحروب بالوكالة"، وذلك بالنظر إلى النقاط التالية: 

أولًا -ماهية "الحروب بالوكالة": 

تُعد الحروب بالوكالة أحد أنماط حروب الجيل الرابع والتي تُعرف بـ "الحروب اللا متماثلة"، وذلك بالنظر إلى خصائصها وآليات استهدافها. إذ بفضل التطورات المتسارعة للبيئة الدولية، وتزايد الصراعات في مختلف مناطق العالم، أصبح مفهوم الحروب بالوكالة واحدًا من أكثر المفاهيم الأمنية الأكثر تداولًا خلال الآونة الأخيرة كمحاولة لاستخلاص "ماهية المفهوم"، والذى يُعرف بشكل موجز بكونه "المشاركة غير المباشرة في نزاع من قبل أطراف ثلاثة ترغب في التأثير على نتيجة الصراع الاستراتيجية"، ويمكن أن تشتمل تلك المشاركة على توفير الأسلحة والمال وأشكال المساعدات الأخرى، ولكن بشكل يعفي الطرف المُوكل من الاضطرار للقيام بتدخل عسكري مباشر عن طريق الاستعانة بوكلاء محليين يرغبون في حماية/ أو تمدد مصالحهم بالدولة. فعلى سبيل المثال: تقوم الدولة A بتوظيف بعض الوكلاء في الدولة B للقيام بعمليات مسلحة بالنيابة عنها، ويمكن أن تدخل في خانة التخريب وذلك لتحقيق بعض المصالح والأهداف الخاصة بالدولة A. 

تأسيسًا على "ماهية الحروب بالوكالة"، فثمة أسباب رئيسية داعمة لذلك التوجه، أبرزها:

  • تحييد المخاطر: من أحد أهم الأسباب ما يتعلق بخفض التكلفة ونبذ المخاطر، وذلك عبر استخدام قوات الوكيل لاسيما في الحالات التي تفرض عليها بعض القيود السياسية حول العمل العسكري المباشر، مثل: الإدانة الدولية، أو التكاليف المالية للحرب المباشرة، أو احتمالية وجود خسائر كبيرة.

 

  • استغلال المكاسب: من بين الأسباب ما يتعلق بـ "المصالح الاستراتيجية"، فواحدة من هذه المصالح قد تكون الرغبة في الحفاظ على مجالات التأثير أو تعزيزها، وقد تسمح استراتيجية الوكيل بتحقيق ذلك دون الالتزام بالمواجهة المباشرة. وبالمثل، قد يشعر المُوكل بالقلق من أن تهدد الدولة المستهدفة الاستقرار في المنطقة. أو ما يتعلق بتبني قراره الدخول بتلك الحرب لاعتبارات أمنية.

 

  • دعم الأيديولوجية: سبب آخر يتعلق بالعلاقة الارتباطية بين الوكيل والموكل استنادًا إلى أسس أيديولوجية أو دينية أو عرقية، أو أن يكون هناك توجه نحو حماية الأقليات من اضطهاد دولة ما. وعلى أثر ذلك يتم إنشاء ودعم الوكلاء والاستعانة بهم.

الجدير بالذكر، ثمة اختلاف واضح ما بين ميكانزيم الحروب التقليدية، وتلك المُتعلقة بالحروب بالوكالة. إذ تمثل الأولى استراتيجية رئيسية لتعزيز المصالح والأهداف الوطنية للقوى العظمى الوطنية، فيما تشكل الحروب بالوكالة استراتيجية لإدارة الصراع غير المباشر بين القوى الكبرى عن طريق إدارة الصراع بين الجهات الفاعلة الإقليمية أو المحلية، حيث يتم استخدامه بشكل أساس لمنع وقوع الصراع المباشر والحرب الكبرى بين هذه القوى، وساهمت بالفعل في أمثلة كثيرة بتقليل احتماليات اندلاع الحرب الشاملة بمفهومها التقليدي. وذلك عبر دعم الوكلاء بما يلي: 

  • توفير القوات العسكرية المباشرة وغير المباشرة، وكذلك العتاد مثل الأسلحة والذخيرة وغيرها من أدوات التكنولوجيا العسكرية من قبل الموكلين للوكلاء.
  • تقديم المساعدات المالية إلى فصيل ما بعد الحرب القائمة لضمان الديمومة.
  • تقديم المساعدات غير العسكرية، وهي تلك التي أشار إليها جوزيف ناي بمصطلح "القوة الناعمة" على اعتبارها تُشكل القدرة على الحصول على ما تريد من خلال "عنصر الجذب" للقيم السياسية الخاصة بالدولة الوطنية محل الوكلاء.

 

ثانيًا -ارتدادات "طوفان الأقصى": 

لطالما كانت الحروب بالوكالة جزءًا من المشهد الإقليمي للشرق الأوسط، لكنها اكتسبت أهمية مضاعفة بالوقت الحالي نظراً لعدد من التفاعلات المتشابكة التي انطوت على جيوسياسية المنطقة، خاصة منذ اندلاع فوضى "الربيع العربي" وما تبعها من سيطرة للجماعات المُسلحة والفواعل من دون الدول على مرتكزات الدول الوطنية بالشرق الأوسط. مما دفع بتصاعد الحديث حول تطويع آليات "الحروب بالوكالة" المشار إليها أعلاه من قبل العديد من الأطراف الدولية والإقليمية –ذات الثقل-وذلك لعدد من الأسباب، أبرزها، تجنب المسؤولية القانونية لعواقب التدخلات العسكرية، أو التعرض لانتقادات دولية أو من قبل الأطراف المعارضة لحكومات هذه الدول. 

وبالنظر لحالة الارتدادات المتباينة لعملية "طوفان الأقصى"، وما تلاها من هجمات إسرائيلية ممتدة على قطاع غزة، فثمة إعادة تقييم لنمط "الحروب بالوكالة" وذلك اتساقًا مع الحديث حول اتساع الجبهات الصراعية بعدد من المناطق الجيوسياسية عبر أدوات الفاعلين من دون الدول والميليشيات المُسلحة المدعومة من النظام الإيراني، على نحو ما قد يُعيد تعريف أبعاد الصراع الدائر والانتقال من مجرد صراع "فلسطيني – إسرائيلي"، إلى صراع مُستتر "إيراني– أمريكي" عبر استنزاف المقدرات الحيوية لوكلاء كلا الطرفين على نحو ما قد يُعيد ترسيم المشهد الميداني بالمنطقة فيما بعد عملية "طوفان الأقصى".

اتساقًا مع ذلك، يبدو أن مستقبل المشهد الأمني بالمنطقة وتفعيل ورقة "الوكلاء" يُبنى على عدد من الفرضيات، أبرزها: تفعيل مبدأ "وحدة الساحات" الذي تم الإعلان عنه في أعقاب أحداث 7 أكتوبر ودعم حركة المقاومة حماس في تحركاتها ضد جيش الاحتلال مثل حالة حزب الله في لبنان، كذلك ما يتعلق بمقايضة تحركات الفواعل من دون الدول مقابل أجندتها الخاصة مثل حالة الحوثيين وطلب الاندماج في عملية التسوية السياسية باليمن. فضلًا عن التخوف الإيراني من فرض واشنطن لعقوبات جديدة بتهمة دعمها لعملية "طوفان الأقصى"، ومن ثم، المقايضة بورقة "الوكلاء" لدفع الولايات المتحدة والكتلة الغربية إبداء بعض المرونة مع إيران، مقابل تضييق نطاق الجبهات الصراعية بالمنطقة واحتواء ارتداداتها المتباينة خارج المنطقة خاصة على المستوى الاقتصادي–وذلك بالإشارة إلى ورقة مضيق هرمز"، وذلك تزامناً مع الارتدادات السلبية للحرب الروسية / الأوكرانية على كافة المستويات الأمنية والاقتصادية والتنموية عالميًا. وهو ما يتضح بالنظر إلى النقاط التالية:

  • الساحة اللبنانية: كإحدى أهم الارتدادات الأمنية لعملية طوفان الأقصى، ما يتعلق بحجم الاشتباكات بين حزب الله وإسرائيل على الحدود المشتركة جنوب لبنان، وذلك في إطار ما يُعرف بـ "وحدة الساحات ودعم حركة المقاومة حماس"، وذلك وفقًا لتصريحات "حزب الله". بالمقابل، شهدت العمليات الإسرائيلية تطورًا نوعيًا تجاوز التراشق بالمدفعية واستهداف الضاحية الجنوبية إلى توجيه عملياتها إلى العمق اللبناني حيث أبرزها اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حماس صالح العاروري.

 

  • الساحة العراقية: تنامت العديد من الهجمات المسلحة على القواعد الأجنبية بالعراق، وفى مقدمتها القواعد الأمريكية. بالمقابل، قامت واشنطن باستهداف عدد من مقرات الحشد الشعبي في العراق، وكذلك استهداف قادة عسكريين في فصائل متباينة، في مقدمتهم: جماعتي كتائب حزب الله العراقي، وحركة النجباء بالعراق التي قادت هجمات الفصائل ضد القوات الأمريكية في العراق وسوريا، إذ أعلنت تلك الفصائل أن توقف الهجمات مرهون بتوقف هجمات جيش الاحتلال الإسرائيلي على غزة.

 

  • الساحة السورية: ثمة تحركات غير مباشرة رامية لتحول منطقة شمال وشرق سوريا لساحة صراع مفتوحة بين الولايات المتحدة وإيران، وذلك بالنظر لتعرض القواعد الأمريكية ومصالحها للقصف، بما يدفع واشنطن لزيادة دعمها للحليف المحلي "قوات سوريا الديمقراطية"، بالمقابل، قد تستغل تركيا أيضًا هذه الأوضاع لشن المزيد من الهجمات، سواء بشكل مباشر أو عبر الفصائل الموالية لها بمنطقة شمال وشرق سوريا. بالإضافة لذلك، قد يستغل تنظيم داعش انصراف قوات التحالف الدولي لصد هجمات الميليشيات الإيرانية، وزيادة نشاطه في شمال وشرق سوريا وذلك على نحو ما يؤسس لمزيد من الاضطرابات الأمنية بالمنطقة.

 

  • الساحة اليمنية: ففي إطار التعبير الحوثي عن دعمهم لحركة حماس، واحتجاجاً على الحرب الإسرائيلية في غزة، فقد كثفت الجماعة منذ نوفمبر الماضي هجمات موسعة على سفن دولية في البحر الأحمر، فضلاً عن مهاجمة السفن الحربية الأمريكية، واختطاف ومهاجمة السفن التجارية المتجهة إلى إسرائيل في البحر الأحمر، عبر استخدام طائرات بدون طيار وصواريخ مضادة للسفن، على نحو ما يزيد من حجم التهديدات المتلاحقة لحركة التجارة العالمية، فضلًا عما تُشكله تلك التحركات الحوثية من نافذة لاتساع خريطة الجبهات الصراعية كارتدادات مباشرة للحرب على غزة.

ثالثًا -مسارات مُحتملة:

إحدى أهم النتائج المُرتبطة بإشكالية "الحروب بالوكالة" واتساع نطاق الجبهات الصراعية ما يتعلق بالفشل الإسرائيلي في تحقيق الأهداف المُعلنة من الحرب في غزة، فضلًا عن زج المنطقة نحو مزيد من الاضطرابات الصراعية على نحو ما قد يضفي مزيدًا من التهديدات الأمنية، ليس فقط بالإطار الجيوسياسي لمنطقة الشرق الأوسط، ولكن بالإزاحة للخارج نحو العمق الأوروبي والأمريكي بالتزامن مع التهديدات القائمة بالفعل جراء الحرب الروسية الأوكرانية. وهو ما قد يدفع بعدد من المسارات المُحتملة، أبرزها: 

  • المسار الأول - تقويض التصعيد: تُبنى تلك الفرضية على عدد من المُحددات، أبرزها، أولًا: توقف إسرائيل عن هجماتها المتباينة والتمدد الميداني/ العسكري بالأراضي الفلسطينية وذلك مقابل استكمالها لمشاريع الاندماج السياسي والاقتصادي التنموي بالمنطقة، فعلى سبيل المثال استكمال التفاضل حول إبرام اتفاقية تطبيع مع المملكة العربية السعودية وكذلك ما يتعلق بالاندماج بالمشروعات الاقتصادية والتنموية وفى مقدمتها "الممر الاقتصادي الهندي"، وثانيًا: ممارسة مزيد من الضغوط من جانب المجتمع الدولي في ظل التحلل الأمريكي من الدعم المطلق لإسرائيل على نحو ما قد يقوض تحركات جيش الاحتلال بالقطاع ، ثالثًا: التعويل على ما يمكن البناء عليه من نتائج القضية المرفوعة ضد الممارسات الإسرائيلية بمحكمة العدل الدولية، وما يلى ذلك من خطوات مُحتملة قد تدفع بالانتقال من مجرد "تدابير مؤقتة" إلى "قرارات إلزامية"، وذلك وفقًا لثلاثة مسارات:
  1. أن تخطر المحكمة الأمين العام للأمم المتحدة بالتدابير المؤقتة التي أقرتها "فورًا" ليحيله بدوره إلى مجلس الأمن وفقًا للفقرة الثانية من المادة 41 من النظام الأساسي للمحكمة، بغية وضع مجلس الأمن أمام مسؤولياته الإنسانية والسياسية.
  2. التوسع في تفسير الفقرة الثانية من المادة 94 من ميثاق الأمم المتحدة والتي تنص على أنه "إذا امتنع أحد المتقاضين في قضية ما عن القيام بما يفرضه عليه حكم تصدره المحكمة، فللطرف الآخر أن يلجأ إلى مجلس الأمن، ومن ثم، فالمجلس إذا رأى ضرورة لذلك أن يقدم توصياته أو يصدر قراراً بالتدابير التي يجب اتخاذها لتنفيذ هذا الحكم".
  3. تفعيل آلية المبادرات السياسية من أعضاء مجلس الأمن، وبالأخص المؤثرين منهم، لتبني قرارات بفرض التدابير المؤقتة أو الاستشهاد بها مباشرة، أسوة بالخبرة التاريخية في مشهدين، الأول في قضية الرهائن المحتجزين لدى طهران في 1979م، والثاني عبر إدانة انتهاكات الصرب وتأكيد سيادة البوسنة في عام 1993م.

 

المسار الثاني -استمرار التصعيد: تُبنى تلك الفرضية على معادلة سياسية قائمة على رهانات متبادلة ما بين استمرار الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة، وما يقابلها من استمرار الاضطرابات الأمنية والتمدد الصراعي بأغلب الجبهات المأزومة سياسيًا بالشرق الأوسط (سوريا – العراق – لبنان – اليمن). وذلك حال فشل جهود الوساطة العربية والأممية في احتواء التصعيد القائم وفرض الهدنة والعودة إلى المسار التفاوضي.

مقالات لنفس الكاتب