; logged out
الرئيسية / 3 قيود تكبل أيدي أمريكا لاستخدام خيارات عسكرية فعالة لتأمين الخليج والبحر الأحمر

العدد 196

3 قيود تكبل أيدي أمريكا لاستخدام خيارات عسكرية فعالة لتأمين الخليج والبحر الأحمر

الأحد، 31 آذار/مارس 2024

إن التحديات الأمنية التي تفرضها هجمات الحوثيين على ممرات الشحن داخل البحر الأحمر والقرن الإفريقي تتسم بالتعقيد، وتستلزم استجابة من قبل مجتمع الشحن الدولي إلى جانب الائتلاف متعدد الجنسيات الذي تتزعمه الولايات المتحدة وبريطانيا. وقد استهدف المتمردون الحوثيون، المدعومون من قبل إيران، سفنًا تجارية وبنية تحتية بحرية عبر استخدام مجموعة متنوعة من التكتيكات غير المتماثلة، بما في ذلك الهجمات الصاروخية والهجمات بواسطة الطائرات بدون طيار. بالتالي، فإن هذه الهجمات لا تشكل تهديدًا على أمن الملاحة البحرية فحسب، بل تحمل تبعات أوسع نطاقًا على الاستقرار والاقتصاد الإقليميين، لاسيما بعد أن تمكن الحوثيون من احتجاز سفينة شحن واحدة على الأقل رهينة. وبينما يمثل ذلك في حد ذاته قضية رئيسية، فإن انعدام الاستقرار داخل منطقة القرن الإفريقي كفيل أيضًا بتفاقم الوضع سوءًا.

ردًا على هجمات الحوثيين، قام ائتلاف دولي تتزعمه الولايات المتحدة والمملكة المتحدة باعتماد نهج شامل يستفيد من الأدوات العسكرية والدبلوماسية. فعلى الصعيد العسكري، عزز الائتلاف حضوره البحري داخل المنطقة من أجل تدعيم الأمن البحري، ومنع حدوث المزيد من الهجمات، واعتراض شحنات الأسلحة غير المشروعة المُتجهة إلى الحوثيين. تضمن الرد الغربي أيضًا، نشر أصول بحرية متطورة مُزودة بأنظمة دفاعية مضادة للصواريخ وأنظمة استشعار للمراقبة الجوية من أجل رصد أنشطة الحوثيين وتعطيل عملياتهم البحرية. وفي حين أن الائتلاف الغربي نجح في إحباط عدد كبير من الهجمات الصاروخية، والهجمات بالطائرات المسيرة، تمكنت جماعة الحوثي من إغراق سفينتين مدنيتين على الأقل، وإلحاق الضرر بسفن أخرى، بما في ذلك سفينة كانت مُحملة بالحبوب الغذائية في طريقها إلى إيران، الراعي الرسمي لجماعة الحوثي.

دبلوماسيًا، انخرط الائتلاف الدولي في جهود متضافرة من أجل عزل جماعة الحوثي والضغط عليها من أجل وقف أنشطتها المزعزعة للاستقرار والمشاركة في حوار هادف من أجل إنهاء الصراع الدائر في اليمن. ويشمل ذلك إجراء مبادرات دبلوماسية تهدف إلى التوصل إلى إجماع بين أطراف المجتمع الدولي، وفرض عقوبات على قادة جماعة الحوثي وأنصارهم، واغتنام القنوات والسبل الدبلوماسية من أجل تشجيع الأطراف الفاعلة الإقليمية على خفض التصعيد والتوترات والسعي وراء حلول سلمية لإنهاء الصراع. لاسيما، أن إدارة الرئيس الأمريكي جون بايدن عدلت عن موقفها وقررت إدراج الحوثي على قائمة الحكومة الأمريكية للمنظمات الإرهابية، في خطوة من شأنها أن تخلف تداعيات قانونية ومالية عميقة على الحوثيين.

وتتصاعد التوترات جنوب شبه الجزيرة العربية حول منطقة القرن الإفريقي: وآخرها البيان الصادر عن الصومال وإقليم أرض الصومال الانفصالي، إلى جانب مذكرة التفاهم الموقعة بين أثيوبيا وجمهورية أرض الصومال حيث يظل الإعلان عن انفصال جمهورية أرض الصومال(صومالاند) المُعلن ذاتيًا، يمثل تهديداً لسيادة الصومال في أعين الحكومة القائمة بحكم القانون في مقديشو. من ثم، فإن التوترات المتصاعدة بين الحكومة الصومالية وحكومة أرض الصومال الانفصالية قد تعزز الوجود الخطير والمُزعزع للاستقرار لحركة شباب المجاهدين الصومالية داخل البلاد. وقد جاءت مذكرة التفاهم الموقعة بين صومالاند وأثيوبيا لتُزيد الأمور تعقيدًا في منطقة القرن الإفريقي. حيث يمنح الاتفاق أديس أبابا حق النفاذ إلى ميناء "بربرا" ونحو 20 كيلو متر من الشريط الساحلي، وهو ما يعد هدفًا ملحًا لأثيوبيا بعد أن تنازلت عن ساحلها الوحيد لصالح إريتريا عام 1993م.

وتنظر مقديشو إلى هذا الاتفاق باعتباره انتهاكًا لسيادة الصومال واعتبر الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود أن الاتفاق لاغيًا. علاوة على ذلك، يشعر العديد من المواطنين داخل جمهورية أرض الصومال بعدم الارتياح حيال وجود قوات إثيوبية على الخط الساحلي الخاص بهم. ونظرًا إلى حالة انعدام الاستقرار المستوطنة داخل دول إثيوبيا، وإريتريا، والصومال-فضلًا عن الحرب الأهلية الدائرة حاليًا في السودان-ثمة احتمالية نشوب صراع مدمر على جانبي مضيق باب المندب في آن واحد.

وعلى الرغم من الحضور البحري اللافت الذي يتضمن سفنًا حربية تابعة لكل من الدنمارك، وفرنسا، وبريطانيا، ونجاح الولايات المتحدة في دحر العشرات من الهجمات الصاروخية، والطائرات المُسيرة، وردع الحوثيين عن شن هجمات إضافية على الشحن المدني.  لكن في الواقع، زادت فاعلية ضربات الحوثيين على السفن المدنية بعد نشر الأصول البحرية للتحالف. وبرغم من إحباط التحالف العديد من الضربات ضد السفن العسكرية والمدنية، لكن لم يتم استعادة قوة الردع.

 وينبع هذا الفشل في ردع المزيد من الهجمات جزئيا من العزوف الذي فرضه الغرب على نفسه في مهاجمة أهداف ذات أهمية للحوثيين. بالتالي، فقد اتسم الرد الغربي بالتمييز والمحدودية: حيث لم يتم استهداف سوى قاذفات الأسلحة، ورادارات توجيه الأسلحة، ومواقع تخزين الأسلحة. وقد تم تجنيب مراكز القيادة والسيطرة الحوثية من الهجمات الغربية، وكذلك وحدة الدعم الإيرانية التي تُمكن الحوثيين من شن الهجمات. وجدير بالذكر أن الغرب امتنع عن استهداف السفينة الإيرانية "بهشاد"، التي تعمل في خليج عدن، والتي يعتقد بأنها توفر بيانات الاستهداف اللازمة لضرب السفن المدنية بشكل دقيق.

إذن، لماذا جاء رد الفعل الدولي صامتًا؟ يأتي تفسيري على ثلاثة محاور:

الأول، نجاح جماعة الحوثي في اقتناص اللحظة المناسبة وصياغة الدافع بشكل جيد للغاية. فمن خلال اتخاذ الحرب على غزة ذريعة من أجل تبرير أفعالهم، تمكن الحوثيون من استخدام قضية لها صدى كبير على مستوى الرأي العام العربي. وفي حين أنه لا يوجد بين شركاء الولايات المتحدة من العرب من ينعم بنظام ديمقراطي كامل الأهلية، إلا أنهم جميعهم يستجيبون للرأي العام ويبدون تعاطفًا مع القضية الفلسطينية التي يتحدث عنها الحوثيون. وقد أدى هذا التعاطف إلى ابتعاد الرأي العام العربي عن الموقف الغربي، وكان ذلك بمثابة قيد يكبل يد الغرب عن استخدام مجموعة كاملة من الخيارات العسكرية.

ثانيًا، تواجه إدارة بايدن تحديًا لإدارة الاستجابة الإقليمية للحرب الدائرة على قطاع غزة، ولكن من الواضح أن هدفها الأسمى هو منع الحرب من الانتشار. وهو ما يعني من الناحية العملية، تجنب التورط في مواجهة عسكرية مباشرة مع إيران، وبالتالي، أن تلجأ إدارة بايدن إلى حصر العمل العسكري في مجموعة محدودة وضيقة من الأهداف التي هاجمت القوات الأمريكية بشكل مباشر، والتخلي عن عمل عسكري أكثر فاعلية ضد الأهداف الإيرانية والقوات الإيرانية التي تُساعد في تمكين الحوثيين من شن هجمات ضد الشحن، وأبرز وكلاء إيران في المنطقة مثل جماعة الحوثي في اليمن.

ثالثًا، يجد الرئيس الأمريكي نفسه في مواجهة وضع سياسي داخلي متأزم. حيث أن حزبه الديمقراطي على موعد مع الانتخابات التي يدخلها كائتلاف فعلي بين الجناح اليساري الأكثر نشاطًا والأصغر سنًا ــ والذي يعتبر بايدن مرشحًا توفيقيًا تم الإجماع عليه بسبب قدرته على هزيمة غريمه الجمهوري المكروه دونالد ترامب ــ وفرع آخر للحزب أكثر وسطية ورسوخًا وهو الذي يمثل "إجماع واشنطن". من ثم، يعد الحفاظ على شكل هذا التحالف خلال الانتخابات شأنًا أساسيًا: حيث أن الهجمات المُتسارعة أو المُوسعة ضد للأصول الحوثية والإيرانية قد تؤدي إلى دعوات من قبل الفرع اليساري للحزب من أجل إجراء تصويت على صلاحيات الحرب، وقد يؤول ذلك إلى كسر هذا التحالف غير المستقر.

على الصعيد الجيوسياسي، فإن قدرة الغرب على الاستجابة بشأن أوضاع عدم الاستقرار داخل المنطقة، تقتصر إلى حد كبير على أصغر دولة داخلها وهي دولة جيبوتي. حيث تستضيف جيبوتي القاعدة الجوية الدائمة الوحيدة للولايات المتحدة داخل إفريقيا، بينما تستضيف أيضًا عدة قواعد لحلفاء الولايات المتحدة، مثل اليابان وفرنسا. تعد جيبوتي هي الدولة الأكثر استقرارًا وموثوقية، وتتمتع بإمكانية النفاذ المباشر إلى مضيق باب المندب رغم محدودية قدراتها. وبرغم من أنها تستضيف أيضًا قاعدة صينية، إلا أن الصينيين غائبين بشكل ملحوظ عن الحوار حول هذا الصراع، ويستفيدون بالفعل من الحصانة الفعلية التي يمنحها الحوثيون بشأن عدم التعرض أو مهاجمة سفنهم.

حاليًا، تعمل الولايات على إدارة مجموعة هجومية لحاملة طائرات داخل المنطقة، وتجري جميع عملياتها من البحر. ولكن هذا أمر غير قابل للاستدامة على المدى الطويل: حيث لا يتعدى عدد حاملات الطائرات التي تمتلكها الولايات المتحدة في أي وقت سوى عشر حاملات طائرات فقط ولا يمكنها الاحتفاظ إلا بثلاث منهم في العمليات القتالية على مستوى العالم لفترة ممتدة. ومع ذلك، فمن غير المرجح أن تستضيف أية دولة إقليمية أخرى الأصول الهجومية الأمريكية على الأرض طالما أن الصراع في غزة لا يزال مستمرًا. ونتيجة لهذه القيود، فمن المرجح أن يستمر تعطيل الحوثيين لحركة الشحن داخل البحر الأحمر إلى نحو شهرين على الأقل. وفي غضون ذلك، يبدو أن القيادة الغربية أصبحت تنظر إلى أنشطة الحوثيين التخريبية باعتبارها عبئا يجب تحمله حتى تتغير الظروف طالما أن جماعة الحوثي غير قادرة على إلحاق أضرار كبيرة بالسفن الحربية الغربية.

مقالات لنفس الكاتب