لأنه البلد المسلم الوحيد في هيكل المبادرة ولأن المبادرة تحمل اسم إسطنبول توقعنا أن تكون تركيا هي مركز الثقل لجسر التعاون الخليجي في مبادرة إسطنبول ، لكن مبدأ "تصفير الخلافات" -وهو سياسة خارجية اعتمدتها تركيا في أوائل العقد الأول من القرن 21، وتهدف إلى تقليل النزاعات مع جيرانها وتعزيز العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية معهم- مبدأ "تصفير الخلافات" تراجع أمام غريزة الضباع الإقليمية في الفكر التوسعي لصانع القرار في أنقرة، وشهد المبدأ الكثير من التحديات والانحرافات مثل الربيع العربي الذي أدى إلى تعقيد سياسة "تصفير الخلافات"، حيث اضطرت تركيا لاتخاذ مواقف صعبة أثرت على علاقاتها مع بعض الدول الخليجية ضمن مبادرة إسطنبول للتعاون. كما كان لتركيا موقف غير محايد في الأزمة الخليجية مما أثر سلباً على مبدأ "تصفير الخلافات". وهذا ما أصاب المبادرة في مقتل وأبعد اكتمال دول الخليج في عضويتها.
- مبادرة إسطنبول: ظروف قيامها
* الرؤية الاستراتيجية هي مخرجات عصف ذهني لتحقيق أهداف يصعب تحقيقها راهناً عبر خطوات زمنية مرنة. ومنذ عقدين لم يخف حلف شمال الأطلسي في رؤيته أن دول الخليج ودول الناتو تواجه الأخطار والتهديدات نفسها التي تؤثر في أمن الجانبين مما أوجب التقرب، فانطلقت المبادرة في قمة إسطنبول في يونيو 2004م، لتعزيز التعاون الأمني بين الناتو ودول الشرق الأوسط، وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي (GCC). وجاءت هذه المبادرة في سياق مجموعة من الظروف والتحديات الدولية والإقليمية التي دفعت الناتو إلى السعي لتعزيز علاقاته مع دول المنطقة. ومن تلك الظروف تنامي التهديدات الأمنية العالمية والتحديات الإقليمية في الشرق الأوسط، وأهمية منطقة الخليج استراتيجيًا، ورغبة دول الخليج في تعزيز قدراتها الأمنية والدفاعية من خلال التعاون مع القوى الكبرى والمنظمات الدولية. في وقت توجه الناتو نحو توسيع نطاق شراكاته خارج نطاق عضويته التقليدية، بهدف تعزيز الأمن العالمي والاستقرار.
- مبادرة إسطنبول: الأهداف
مبادرة إسطنبول للتعاون (Istanbul Cooperation Initiative - ICI) التي أطلقتها منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) في قمة إسطنبول عام 2004م، تهدف إلى تعزيز الأمن والاستقرار من خلال التعاون مع دول الشرق الأوسط الكبير، وبالأخص دول الخليج. وقد تم وضع الأهداف الرئيسية لهذه المبادرة والتي تشمل:
- تعزيز الأمن الإقليمي: بالعمل على تحسين الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط والخليج من خلال التعاون الدفاعي والأمني.
- بناء القدرات الدفاعية: عبر مساعدة الدول المشاركة في تطوير قدراتها الدفاعية والأمنية، بما في ذلك تقديم التدريب العسكري وتطوير البنية التحتية الأمنية.
- تعزيز التعاون العسكري: و يقصد منه تشجيع التعاون العسكري بين دول الناتو والدول المشاركة في المبادرة من خلال تدريبات مشتركة، وتبادل المعلومات، والتعاون في مجالات مثل مكافحة الإرهاب وأمن الحدود.
- تبادل المعلومات الاستخباراتية: عبر تعزيز تبادل المعلومات الاستخباراتية بين الناتو والدول الشريكة لمكافحة التهديدات المشتركة مثل الإرهاب، وتهريب الأسلحة، والجريمة المنظمة.
- تطوير العلاقات الدبلوماسية : لتحول الحلف للعمل السياسي لا بد من تعزيز العلاقات الدبلوماسية بين الناتو والدول المشاركة، مما يساهم في بناء الثقة المتبادلة وتطوير الحوار السياسي.
- التعاون في مجالات غير عسكرية: كالتعاون في مجالات مثل إدارة الكوارث، والأمن السيبراني، والتخطيط لحالات الطوارئ، وحماية البنية التحتية الحيوية.
- تعزيز الأمن البحري: العمل على تحسين الأمن البحري في المنطقة، بما في ذلك مكافحة القرصنة وتأمين خطوط الملاحة البحرية.
- مبادرة إسطنبول: عدم انضمام السعودية وعمان
- الدول الخليجية التي انضمت إلى المبادرة تشمل الكويت، البحرين، قطر، والإمارات، ولم تنضم للمبادرة السعودية وعمان رغم أن مبادرة إسطنبول التي عقدت في عام 2004م، تهدف إلى تعزيز التعاون والتنسيق، ويرجح أن السعودية وعمان لم تنضم لهذه المبادرة لأسباب قد تكون متعلقة بالسياسة الخارجية والعلاقات الدولية لكل من السعودية وعمان في ذلك الوقت. كما يُعتقد أن الاستثناء يعود إلى عوامل متعددة، ولكن لا يوجد تفسير نهائي واضح لهذا القرار غير المعلنة أسبابه ويمكننا التقدير مثل:
- اختلاف في الأولويات والأجندات السياسية للدول المشاركة.
- تباين في النهج السياسي والاستراتيجي لكل دولة.
-عدم مساواة دول الخليج مع دول الناتو نفسها خصوصًا البند الخامس الذي يعد الاعتداء على عضو اعتداء على البقية.
-إن الاتفاقيات الأمنية مع بعض دول الغرب توفر التزام أوضح مما يعرضه الناتو تتعلق بالتحالفات الإقليمية والاعتبارات السياسية والأمنية الخاصة بكل منهما.
- مبادرة إسطنبول: النتائج بعد مضي20عامًا على إعلانها.
يشير "المفهوم الاستراتيجي لحلف الناتو" إلى رؤية طويلة المدى تعكس تصور الحلف عن الأمن والتهديدات الإقليمية والدولية، ويتمثل الهدف الأساسي لحلف الناتو في حماية حرية وأمن كافة أعضائه بالوسائل السياسية والعسكرية. لذا فإن الحاجة إلى المفاهيم الاستراتيجية المتعاقبة للحلف تنبع من الحاجة إلى مواكبة التطورات والتحديات العالمية والإقليمية التي تواجه الحلف، ليصبح من الضروري تبني مفهوم استراتيجي جديد للحلف. وقد أصدر الحلف خلال فترة الحرب الباردة أربعة مفاهيم استراتيجية للتعامل مع تحديات ومشكلات تلك المرحلة (1949-1990). كما أصدر حلف الناتو منذ نهاية الحرب الباردة أربعة مفاهيم استراتيجية أخرى هي: المفهوم الخامس عام 1991م، والسادس عام 1999م، والسابع عام 2010م، والثامن عام 2022، ليصبح عدد ما أصدره الحلف ثمانية مفاهيم استراتيجية.
- يتجه "المفهوم الاستراتيجي" لعام 2023 نحو إمكانية التشغيل البيني للقوة كما يهتم المفهوم أيضاً بمعالجة عدد من المشكلات الرئيسية مثل الخسائر المستمرة لحلف الناتو في الجاهزية وقابلية الانتشار، بالإضافة للحاجة إلى الحفاظ على الردع النووي على أساس الحلف، والشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وتعزيز قوات أعضائه الجدد.
- ومما لفت نظر المراقب الخليجي هو تراجع الخليج العربي في سلم أولويات الناتو منذ خطاب الرؤية الاستراتيجية المستقبلية للحلف سواء التي ألقاها راسمسون 2012 أو حتي السكرتير الجديد ينس ستولتنبرغ (الأمين العام منذ 10 سنوات) و تقوم الرؤية المستقبلية للناتو كما قال سكرتيره العام على (تحالف مدرك الوجود ومترابط وقادر دولياً)، فالناتو القوي مصدر ثقة للأمن العالمي. وقد حددت الرؤية الأخطار والتهديدات المستقبلية التي تواجه الحلف. كما حدد في تلك الرؤية الاستراتيجية مجالات التعاون بين الحلف وشركائه بالتدريب والتعليم العسكري والدفاع الذكي في مجال أمن الإنترنت. أما سبل تحقيق تلك الرؤية فتتم من خلال تقوية الروابط مع الشركاء، وبأخذ الأمن من منظور عالمي، وبالعمل مع دول ومنظمات. ومن تحديد الأطراف التي تشارك في تحقيق رؤية حلف شمال الأطلسي نجدها قد خلت من ذكر دول الخليج العربي كشريك للحلف. إن إدراك ما يجري في المنطقة من عدم استقرار لم يكن غائباً عن سكرتير حلف الناتو، فهل حجبت وسائل الإعلام عنه صوت صواريخ الحوثيين وطبول الحرب التي باستمرار يقرعها قائد القوة البحرية للحرس الثوري بتهديده نشر صواريخ في الخليج، والعدوان الصهيوني على غزة !! هذا التصعيد الذي لم يلفت نظر حلف الناتو يوجب طرح عدد من النقاط حول تغيرات سياسة الناتو في الخليج، وحدود تأثير ذلك في أمنه مستقبلاً.
1-تضمنت الرؤية ما يمكن اعتباره تراجعاً غير مبرر لدول الخليج في سلم أولويات الحلف.
2-إن لم يكن غياب الخليج عن رؤية الناتو أمراً مقصوداً في هذا الوقت العصيب فإن غيابه يعد تقصيراً من جانب الحلف للوفاء بالتزاماته تجاه دول المجلس بناء على مبادرة إسطنبول، حيث لا زالت إيران تلعب في مياه الخليج وكأنه بحيرة فارسية فتنصب شبكة في حقل الدرة في الكويت وترسل صيادي الخراب للبحرين وتلقي بمراسيها في الجزر الإماراتية وكل هذا مستمر منذ توقيع المبادرة 2004م.
3ـ مع إدراكنا أن الحلف يريد بناء علاقات لا تنتهي بالعضوية، إلا أنه قد تكشف في الرؤية الجديدة أن الناتو يسعي لتغيير نهجه ليقوم بدور سياسي بديل لمجلس الأمن، وربما لربط دول تتحقق بجمعها التطبيع والمشاريع الغربية الأخرى التي تخدم الصهاينة.
4-مع توسع دوره السياسي -الذي ليس ضرورة ملحة لنا-بناء على طلب قادته في قمة شيكاغو بتعزيز الشراكة الاستراتيجية لدعم العمليات على ثلاثة محاور السياسي والمالي والعملياتي، ومع تراجع دوره العسكري وحصره خليجياً في تبادل المعلومات، وملاءمة عتاد الدفاع، ومهمات حفظ السلام، والتدريب نفقد جدوى الشراكة معه.
5- لقد نظرت دول الخليج والناتو لإسطنبول كجسر متين يمكن الثقة به للتواصل بين الطرفين لكن منذ الربيع العربي تكشف تذبذب الدور التركي.
- لقد تبنى الناتو منذ عقدين استراتيجية الدفاع عن مصالحه -لاعن أراضيه فحسب-بخطط العمليات الإجهاضية للخطر في مهده بقوة عسكرية سريعة الحركة، وكان بإمكاننا في الخليج جذب الناتو ليكون القوة الرئيسة المسؤولة عن هذا النوع من الترتيبات الأمنية. لكن مفاوضوه رفضوا التعامل مع دول الخليج مجتمعة، رغم الاجتماعات العديدة بين مجلس التعاون والحلف فلم تشمل ترتيبات إسطنبول 2004م السعودية وعمان، بينما انضمت الكويت في ديسمبر 2004م، وقطر والبحرين في فبراير 2005م، والإمارات في يونيو من العام نفسه. والمأخذ هنا ليس على حلف الناتو فقد حقق مفاوضوه الكسب الذي يريدونه، بل المأخذ يقع على المستشارين الاستراتيجيين في الأمانة العامة لمجلس التعاون الذين أخذهم مستشارو الناتو أسرى في غارة واحدة دون أن ينجحوا في إجبارهم على التعامل مع المجلس ككتلة واحدة.
- وما الذي يمكن أن تقدمه مبادرة إسطنبول لدول مجلس التعاون؟
- في تقديرنا أن جولات الحلف منذ الحرب الباردة هي فشل تلو الآخر، ولنا في أفغانستان خير مثال، والتقصير الذي نشير إليه ليس عدم تقدم التعاون فحسب، رغم مرور عقدين باستثناء افتتاح مكاتب المركز الإقليمي لـ «الناتو» في الكويت منذ 2017م، بل تقصير في عزّ الأزمة في اليمن وإعادة الشرعية، فقد قابلها الحلف بسلبية معيبة يتوّجها تصريح الأمين العام للحلف في يوليو 2019، إن أحداً لم يطلب من الحلف المشاركة في تأمين الملاحة في مياه الخليج.
- لم نتحلل من فضيلة التروي، لكن «الناتو» نفسه يتلقى اللمز من منتسبيه أنفسهم، فأمريكا ما برحت تردد منذ قيادة ترمب، أنه لن يشارك في عمليات لإنقاذ دولة في الحلف لم تسدد التزاماتها المالية، لذا تولد شعور أطلسي بعدم القدرة على التنبؤ بالسياسة الأمريكية، وها هم يعصدون الفشل في أوكرانيا .
- أما أقوى أعضاء الحلف في القوة البرية وهي تركيا، فقد تنبهت للأنانية الأوروبية والجشع الترمبي، فتبنت السلوك الأحادي، أما السهم الثالث فأتى من فرنسا، حيث وصف ماكرون حالة «الناتو» بالموت السريري، لغياب الغايات الاستراتيجية للحلف، والاستخفاف بالمادة «5» من معاهدة تأسيسه، والتي تنصّ على تضامن عسكري حال تعرّض أحدهم لهجوم، ورغم أن مبادرة اسطنبول لا تنصّ على الدفاع عن دول الخليج، فإن أمن الخليج في إطاره العام مصلحة لدول الحلف، فلماذا التقاعس العسكري رغم أن «الناتو» يمتلك ثروة من الخبرة تمكّنه من أن يقدمها للدول غير المنضمة للحلف مباشرة.
- صحيح أن هناك تمسكاً بـ «الناتو» من قبل بعض أعضائه، فقد صرّح وزير الخارجية الأمريكي السابق مايك بومبيو بأن حلف الأطلسي لا يزال تاريخياً من أهم الشراكات الاستراتيجية، وصرّح الأمين العام للحلف بأن لدينا مشكلات وعلينا أن نتعافى، كما أن من المدافعين عن الحلف المانيا شولتز، وأيضاً لندن لكن ذلك لم يوقف موسكو عن الشماتة بحال الحلف ثم جاء النقد الأقوى من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الذي لا يدع فرصة وإلا يدعو من خلالها إلى تعزيز الدفاعات الأوروبية وبناء قوة مستقلة عن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي. لكن الجديد الذي قاله في خطاب مطول في جامعة السوربون في 24 أبريل2024م، هو الحديث عن أوروبا وكيف أنها "مطوقة" في مواجهة ما سماها قوى إقليمية كبرى، وهذا ما يمكن أن يؤدي إلى "موت أوروبا". وهو تكرار لهلعه قبل أعوام، حين أطلق ماكرون مصطلح "الموت السريري" لحلف شمال الأطلسي.
لكن التمسك الأوروبي بأوروبا والحلف لا يلزم دول الخليج، فأعضاء الحلف فرادى كانوا مترددين في الاستجابة للدعوة الأمريكية لحماية الأمن البحري للخليج، ومع هذا الموقف كيف لنا أن نضمن عدم تكرار تسلل هجمات الجيرة الإقليمية الشرسة على المنشآت الحيوية الخليجية! فنحن لسنا بحاجة إلى القوة الناعمة للحلف من تدريب واستشارات، بل لمن يشغل ما يملكه في أماكن تواجده في الخليج، من أجهزة قيادة وسيطرة واتصال واستخبارات المسماة «C4I Command, Control, Communications, Computers, and Intelligence» لكن ذلك لا يظهر في الأفق، فقد عجز الحلف عن إظهار الوحدة الداخلية في وقت تنامي العسكرية الصينية، ومحاولات روسيا تقويض أطراف الحلف من أوكرانيا إلى جورجيا، غير الهجمات الإلكترونية وحملات تخريب القيم الديمقراطية في واشنطن نفسها، فتسويق «الناتو» للقوة الناعمة غير مفيد للخليج، والاعتماد على «الناتو» في قضية أمن الخليج من المفترض أن نصرف النظر عنه.
- لم تكن رؤية حلف الناتو مضللة منذ 2009م، تجاه دول مجلس التعاون بل واضحة على لسان الأمين العام لحلف الأطلسي فوغ راسموسن في أبوظبي خلال مؤتمر صحافي عقب ختام فعاليات «الناتو - الإمارات التنسيق المشترك للمضي قدما بمبادرة اسطنبول للتعاون»، والتي انطلقت في 29 أكتوبر 2009م، فقد انهار كل ادعاء غربي بالحرص على أمن الخليج دون تفضيل لمشاريع الغرب على مصالح أهل الخليج. وانهار كل توهم خليجي، فقد رد الأمين العام لحلف الأطلسي على سؤال حول (ماذا تنتظر الإمارات ودول مبادرة اسطنبول للتعاون من الناتو إذا ما تعرضت دول المنطقة للهجوم من إيران؟ وماذا سيفعل الناتو إذا ما استُهدفت دول الخليج من إيران؟)، قال الأمين العام لحلف الأطلسي (إن معاهدة حلف الناتو واضحة وبناء على معاهدة الناتو، الحلف يركز على الدفاع عن أراضي الدول، والردع يغطي كل دول الحلف، وهو قائم على الدفاع المشترك). وأضاف كما تقول وسائل الإعلام التي نقلت كلماته (إن باقي السؤال افتراضي، ومن الأفضل والأذكى ألا نجيب على أسئلة افتراضية).
- لقد صدمنا فوغ راسموسن بافتراضه أننا نتمسك بقشة؛ لقد كان سيد الدبلوماسية الإماراتية سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان قريباً من فوغ راسموسن، وكان يحاول جاهدا مساعدته في تخطي المنعطفات الصعبة في سؤال كان من المفترض أن يكون قد أعد نفسه للإجابة عليه مسبقا بحكم أنه همنا الأكبر، وسبب تهافتنا على كل صيغة أمنية غربية جديدة، حيث قال عبدالله بن زايد (أعتقد أن الأمين العام لحلف الأطلسي أعطى إجابة واضحة عن دور الناتو، ولكن هناك نظرة أخرى لهذا المفهوم، هناك دول أعضاء في الناتو موقعة اتفاقيات مع دول من مجلس التعاون تلزمها بمساندة هذه الدول في حالات الضرورة). وأضاف سموه متسائلاً: في حال انشغال هذه الدول ما رد الناتو؟ وقال سموه: أعفي نفسي من الاستمرار في الإجابة، وأعفي الأمين العام من الإجابة.
- لم يقل فوغ راسموسن بكل وضوح (لا لن نقف إلى جانبكم) حتى لا يفشل الهيكل الجديد للتمدد الغربي كسابقه من الهياكل والأحلاف التي عرفناها منذ الخمسينيات في زمن الحرب الباردة، حيث إن عدم وضوح صيغة مبادرة اسطنبول خصوصا الشق العسكري منها هو الذي حدا بالمملكة العربية السعودية وسلطنة عمان لرفض الانضمام إلى المبادرة من باب أن الدول الموقعة عليها يجب أن تحصل على نفس الميزات التي يستظل بها 28 عضوا في حلف شمال الأطلسي. وألا تكون المبادرة مجرد وسيلة أخرى لتوطين مفهوم منطقة الشرق الأوسط الكبير التي يسوّق لها الغرب حتى تكون إسرائيل فيها واسطة العقد، ثم أليس احتواء إيران إيجابيا في إطار مبادرة اسطنبول للتعاون هو الأجدى من جعلنا نصطف ضدها دون أن تكون هناك ضمانات للوقف معنا؟
ختاما
لم تنفعنا مبادرة إسطنبول طوال 20 عام فهي جزء من الأمن الزائف، والأمن الزائف الذي يوفره لنا «الناتو» عبء استراتيجي أكثر من أن يكون عوناً لدول الخليج، فالحلف بالكاد يحمل نفسه فكيف سيحملنا إلى شاطئ الأمان، بل إن تسمية «تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي» باسم «الناتو العربي» طالع سوء له.