array(1) { [0]=> object(stdClass)#12965 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

مشكلة العمالة الوافدة في دول الخليج.. المخاطر والعلاج

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2011

رغم الدور الكبير الذي قامت به العمالة الوافدة في نهضة دول مجلس التعاون الخليجي الاقتصادية ومسيرتها التنموية، إلا أنه بمرور الوقت ومع النهضة التنموية التي شهدتها هذه الدول، ظهرت بعض المشكلات السلبية لتلك العمالة على أكثر من صعيد مما جعلها في بعض الأحيان تبدو أزمة مستعصية الحل.

بصفة عامة، تشير بعض التقديرات إلى أن العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي تصل إلى 14 مليون نسمة، بما يمثل أكثر من 80 في المائة من حجم القوى العاملة في كل من الإمارات وقطر والكويت، ونحو 60 في المائة في السعودية والبحرين وعُمان، وتصل تحويلاتها سنوياً إلى ما بين 25 - 30 مليار دولار نصفها من المملكة العربية السعودية.

والأمر اللافت للنظر أن التحذير من خطورة العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي، لم يعد مقصوراً على مجال البحث العلمي فقط ممثلاً في التقارير والبحوث التي تصدرها مراكز الأبحاث المختلفة في دول المجلس، وإنما أصبحت المشكلة متكررة على لسان عدد من المسؤولين في هذه الدول، وهي خطوة مهمة نحو حل المشكلة، لأنه من دون توافر إدراك سياسي واضح لحجم وخطورة هذه المشكلة، فضلاً عن الاعتراف الصريح بوجود هذا الخطر، لن يتم حل المشكلة من جذورها. ويهدف هذا المقال إلى إلقاء الضوء على جوانب من بعض مخاطر هذه المشكلة، وقراءة في بعض آليات إدارتها والتعامل معها، وذلك على النحو التالي:

أولاً: مشكلات العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون

لا تقتصر المشكلات التي تثيرها العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي على الصعيد الداخلي فقط، وإنما تمتد بعض آثارها إلى المجال الخارجي، وهو ما يمكن توضيحه على النحو التالي:

أ- المشكلات الداخلية:

1- المشكلات الأمنية: تكمن تلك المشكلات في دور العمالة الوافدة – وخاصة العمالة الرخيصة- في تزايد نسبة ارتكاب الجرائم في دول مجلس التعاون الخليجي، ويكفي مراجعة السجلات والتقارير اليومية الخاصة بوزارات الداخلية في دول مجلس التعاون الخليجي للوقوف على هذه الحقيقة. صحيح أنه لا يوجد مجتمع في العالم يخلو من جرائم، لكن تلك التي تتسبب فيها أو ترتكبها العمالة الوافدة تمثل عبئاً مضافاً على كاهل أجهزة الأمن المختلفة في دول المجلس وعلى حالة الاستقرار الداخلي فيها.

2- المخاطر الديموغرافية: في بعض دول مجلس التعاون الخليجي وخاصة دولتي الكويت وقطر، تزيد نسبة العمالة الوافدة بكثير على نسبة العمالة الوطنية، وفي المجمل تزيد نسبة الوافدين في تلك الدول على نسبة المواطنين، والمشكلة الأكبر تكمن في احتمالات تزايد تلك الفجوة مع مرور الزمن، خاصة في ظل ما تشير إليه بعض التقارير من أن معدلات الخصوبة لدى الوافدين تفوق بكثير معدلات الخصوبة لدى المواطنين، وتكبر المشكلة في بعدها الثالث – على هذا الصعيد- في هيمنة جنسيات معينة على الهيكل السكاني في معظم دول مجلس التعاون الخليجي.

3- المخاطر الاجتماعية: كما سبقت الإشارة، فإن إحدى السمات التي تميز العمالة الوافدة في دول مجلس التعاون هي هيمنة جنسيات معينة، وتبدو هذه السمة واضحة بشكل كبير في ما يخص العمالة الرخيصة وبشكل خاص العمالة المنزلية أو (الخدم). وتبدو خطورة الأمر هنا فيما تحمله تلك العمالة من قيم وعادات وتقاليد تختلف عن تلك السائدة في دول الخليج العربية، الأمر الذي يسفر في النهاية عن مشكلات اجتماعية ونفسية عديدة لدى النشء الذي يتربى على تلك العادات والقيم المختلفة عن قيم وعادات مجتمعه.

ب- المشكلات الخارجية:

يمكن اختصار المشكلات الخارجية الناتجة عن العمالة الوافدة في كلمة واحدة هي (التدويل)، ولخطر التدويل هذا بعدان رئيسيان:

1- البعد الأول (الصورة الخارجية لدول الخليج): ويقصد بذلك التأثير سلباً في الصورة الخارجية لدول مجلس التعاون الخليجي في المحافل الدولية والإقليمية وخاصة في مجال حقوق الإنسان. فقد دأبت بعض التقارير التي تصدرها سواء دول وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية أو منظمات حقوقية دولية على انتقاد دول مجلس التعاون الخليجي نتيجة بعض الانتهاكات التي تتعرض إليها العمالة الوافدة وبصفة خاصة العمالة المنزلية. وواقع الأمر أن بعض هذه الانتهاكات موجودة بالفعل وإن كانت تتم المبالغة فيها من قبل تلك التقارير في معظم الأحيان ربما لأهداف سياسية بعيدة عن حماية حقوق تلك العمالة. ويمكن القول في الوقت ذاته إن تلك الانتهاكات إن وجدت فهي نتيجة لوجود قصور في سياسات استقدام العمالة وسياسات تنظيم أمورهم الداخلية، الأمر الذي يجعلهم عرضة للاستغلال من جانب بعض تجار تأشيرات الإقامة الخارجين على القانون في عدد من الدول الخليجية.

2- البعد الثاني (الأوضاع المستقبلية للعمالة الوافدة): ويكمن في خطر مستقبلي ربما لم يلتفت إليه الكثيرون، لكن حذر منه عدد من التقارير التي تناقش أوضاع العمالة الوافدة في الدول الخليجية بما في ذلك تقارير أجنبية أيضاً. ويكمن ذلك الخطر في أن هيمنة جنسيات معينة على العمالة الوافدة في دول الخليج واستقرارهم في تلك البلدان لفترات زمنية مفتوحة وغير محددة قد تجعلهم مع مرور الوقت يطالبون بحق البقاء في الدولة والحصول على حقوق سياسية واقتصادية واجتماعية غير مسموح بها لغير المواطنين، وقد يحصلون في تلك الحالة على تأييد سياسي من جانب دولهم الأصلية وربما دعم خارجي من جانب المنظمات الحقوقية الدولية وبعض القوى الأخرى. صحيح أن هذا الاحتمال ربما لا توجد مؤشرات حالية تدعم من فرص حدوثه مستقبلاً، لكن التداعيات المختلفة التي نتجت عن العمالة الوافدة في دول الخليج العربية على مدار السنوات الماضية علمتنا أن كل شيء أصبح ممكناً، وأن ثمن تجاهل احتمالات حدوث ما لا يمكن تصديقه منطقياً قد يكون هائلاً، خاصة أن الأمر يتعلق بقضية خطيرة تمس جوهر الأمن الداخلي لدول مجلس التعاون إلى درجة لا يمكن معها تحمل تكلفة خطأ التقدير.

 التحذير من خطورة العمالة الوافدة في دول المجلس لم يعد مقصوراً على مجال البحث العلمي

ثانياً: آليات التعامل مع المشكلة

من الصعب في هذه السطور القليلة أن نضع علاجاً لأزمة خطيرة بحجم مشكلة العمالة الوافدة وتداعياتها السلبية على دول المجلس، فالأمر يتطلب صياغة استراتيجيات علمية وعملية تتضمن خططاً واضحة ولها جدول زمني محدد سلفاً، فضلاً عن قابليتها للتنفيذ، لكن مع ذلك يمكن رسم بعض الخطوط العامة التي أراها –من وجهة نظري الشخصية المتواضعة- يجب أن تكون منطلقات عامة لأي استراتيجية تهدف إلى إيجاد حل لمشكلة العمالة الوافدة، ويجب أن تسير بشكل متواز وليس متتالياً، وهي على النحو التالي:

أ- تأهيل الكوادر الوطنية: لاشك في أن توفير عمالة وطنية ماهرة ومدربة يمثل أولى وأهم خطوات علاج مشكلة العمالة الوافدة. وقد لجأت بعض الدول في ذلك إلى سياسات التجنيس، أي منح الجنسية لعدد من العمالة الوافدة ممن تنطبق عليهم شروط معينة ليصبحوا في النهاية من مواطني الدولة، لكن هذه السياسات – في رأيي- لا تعالج بعض جوانب المشكلة، حيث تظل بعض التداعيات السلبية التي سبقت الإشارة إليها وخاصة التداعيات الاجتماعية قائمة. لذلك، تظل سياسات التوطين التي اتبعتها معظم الدول الخليجية هي الحل الأفضل في هذا السياق، لكن توطين الوظائف يتطلب ابتداء وجود المواطنين المؤهلين لشغل تلك الوظائف. وبالتالي نحن ندور في دائرة مغلقة مفتاح الخروج منها هو تغيير الثقافة العامة ونظرة المواطنين لبعض الأعمال مما يصفونها بأنها (أعمال دونية)، بالإضافة إلى تطوير سياسات التعليم بالشكل الذي يجعل هناك تطابقاً بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العمل.

ب- إعادة النظر في سياسات استقدام العمالة: بعض الدول الخليجية تفضل استقدام العمالة الوافدة الأجنبية وخاصة الآسيوية بدلاً من العمالة العربية وذلك لأسباب مادية بالأساس لا سيما أن العمالة الآسيوية ترضى بالعمل بمرتبات أقل بكثير مما ترضى به العمالة العربية. لكن ذلك في الأغلب الأعم يكون على حساب المخاطرة بأمور أخرى ليس أقلها المخاطر الأمنية والاجتماعية التي سبقت الإشارة إليها. ومن ثم، فإن أحد الحلول المطروحة لحل المشكلة هو أن يتم استبدال تدريجي ومرحلي –وليس كلياً وفورياً- للعمالة الأجنبية الآسيوية بالعمالة العربية، خاصة أن الفروق في المرتبات لا تمثل مشكلة للدول الخليجية التي تتمتع بمستوى معيشي مرتفع ووفورات نفطية تمكنها من تحمل تلك الفروق، لكنها في هذه الحالة ستستقدم عمالة تحمل عادات وتقاليد وموروثاً ثقافياً وتاريخياً متطابقاً مع ذلك الموجود في الدول الخليجية.

أعداد العمالة الوافدة في دول المجلس تصل إلى 14 مليون نسمة

ج- إعادة النظر في التشريعات الخاصة بتنظيم شؤون العمالة: لا شك في أن مشكلة بحجم العمالة الوافدة تحتاج إلى منظومة تشريعية حديثة تتواكب مع التطورات المستجدة باستمرار. وإذا نظرنا إلى المنظومة التشريعية الحالية التي تنظم شؤون العمالة في معظم دول الخليج فسنجد أنها تعود إلى عقود مضت قد لا تفي بمتطلبات المرحلة الحالية. ففي سلطنة عمان، ينظم شؤون العمل قانون العمل العماني رقم 34 لعام 1973. وفي الكويت صدر قانون إقامة الأجانب رقم 17 عام 1959 وقانون العمل في القطاع الأهلي رقم 38 عام 1964 وتعديلاته. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة، ينظم شؤون العمالة القانون المعروف بقانون تنظيم علاقات العمل الإماراتي الاتحادي رقم 8 عام 1980 والمعدل عام 1986. وفي دولة قطر، ينظم قانون العمل رقم 3 لعام 1962 وقانون تنظيم استقدام العمال من الخارج لحساب الغير رقم 14 لعام 1992، ثم قانون العمل رقم 14 لعام 2004. وفي المملكة العربية السعودية، ينظم شؤون العمل مرسوم ملكي عام 1969 بتنظيم العمل والعمال، ويعتبر المرسوم الملكي رقم 51 لعام 2005 نسخة أخيرة للقوانين المنظمة للعمل فيها. وفي مملكة البحرين، ينظم شؤون العمل قانون العمل في القطاع الأهلي رقم 23 لعام 1976، المعدل بمرسوم قانون رقم 14 لعام 1993، ثم القانون رقم 19 لعام 2006.

هذه المنظومة التشريعية الخليجية التي تنظم شؤون العمل وأوضاع العمالة الوافدة ربما تحتاج حالياً إلى إعادة قراءة ومراجعة تأخذ في الاعتبار التطورات التي شهدتها أوضاع العمال الوافدة في المرحلة الراهنة مقارنة بالفترة التي تم فيها إصدار مثل هذه التشريعات.

د- الاهتمام بالأوضاع المعيشية للعمالة الوافدة:إحدى الآليات المهمة التي يجب إيلاؤها أهمية كبيرة في إطار إدارة الأزمة، هي ضرورة توفير ظروف معيشية ملائمة للعمالة الوافدة التي يتم استقدامها على أساس مخطط وسليم. ولا يمكن إنكار حقيقة أن ثمة بعض الاستغلال يمارسه ما يسمى (تجار الإقامات) في بعض الدول الخليجية تجاه المحتاجين من العمل ممن يضطرون إلى قبول العمل في ظروف قاسية، وهذا ما يمثل بيئة تدفع بعض هذه العمالة إلى ارتكاب مخالفات وجرائم في الدول التي يعملون فيها.

ويتضح مما سبق أن مواجهة مشكلة العمالة الوافدة تحتاج إلى منظومة متكاملة من السياسات والإجراءات تأخذ في الاعتبار العديد من الجوانب الاجتماعية والاقتصادية والأمنية للمشكلة، وهي منظومة لا تجدي معها الحلول الوقتية قصيرة الأجل، وإنما تتطلب خططاً وبرامج زمنية محددة تعالج المشكلة من جذورها.

مقالات لنفس الكاتب