array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 201

من غير المرجح نجاح المنطقة العربية في القضاء على الجوع عام 2030 لأسباب مختلفة

الخميس، 29 آب/أغسطس 2024

أسفر اعتماد خطة التنمية المستدامة لعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة السبعة عشر المرتبطة بها في عام 2015م، عن تجديد الالتزام العالمي بخطة تحويلية ترمي إلى تحقيق تقدم اقتصادي واجتماعي وبيئي على نحو متكامل ومستدام قائم على الخصوصيات الإقليمية والمحلية. وفي صلب خطة التنمية الجديدة تقع قضية الزراعة المستدامة والأمن الغذائي، اللذان يشكّلان تحديًا كبيرًا للدول العربية، لا سيما في ضوء الأزمة والصدمات وتداعياتها على الأمن الغذائي والتي شهدها العالم السنوات الأخيرة.

وتشهد الدول العربية تحديات لم يسبق لها مثيل من حيث ندرة الموارد الطبيعية وتناقصها؛ وتنامي الطلب بسبب النمو السكاني، والنزوح القسري، وزيادة نُدرة المياه، وتدهور التربة، وأزمات اجتماعية وسياسية يتوقع أن تتواتر، وكلّها عوامل أثّرت على الأمن الغذائي في المنطقة، فاقمتها الضغـوط علـى الأمن الغذائـي مـن جراء تداعيات فيروس كوفيد-19، والحـرب في أوكرانيـا، وأزمة المعيشـة العالميـة. ودفـعت هـذه الأزمات أسـعار المـواد الغذائية إلى الارتفاع ووجهت واحدة من أكثر الضربات المدمرة للأمن الغذائي والتغذية في العالم والمنطقة في الآونة الأخيرة.

ونتناول في هذه الدراسة بالتحليل، الوضع الراهن والتقدم الذي أحرزته الدول العربية صوب تحقيق هدف التنمية المستدامة الثاني بشأن القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وإنهاء جميع أشكال سوء التغذية، بالإضافة إلى مناقشة التحديات التي تواجهها هذه الدول نتيجة لتبعات جائحة كوفيد-19، وأزمة ارتفاع كلفة المعيشة، علاوة على ارتدادات الحرب في أوكرانيا وما أوقعته من أثر بالغ في أسعار الغذاء والطاقة.

أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالتنمية الزراعية والأمن الغذائي

يتحقق الأمن الغذائي عندما يتمتع كافة البشر في جميع الأوقات بإمكانية الحصول المادي والاجتماعي والاقتصادي على أغذية كافية وسليمة ومغذية تلبي حاجاتهم وتناسب أذواقهم الغذائية من أجل عيش حياة فعالة وصحية. وتتمثل الركائز الأربع للأمن الغذائي في توافر الأغذية وإمكانية الحصول عليها والانتفاع بها واستقرارها.

ويمثل القضاء على الجوع وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة مسائل محورية في الجهود الدولية لتحقيق التنمية منذ عدة عقود، بما فيها خطة عام 2030 وأهداف التنمية المستدامة الخاصة بها، وما سبقها من جهود ومبادرات ضمن خطة أهداف التنمية للألفية لعام 2015م.

وفي حين تناولت الأهداف الإنمائية للألفية التي أطلقتها الأمم المتحدة عام 2000 مجموعة محدودة من المسائل الاقتصادية والاجتماعية، منها" تخفيض نسبة السكان الذين يعانون من الجوع إلى النصف بين عامي 1990 و2015م"، فإن أهداف التنمية المستدامة لعام 2030، تشمل 17 من الأهداف و169 من الغايات التي تغطي طائفة واسعة من المسائل، بما يوفر نموذجاً أكثر تكاملاً لتحقيق التنمية المستدامة المنصفة. وتنطبق خطة عام 2030 على جميع الدول، ويعكس العديد من أهداف التنمية المستدامة وغاياتها، بشكل واضح، مضمون العمل على أساس إعادة تأكيد الرؤية المتمثلة في تحقيق السلام والازدهار العالميين التي وضعتها الأمم المتحدة قبل 78 عامًا، بما في ذلك ضمان حصول الجميع على ما يكفيهم من الغذاء المأمون والمغذّي؛ والمياه المأمونة والميسورة التكلفة، وخدمات الصرف الصحي والنظافة الصحية والإسكان؛ والتغطية الصحية للجميع؛ والتعليم الابتدائي والثانوي المجاني والمنصف والجيد، والأدوية واللقاحات الأساسية المأمونة، الجيّدة، الفعالة، والميسورة التكلفة.

وفيما يتعلق بالتنمية الزراعية والأمن الغذائي، تضمنت خطة التنمية المستدامة لعام 2030، هدفًا أكثر طموحًا حُدد كثاني هدف ضمن الأجندة، وتمثل في” القضاء على الجوع، وتحقيق الأمن الغذائي وتحسين التغذية وتعزيز الزراعة المستدامة“. مع تحديد غايتين لتحقيق ذلك، أولهما الغاية 2-1، المتمثلة في” القضاء على الجوع وكفالة حصول الجميع، ولا سيما الفقراء والفئات الضعيفة، بمن فيهم الأطفال الرضع، على ما يكفيهم من الغذاء المأمون والمغذي طوال العام “بحلول عام 2030. وتهيب الغاية 2-2 من أهداف التنمية المستدامة بالمجتمع العالمي أن يعمل على” وضع حد لجميع أشكال سوء التغذية، بما في ذلك العمل على تحقيق الغايات المتفق عليها دوليًا المتعلقة بالتقزم والهزال بين الأطفال دون سن الخامسة من العمر بحلول عام 2025، وتلبية الاحتياجات الغذائية للمراهقات والحوامل والمرضعات وكبار السن “بحلول عام 2030.

كما تتضمن أهداف التنمية المستدامة ستة أهداف أخرى على الأقل تعالج الأسباب الأساسية والضمنية والمباشرة لسوء التغذية، و18 غاية إضافية ترتبط بنتائج التغذية بصورة مباشرة أو غير مباشرة. فعلى سبيل المثال، تتصل الغاية 12-3، التي تتمثل في ”تخفيض نصيب الفرد من هدر الغذاء على الصعيد العالمي إلى النصف بحلول عام 2030م، على صعيد أماكن البيع بالتجزئة والمستهلكين، والحد من خسائر الأغذية في جميع مراحل الإنتاج وسلاسل التوريد، بما في ذلك خسائر ما بعد الحصاد“، والغاية 15-3 التي تتمثل في ”مكافحة التصحر، واستعادة الأراضي المتدهورة والتربة، بما في ذلك الأراضي المتأثرة بالتصحر والجفاف والفيضانات، والسعي لجعل العالم خاليًا من ظاهرة تدهور الأراضي بحلول عام 2030“، اتصالًا مباشرًا بالتنمية الزراعية والأمن الغذائي والتغذية.

وتُظهر العلاقات القائمة بين الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة وسائر الأهداف الدور الأساسي الذي تحتله الزراعة والأمن الغذائي والتغذية في خطة عام 2030. وثمة صلة طبيعية مباشرة بين الهدف 2 وغاياته من جهة، وجميع الأهداف الأخرى تقريبًا. إذ أن الأمن الغذائي يعتمد بقوة على المياه (معالجتها وتوافرها وجودتها: الهدف 6)، والطاقة (الإمداد والسعر والموثوقية: الهدف 7)، والمناخ (درجة الحرارة المثلى، ونظم الرطوبة، وانخفاض تواتر الظواهر الشديدة: الهدف 13)، والنمو الاقتصادي (الدخل وإمكانية الحصول على الموارد: الهدفان 8 و9)، فضلاً عن أنماط الاستهلاك والإنتاج (الهدف 12)، والمساواة بين الجنسين (الهدف 5)، والاستقرار السياسي (السلام والوئام: الهدف 16).

الوضع الحالي لمؤشرات التنمية المستدامة ذات الصلة بالأمن الغذائي في الدول العربية

لقد ظل الأمن الغذائي يشغل موقعًا متقدمًا في سياسات دول المنطقة العربية، وأسفر ذلك عن تحقيق أربعة عشر بلدًا عربيًا لهدف القضاء على الجوع من الأهداف الإنمائية للألفية، الذي ينص على خفض انتشار الجوع إلى النصف خلال الفترة 1990-2015. كما استمر تزايد نصيب الفرد من إنتاج الأغذية وتناقص سوء التغذية في الدول غير المتأثرة بالنزاعات خلال نفس الفترة.

وعلى الرغم من نجاح عدة دول في المنطقة في وضع الزراعة على مسار التحول الهيكلي، محققة نتائج إيجابية من حيث الصادرات الغذائية والحد من الفقر، إلا أن الأمن الغذائي لا يزال مصدر قلق مستقبلي كبير في المنطقة. فلا تزال الإنتاجية المادية والاقتصادية للموارد الطبيعية منخفضة نسبيًا، في ضوء ندرة الموارد الطبيعية، لا سيما الأراضي والمياه وتغير المناخ وزيادة تواتر الظروف المناخية القاسية.  كما أن المنطقة غير قادرة إلى حد كبير على إطعام عدد متزايد من السكان بالأغذية المحلية ويجب عليها استيراد المنتجات الزراعية. إذ يتم استيراد أكثر من 50 % من الأغذية المستهلكة في المنطقة العربية، مما يجعلها واحدة من أكبر المناطق في العالم المستوردة الصافية للغذاء. ونتيجة لذلك، أصبحت المنطقة معرضة بشكل متزايد للتأثر بالصدمات في أسواق السلع الغذائية الدولية. وهي تواجه حالة خطيرة من عدم اليقين في جانب العرض والطلب، مما يؤدي إلى تفاقم التحديات المتعلقة بانعدام الأمن الغذائي وسوء التغذية.

ونتيجة لتبعات جائحة كوفيد 19، وارتفاع أسعار الفائدة وتزايد أعباء الدين على بعض الدول العربية، وأزمة ارتفاع كلفة المعيشة، علاوة على ارتدادات الحرب في أوكرانيا وما أوقعته من أثر بالغ في أسعار الغذاء والطاقة، ازدادت أوضاع الأمن الغذائي سوءًا في منطقة تعاني أصلًا من مجموعة من الأزمات الداخلية والخارجية. فللنزاعات أثر مباشر على إنتاج الأغذية، فهي تدمر سبل العيش، وتؤدي إلى تفاقم الفقر، ْوتصعب الحصول على الرعاية الصحية.  وإذ تعود الزيادة الأخيرة في عدد السكان الذين يعانون من انعدام الأمن الغذائي في فلسطين وسوريا والسودان والصومال والعراق واليمن بصفة رئيسية إلى النزاعات الأخيرة أو الجارية.

كما كشفت جائحة كوفيد-19 عن وجود نقاط ضعف في أنظمة الأغذية الزراعية وفاقمت من حالة عدم المساواة وأدت إلى زيادة معدلات الجوع وسوء التغذية في المنطقة العربية. وكانت المنطقة العربية بالفعل خارج المسار الصحيح المطلوب لتحقيق مقصدي هدف التنمية المستدامة الثاني بشأن القضاء على الجوع وتحسين التغذية قبل تفشي الجائحة. كما أدى النزاع الدائر في أوكرانيا إلى مزيد من الاضطراب في سلاسل التوريد وزيادة أسعار الحبوب والأسمدة ً والطاقة. ونظرًا لأن المنطقة تعتمد اعتمادًا كبيرًا على الغذاء المستورد لتلبية متطلبات الأمن الغذائي، فقد أثرت هذه الأزمة على الدول العربية أكثر من غيرها من الدول. حيث غيرت الحرب في أوكرانيا الأنماط العالمية للتجارة والإنتاج والاستهلاك للسلع الغذائية على نحو من شأنه أن يبقي الأسعار عند مستويات مرتفعة حتى نهاية عام 2024م. كما تسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الناجم عن الحرب في أزمة عالمية تدفع ملايين آخرين إلى الفقر المدقع، مما يفاقم من أزمة الجوع وسوء التغذية.  

مدى تمتع الجميع بنظم غذائية صحية في الدول العربية

واصلت معدلات الجوع في المنطقة العربية مسارها التصاعدي منذ عام 2014م. ففي عام2021 بلغ عدد الأشخاص الذين عانوا من نقص التغذية في المنطقة 54,3 مليون، أو ما يعادل 12.2 في المائة من إجمالي سكان المنطقة. وهذا يعني زيادة بنسبة 55 % عن الأرقام المسجلة في عام 2010م، أي قبل أن تعصف بالمنطقة هزات كبرى ناجمة عن موجة النزاعات والثورات الشعبية. وأدت جائحة كوفيد،19-التي ضربت المنطقة في عام2020 م، إلى زيادة مستويات الجوع في جميع أنحاء المنطقة، مما أثر على الدول بمختلف مستويات دخلها وكذلك على الدول التي تعاني أصلًا من نزاعات أو تلك التي لا تعاني من أي نزاعات.

وبلغ معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في المنطقة العربية 34.7 % في عام 2021م، مما يدل على اتجاه تصاعدي متواصل للعام الثالث على التوالي، وهو أيضا أعلى من المتوسط العالمي البالغ 29.3 %. وفي عام 2021م، سجلت الدول ًالعربية الأقل نموًا أعلى معدل لانتشار انعدام الأمن الغذائي، بنسبة 51.2 %. وسُجلَ أعلى معدل الانتشار انعدام الأمن لغذائي المعتدل أو الشديد في الدول منخفضة الدخل وبنسبة 48.2 %، في حين سجلت الدول ذات الدخل المرتفع أدنى معدل انتشار بنسبة 17.3 %.

الشكل (1): انتشار انعدام الأمن الغذائي حسب التصنيف الفرعي للدول العربية

المصدر: (الفاو، 2022، صفحة 10)

 

ويتجه انتشار انعدام الأمن الغذائي نحو الزيادة في الدول التي تعاني من النزاعات منذ عام 2014م، ومنذ عام 2019م، في الدول التي لا تشهد نزاعات. وفي عام 2021م، بلغ معدل انتشار انعدام الأمن الغذائي في الدول التي تعاني من نزاعات 46.1 % مقارنة بـ 28.4 % في الدول غير المتأثرة بأي نزاعات. وقد بلغ عدد الأشخاص الذين عانوا من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد نحو 154,3 مليون شخص في عام 2021 مقارنة بـ 142,7 مليون في عام 2020 ما يعني زيادة قدرها 11,6 مليون. وقُدِرت نسبة الأشخاص الذين عانوا من انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد في عام 2021 بنحو 34,7 % من إجمالي عدد سكان المنطقة، وكانوا غير قادرين على الحصول ما يكفيهم من الغذاء المغذي في أغلب الأحيان. وقد أثر انعدام الأمن الغذائي الشديد على 12.1 % من سكان المنطقة العربية عام 2021م، (ما يعني معاناة ما يقدر بنحو 53,9 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الشديد، ما يعني زيادة قدرها 5 ملايين شخص عن الرقم المسجل في عام 2020)، ارتفاعًا من 11.4 % عام 2014م. وسجلت أعلى نسبة، 18.2 %، في الدول منخفضة الدخل، في حين سجلت أدناها في الدول ذات الدخل المرتفع، عند 6 %. وبشكل عام، تتزايد معدلات انتشار انعدام الأمن الغذائي الشديد في المنطقة بشكل مطرد منذ عام.

كما بلغ معدل انتشار نقص التغذية في المنطقة العربية 12.2 % عام 2021م، وهو قريب من مستواه لعام 2001 م، وأعلى من المتوسط العالمي البالغ 9.8 %. كما تواجه المنطقة العديد من التحديات، بما في ذلك الآثار الناجمة عن تغير المناخ والنزاعات الممتدة والكوارث طبيعية، وكلها عوامل تساهم في انتشار نقص التغذية. فقد ارتفع عدد الأشخاص الذين عانوا من نقص التغذية بنسبة 55 في المائة بين عامي 2010 و2021 م، ليصل إلى 54,3 مليون، وهذا الرقم أكبر بمقدار 3,2 مليون عن ذلك المسجل في عام 2020 وهو نتيجة للتأثير الممتد لجائحة كوفيد19على اقتصادات المنطقة وسبل عيش الناس.

الشكل (2): انتشار نقص التغذية في العالم والدول العربية، وعدد من عانوا من نقص التغذية في الدول العربية

المصدر: (الفاو، 2022، صفحة 12)

 

وسُجلت الزيادات في معدل انتشار نقص التغذية في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل والدول التي تعاني من نزاعات منذ عام 2010. وكذلك في الدول غير المتأثرة بنزاعات منذ عام 2015م، وظل متوسط معدل انتشار نقص التغذية في المنطقة في ارتفاع مطرد منذ عام 2014م، رغم أنه يظل أقل بقليل من المعدل المسجل سنة 2000 (13 %).

ووفقا للتصنيف الفرعي لدول المنطقة من حيث الدخل، تعاني الدول منخفضة الدخل من أعلى معدل انتشار نقص التغذية، حيث تبلغ نسبته 28.9 %، بينما تسجل الدول ذات الدخل المرتفع أدنى نسبة عند 4.3 في المائة. ويتسم معدل انتشار نقص التغذية في الدول متوسطة الدخل من الشريحة العليا بأنه أعلى من المعدل المسجل في الدول ذات الدخل المنخفض بسبب الآثار المترتبة على النزاعات الممتدة في العديد من الدول المدرجة في هذه المجموعة الفرعية. كما ظلت معدلات انتشار الجوع في الدول التي تعاني من نزاعات أعلى بكثير منها في الدول التي تشهد أي نزاعات. وفي عام 2021 م، بلغ معدل انتشار نقص التغذية في الدول التي تعاني من نزاعات 23.9 % مقارنة بـ 5.8 % في الدول غير المتأثرة بأي نزاعات.

وتُظهر معظم الدول (الشكل 3) التي تتوفر عنها بيانات زيادة في معدل انتشار نقص التغذية خلال الفترتين 2013–2015 و2019-2021م، وتظهر البيانات أن معدل انتشار نقص التغذية اتجه نحو الزيادة في الدول منخفضة ومتوسطة الدخل (باستثناء الجزائر وجيبوتي والعراق)، لكنه انخفض بشكل طفيف (0.3 نقطة مئوية) في مجموعة الدول ذات الدخل المرتفع. وسُجلَ أعلى معدل لانتشار نقص التغذية في المنطقة للفترتين في اليمن التي تعاني من نزاع وتصنف على أنها من الدول ذات الدخل المنخفض، ليبلغ 41.4 في المائة في الفترة 2019م.

الشكل (3): انتشار نقص التغذية حسب مستوى الدخل في الدول العربية

المصدر: (الفاو، 2022، صفحة 14)

 

القضاء على جميع أشكال سو ء التغذية في الدول العربية على المحك

لا تزال المنطقة العربية تعاني من أشكال متعددة من سوء التغذية. فقد ظلت معدلات انتشار التقزم 20.5 % وزيادة الوزن 10.7 في المائة بين الأطفال دون سن الخامسة مرتفعة عام 2020 (الجدول الموالي).

الجدول (1): انتشار التقزم بين الأطفال دون سن الخامسة حسب التصنيف الفرعي للدول العربية ((%

المصدر: (الفاو، 2022، صفحة 18)

ورغم أن معدل انتشار التقزيم في المنطقة كان أقل من المتوسطات العالمية، إلا أن معدل انتشار زيادة الوزن كان أعلى بكثير من المعدلات العالمية. كما كان معدل انتشار الهزال 7.8 %  في المنطقة أعلى أيضًا من المتوسط العالمي (6.7 %). وسجلت الدول العربية الأقل نموًا أعلى معدلات انتشار التقزيم والهزال في المنطقة، وفي الوقت نفسه أدنى معدلات انتشار زيادة الوزن بين الأطفال (الإسكوا، 2022، صفحة 48).

الجدول (2): انتشار الهزال بين الأطفال دون سن الخامسة حسب التصنيف الفرعي للدول العربية ((%

المصدر: (الفاو، 2022، صفحة 20)

خلاصة

يبدو أن المنطقة العربية حاليًا ليست على المسار الصحيح لتحقيق الهدف الثاني من أهداف التنمية المستدامة المتمثل بالقضاء على الجوع بحلول عام 2030م. ولا تزال الدول العربية تواجه تحديات كبيرة في سعيها نحو تحقيق المقصد الأول لهدف التنمية المستدامة الثاني بشأن كفالة حصول الجميع على ما يكفيهم من الغذاء المأمون والمغذّي وميسور التكلفة، والمقصد الثاني للهدف نفسه بشأن إنهاء جميع أشكال سوء التغذية.

وكما أظهرت البيانات، تواصل معدلات الجوع وانعدام الأمن الغذائي في الدول العربية منحناها التصاعدي لأسباب مختلفة، ففي عام 2021م، بلغ عدد الأشخاص الذين عانوا من نقص التغذية في المنطقة العربية 54,3 مليون، أو ما يعادل 12.2 % من إجمالي سكان المنطقة. وأثر انعدام الأمن الغذائي المعتدل أو الشديد سلبًا على ما يقدر بنحو 154 مليون شخص في نفس السنة. علاوة على ذلك، لا تزال المنطقة تعاني من أشكال متعددة من سوء التغذية، بما في ذلك التقزم والهزال وزيادة الوزن بين الأطفال والسمنة بين البالغين. ولم يكن أكثر من نصف سكان الدول العربية، أي ما يعادل 162,7مليون نسمة، قادرين على تحمل تكلفة اتباع نمط غذائي صحي في عام 2020م. كما كان لأزمة الحرب في أوكرانيا انعكاسات سلبية على الأسواق الدولية للأغذية الزراعية وتسببت بتعطيل الإمدادات وزيادة أسعار الغذاء والطاقة العالمية، ما أدى ً إلى تفاقم تحديات الأمن الغذائي والتغذية في المنطقة التي تعتمد اعتمادًا  كبيرًا على استيراد الغذاء، بما في ذلك القمح والأسمدة من منطقة حوض البحر الأسود.

في ضوء ما تقدم، من غير المرجح أن تنجح المنطقة في تحقيق هدف التنمية المستدامة الثاني بشأن القضاء على الجوع بحلول عام 2030. لأسباب مختلفة، بما في ذلك الآثار التي خلفتها جائحة كوفيد-19، وما يزيد الأمور سوءًا هو وجود العديد من التحديات التي تشمل تغير المناخ والنزاعات والكوارث ومشاكل هيكلية مثل الفقر وعدم المساواة. وما قد يزيد الطين بلة هي التحديات الناشئة مؤخرًا والمتصلة بالاضطرابات الحاصلة في سلاسل الإمداد الغذائية وارتفاع أسعار الغذاء الناجمة عن الحرب الروسية الأوكرانية.

وللتصدي للتحديات المذكورة أعلاه والعودة إلى المسار الصحيح صوب تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالأمن الغذائي والتغذية، يتعين على الدول العربية إحداث تحول في نظمها الغذائية والزراعية بحيث تكون أكثر شمولًا واستدامة وقدرة على الصمود. ومن المهم أن تواصل الدول العربية دعم الفئات الضعيفة في تعزيز فرص الحصول على الغذاء، وضمان فتح الأسواق، وتجنب اتخاذ إجراءات يمكن أن تعرض الأمن الغذائي للخطر، ولاسيما في الدول العربية الأقل نموًا والمتأثرة بالصراعات التي تعتمد على الواردات الغذائية.

مقالات لنفس الكاتب