تعد المياه الجوفية مصدراً آمناً للمياه النقية في المنطقة العربية خصوصاً في دول شبه الجزيرة العربية والمغرب العربي. حيث يعتمد عدد من البلدان في هذه المنطقة على المياه الجوفية كمصدر أساسي للمياه العذبة للاستخدامات اليومية والشرب وللأغراض الزراعية والري والصناعية وتربية الماشية والثروة الداجنة. وعلى الرغم من هذا، فإن المنطقة العربية تعاني من مشكلات تنمية المياه الجوفية والاستفادة المثلى منها. ويتعرض هذا المصدر الهام لمشكلات كبيرة بسبب الاستخدام غير الآمن، وانخفاض الجودة، وتغير المناخ، ونقص إدارة المياه الجوفية بين البلدان العربية.
وتكمن أهمية المياه الجوفية في المنطقة العربية في أنها مصدر آمن مضمون الجودة، وبعيد عن تأثيرات الجفاف وتغير المناخ، وذي قيمة عالية خصوصاً في الاستخدامات الزراعية المتنوعة. ولسوء الحظ فإن الوطن العربي يعتبر من المناطق الفقيرة في مصادر المياه العذبة مما أدى إلى وجود فقر مائي للفرد وعدم تلبية احتياجاته المائية.
وتعاني أغلب الدول العربية من شح حقيقي في المياه إذ لا تكفي المياه لسد الاحتياجات الأساسية لمواطنيها، ولأن المنطقة العربية تقع في المناطق القاحلة وشبه الجافة (صحراوية) فإن ثلث أراضيها الصالحة للزراعة معرضة للتصحر بسبب نقص المياه.
وتظهر أهمية المياه الجوفية في سد حاجة البلدان الصحراوية للمياه نتيجة قلة تساقط الأمطار سنوياً، لذا يجب الحذر من الاستغلال الجائر والعشوائي لتلك المياه، حيث يؤدي هذا إلى انخفاض في كمية المياه الجوفية المخزنة وتملحها بسبب قلة معدلات التغذية وزيادة كمية السحب، وأن تستغل بشكل مدروس ومخطط له يخدم البلاد في سنوات الجفاف المائي. كما يؤثر تسرب مياه البحر في المناطق الساحلية والصرف الزراعي للأنشطة الزراعية والصرف الصناعي والمحلي على جودة المياه في الخزانات الجوفية في معظم البلاد العربية. والمياه الجوفية العذبة هي سلعة نادرة ومطلوبة في جميع دول العالم، لذا يجب على جميع الأطراف استغلالها بالشكل الأمثل للحفاظ عليها. حيث إن عدم توافر وندرة المياه الجوفية في الدول العربية تهدد خطط التنمية وتؤثر على البيئة وتدهورها. من هنا تأتي أهمية قضية المياه وتوفيرها، ووضع السياسات المتعلقة باستخدامها وترشيدها وزيادة كمياتها.
حجم وتوزيع موارد المياه الجوفية في المنطقة العربية
تشترك الدول العربية في واحد أو أكثر من طبقات المياه الجوفية، حيث تغطي خزانات المياه الجوفية المشتركة حوالي 60% من المساحة السطحية للمنطقة العربية. وهذه المشاركة تؤدي إلى نشأة مشكلات بين الدول العربية والدول غير العربية في استخدام المياه الجوفية. وهناك بعض المشكلات التي تنشأ من جراء استثمار هذه الموارد المشاركة في نفس المصادر دون أن تؤخذ بعين الاعتبار الحقوق المائية العادلة للأطراف المشاركة. ويشترك العراق، والأردن، وشبه الجزيرة العربية، ودول شمال إفريقيا في ملكية العديد من طبقات المياه الجوفية.
تساهم المياه الجوفية بأكثر من 50% من المياه المستخدمة في الإمارات، والبحرين، والأردن، ولبنان، وعمان، واليمن، وتونس. وتعدت هذه النسبة 80% في شبه الجزيرة العربية. وفي جنوب دول شمال إفريقيا فتعتبر المياه الجوفية هي المصدر الرئيسي للمياه.
يقدر مخزون المياه الجوفية في العالم العربي بنحو 7734 مليار متر مكعب، يتجدد منها سنويا 42 مليارًا، ويتاح للاستعمال 35 مليار متر مكعب.
وتنقسم مصادر المياه الجوفية في الوطن العربي إلى مصدرين، الأول مصدر جوفي تتجدد مياهه باستمرار عن طريق التغذية من المياه من خلال الترشيح المباشر من الأمطار المتساقطة أو غير المباشر من المياه السطحية الجارية مثل الأنهار والسيول والبحيرات العذبة. والمصدر الجوفي الثاني لا تتجدد مياهه (أحفوري) حيث تم تخزين هذه المياه خلال فترات زمنية طويلة تُقدر بآلاف السنين بمعنى أنها تنضب مع الاستخدام المستمر حيث تستخدم هذه المياه الأحفورية في التنمية الزراعية بشكل جائر وبدون تخطيط فيؤدي إلى نضوب هذه المياه وتلف ما تم إنشاؤه من مشروعات زراعية وخسائر مادية ضخمة.
ويتحكم في جريان المياه الجوفية كل من التركيبات الجيولوجية ونوعية الصخور الحاوية للمياه. وتتواجد المياه الجوفية في الطبقات الرسوبية المتكونة من صخور ذات مسامية ونفاذية عالية، كما يمكن أن نجد المياه الجوفية في الرواسب الرملية المفككة، وأسفل قيعان المجاري المائية والسهول والأودية والمنخفضات، وكذلك في المناطق الساحلية حيث تطفو فوق مياه البحر المالحة لقلة كثافتها.
وكما ذكرنا سابقًا أن المياه الجوفية آمنة للاستخدام المباشر، إلا أنه في بعض الأحيان تحتاج هذه المياه إلى معالجة قبل الاستخدام نتيجة عدم صلاحيتها.
وتستخدم المياه الجوفية بشكل مباشر من الخزانات الجوفية الملاصقة للأنهار في المنطقة العربية مثل طبقات نهر النيل، وفروعه، ونهري دجلة، والفرات. وأيضًا من الأودية المتواجدة في شبه الجزيرة العربية وشمال إفريقيا. حيث تتغذى هذه الطبقات من مياه الأنهار والسيول.
ومن الدراسات العلمية الكثيرة للمياه الجوفية تبين أنها تتواجد في الوطن العربي في خزانات هيدروجيولوجية كبيرة هي:
- حوض النوبة بين مصر وليبيا والسودان ويمتد إلى شمال تشاد وتصل مساحته إلى نحو 1.8 مليون كلم مربع منها 150 ألف كلم مربع تحت ارتوازية. ويقدر حجم مخزون هذا الحوض بنحو عشرين ضعفًا من الإمدادات السنوية المتجددة في العالم العربي. ويرتفع منسوب مياهه في أطرافه الشرقية لتشكل الواحات الداخلة والخارجة والفرافرة في مصر، أما في ليبيا فيوجد النهر الكبير وهو نهر اصطناعي ينقل مليوني متر مكعب يوميًا من مياه هذا الحوض إلى الساحل الليبي. ويقدر له أن يروي نحو 180 ألف هكتار من الأراضي الزراعية.
- حوض العرق الشرقي الواقع جنوب جبال الأطلس في الجزائر ويمتد إلى تونس بمساحة أربعمائة ألف كلم مربع وهو حوض ارتوازي. ويقدر مخزونه بنحو أربعة أضعاف الإمدادات المتجددة من المياه في المنطقة العربية.
- حوض الديسي ويقع بين الأردن والسعودية وتبلغ مساحته نحو 106 آلاف كلم مربع، وتستفيد منه السعودية استفادة عملية حقيقية.
- طبقات كلسية كارستية ممتدة في المرتفعات الساحلية في لبنان،وسوريا، وفلسطين، والعراق.
استراتيجيات وحلول الحفاظ على مخزون المياه الجوفية وتطويره
في ظل أزمة المياه المتفاقمة بسبب التغيرات المناخية، والتي تسببت في انحباس الأمطار، إضافة إلى قلة الموارد المائية من دول المنبع، ومن أجل المحافظة على الثروة المائية الجوفية لابد من اتباع بعض الحلول الاستراتيجية والتي تؤدي إلى توفير الاستهلاك من هذا المصدر الهام.
ومن هذه السياسات:
- زراعة المحاصيل الاستراتيجية، مثل أشجار النخيل والزيتون والفستق الحلبي والقمح التي تتمتع باستهلاك مائي قليل في الأماكن التي تكون فيها وفرة من المياه الجوفية، إضافة إلى أن تلك المحاصيل تتحمل ظروف البيئة الصعبة وتساعد على تثبيت الكثبان الرملية.
- زراعة النباتات الاقتصادية واستخدام تقنيات الري الحديثة كالري بالرش والري بالتنقيط -بحسب طبيعة المحصول أو النبات-ستكون مجدية اقتصاديًا، فضلًا عن انسجامها مع مفهوم تقنين وترشيد استخدامات المياه.
- التقليل من استخدام الأحزمة الخضراء المحيطة ببعض المدن والتجمعات السكنية حيث يتم إرواؤها من المياه الجوفية، وهذا يسبب استهلاك الكثير من المياه، وجدواها الاقتصادية محدودة وهي متمثلة في الحفاظ على البيئة وتثبيت الكثبان الرملية فقط.
- منع زراعة المحاصيل الشرهة للمياه مثل الموز، والأرز، والبرسيم الحجازي، وذلك في المناطق الشحيحة من المياه.
- حظر استخدام المبيدات والأسمدة الزراعية الغير صديقة للبيئية لحماية مياه الخزان الجوفي من التلوث.
- إنشاء أنظمة ضخ ذكية ومراقبة متطورة، بهدف تحسين كفاءة توزيع واستخراج المياه، حيث تضمن هذه الأنظمة الاستخدام الأمثل لموارد المياه الجوفية، وتساعد على استدامتها على المدى الطويل، وتعزيز الابتكار، وتحسين الأطر التنظيمية، وضمان استراتيجيات قابلة للتكيف.
- قيام الجهات المسؤولة في الدولة بتحديد عدد الآبار الجوفية بكل منطقة وكذلك تحديد المسافات البينية بين هذه الآبار، مع تحديد عمق البئر الآمن، وكمية المياه المناسبة التي تسحب من البئر، وذلك للحفاظ على المياه وعدم نضوبه. وأيضاً، تشغيل الآبار بالتناوب وذلك ليستعيض الخزان الجوفي كمية المياه التي سحبت منه.
- مراقبة منسوب المياه الجوفية لكل بئر، مع تحليلها كيميائياً وذلك كل شهر للتأكد من صلاحيتها للاستخدامات المختلفة، ويساعد هذا على استدامة المياه.
- تحديد نوعية المحاصيل المناسبة والمساحات التي يمكن ريها من هذه الآبار بما لا يخل بمبدأ تحقيق الأمن الغذائي وتعظيم القيمة الاقتصادية لوحدة المياه.
ومن أجل الحفاظ على المياه الجوفية يجب استخدامها بأعلى معايير الكفاءة الإنتاجية والاقتصادية وتحديد نصيب كل فئة زراعية وصناعية بدقة، إضافة إلى آليات فاعلة للتحكم الدقيق في استخدام المياه الجوفية. وكذلك البحث عن مصادر مائية بديلة مثل تحلية مياه البحر ومياه الصرف الصحي أو الزراعي للحد من استنزاف المياه الجوفية والمحافظة عليها من أجل المستقبل.
كما إنه من المهم عمل إحصائيات دقيقة عن الميزانية المائية للإثنين وعشرين دولة عربية والتي تتمثل في حساب الإيراد السنوي للأنهار، ومساحة أحواض مياهها، تحديد الاحتياجات المائية لمختلف الاستخدامات في أقطار الوطن العربي وأقاليمه وتقدير هذه الاحتياجات لسنين مستقبلية والتي تعتمد على العناصر الآتية:
- عدد السكان لكل دولة عربية.
- مساحة الأراضي الصالحة للزراعة ونسبة الزيادة السنوية التي تؤمن الاكتفاء الذاتي من الغذاء.
- تحديد الكمية المستهلكة من المياه اللازمة لري الهكتار الواحد من الأرض الزراعية، ونسبة كفاءة استخدام مياه الري.
- تقدير معدل الاستهلاك اليومي للفرد العربي من المياه للشرب والاستخدام المنزلي ونسبة الهدر الفعلية أو المقدرة في التوزيع والاستخدام.
- حساب حجم استهلاك المياه في الصناعة، بما فيها المياه المستخدمة في توليد الطاقة الكهربائية، والنسبة المئوية المفترضة للزيادة في هذا الحجم مع مرور الزمن.
وتتبنى بعض الدول العربية كالسعودية والإمارات فكرة إعادة استخدام المياه لتعزيز استدامتها، مما يحد من استنزاف الماء ويزيد من كفاءة الاستهلاك بهدف تقليل الاعتماد على مصادر المياه العذبة ويخفف من التأثير البيئي، حيث يمكن إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة لري المساحات الخضراء.
كما أنه يمكن الاتجاه إلى تقنية الزراعة الرأسية والتي تقلل من الاعتماد على المياه الجوفية في الري وتساهم في الحفاظ على المياه، وتعزيز الأمن الغذائي وتقليل البصمة البيئية، والزراعة الرأسية تساعد على تخفيف الضغط على مصادر المياه الجوفية، وتوفر أيضًا حلا للتحديات المتعلقة بالمياه، مثل تغير المناخ والجفاف، من خلال ضمان إمدادات مياه موثوقة وآمنة للزراعة، كما تؤدي الزراعة الرأسية إلى ضمان مستقبل مستدام للمنطقة من المياه.
إدارة المياه الجوفية
يجب أن تشمل إدارة المياه الجوفية وضع وصياغة السياسات والاستراتيجيات اللازمة للحفاظ على هذا المصدر الحيوي وآليات الاستخدام الأمثل له. مع اتخاذ القرارات اللازمة لتحقيق الأهداف المجتمعية بناءً على المعلومات والمعرفة، مع تحديد مدى الاحتياج إلى القيام بهذه الأنشطة المتعلقة بتطوير وحماية المياه الجوفية لتنفيذ السياسات والخطط الموضوعة.
من هذا المنطلق، فإنه من الهام التعامل مع إدارة مصادر المياه الجوفية في الدول العربية على أنها من المنافع العامة، وهذا بدوره يؤدي إلى دعم الأنظمة البيئية ومساهمتها في تحقيق استدامة للتنمية البشرية. والهدف من إدارة المياه هو الحصول على المياه الجوفية بشكل يتناسب مع الاستخدامات المختلفة وحساب الاحتياجات المستقبلية من هذا المصدر الهام.
ويجب أن تشمل إدارة المياه الجوفية وضع مبادئ تجمع أفضل التجارب أمام صانعي السياسات للاستفادة منها عند مراجعة أو تطوير الأنظمة المحلية، ووضع آلية للتقييم السريع للإطار التنظيمي لإدارة استخراج المياه الجوفية. كذلك إيجاد أرضية مشتركة لتبادل الخبرات وأفضل الممارسات في إدارة استخراج المياه الجوفية، مع إعادة التذكير بأهمية المياه الجوفية والحوكمة السليمة لها.
التحديات والضغوط التي تواجهها المياه الجوفية في المنطقة العربية:
يوجد العديد من التحديات والمعوقات التي تواجه المياه الجوفية وتؤدي إلى استنزافها، وسبل الاستخدام الأمثل لها، ومن هذه التحديات:
- ندرة المياه السطحية.
- الزراعة.
- تغير المناخ.
- تدهور جودة المياه الجوفية.
- عدم كفاية أو عدم وجود سياسات وتشريعات واضحة بشأن المياه الجوفية.
- انعدام أو عدم كفاية الإرادة السياسية لتنفيذ السياسات والتشريعات المتعلقة بالمياه الجوفية.
- مؤسسات المياه الجوفية ضعيفة، والمسؤوليات مجزأة أو متداخلة، وضعف التنسيق بين القطاعات المعنية.
- عدم كفاية قدرات الموارد البشرية.
- التمويل المحدود عموماً الذي يؤثر على الإدارة والرصد وتنمية القدرات.
- عدم فهم نظم المياه الجوفية فهماً كافياً وعدم كفاية الوعي.
- ضعف نظم الرصد ونقص المعلومات و/أو البيانات و/أو التكنولوجيا اللازمة.
- مشاركة مجتمعية محدودة.
- النمو السكاني:
حيث يُفاقِم النمو السكاني السريع وزيادة التحضر والتطور الصناعي في المنطقة الوضع بشكل كبير، كونه يزيد الطلب على المياه بشكل ملحوظ في مجالات متعددة كالزراعة التي تُعَدُّ قطاعًا رئيسيًا يعتمد بشكل أساسي على المياه الجوفية للري، وبالتالي يؤدي إلى استنزافٍ أسرع لهذا المورد الحيوي، لذا لا يجب الاستهانة أو تجاهل الوضع لأن المنطقة على أبواب أزمة مياه وشيكة تهدد بتقويض استقرار المنطقة اقتصاديًا واجتماعيًا.
الاستخدام المفرط للمياه الجوفية
يؤدي الاستخدام المفرط للمياه الجوفية إلى نضوب المياه وخاصة الأحفورية (غير المتجددة) إلى انهيار الأنشطة الاقتصادية وهروب رؤوس الأموال من الدولة. حيث يُزيد استنزاف هذا المورد الهام خاصة في الإمارات والسعودية إلى تدهور النظام البيئي وتمليح التربة وخلل في التوازن الطبيعي والتنوع البيولوجي، كل هذا يقود إلى الإضرار بالمجال الزراعي والذي يسبب اضطراب الأمن الغذائي للدولة.
أيضًا من المشكلات التي تواجه المياه الجوفية هي مشكلة التلوث، حيث إن المياه الجوفية مصدر مياه مخفي في باطن الأرض وبعيد عن مصادر التلوث السطحي، وعلى الرغم من هذا فإنه عرضه للتلوث من العديد من المصادر، مثل تسرب مياه الصرف الصحي إلى طبقات الأرض الحاوية على المياه. وكذلك تسرب مخلفات المصانع الكيميائية، وترشح مياه الري المحملة بمبيدات مكافحة الحشرات والآفات الزراعية إلى المياه.
وعلى الرغم من بُعد المياه الجوفية عن مؤثرات التغيرات المناخية، إلا أن هذه التغيرات المناخية تؤثر على كل من كمية مياه الأمطار المتساقطة على المنطقة، وتوقيت تساقطها، وشكلها، وشدة التساقط.
أثر التغيرات المناخية على المياه الجوفية
وكما هو معروف فإن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تحديداً هي الأكثر عرضة لآثار التغير المناخي حيث تعاني هذه الدول من نقص كبير من المياه الجوفية، حيث إن نصيب الفرد للمياه أقل من المعدل الطبيعي العالمي. بالإضافة إلى أن هذه الدول تعاني من انخفاض كمية الأمطار المتساقطة، وتفاوت شديد في هطولها مكانيًا وزمانيًا، ما عدا لبنان فهي الأفضل من ناحية الهطول، وقطر هي الأقل في قلة نسب هطولها.
أيضًا تزيد درجات الحرارة المرتفعة من معدل التبخر، والذي يؤدي بدوره إلى زيادة في المواسم الجافة. وتقليل مستويات الرطوبة في التربة، والتي تزيد من نسبة تكرار الجفاف الحاصل في المنطقة، مع احتمالية حدوث التصحر، وكل هذا يساعد على انخفاض نسبة الترشيح مما يؤدي إلى انخفاض معدل تغذية المياه الجوفية.
هذا النقص الكبير في مصادر المياه سيؤدي إلى اللجوء إلى تبني مشاريع اقتصادية مضرة للبيئة مثل إنشاء محطات تحلية المياه ونقلها عبر الأنابيب (من البحر المتوسط-البحر الأحمر -البحر الميت) والسدود. حيث تكون هذه المشاريع ذات تكلفة اقتصادية مرتفعة وأيضًا هي مشاريع غير مستدامة بيئيًا وتؤدي إلى احتباس حراري وتغير مناخي (انبعاثات غاز ثاني أكسيد الكربون من محطات التحلية).
أثر زيادة مستوى سطح البحر على المياه الجوفية
يؤثر التغير المناخي أيضًا على مستويات سطح البحر. حيث إن ارتفاع مستوى سطح البحر قد يؤدي إلى انخفاض في طبيعة ووفرة المياه في المناطق الساحلية. كذلك ارتفاع مستوى سطح البحر قد يؤثر سلبًا على نوعية المياه الجوفية من خلال تسرب المياه المالحة إليها. بالإضافة إلى ذلك فإن ارتفاع مستوى سطح البحر يؤثر على دورة المياه تحت سطح المناطق الساحلية مما يؤدي إلى انخفاض تدفق المياه العذبة وقلة نسبة المساحات المائية العذبة.
ومن ناحية أخرى فإن ارتفاع مستوى سطح البحر يؤدي إلى ارتفاع مستوى المياه في خزانات المياه الجوفية، وهذا يسبب زيادة في نسبة جريان المياه السطحي، ولكن على حساب تغذية الخزانات الجوفية حيث لا يكون هناك فرصة لترشح المياه السطحية العذبة لتغذية الخزانات الساحلية. إنه من المتوقع أن يرتفع مستوى سطح البحر ما يقارب 19 إلى 58 سنتيمترا في نهاية القرن الواحد والعشرين. والذي بدوره سيؤثر على 12 دولة من أصل 22 دولة من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. ارتفاع سطح البحر على هذا النحو من المحتمل أن يتأثر به نحو 10% من سكان دلتا نهر النيل إضافة إلى الأراضي الزراعية والإنتاج في جمهورية مصر العربية، حيث إنها من الدول الرئيسية التي ستتأثر بهذا الارتفاع.
واجبات وحقوق استخدام المياه الجوفية
يجب أن تعامل موارد المياه الجوفية كملكية عامة مشتركة؛ ولذلك فإن الدولة بصفتها قائمةً على هذا المورد، أن تكون قادرة على فرض الإجراءات الضرورية من أجل حماية الطبقات الحاملة للمياه الجوفية من الاستنزاف والنضوب والتلوث.
ومن الضروري إعداد نظام لحقوق سحب المياه الجوفية تبعاً لحالة المياه الجوفية في المنطقة. ولابد من أن يطلب مُلاك الآبار الجوفية من الجهات المسؤولة التصريح لهم باستخراج المياه الجوفية مع وضع عدادات مياه على هذه الآبار لحساب ومراقبة كميات المياه الجوفية التي سحبت من الخزان الجوفي. ويجب أن تحدد الجهة المسؤولة في الدولة كمية المياه التي تستخرج من طبقات المياه الجوفية الأحفورية (غير المتجددة). ومن الواجبات الهامة أيضاً عند استخدام المياه الجوفية مراقبة جودة المياه، ومستوياتها، والكميات المستخرجة من الطبقات؛ حيث إنه من الضروري على الجهة المسؤولة عن إدارة شؤون الموارد المائية، والأفراد المستفيدين أن يضطلعوا بعملية الرصد. وستؤدي هذه الإجراءات إلى حث المستفيدين من الأفراد والهيئات على توفير بيانات دورية حول آبار المياه الجوفية. كما يجب على الجهة المسؤولة عن إدارة المياه اتخاذ التدابير القانونية اللازمة لتنفيذ القانون وإنشاء قواعد بيانات لخزانات المياه الجوفية بهدف حفظ المعلومات، ودراستها، ومعالجتها، وتفسيرها.