أولًا: الأمـــــن المائي: 1 ـ ترتبط قضايا المياه، ومن أبرزها الأمن المائي / والأمن الغذائي / وأمن الطاقة، لدول تتشاطأ على نهر دولي، ترتبط عضويًا بالحياة والوجود للدول والشعوب حيث تمارس آثارًا على" الإنسان والنبات والحيوان " وأيضًا على التنمية المستدامة في كل من الاقتصاد الأزرق والاقتصاد الأخضر. وتعد الدول التي يعيش أبناؤها تحت خط الفقر المائي هي الأكثر تأثرًا بقضايا المياه التي تتبلور في الثالوث الحيوي المشار إليه " الأمن المائي، والأمن الغذائي، وأمن الطاقة"، والمتقاطع فيما بينه. لقد تضمنت مواثيق دولية من أبرزها "العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لعام 1966م"، "والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية" بنودًا لقواعد حاكمة وآمرة تتمحور حول الحق في الحياة والوجود، كما تضمنت بصفة خاصة الاتفاقات الدولية والقوانين الدولية ذات الصلة بالأنهار الدولية قواعد وأحكام تتعلق بتنظيم العلاقة بين الدول المتشاطئة على نهر أو أنهار دولية يتعين الالتزام بها من جانب الأطراف المعنية.
2 ـ شهد العالم مؤخرًا ثالوثًا مدمرًا بتداعيات سلبية على دول وشعوب العالم (جائحة كورونا، تغيرات المناخ، الأزمة الأوكرانية)، وجاء العدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة في وقت لاحق كتطور خطير بتداعياته السلبية المدمرة أيضًا، ليعزز من سلبيات ذلك الثالوث المدمر على قضايا الأمن الغذائي وأمن الطاقة والأمن المائي خاصة بالنسبة " للدول المتشاطئة على نهر دولي " وتعاني أصلًا من تداعيات تلك القضايا على الحياة والوجود.
3 ـ تواجه دول بالعالم العربي وبالقارة الإفريقية تحديات جسام تتمحور حول توفير الأمن المائي لشعوب كل منهم في ارتباط وثيق بأمن الطاقة الذي يتأسس على "إقامة السدود ـ على أنهار دولية ـ" لتوليد الكهرباء. وهنا تثور إشكاليات، ثلاثية الأبعاد ـ سياسية ـ قانونية ـ فنية ـ تتمحور حول كيفية تحقيق الأمن المائي في إطار علاقة قانونية موثقة بين دول المنبع ودول المصب. وهو ما يعني " حتمية التعاون " في اتساق مع المواثيــق والاتفاقـــات والقوانيـــن الدوليــــة ذات الصلــة، وبما يجنب " التصــــادم." وينطلق هذا التوجه المؤسسي ـ أي " حتميـــــة التعــــاون " ـ بين الدول التي تتشاطأ على أنهار دولية ـ تنتفي عنها تمامًا صفة الأنهار الداخلي ـ حيث "السيادة عليها مشتركة لدول المنبع ودول المصب معًا " وليست أحادية (لدولة أو لدول المنبع).
4 ـ تبدو هذه الإشكالية واضحة على نحو لا لبس فيه على سبيل المثال لا الحصر، في العلاقة بين تركيا كدولة منبع وكل من العراق وسوريا كدولتي مصب، وذلك فيما يتعلق بنهري دجلة والفرات. وفى العلاقة القائمة بين إثيوبيا كدولة منبع، ومصر والسودان كدولتي مصب وذلك فيما يتعلق بنهر النيل الأزرق. ففي الحالتين تبنت دولتا المنبع نهج التصرفات الأحادية وفرض الأمر الواقع في انتهاك صارخ، ومخالفة واضحة للمواثيق والاتفاقات والقوانين الدولية ذات الصلة.
ثانيًا: أبرز العوامل الحاكمة للعلاقة بين الدول المتشاطئة على نهر دولي:
1 ـ أحكام القانون الدولي للمجاري المائية نيويورك 1977:
ونخص بالذكر ثلاث مواد، المادة الخامسة التي تنص على الاستخدام المنصف والعادل للدول المتشاطئة على نهر دولي، والمادة السادسة التي تنص على المعايير التي تعد محورًا لتطبيق المادة الخامسة وتدور حول الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لدول النهر (ومن بينها عدد السكان، مدى الاحتياج للمياه أي مدى الفقر المائي ...)، والمادة السابعة التي تنص على عدم إحداث ضرر ذي شأن.
2ـ الاتفاقات الثنائية أو المتعددة ذات الصلة بين الدول المتشاطئة على نهر دولي:
وفى حالة سد النهضة فإن أبرز الاتفاقيات:
ـ اتفاقية 1902م، بين بريطانيا (عن مصر والسودان) وإثيوبيا وتتضمن تعهدًا من ملك الحبشة بعدم إقامة مشروعات أو أي عمل على النيل الأزرق ونهر السوباط تعترض سريان النيل إلا بموافقة بريطانيا (مصر والسودان) وهو ما يسمى بشرط الإخطار المسبق.
ـ اتفاقية 1929م، مبرمة بين مصر وبريطانيا (تمثل كينيا وتنزانيا والسودان وأوغندا) لتنظيم استفادة مصر من بحيرة فيكتوريا، وتتضمن إقرار دول حوض النيل بحصة مصر المكتسبة من مياه النيل، وأن لمصر حق الاعتراض في حالة إنشاء هذه الدول لمشروعات جديدة على النهر وروافده.
ـ اتفاقية 1959م، بين مصر والسوان وتتضمن تقاسم مياه النيل بين مصر والسودان لتعكس الحقوق المكتسبة كمية الأمطار 1600 ـ 2000 مليار متر مكعب. حصة مصر حاليًا 55,5 مليار متر مكعب، وحصة السودان 18,5 مليار متر مكعب. هناك فائض ضخم غير مستغل.
ـ اتفاق 1993م، تفاهمات والتزامات بين مصر/ مبارك، وإثيوبيا / زيناوي، على عدم قيام أي من الدولتين بنشاط يتعلق بمياه النيل يسبب ضررًا بمصالح الدولة الأخرى، والتعاون بين البلدين بغرض إقامة مشروعات مشتركة تزيد من حجم التدفقات المائية وتقليل الفواقد.
ـ اتفاق إعلان المبادئ 2015م، مبرم بين رؤساء الدول الثلاث، وتتضمن عدد من المبادئ على خلفية القانون الدولي والاتفاقات المبرمة المشار إليها بين الأطراف ذات الصلة يؤسس الإعلان للمصالح المشتركة فيما يتعلق بسد النهضة، وفى إطار أوسع يشمل رؤية مستقبلية لعلاقات تنامى وتعاظم في مجالات عديدة من أبرز المبادئ / التعاون، التنمية، التكامل الاقتصادي، عدم إحداث ضرر ذي شأن، الاستخدام المنصف والعادل، التعاون في عملية الملء الأول، بناء الثقة، تبادل المعلومات والبيانات، أمان السد ودراسات بيئية واجتماعية واحترام سيادة الدول، ووحدة أراضيها، الحل السلمى للنزاعات عبر آليات تم تحديدها آليات تنسيق دائمة لملء وتشغيل السد.
3: الحقوق التاريخية المكتسبة:
ليست مجرد ادعاء، وإنما معترف بها في ترتيب حقوق الدول، حيث وردت في قانون البحار وقانون الأنهار الدولية بموجب اتفاقات كما أقرت محكمة العدل الدولية مبدأ الاعتراف بالحقوق التاريخية المكتسبة في كثير من النزاعات، كما يمكن في هذا الصدد الإشارة إلى تجارب ناجحة لدول متشاطئة على نهر دولي في قارات عديدة منها القارة الإفريقية.
4: موقف أممي بصدد سد النهضة،" بيـان " رئاسي لمجلس الأمن 15 سبتمبر 2021:
تأسس على خلفية طلب مصر والسودان وبدعم من الجامعة العربية، المتضمن ـ من بين ما ورد به ـ الأخذ بمسار المفاوضات في إطار الاتحاد الإفريقي كأولوية في المفاوضات، مع إسناد دور ميسر للمراقبين والشركاء للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم في وقت قريب.
ثالثًا: الاتفاق الإطاري التعاوني لدول حوض النيل: (اتفاقية عنتيبي):
1 ـ يستهدف الاتفاق الإطاري ـ الذي رفضت مصر والسودان التوقيع عليه ـ إنشاء مفوضية لإدارة مياه النيل، والتي من المقرر إنشاؤها حال تصديق ست دول على الاتفاقية بعد ستين يومًا من تاريخ تصديق الدول الست. وهو أمر حاليًا مثار جدل محتدم، حيث بانضمام جنوب السودان) انفصلت عن السودان عام 2011م) للاتفاقية وتصديق برلمانها مؤخرًا على الاتفاقية (يوليو 2024م) تكون هي الدولة السادسة المطلوب تصديقها لخروج الاتفاقية لحيز التنفيذ تطبيقًا لقاعدة الثلثين (حال عدد الأعضاء عشرة)، إلا أن انضمام جنوب السودان (11 عضوًا) يستوجب أن يكون العدد المطلوب تصديقه ثمانية أعضاء إن لم يكن سبعة.
2 ـ اعترضت مصر والسودان على الاتفاق الإطاري، لأنه يمنح دول المنبع حق إقامة المشروعات دون الرجوع لدول المصب أو حتى الالتزام بمبدأ الأخطار المسبق. وكذا الأخذ بمبدأ الأغلبية وليس الإجماع بصدد المشروعات المستقبلية وخاصة إقامة سدود على نهر النيل يمكن طرحها من جانب دول المنبع. هذا فضلًا عن أن الاتفاقية تستهدف إنهاء العمل بأحكام الاتفاقيات التاريخية 1902، 1929، 1959م. والتي بموجبها تم تقنين الحصص التاريخية لمصر والسودان، وتم الإقرار بمبدأ الأخطار المسبق، وعدم إقامة أي أعمال تؤثر على سريان وتدفق مياه النيل لمصر والسودان.
3 ـ يتعذر على دول المنبع باتفاقية عنتيبي إنهاء العمل بالاتفاقات التاريخية المشار إليها وإبدالها باتفاقية عنتيبي لأن الاتفاقات التاريخية تلك، هي في الأساس اتفاقيات حدود (1902 واتفاقية 1903م)، لا تلغى بمثل هذا النهج حيث ستواجه أطراف اتفاقية عنتيبي بمواقف قانونية غير مواتيه عند إيداع الاتفاقية لدى أجهزة ومؤسسات المنظومة الدولية المعنية بالاتفاقات الدولية، تحول دون تنفيذ الاتفاقية وتفعيلها. وسيصعب إن لم يكن من المستحيل تنفيذ اتفاقية عنتيبي في مواجهة سريان الاتفاقات التاريخية، خاصة وأن الادعاء بأنها من العهد الاستعماري، مردود عليه بأن إثيوبيا كانت آنذاك دولة مستقلة تتمتع بالسيادة وحصلت مقابل ما ورد بصدد نهر النيل، على منطقة بنى شنقول المقام عليها سد النهضة حاليًا طمعًا فيما تعتقد بأنها غنية بالمعادن وخاصة الذهب، وعليها عندئذ أن تعيد منطقة بنى شنقول للسودان حال إلغاء الاتفاقات التاريخية وإحلال اتفاقية عنتيبي محلها (إن لم تأخذ شواغل مصر والسودان في الحسبان). يتعزز مجمل ما تقدم بصدد الحدود إقرار الاتحاد الإفريقي بقدسية الحدود المتوارثة عن الاستعمار.
4 ـ هكذا تواجه مصر ( والسودان) منذ مطلع هذا القرن تحديًا صارخًا وتهديدًا خطيرًا لحقوقها المائية، بسبب المستجدات في مواقف دول حوض النيل، من أبرزها عدم التوافق على الإطار القانوني لمبادرة حوض النيل، التي كان من المفترض أن تجمع دول الحوض على أن تنظم علاقاتها ( كدول منبع ومصب )، بصدد الموارد المائية على أسس " الاستخدام المنصف والعادل لتلك الموارد، "والفوائد المشتركة " "وعدم الإضرار" لأي من الدول المتشاطئة على نهر دولي، في اتساق مع القوانين والاتفاقات والمواثيق الدولية ذات الصلة ، وبأن نهر النيل "نهرًا دوليًا "وليس داخليًا ،وبأن " السيادة علي النهر مشتركة " للدول المتشاطئة عليه وليست أحادية.
5 ـ لقد تمحور الخلاف حول مطلب " الإخطار المسبق " لأي مشروعات مستقبلية على النهر، والالتزام بمبدأ "الإجماع في التصويت ". بل اتخذت بعضًا منها خطوات ـ أحادية ـ بالإعلان عن خطط طموحة للتوسع في الاستثمارات الزراعية وإقامة السدود (إثيوبيا) دون التشاور مع مصر، وكان أخطرها مشروع إثيوبيا لبناء سد النهضة. وقد أثار هذا الموقف وذلك المسلك ـ بالنسبة لسد النهضة ـ حفيظة دول المصب (مصر والسودان) لما يمثله من مخاطر وتهديد لمصالحها الحيوية بتداعيات تطال الوجود والحياة لشعبي ودولتي المصب.
رابعًا: الوضــع بالنسبـــة لمصــــــر:
1 ـ يحكم وضع مصر المائي، موقعها داخل حزام المناطق الجافة ومواردها المائية المحدودة، والتي ترد إليها من خارج حدودها ممثلة في حصة مصر من مياه النيل، التي تقدربحواي95 % من إجمالي موارد مصر المائية العذبة، بينما يشارك مصر ـ وهي دولة مصب ـ إحدى عشر دول أخرى من دول حوض النيل ـ لديها فائض ضخم من الموارد المائية ـ ولا تتعدى المصادر المائية الأخرى والمياه الجوفية والأمطار والسيول 5 % فقط من إجمالي الموارد المائية المتاحة لمصر.
تواجه مصر وضعًا مائيًا حرجًا، نظرًا لندرة الموارد المائية، أمام متطلبات وتحديات التنمية الاقتصادية والاجتماعية الطموحة، والتي تتأثر بالنمو السكاني، والتنافس على الموارد الطبيعية وخاصة الموارد المائية بين القطاعات المختلفة. يستهلك قطاع الزراعة حوالي 85 % من حصة مصر المائية، بينما تستهلك مياه الشرب والصناعة والملاحة وباقي الأنشطة حوالي 15 % من هذه الحصة.
2 ـ تقع مصر تحت خط الفقر المائي الحالي، حيث يقل نصيب الفرد من المياه إلى أقل من 350 مترًا مكعبًا سنويًا بحلول عام 2050م، إذا استمر معدل الزيادة السكانية على وضعه الحالي أي حوالي 2 % سنويًا.
3 ـ تعاني مصر عجزًا مائيًا يقدر بنحو 20 مليار متر مكعب سنويًا يمثل الفجوة المائية بين جملة الموارد المائية المتاحة (حوالي 59 مليار متر مكعب سنويًا) وجملة الاحتياجات المائية لجميع القطاعات حوالي (79 مليار متر مكعب سنويًا)، ومن المتوقع أن تزداد الفجوة مع النمو السكاني ومتطلبات عملية التنمية.
4 ـ بالإضافة إلى تداعيات تغير المناخ كأحد العوامل المستحدثة المؤثرة سلبًا على موارد مصر المائية من حيث زيادة معدلات الجفاف والتذبذب في معدلات الأمطار والإيراد الطبيعي لنهر النيل. الأمر الذي تطلب إجراءات جادة وفاعلة لترشيد استخدام المياه والبحث عن مصادر جديدة للمياه، مثل التحلية والمياه الجوفية، (السعي لتنفيذ قناة جونجلي)، وإجراءات وقائية وفاعلة في الملف الداخلي للمياه تكنلوجيا تحلية المياه بالطاقة الجديدة والمتجددة ومعالجة مياه الصرف الصحي والزراعي والصناعي وإعادة استخدام المياه في إطار بيئي سليم واستحداث نظم للري، وترشيد الاستخدام في القطاعات الإنتاجية الأخرى. وهو ما قطعت فيه مصر شوطًا لا بأس به في إطار سعيها لزيادة مواردها المائية لمقابلة الاحتياجات المتزايدة، مع التمسك بحقوقها المائية بصدد مياه النيل.
خامسًا: النهج الإثيوبي في التعامل مع قضايا المياه:
1 ـ لم تزل إثيوبيا دولة المنبع لنهر النيل الأزرق، تنتهج سياسة التصرفات الأحادية وفرض الأمر الواقع على دولتي المصب وتنطلق من رؤية تقضي بتوطين الأنهار " بمعنى أن نهر النيل الأزرق نهر داخلي، وفى ارتباط بعدم الاعتراف بالاتفاقات التاريخية المشار إليها، وإحلال اتفاقية عنتيبي بديلا عنها، غير عابئة بشواغل مصر والسودان وحقوقهما المائية، على نحو بدا الأمر معه وبجلاء أن لإثيوبيا أهداف سياسية بامتياز من سد النهضة وذلك بالتحكم في مياه النهر بالمنع والمنح على نحو يتهدد معه الوجود والحياه لدولتي المصب خاصة حال إحداث ضرر جسيم . ذلك الضرر الذي يمكن وقوعه في فترات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة وهو الأمر الذي دفع مصر إلى المطالبة باتفاق قانوني ملزم لعملية الملء والتشغيل طوال فترة المفاوضات التي تجاوزت عقد من الزمان لتصل حاليًا إلى عقد ونصف ، دون جدوى.
2 ـ تزداد خطورة هذا الوضع أن إثيوبيا لديها مشاريع مستقبلية لإقامة سدود على نهر النيل الأزرق ستؤثر بالقطع سلبًا على حقوق مصر والسودان المائية ٍ، فضلًا عما يتردد عن اعتزام إثيوبيا إنشاء بنك للمياه يتم من خلاله بيع المياه كسلعة، وهو أمر ينطلق من رؤية إثيوبية بأن ما لدى إثيوبيا من أنهار تجعل من المياه " ثروة " مثل البترول وبالتالي مصدرًا حيويًا للتنمية والتطوير والتحديث. وإن كان واقع الأمر أن الماء والهواء ليسا بسلعة للبيع والشراء فهما صنوان معًا، هبة من الله سبحانه وتعالى للحياة والوجود.
سادسًا: التقديـــــــــر:
1 ـ في التقدير، يتعين على كافة الأطراف في اتفاقية عنتيبي وفى سد النهضة احترام المواثيق والاتفاقات والقوانين الدولية ذات الصلة، والتي بموجبها يتحقق التعاون ويتم تجنب التصادم، إذ أن للدول المتشاطئة عليه حقوقًا تصان و لا تهدر، والتزامات واجبة الوفاء لا تغفل.
2 ـ فيما يتعلق باتفاقية عنتيبي، لن يكون هناك تعارض بين الاتفاقات التاريخية واتفاقية عنتيبي إذا تم الأخذ بمبدأ الإجماع بصدد المشروعات المستقبلية، أو الأخذ بمبدأ الأغلبية شريطة أن تكون دولتي المصب من بينهم تأمينًا وضمانًا لمراعاة المصالح المشتركة في إطار تعاوني منصف وعادل لكافة الأطراف وتجنب إحداث أي ضرر ذي شأن لأي من دول المصب أو دول المنبع، وهو الأمر الذي سيتواكب معه بالضرورة الأخذ بمبدأ الإخطار المسبق. ومن هنا يكون هناك اتساق بين الاتفاقات التاريخية واتفاقية عنتيبي.
3 ـ فيما يتعلق بسد النهضة:
أ ـ تتمحور سياسة مصر المائية حول تعزيز العلاقات بين مصر ودول حوض النيل / إقامة مشروعات مشتركة مع دول حوض النيل / عدم المساس بحقوق مصر المائية في إطار المواثيق والاتفاقات والقوانين الدولية ذات الصلة / السعي نحو الحصول على إيرادات أكثر من مياه النيل نظرًا لمعاناة مصر من الفقر والشح المائي (احتياجات مصر الفعلية 114 متر مكعب)
ب ـ لم تحقق المفاوضات بين مصر والسودان وإثيوبيا تقدمًا ملموسًا نحو التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم منصف وعادل لعملية الملء والتشغيل، رغم ما يحظى به هذا المطلب من تأييد ودعم على المستويين الثنائي والمتعدد إقليميًا ودوليًا، بما في ذلك إثيوبيا حيث تضمن ذلك بيان رئاسي صدر عن الرئيسين السيسي وأبى أحمد إبان زيارة الأخير للقاهرة عام 2023م، وكذا في البيان الرئاسي لمجلس الأمن الصادر 2021م، والذي سبق الإشارة إليه.
ج ـ تقوم إثيوبيا حاليًا بالملء الخامس في إطار سياستها الأحادية وفرض الأمر الواقع، على نحو قد تصل معه بحجم الملء إلى ما يقرب من 74 مليار متر مكعب، لتضيف إلى ما تم تخزينه من قبل (حوالي 42 مليار متر مكعب) حوالي 32 مليار متر مكعب. غير عابئة بمعيار أمان السد وما يرتبط به من مخاطر على السودان ومصر من جانب، وما قد يصيب مصر والسودان من أضرار خاصة " تلك الجسيمة " حال سنوات الجفاف، والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة (والتي بفضل الله لم تحدث بعد) من جانب آخر. لقد أضرت سنوات الملء السابقة كل من مصر والسودان وتمكنت مصر من تلافى الضرر واحتوائه بفضل السد العالي وتحملت عبء هذا الضرر تأكيدًا على الحرص على التعاون وتجنب التصادم.
د ـ لقد أوقفت مصر التفاوض بعد ما يزيد عن عقد من الزمان، حيث ظلت تراوح عملية التفاوض مكانها بسبب التعنت الإثيوبي والتمسك بالنهج الأحادي، وتجنب التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم منشود لم يزل مفقودًا. وليس من سبيل لتجنب التصادم والتمسك بالتعاون سوى الالتزام واحترام المواثيق والاتفاقات والقوانين الدولية ذات الصلة والمدعوم من المواقف الدولية في الإطار الثنائي والمتعدد، وهو أمر يمكن أن يتحقق عبر مسارين:
ـ الأول، استئناف المفاوضات بين الجانبين تحت رعاية الاتحاد الإفريقي ولكن بمشاركة البنك الدولي والمراقبين والشركاء الدوليين بدور أكثر إيجابية وفعالية، ويتخذ من المواثيق والاتفاقات والقوانين الدولية ذات الصلة أساسًا ومنطلقًا للتوصل إلى اتفاق قانوني ملزم منصف وعادل فيما يتعلق بعملية الملء (استكمال) وعملية التشغيل، مع البناء على ما تم إنجازه في المفاوضات التي جرت من قبل. شريطة أن تعود إثيوبيا إلى مائدة المفاوضات برؤية تتسم بحسن النوايا والتحلي بإرادة سياسية تتسق مع الالتزام بالمواثيق والاتفاقات والقوانين الدولية ذات الصلة، متخلية عن النهج الأحادي، والإقرار بأن نهر النيل نهر دولي، مستهدفة التوصل إلى اتفاق قانوني ملزم منصف وعادل لعمليتي الملء والتشغيل.
ـٍ الثاني، حال تعذر التوصل إلى نتائج إيجابية في المسار الأول، بما يعني أنه تم استنفاذ كافة الوسائل السلمية لفض النزاع والواردة بالمادة العاشرة في إعلان المبادئ لعام 2015م، وفى القانون الدولي والتي تم اللجوء إلى معظمها بالفعل من جانب قوى إقليمية ودولية عربية وغربية.... يتم التلويح باستخدام القوة الصلبة أي الخشنة كخيار متاح لتجنب التصادم والدفع نحو التعاون، لإتاحة الفرصة لمعالجة الوضع سلميًا في أطار الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة اتصالاً بالبيان الرئاسي المشار إليه من قبل في مواجهة حالة " تهــدد الأمـــن والسلـــم "، وبما قد يدفع عند المقتضى طرح الأمر في إطار المادة 51 / الفصل السابع من الميثاق والخاصة بحق الدفاع الشرعي، على أن ينطلق الموقف ويتأسس عندئذ على أن هناك خطر جسيم يهدد الوجود والحياه لشعبي ودولتي المصب إذ يمس الأرواح والممتلكات وسبل كسب العيش بالغرق والجوع والتعطيش والتبوير ، والذى يعد في واقع الأمر بمثابة نوع من العدوان يتعين إجهاضه ودرئه قبل وقوعه، وعلى نحو يتعين على المجتمع الدولي أن يتحمل مسؤولياته في هذا الصدد .