إن قضية الأمن المائي والأمن الغذائي قضية مجتمع، ولذا أصبحت تتصدر أولويات الأجندة الدولية والإقليمية والحكومات. وستكون قضية إنمائية وقضية سياسية ذات أولويات قصوى، ليس فقط لأن الماء والغذاء حق من حقوق الإنسان بل لأنها قضية حيوية لها أبعاد سياسية واقتصادية واجتماعية.
ولذا فإن قضية الأمن المائي والغذائي هي قضية محورية وإستراتيجية بالنسبة للدول العربية ودول منطقة الخليج التي تعتمد أكثر فأكثر على تحلية مياه البحر لسد احتياجاتها المتزايدة من المياه.
وفي هذا الإطار، وانطلاقاً من الأهمية التي توليها جميع دول العالم بما فيها الدول العربية ودول الخليج العربي لتنمية وتنويع مصادرها المائية من خلال وضع استراتيجيات وخطط وبرامج تنفيذية وكذلك وضع آليات التنفيذ والتقييم والرصد وهذا ضمن رؤيتها لتحقيق خطة التنمية المستدامة 2030 التي أقرتها الأمم المتحدة عام 2015م، وخاصة الهدف السادس الخاص بالحصول على المياه المأمونة وخدمات الصرف الصحي. وهو ما يقودنا للحديث على الترابط (Nexus) بين الأمن المائي والأمن الغذائي وحتى الأمن الطاقوي والأمن البيئي. ولتحقيق هذه الأهداف لابد من التعرف بشكل أساسي على التحديات التي تواجه الدول العربية ودول الخليج العربي، أي تشخيص موضوعي لجملة التحديات حتى تواجه المنطقة العربية فيما يخص الأمن المائي والغذائي الأمر الذي سيؤدي إلى وضع الحلول الناجعة والمبتكرة لتحقيق المعادلة المائية والغذائية.
التحديات:
وفيما يلي نتعرف على هذه التحديات من منظور اقتصادي واجتماعي وحتى سياسي:
- محدودية وثبات كمية المياه العذبة في الوطن العربي حيث أنها لا تتعدى 0.05% من إجمالي موارد العالم.
- وقوع المنطقة العربية في منطقة شح مائي أي المنطقة شبه الجافة والجافة من الكرة الأرضية مما يؤدي إلى تفاقم المشكلة وانتشار الأراضي الصحراوية والجفاف.
- التزايد السكاني نتيجة التحسن الحاصل في مستوى المعيشة وتطور الرعاية الصحية أدى إلى تزايد الطلب على المياه العذبة وبكميات أكبر، وبالتالي تمثل مشكلة تزايد السكان في الوطن العربي تحدياً خطيراً أمام العديد من الحكومات العربية في ضوء ما يرتبط بذلك من مشكلات خاصة بعملية التنمية البشرية، كما أن مشكلة الزيادة السكانية تصبح في هذه الحالة ضاغطة على الموارد الغذائية والمائية.
- التأثيرات المناخية على الموارد المائية وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية، حيث أدت فترات الجفاف المتكررة والطويلة وقلة الهطول المطري إلى نقص حاد في توفير المياه العذبة بصفة خاصة والموارد المائية بصفة عامة.
- عدم اتباع نهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية أي وجود تباين بين القطاعات المعنية بإدارة المياه مما يؤثر سلباً على تنمية هذه الموارد بطريقة عقلانية ورشيدة وذلك نتيجة التضارب في الصلاحيات والمهام الموكلة للهيئات والوزارات المعنية بالشأن المائي.
- الافتقار إلى برامج توعوية فعالة ومكثفة تستهدف جميع الفئات المجتمعية وخاصة الفلاحين والمزارعين والسكان والمتجمعات المحلية لجعل العناية والمحافظة على المياه ثقافة مجتمعية ترفع من قدرات المجتمع وجميع مكوناته فيما يخص الحفاظ على الموارد المائية وترشيد الاستهلاك.
- تنمية وتنويع مصادر الموارد المائية يعد أحد التحديات الواجب إعطاؤها أولوية في الحاضر والمستقبل بوصفها حتمية اقتصادية واجتماعية لتنمية الموارد المائية في الدول العربية ودول الخليج العربي.
- هناك تحدٍ آخر يخص حجم الاستثمارات في البنية التحتية ومرافق الصرف الصحي وحماية واستعادة النظم الإيكولوجية المتعلقة بالمياه والتثقيف الصحي.
- عدم اتباع إدارة مستدامة للموارد المائية وكذلك إدارة إنتاجنا من الغذاء والطاقة بشكل أفضل أو المساهمة في توفير العمل اللائق ونمو الاقتصاد.
- المساهمة المتواضعة لمنظمات المجتمع المدني والهيئات الأهلية في وضع السياسات والاستراتيجيات والتواصل المجتمعي الفعال، يفقد الفعالية عند تنفيذ الخطط والبرامج المتعلقة بتنمية الموارد المائية بصفة عامة والمياه العذبة بصفة خاصة.
- كما أن آثار التغيرات المناخية على الدول العربية وبحكم طبيعتها الجغرافية تعتبر من أكثر المناطق تأثراً بالتغيرات المناخية وبخاصة موجات الجفاف والفيضانات والسيول التي تشهدها المنطقة العربية في السنوات الأخيرة. أدت إلى تناقص في المنتجات الزراعية.
- تذبذب الإنتاج الزراعي وتراجع المساحات المزروعة بسبب ندرة المياه التي يمكن أن تنطوي على جملة من المخاطر التي تواجه الإنتاج الزراعي والأمن الغذائي في الدول العربية، ومن تلك المخاطر تدهور خصوبة الأراضي وزيادة نمو وانتشار الحشائش الضارة والأمراض النباتية وما لذلك من آثار سلبية تضر بإنتاجية المحاصيل الزراعية وانخفاض الإنتاجية.
- عدم التوسع بالشكل الكافي والمأمول في استعمال التكنولوجيا الحديثة في القطاع الزراعي وكذلك القطاع المائي أثر سلباً في الاستغلال المتاح من هذه الموارد وبشكل مستدام وكفء.
- ارتفاع مستويات الهدر في الماء والغذاء حيث وفقاً لتقرير برنامج الأمم المتحدة للبيئة وصل مقدار الهدر في المنطقة العربية إلى أكثر من أربعين طن في السنة في الغذاء.
- ضعف نصيب الفرد من المياه في الدول العربية إذ بلغ نصيب الفرد 580 مترًا مكعبًا في السنة وفقاً للتقرير الاقتصادي العربي الموحد.
ولمجابهة هذه التحديات الماثلة أمامنا لتحقيق الأمن المائي والغذائي في الدول العربية ودول الخليج العربية ولتحقيق أمن مائي في المياه العذبة يتطلب الأمر وضع استراتيجيات وبرامج وخطط تنفيذية متوسطة المدى وبعيدة المدى، ترتكز بالأساس على مجموعة من الدراسات الميدانية العلمية وعلى معطيات وبيانات حقيقية ومؤشرات رصد مرنة وموثوقة من شأنها المساعدة والمساهمة في تبني رؤية مستقبلية متكاملة ومندمجة وطموحة،
الحلول:
لذا فإن الحلول الناجعة تكون من خلال هذه الاستراتيجيات والخطط التنفيذية والبرامج. ويمكن تلخيص الحلول الواجب العمل عليها لتحقيق الأمن المائي والغذائي وخاصة فيما يتعلق بالمياه العذبة على النحو التالي:
- التأكيد على التوسع في تحلية مياه البحر بصفتها مورد أساسي في الدول العربية ولعل دول الخليج العربي لها باع وتجربة متراكمة في هذا المجال، ويبقى الأمر الواجب اتباعه في هذا الشأن هو تقليل التكلفة من خلال مراكز البحوث والدراسات، وسيساهم المركز العربي لاقتصاديات المياه الذي اقترحته المملكة العربية السعودية وبعد إقراراه من المجلس الوزاري العربي للمياه في تطوير الدراسات والبحوث الخاصة بالمياه.
- التوسع في حصاد المياه وخاصة مياه الأمطار والسيول والفيضانات من خلال بناء السدود، وهذا يتطلب المحافظة على هذه السدود وتثمينها. وكذلك بناء السدود الجوفية وهذا ما تشهده بعض الدول العربية ونذكر منها على سبيل المثال الجزائر، المملكة العربية السعودية وجمهورية مصر العربية.
- تخصيص المزيد من الاستثمارات الحكومية والخاصة لإجراء التحويلات من المناطق التي تشهد وفرة في المياه العذبة إلى المناطق التي بها فقر مائي. وهذا مجهود جبار بدأ يأخذ حيز التنفيذ في بعض الدول العربية كالجزائر وليبيا.
- ضرورة تقليص وترشيد استعمال المياه الجوفية بشكل عقلاني ومستدام يحافظ على هذه الثروة ويُنميها في الوقت ذاته.
- استعمال المياه غير التقليدية خاصة معالجة مياه الصرف الصحي والزراعي وفي هذا الإطار هناك مجهود في الدول العربية ولكن مازال دون الطموحات الفعلية.
- التأكيد على اتباع نهج الإدارة المتكاملة للموارد المائية بوصفها قضية مجتمع وليس قضية قطاع أو هيئة بعينها.
- استخدام التكنولوجيا الحديثة والذكاء الاصطناعي في أساليب الري الحديثة، لأن الترشيد في قطاع الزراعة مهم إذا أنه القطاع الذي يستهلك كمية كبيرة من المياه العذبة، ونفس الأمر يخص القطاع الفلاحي لذا فإن استعمال التكنولوجيا الحديثة واتباع الأساليب المتطورة في الإنتاج الزراعي من شأنه زيادة إنتاجية المحاصيل الزراعية.
- تكثيف برامج التوعية لكافة مستخدمي المياه، وهنا يجب الحرص على الدور الفعال الذي تلعبه وسائل الإعلام، وهو دور محوري وأساسي وكذلك منظومة التربية والتعليم.
- معالجة مشكلة تسرب المياه من خلال منظومة متطورة تكنولوجياً تمكن من التدخل السريع والفعال في وقت قياسي.
- وضع خطط استعجالية في جميع الدول العربية بالاستئناس بما تم في جامعة الدول العربية والذي سيتم التطرق إليه لاحقاً.
- اختيار المحاصيل الزراعية ذات المردودية العالية والمقاومة للجفاف.
- تحسين المناخ الاستثماري في الدول العربية من شأنه جلب الاستثمارات لقطاع الموارد المائية والتوسع في الإنتاج الزراعي وتثمين التعاون الثنائي في هذا المجال كالتعاون الحاصل بين الجزائر وقطر في تربية الأبقار.
- الاعتناء بالأراضي الفلاحية والاستمرار في استصلاح الأراضي الزراعية لزيادة الإنتاج.
- ضرورة تبني تشريعات وقوانين بيئية تمكن من الحفاظ على الموارد المائية ونوعية التربة.
خلق هيئات حكومية تعنى بالأمن المائي والغذائي كما تم ذلك في الجزائر حيث استحدثت هيئة خاصة بالأمن المائي، توكل لها مهمة التنسيق والإشراف على متابعة الخطط والبرامج الخاصة بالشأن المائي والغذائي.
توطين تكنولوجيا تحلية المياه من خلال تبادل التجارب والمعارف العلمية التكنولوجية الحديثة ما بين الدول العربية وكذلك التعرف على التقدم الحاصل في هذا الشأن على المستوى العالمي.
العمل الجماعي العربي:
- وهنا لابد من الإشارة إلى ذلك الجهد الكبير للدول العربية ودول الخليج العربي وكذلك المجهود الجماعي للدول العربية من خلال جامعة الدول العربية ومؤسسات العمل العربي المشترك. وفي هذا الإطار فقد اعتمدت القمة العربية استراتيجية الأمن المائي العربي لمجابهة المتطلبات المستقبلية للتنمية المستدامة وقد تمحورت هذه الاستراتيجية على ضرورة اللجوء لتحلية المياه كخيار استراتيجي للدول العربية والتوسع فيه، كما أعطت الأهمية للبنى التحتية وموضوع التأثيرات المناخية على قطاع الموارد المائية، وكذلك الحقوق المائية العربية خاصة فيما يتعلق بسرقة إسرائيل للمياه العربية الواقعة تحت الاحتلال وهنا أود الإشارة إلى ذلك الجهد الكبير الذي بذله المجلس الوزاري العربي للمياه في تنفيذ المشاريع والبرامج التي تضمنتها الخطة التنفيذية لإستراتيجية الأمن المائي العربي وإلى التعاون الذي تم بين المجلس الوزاري العربي للمياه واللجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة في تنفيذ مشروع التأثيرات المناخية على النواحي الاقتصادية والاجتماعية والموارد المائية، والذي أصبح يُسمى بمشروع "ريكار". وكذلك مشروع التأثيرات المناخية على الموارد المائية الذي تم تنفيذه في غضون سبعة سنوات مع الوكالة الألمانية للتعاون الدولي بالإضافة إلى المشاريع التي نفذها المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة "أكساد" حول حصاد المياه، وكذلك اختيار البذور التي تتحمل الجفاف وخاصة الحبوب.
ـــ كما تم خلق آلية تنسيقية بين وزراء الزراعة العرب ووزراء المياه العرب من خلال اجتماعات وزارية مشتركة تًعقد كل عامين، عملت على مأسسة التعاون القائم بين القطاعين وخلق لجان وهيئات مشتركة على مستوى كل دولة عربية والتي أثمرت على تنسيق كامل بين القطاعين لتحقيق الأمن المائي والأمن الغذائي، وهذا بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة.
- العمل على تنفيذ مخرجات الاستراتيجية الموحدة للمياه لدول مجلس التعاون الخليجي بما في ذلك خطتها التنفيذية.
- كما أن المنظمة العربية للتنمية الزراعية ومن خلال وزراء الزراعة قد اعتمدت البرنامج الطارئ للأمن الغذائي وهو برنامج طموح لتحقيق الأمن الغذائي العربي وكذلك تم اعتماد استراتيجية التنمية الزراعية العربية للتنمية المستدامة لعام 2030.
- كما عمل المركز العربي لدراسات المناطق الجافة والأراضي القاحلة طيلة السنوات الماضية على تحسين نوعية البذور وخاصة البذور المقاومة للجفاف وبشكل خاص الحبوب وعمل كذلك على تحسين السلالات الحيوانية بغرض المحافظة عليها وتنمية الثروة الحيوانية بغرض المحافظة عليها وتنميتها بشكل عام.