حقق الاستهلاك العالمي للمياه زيادة تقدر بستة أضعاف خلال القرن الماضي، متجاوزًا نمو سكان العالم بثلاثة أضعاف، هذا ومن المتوقع أن تستمر هذه الزيادة بعجلة متزايدة خلال العقود القادمة. على مستوى المنطقة العربية، كانت أكثر التحديات تلك المرتبطة بإدارة مصادر المياه، حيث تقع معظم الدول العربية في مناطق قاحلة، ولديهم موارد مائية متجددة محدودة بسبب ندرة هطول الأمطار والتي تنعكس سلبًا على مصادر المياه السطحية والمياه الجوفية. وعلى الرغم أن البلدان العربية تغطي حوالي 10%من مساحة العالم، لكنها لا تستحوذ إلا على حوالي 2.1% من متوسط هطول الأمطار السنوي على المستوى العالمي. أيضًا تشمل التحديات المتعلقة بالمياه في المنطقة العربية الانعكاسات السلبية للتغيرات المناخية في المنطقة والتي تؤدي إلى انخفاض هطول الأمطار وتذبذبها، ومعدلات بخر مرتفعة، وحالات جفاف متكررة، وكلها تساهم في انخفاض موثوقية الموارد المائية وتوافرها للمنطقة. أضف إلى ذلك النمو السكاني المتزايد والتطورات الاجتماعية والاقتصادية في المنطقة -والذي ارتبط بزيادة هائلة في الطلب على المياه – كل ذلك جعل الفجوة المائية بين المصادر المتاحة والطلب على المياه كبيرة مما أدى إلى استنزاف الموارد المائية المتجددة (التقليدية) المتاحة من المياه الجوفية والسطحية.
إن نقص الموارد المائية المتجددة (التقليدية) -والذي يؤثر سلبًا على خطط التنمية الطموحة للمنطقة العربية، أدى إلى التوجه لبدائل لمصادر مياه غير تقليدية مثل تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى إعادة استخدام المياه العادمة المعالجة. إن السؤال الملح في هذه المرحلة كيف يمكن القيام بدور فاعل لتنمية وإدارة مصادر المياه بصور فاعلة ومستدامة تحت تأثير تحديات التغيرات المناخية والتي تتمثل في:
- المنطقة العربية واحدة من أكثر المناطق عرضة لأضرار التغيرات المناخية.
- عدم القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية لكثير من دول المنطقة.
- خسائر وأضرار واسعة النطاق لأثار تغير المناخ بما في ذلك نقص المياه كمًا ونوعًا وانخفاض إنتاجية المحاصيل الزراعية.
- الآثار الضارة على صحة الإنسان والأمراض المرتبطة بالإجهاد الحراري وزيادة الأمراض المنقولة
- ارتفاع مستوى سطح البحر والتداخل مع المياه الجوفية وتفاقم قضايا الأمن الإقليمي والصراعات الدولية.
- الاقتصاديات الضعيفة لبعض دول المنطقة والمتمثلة في: انخفاض مستوى الدخل، الضعف الإداري للمؤسسات وتطبيق مبادئ الحوكمة، ومحدودية الوصول إلى رأس المال، بما في ذلك الأسواق، والبنية التحتية، والتكنولوجيا؛ الكوارث والصراعات السياسية المعقدة.
للتعامل مع هذه التحديات في المنطقة العربية .. أسئلة مفتوحة تحتاج إلى إجابة:
- مدى كفاءة مؤسسات القطاع المائي في إدارة وتطوير الموارد المائية في المنطقة العربية؟
- هل تقدَّم خدمات المياه بصورة مقبولة من ناحية الجودة وما مدى إمكانية إعادة تكلفة الخدمة؟
- هل يتم أخذ المخاطر المحلية والإقليمية الدولية المرتبطة بالمياه (التغيرات المناخية والاستقرار السياسي ...) في السياسات المستقبلية؟
- ما مدى التعاون وتبادل الخبرات في المنطقة؟
سأحاول تسليط الضوء والنقاش على عجالة على مصادر المياه التقليدية ومصادر المياه غير التقليدية وعلاقة ذلك بالتغيرات المناخية بالإضافة إلى بعض التوصيات.
مصادر المياه والتغيرات المناخية
تصنف معظم المنطقة العربية على أنها قاحلة أو شبه قاحلة، حيث تتلقى أقل من 250 ملم من الأمطار سنوياً. فقط مناطق محدودة تتلقى أمطاراً غزيرة تشمل جنوب السودان وجنوب غرب شبه الجزيرة العربية وسواحل المحيط الأطلسي وبعض مناطق البحر الأبيض المتوسط. تسببت هذه الظروف، إلى جانب النمو السكاني السريع، في انكماش نصيب الفرد من موارد المياه المتجددة، من متوسط أقل من حوالي 3 آلاف مترًا مكعبًا سنويًا في عام 1962م، إلى حوالي 1.2 ألف مترًا مكعبًا في عام 1992م، وإلى مستوى مثير للقلق بلغ حوالي 750 مترًا مكعبًا في عام 2011م، تحت خط الفقر المائي والذي يقدر بــ 1000 متر مكعب سنويًا وأقل بكثير من المتوسط العالمي البالغ 7240 مترًا مكعبًا سنويًا. وهذا يعني أن هناك شح في مصادر المياه المتجددة (المياه السطحية والمياه الجوفية) في المنطقة، ولتلبية الطلب المتصاعد على المياه، توجهت معظم الدول العربية إلى مصادر المياه غير التقليدية (المياه المحلاة، ومياه الصرف الصحي المعالجة، وتجميع المياه، واستيراد المياه). ففي مصر والعراق والسودان يعتمد بشكل أساسي على المياه السطحية، في حين تعتمد معظم مناطق شمال إفريقيا والشام بشكل أكبر على المياه الجوفية. أما في منطقة دول مجلس التعاون الخليجي تشكل توافر موارد المياه العذبة واستدامتها تحديًا بسبب ندرة هطول الأمطار، ومحدودية تجدد موارد المياه الجوفية، وارتفاع معدلات التبخر، والإسراف في استخدام المياه. كل هذه التحديات أدت إلى التوجه إلى موارد المياه غير التقليدية بصورة كبيرة، مثل المياه المحلاة ومياه الصرف الصحي المعالجة، لسد الفجوة بين الموارد المتجددة والطلب على المياه.
تُعرف منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بأنها واحدة من أكثر المناطق التي تعاني من ندرة المياه على مستوى العالم، ومعظم الدراسات العلمية تضع المنطقة العربية في دائرة المناطق الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية والتي ستؤدي إلى انخفاض المياه المتجددة وزيادة تواتر حالات الجفاف من خلال انخفاض هطول الأمطار، وارتفاع الطلب المنزلي والزراعي على المياه مع ارتفاع درجات الحرارة، وتوسيع نطاق تسرب مياه البحر إلى طبقات المياه الجوفية الساحلية مع ارتفاع مستويات سطح البحر واستمرار الاستغلال المفرط للمياه الجوفية. من جانب آخر تؤثر التغيرات المناخية بشكل متزايد على وفرة الغذاء والإنتاج الزراعي والموارد المائية والصحة العامة وانتشار الأمراض المعدية وتلوث الهواء والمياه والتربة. في معظم أنحاء العالم، طورت العديد من البلدان سياسات التكيف مع تغير المناخ. خاصة في مجال إدارة مصادر المياه، التي تتماشى مع الاستراتيجيات الدولية للتخفيف والتكيف مع التغيرات المناخية العالمية. وقد تم تصميم الاستراتيجيات الوطنية في كثير من الدول بما يتناسب مع المسؤوليات والقدرات الاقتصادية والتقنية لكل دولة.
تشير بعض الدراسات إلى أن المنطقة تشهد متوسط زيادة سنوية في درجة حرارة الهواء بمقدار 0.36 درجة مئوية لكل عقد من عام 1981 إلى عام 2020م، مع ارتفاع أكثر وضوحًا في فصول الصيف تصل الى 0.45 درجة مئوية لكل عقد. وقد لوحظ انخفاض اتجاهات هطول الأمطار في الشتاء والربيع، وانخفاض إجمالي في كميات الهطول السنوي وعدد الأيام الماطرة. وتشير بيانات مستوى سطح البحر المستمدة من أجهزة قياس المد والجزر الساحلية إلى اتجاهات كبيرة في ارتفاع مستوى سطح البحر على المستويين الإقليمي والعالمي. يؤدي تغير المناخ إلى تقليل موارد المياه المتجددة، وزيادة الطلب على المياه لأغراض الإنتاج الزراعي لإنتاج الغذاء وهذا يؤثر سلبًا بصورة أكبر على الفئات الضعيفة، مثل المزارعين وصيادي الأسماك، وتفاقم الفوارق الاجتماعية والإقليمية .
المياه السطحية
تضم المنطقة العربية أكثر من عشرين مصدرًا للمياه السطحية منها أنهار دائمة كنهر الفرات، والنيل، ودجلة، ونهيرات موسمية أو أودية وبحيرات. ومن أكبر التحديات الجيوسياسية أن هذه المصادر ينبع عدد قليل منها داخل الحدود الوطنية لدولة واحدة ويمتد إلى خارج حدود المنطقة العربية، مما يشكل مصدر دائم للقلق وعدم الاستقرار كما هو الحال مع مصر والسودان وإثيوبيا. تشكل المجاري المائية العابرة للحدود وإنشاء السدود لتخزين المياه والخلافات ما بين دول المنبع والمصب تحديًا سياسيًا واقتصاديًا كبيرًا لبعض بلدان المنطقة العربية وهناك حاجة ملحة لإدارة هذا القطاع بصور سلمية وعادلة وعدم ترك الأمور لأن تتطور إلى صراعات سياسية أو حروب في المنطقة.
من جانب آخر، وعلى الرغم من المنافع الاقتصادية والاجتماعية لإنشاء السدود التي شملت استصلاح الأراضي، وتوليد الطاقة، وزيادة الإنتاج الزراعي والمساهمة في تغذية الخزان الجوفي وتوفير المياه للري في مواسم الجفاف الحرجة، فقد ساهمت السدود أيضًا في انخفاض خصوبة التربة وزيادة عملية التبخر والهطول ومشكلة النحر في مجاري الأنهار وتآكل التربة وكل هذه الآثار السلبية تحتاج إلى تطوير إجراءات علاجية لتخفيف الآثار الناجمة عنها ( (Mitigation Measures عابرة للحدود وبتنسيق مشترك.
المياه الجوفية
تُعتبر المياه الجوفية ثاني أهم الموارد المائية الرئيسية في المنطقة العربية خاصة في المناطق الساحلية ومنها الخزانات الجوفية الضحلة أو العميقة. تمتد خزنات المياه الجوفية داخل حدود الدولة أو عابرة للحدود وهي في الغالب مياه متجددة من خلال الأمطار الموسمية المتساقطة أو مجاري الأنهار والبحيرات والوديان. تعتمد البلدان العربية -وبالأخص بلدان شبه الجزيرة العربية والمغرب العربي وكثير من مناطق ساحل المتوسط اعتمادًا كبيرًا على موارد المياه الجوفية -المتجددة وغير المتجددة -لتلبية الطلب المتزايد على المياه. على الرغم من أن المياه الجوفية تغطي أكثر من 50% من إجمالي ضخ المياه لسد الطلب المتزايد على المياه في المنطقة العربية بصورة إجمالية، لأنها تعتبر المصدر الوحيد المتاح في بعض المناطق كالواحات الجنوبية لبعض بلدان الشمال الإفريقي والمناطق الساحلية في فلسطين ومصر ومساحات شاسعة عديدة من البلدان العربية.
وفي ظل زياه الطلب على المياه وتدهور مصادر المياه السطحية من الناحية النوعية والكمية، أصبحت المياه الجوفية مصدر المياه الرئيسي الصالح للاستخدام المنزلي في كثير من الدول العربية. وأدى السحب والاستخدام الجائر للخزانات الجوفية المتجددة بالإضافة إلى انخفاض مستوى التغذية السنوية للخزان الجوفي نتيجة التغيرات المناخية إلى انخفاض مستوى المياه في آبار الضخ وتدهور كبير في جودة المياه في كثير من المناطق، حيث ارتفعت ملوحة المياه في كثير من الخزانات الجوفية من 200 مليغرام إلى 20,000 مليغرام لكل لتر في بعض المناطق الساحلية نتيجة انخفاض منسوب المياه الجوفية وتداخل مياه البحر بما يعرف بـ Sea water intrusion وهذا أيضًا يهدد الأنشطة الزراعية والصناعية المحلية في أغلب بلدان هذه المناطق.
من الأمثلة على الاستغلال الجائر للمياه الجوفية في المنطقة العربية حوض سايس القريب من مدينتي مكناس وفاس المغربيتين والذي أدى إلى انخفاض مستويات المياه في الآبار كذلك الحال في الخزان الجوفي الساحلي في غزة – فلسطين. كما أن هناك أمثلة كثيرة مشابهة في حوض الأزرق في الأردن وواحات قبلي التونسية وسواحل مصر الشمالية ودول عربية أخرى. أيضًا أدى الاستخدام الجائر للموارد المائية الأحفورية غير المتجددة إلى تهديد حقيقي على الاقتصاد الزراعي للمناطق المروية في تلك المناطق على المدى القريب والبعيد من خلال انخفاض الإنتاج وتآكل رأس المال الطبيعي.
كل ما سبق يحتم تطبيق أساليب إدارة مستدامة لموارد المياه في المنطقة العربية بوصفها أحد الموارد العامة تأخذ في الاعتبار الجوانب الاجتماعية الاقتصادية والتقنية والجيوسياسية والتي ستساهم بصورة مباشرة في التنمية البشرية للمنطقة. من هذه الاعتبارات استخدام موارد المياه المتاحة وفقًا لأقصى معايير الكفاءة في مجال الإنتاجية الاقتصادية، بالإضافة إلى الاستخدام الأمثل لطرق الري وتكنولوجيا الزراعة الحديثة ودعم التعاون العربي -العربي في مجال تقنيات المياه والاستثمار في مجالي تحلية المياه وتكنولوجيا معالجة المياه العادمة وإعادة استخدامها كأحد أهم مصادر المياه الإضافية غير التقليدية.
تحلية المياه
تعتبر تحلية مياه البحر من مصادر المياه غير التقليدية والتي توسعت المنطقة العربية في السنوات الأخيرة في استخدامها على المستوى العالمي وأصبحت تمتلك ما يزيد على نصف قدرات العالم لتحلية المياه. ومن المتوقع أن تزداد الحصة الكلية من إمدادات مصادر المياه المعتمدة على التحلية في المنطقة العربية إلى 8.5% بحلول عام 2025 نتيجة التوسع العمراني والنمو السكاني السريع بالإضافة إلى التوجه الكبير للتصنيع وانحصار موارد المياه التقليدية. وتتصدر المملكة العربية السعودية والإمارات والكويت والجزائر الدول العربية في تحلية المياه بنسبة تزيد عن 88% من حصة مياه التحلية في المنطقة العربية. وتعتبر التكلفة المالية العالية المتمثلة في الحاجة الكبيرة للطاقة أثناء التشغيل ورأس المال العالي للإنشاء من أهم التحديات في التوسع في تحلية مياه البحر، بالإضافة إلى المستوى التكنولوجي العالي المطلوب للإنشاء والتشغيل والآثار البيئية المصاحبة.
تتراوح تكلفة إنتاج المتر المكعب من المياه المحلاة في الوقت الحاضر ما بين 1 إلى 2 دولار للمتر المكعب (1000 لتر) وقد تتجاوز ذلك في بعض الحالات حسب نوع التكنولوجيا المستخدمة وأسعار الطاقة. هناك نوعان رئيسيان من تكنولوجيا تحلية المياه: الحرارية (التبخير والتكثيف) وهي الأقدم ومعدل استخدامها للطاقة أعلى، والميكانيكية (التناضح العكسيReverse Osmosis - ) وهي أكثر حداثة وأكثر ملاءمة لإنتاج أنواع المياه المختلفة. وقد خفضت هذه التطورات متوسط تكلفة المتر المكعب بتقنية التناضح العكسي إلى حوالي دولار لمياه البحر، و0.70 -0.20 دولار للمياه الأجاج وهناك ثورة تكنولوجية وسباق محموم بين الشركات العالمية للتنافس لإنتاج تكنولوجيا مرشحات قد تؤدي إلى خفض تكاليف إنتاج المتر المكعب من مياه البحر المحلاة إلى 0.5 دولار للمتر المكعب. من هنا ينبغي أن تصبح كفاءة استخدام الطاقة من المعايير الرئيسية في إنشاء المحطات الجديدة وتطوير الأخرى القديمة. أيضًا يجب الاهتمام في المنطقة العربية بتكنولوجيا وأبحاث ودراسات تحلية المياه فعلى الرغم من امتلاك البلدان العربية نصف قدرات العالم لتحلية المياه، فلا يُكرس للبحث في هذه التكنولوجيا الواردة من الخارج وتطويرها سوى القليل.
أيضًا يجب الاهتمام بالآثار البيئية الناجمة عن تحلية المياه كتلوث الهواء بفعل الاستخدام المكثف للطاقة، وتلوث مياه البحر والحياة البحرية بفعل النفايات السائلة وزيادة التركيز الملحي ((Brine وبقايا مواد المعالجة الكيميائية وهذا يحتاج إلى تعاون إقليمي لمكافحة الأضرار المهددة للحياة البحرية والنظام البيئي البحري وفرض تشريعات وإجراءات لمعالجة الآثار البيئية ( (Mitigation Measures التراكمية والعابرة للحدود.
مياه الصرف المعالجة
تتماشى إعادة استخدام مياه الصرف الصحي المعالجة مع استراتيجية التخطيط في كثير من الدول العربية كأحد أدوات التأقلم مع التغيرات المناخية، والتي تقترح تدابير لجمع مياه الصرف الصحي ومعالجتها لأغراض إعادة استخدامها في الزراعة والصناعة في العقود الأخيرة، حاولت مؤسسات إدارة مصادر المياه في المنطقة العربية تسليط الضوء على القضايا المرتبطة بمشاريع معالجة مياه الصرف الصحي وإعادة استخدامها كجزء من استراتيجية إدارة الموارد المائية ويجب التنويه إلى ضرورة أخذ الجوانب البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتكنولوجية في الاعتبار لإعادة الاستخدام. وبالفعل تم البدء بتنفيذ بعض المبادرات على الأرض في العالم والمنطقة العربية لإعادة استخدام مياه الصرف المعالجة لأغراض الري وتغذية الخزان الجوفي كإجراء للتكيف مع نقص مصادر المياه والتغيرات المناخية لحل المشكلات المرتبطة بتحديات إدارة المياه. إن تحسين مرافق المعالجة، وتطوير التقنيات الذكية، وخفض استهلاك الطاقة وزيادة الوعي العام والمعرفة حول الاستخدام الآمن لمياه الصرف المعالجة، ليست سوى بعضًا من هذه القضايا والتي تحتاج إلى تعاون وتبادل الخبرات العربية.
تشير التقديرات إلى أن البلدان العربية تنتج حوالي 15 مليار مترًا مكعبًا من مياه الصرف سنويًا، وتعالج أقل من 50% منها ّ تقريبًا، وتصرف المياه المتبقية في القنوات المائية المفتوحة، وخزانات المياه السطحية والبحر والأرض المفتوحة، مما يثير كثيرًا من المخاوف والتحذيرات الصحية العامة والبيئية. على الرغم من أن هناك كثير من التشريعات والبرامج التي تحدد معاير إعادة استخدام مياه الصرف المُعالجة في الري (محاصيل العلفية، والحبوب، والبرسيم، وأشجار الفاكهة والزيتون) في معظم بلدان المنطقة، إلا أن عددًا قليلًا منها يمتلك إرشادات وبنية مؤسساتية لضبط عملية معالجة مياه الصرف وإعادة الاستخدام. تعد نوعية المياه العادمة المعالجة في كثير من الحالات، أحد التحديات الرئيسية والتي لا تلبي المعايير التي حددتها تشريعات جودة المياه في كثير من الدول والمنظمات الدولية. وتعتبر التكلفة المالية المرتفعة في البنية التحتية لمعالجة المياه العادمة من أهم العقبات التي تعترض تنفيذ مشاريع إعادة الاستخدام. هناك حاجة إلى معالجة إضافية تتجاوز المعالجة الثانوية وتركيب شبكات خطوط الأنابيب لإعادة استخدامها.
هناك حاجة لتطوير مبادرات للتعامل مع المشاكل القائمة مثل عدم وضوح متطلبات جودة المياه أو غيابها، والهياكل التنظيمية والمراقبة لإدارة الاستخدام، ومحدودية المبادرات التنموية على مستوى اقتصادي يعتمد على إعادة التكلفة للمياه المستصلحة لأغراض الزراعة، ونقص الوعي العام، ونقص المعرفة حول عواقب تصريف مياه الصرف الصحي غير المعالجة أو معالجة جزئيًا إلى البيئة المحيطةً. من خلال المشاركة وتقيم بعض مشاريع في مجال إعادة الاستخدام في المنطقة يمكن تلخيص أهم النقاط المتعلقة بالتجربة العربية في هذا المجال:
- ينبغي النظر لأداء مشاريع إعادة الاستخدام للمياه المعالجة في إطار السياق السياسي العام والوضع الاقتصادي والاجتماعي. في كثير من الأحيان يتطلب الأمر مشاركة عدد من الجهات الفاعلة في أنشطة المشاريع وإنجاز المهام لتعزيز الملكية والجهود واتخاذ القرارات الفعالة في جميع مراحل تطوير المشاريع وتنفيذها.
- اتباع نهج متكامل بين جميع الأطراف الفاعلة لمنعها من التركيز فقط على مهامها ومسؤولياتها، حيث عانت كثير من المشاريع في الغالب من عجز الإدارة الداخلية في الهياكل الإدارية.
- اتباع نهج مرن طويل الأجل والتركيز على أهداف التنمية، بدلاً من مجرد الإنجاز في الوقت المناسب يضمن النجاح في تنفيذ المشروع. ويجب تحديد الموارد المالية المناسبة في الوقت المناسب لتشغيل وصيانة البنية التحتية للمشروع بوضوح، وتخصيصها وتأمينها لضمان الاستدامة.
- نظرًا لضعف كفاءة محطات المعالجة ووجود مشاكل فنية وهندسية هيدرولوجية، فيجب أن يتضمن المشروع مراقبة بيئية واجتماعية قوية أثناء تشغيل وصيانة محطات المعالجة وإعادة استخدامها.
فيما يلي بعض النقاط التي تساعد في استدامة مشاريع إعادة الاستخدام:
- تحتاج المشاريع إلى تقييم موجه من خلال مجموعة متنوعة من الأساليب، ويجب أن ترتبط المشاريع بشكل كبير بالأولويات الوطنية والإقليمية ويستجيب تصميم المشاريع الأصلي للاحتياجات المحلية والقطرية.
- نظرًا لارتباط إعادة الاستخدام ببعض الاعتبارات الصحية والبيئية، فيجب التركيز على استراتيجية التحليل البيئي والاجتماعي"ESIA" وتوفيرها في تصميم المشاريع لتشمل جميع مرحلة تخطيط المشروع، ولجميع العناصر الفنية والاجتماعية الاقتصادية للمشروع لوضع خطة للتخلص أو تخفيف الآثار البيئية والاجتماعية المتوقعة.
- يجب إشراك كل أصحاب المصلحة في المشروعات ذات الصلة للمشاركة في تصميم المشروع لتلبية احتياجات المشروع من خلال المشاركة الفاعلة.
- يجب الاهتمام بجودة المياه المعالجة لإعادة الاستخدام المباشر أو غير المباشر كإعادة تغذية الخزان الجوفي وأخذها في الاعتبار عند تصميم المشروع وتشغيلة. ومن هذه الأمور تركيز الأحمال الزائدة من حيث الحدود الهيدرولوجية والمحتوى العضوي للنظام الأساسي المصمم عليه نظام المعالجة.
- هناك حاجة إلى مزيد من التركيز على التشريعات الوطنية والإطار القانوني المطبق على المستوى الوطني والإقليمي بالإضافة إلى بناء القدرات البشرية للمجموعات والأفراد المستهدفين.
- اعتماد إدارة مرنة وقدرة على التكيف في ضوء التغيرات على الأرض والحقائق الناشئة خاصة مع القضية المرتبطة بالتغيرات الفعلية في الجدول الزمني لتنفيذ وتشغيل المشروع.
- يجب النظر في نهج تنفيذ الأنشطة حيث يتم تنفيذ بعض الأنشطة بصورة غير متكاملة وغير منسقة في بعض الأحيان مع نشاطات أخرى مثل تنفيذ مخطط الري وشبكات المياه، والضخ والهياكل الميكانيكية لتجنب الحاجة إلى الصيانة لبعض النشاطات نظرًا لعدم التكامل الزمني.
- ينبغي إيجاد حل عملي لتعزيز دور المؤسسات الرسمية ذات العلاقة في التفتيش والرصد والمراقبة بصورة متكاملة وتجنب التداخل في المهام. وينبغي تعزيز التنسيق وتبادل المعلومات بين مختلف أصحاب المصلحة.
- هناك ضرورة قصوى لمشاركة أصحاب المصلحة ذات الصلة – المستخدم النهائي - من قبل فريق المشروع على المستويين الوطني والمحلي واستخدام أدوات مختلفة للتحفيز والمشاركة، ويجب دمج آرائهم في إدارة نشاط المشروع. ويجب إتاحة الفرصة للمجموعات المحلية في الإشراف والإدارة، والتآزر مع الجهات الرسمية الأخرى وأخذ ردود الفعل للسكان المحليين في الاعتبار.
- يعد تطوير شروط مرجعية وتشريعات ناظمة للعمل وتفعيلها من القضايا الرئيسية بالنسبة للاستدامة المؤسسية المرتبطة بالتخطيط المستقبلي على المستويين الوطني والمحلي وسيدعم القضايا التشغيلية المستقبلية بعد اكتمال المشروع. ويجب تطور شراكات قوية بين جميع أصحاب المصلحة المعنيين بالمشروع والمخططين والمشغلين والمستفيدين النهائيين وإعطاء هامش كافي للمجتمع المحلي للمشاركة– كاتحاد المزارعين أو القطاع الخاص-بناءً على المرجعيات القانونية.
- يجب نشر الدروس المستفادة من خلال المشاريع على المستويين الوطني والإقليمي وينبغي تحديدها وتوثيقها وتوزيعها بشكل أكثر دقة.
- ينبغي وضع المستويات السياسية والتنظيمية للمشاريع موضع التنفيذ من خلال وجود سياسة وطنية وبيئة تنظيمية مواتية لمزيد من الإجراءات. من أهم نقاط الضعف والقصور في كثير من الأحيان هي الأمور المرتبطة بالعقود والتراخيص الخاصة بخطط استعادة المياه وإعادة استخدامها مما يخلق حالة من عدم اليقين بشأن الترتيبات المؤسسية النهائية.
آفاق التعاون العربي لإدارة فعالة للمياه.
إن التغيرات المناخية العالمية والإقليمية يزيد من عمق التحدي على موارد المياه المتجددة وعلى الأمن المائي والغذائي في المنطقة العربية في ظل غياب السياسات والاستراتيجية المائية للدول العربية وهذا يستدعي وضع خطة استراتيجية عربية لتحديد الأولويات والتوسع في مشاريع إيجاد البدائل لمصادر المياه المتجددة مثل إعادة استخدام مياه الصرف المعالجة بصورة بيئية اقتصادية فاعلة في إدارة الموارد المائية بالإضافة إلى تحلية مياه البحر. وأصبح من الضرورة بمكان التنسيق والاهتمام بكل الجوانب الادارية والتنظيمية، بالإضافة إلى جوانب البحوث والدراسات والتعاون المشترك في المنطقة العربية وتخصيص الميزانيات المالية المناسبة في مجال استخدام التقنيات الحديثة في الري ومعالجة المياه العادمة على اختلاف مصادرها وعمليات رقابة الجودة ووضع مواصفات قياسية قابلة للتطبيق. ويشكل الاستثمار في قطاع المياه أحد التحديات لكثير من الدول العربية لارتفاع تكاليف الإنشاء والتشغيل الأولي، ولا تستطيع الحكومات – في بعض الحالات -وحدها أن تتحملها، فلذلك ينبغي خلق فرص حقيقية من خلال القطاع الخاص سواء شركات صغيرة أو كبيرة، للاستثمار في هذا القطاع. فيما يلي بعض التوصيات لدعم قطاع المياه على مستوى المنطقة العربية:
- توفير التمويل المالي المناسب للباحثين على مستوى التعاون الثنائي أو الإقليمي والدولي، وتخصيص ميزانيات مناسبة.
- اعتماد النشر المفتوح – - Open Axesللأبحاث والدراسات وبرامج التعليم للتمكين من الاستفادة من التجارب السابقة.
- المشاركة الإقليمية في أبحاث علمية مبتكرة قابلة للتطبيق وابتكار برامج عربية مشتركة تدعم التعاون العربي -العربي على غرار بعض البرامج الإقليمية والدولية.
فتح المجال بصورة أكثر فعالية لمشاركة القطاع الخاص ومؤسسات المجتمع المدني في التمويل وإدارة المشاريع المائية.
- التعاون على المستوى الإقليمي والعابر للحدود من خلال المشاركة الفاعلة بصورة تكاملية في البرامج الدولية، على سبيل المثال برامج الاتحاد الأوروبي مثل: ERASMUS+ CBHE- KA2 لبناء القدرات أو Horizon Europe للأبحاث التطبيقية
- صياغة آلية قانونية ملزمة وتحديد مسؤوليات واضحة لتنسيق الموارد المائية الإقليمية المشتركة لتجنب النزاعات المائية والتي قد تتطور على نزاعات سياسية وعسكرية وتبني مقاربة استراتيجية سياسية موحدة تدعم حقوق جميع البلدان المشاركة بصورة عادلة، ومتساوية، ومقبولة.