تقع معظم أقطار الوطن العربي ضمن المناطق الجافة وشبه الجافة كما تنبع معظم أنهارها من خارج البلاد العربية مما يزيد من تحديات الأمن المائي العربي جراء التغيرات المناخية التي تسهم في تقليل كميات الموارد المائية والتأثير على نوعيتها وتقليل إنتاجيتها.
تتضمن هذه الورقة تمهيدًا يبين أسرار هذا السائل العجيب في حفظ توازن الكون، وعرض تاريخي موجز لعلوم وإدارة المياه في بلادنا العربية، مع اقتراح خطوط عريضة لبناء إدارة مثلى لمواردنا المائية، من خلال إنشاء مجالس عليا للمياه تضم صناع القرار المعنيين وخبراء في الجامعات وحقل العمل من أجل إعداد دراسات استراتيجية لتحقيق إدارة مثلى لمواردنا المتجددة، وتعزيز دراسات حصاد وتدوير المياه وإدارة المياه الجوفية، وتحديث متواصل لأنظمة الري والاستفادة من المياه الرمادية ومتوسطة الملوحة للحد من أخطار الجفاف والتصحر. وينبغي أن تضع مجالس المياه المقترحة خططاً واضحة وجداول زمنية للتنفيذ يتم مراجعتها وتحديثها من خلال تفاعل الخبراء مع المنظمات والمراكز البحثية المحلية والدولية لضمان استدامة مواردنا وتطوير سبل إدارتها.
تمهيد:
الماء، ذلك الساحر العجيب، لا لون له، وما تزينت زهرة بلون لولاه، ولا فاح عطرها بدونه وهو بلا رائحة، وما ذاق بن آدم من لذيذ طعامِ إلا وكان الماء -عديم الطعم-قد رواه (تُسْقى بماءٍ واحدٍ ونُفَضّلُ بعضها على بعضٍ في الأُكُل)، فسبحان من سوّاه وقال فيه (وجعلنا من الماء كل شيء حي).
ومن تأمل في هذا الكون، وجد أن الماء هو المادة الوحيدة في الأرض المتواجدة بحالات المادة الثلاث (سائل، غاز، وصلب) بوفرة ودون تدخل إنسان. يعود ذلك لما أودعه الله تعالى في الماء من خصائص، ولما أبدعه سبحانه في تصميم مجموعتنا الشمسية على أساس حفظ الماء (شكل 1). فهذه الشمس الملتهبة وهي القوة الدافعة لدورة المياه في الطبيعة (Hydrological cycle) تبعد عن الأرض نحو 150 مليون كيلومترا، ويرى علماء الهيدرولوجيا أن هذه المسافة محسوبة بدقة لحفظ الماء في الأرض وفق حالات المادة الثلاث أعلاه، فلو اقتربت من الأرض بنسبة 10% مما هي عليه لتبخر كل ما على الأرض من ماء وكائن حي، ولو ابتعدت بتلك النسبة لتصبح نحو 165 مليون كيلومترا لتجمدت الأرض بما فيها.
والقمر، ذلك السراج المنير الذي يبعث السرور في ليالي الساهرين، يبعد نحو 384 ألف كم عن الأرض، لو ازداد بعده عنها 10% عما عليه الآن، لأصبحت مياه البحار والمحيطات آسنةً بركودها وتوقف ظاهرة المد والجزر، ولو دنا القمر من الأرض 10% لأغرق المد البلاد، وأجحف الجزر في الابتعاد. إن قدرة الماء على التغير من حالة إلى أخرى عن طريق التبخر ثم التكثف وكذلك التجمد والذوبان، مع قدرته على الحركة الانسيابية من مناطق جهده العالي إلى المناطق منخفضة الجهد، وتسربه في التربة وكذلك انسيابه منها عبر العيون والينابيع، كل ذلك يسهم في تجديده واستدامته ضمن نوعيته العذبة المناسبة للإنسان والحيوان والنبات، وقد وصف شاعرٌ تلك الظاهرة بقوله:
إني رأيتُ ركودَ الماءِ يُفْسِدُهُ إنْ ساحَ طابَ وإنْ لم يجرِ لمْ يَطِبِ
كما يسهم شكل الأرض البيضاوي وليس الكروي في جذب المياه بكميات أكبر نحو القطبين الشمالي والجنوبي، حيث تتجمد كتل هائلة هناك لانخفاض درجات الحرارة حافظة توازن مناسيب مياه البحار والمحيطات بما ينعش الحياة على سطح الأرض وقد وصف القرآن الكريم هذا التوازن بآية عجيبة (والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها ماءها ومرعاها) فبين أن هذا الشكل الهندسي للأرض له دور كبير في توزيع مناطق اليابسة على سطح الأرض حيث بسبب تغاير قوة الجاذبية بين القطبين ومنطقة الاستواء يقابل كل 90 وحدة كتلة ماء عند القطبين نحو 89 وحدة كتلة عند خط الاستواء.
إن هذا التصميم المذهل للكون، وما أودع في الماء من خصائص، تضمن للإنسان العيش بأمان على أرض يحتضنها الماء فيروي زرعها ويحفظ طاقتها ويلهم عاشقيها بألحان الجمال، فحيث ما نبع الماء كانت الخضراء والوجه الحسن.
يقتضي هذا التوازن الكوني المسبب لحفظ الماء ضرورة الحكمة في توازن استثمار وإدارة موارد الأرض بما يحفظ لها مناخها الآمن دونما إخلال بهذا الميزان الدقيق لحفظ الماء على الأرض بحالات المادة الثلاث. من هنا كان الهدي النبوي الشريف بضرورة الاقتصاد بالماء حتى لمن كان يتوضأ على نهرِ جارِ. ذلك ليعلم الإنسان أن حفظ موارد الطبيعة أحد أركان رسالته على هذه الأرض. وما تعاني منه الأمم اليوم من تغيرات مناخية هائلة وما يتمخض عنها من جفاف ممحل وطوفان مهلك، إنما هو نتيجة إخلال الإنسان في استثمار موارد وطاقات هذه الأرض. وستتناول هذه الورقة بيان سبل تخفيف حدة هذه التغيرات التي تؤثر ليس على كميات المياه وتذبذب حالات الجفاف والفيضانات، بل وتؤثر على نوعية المياه أيضًا وتسبب زيادة تملحها وتناقص إنتاجيتها.
شكل (1): صورة تبين مواقع الشمس والقمر، عبد الدايم الكحيل 2020
موجز تاريخي لعلوم وإدارة المياه في الوطن العربي:
أشارت بعض الرقم الطينية إلى أن المزارعين في بلاد الرافدين يوصون بزراعة الشعير بدلاً عن القمح في الترب المتأثرة بالملوحة، وذلك في مهد الحضارات قبل الميلاد بعدة قرون، وهذا يبين أنهم اكتشفوا بالتجربة تنوع المحاصيل في القدرة على التكيف مع الملوحة. من هنا كان أقدم تصنيف لنوعية مياه الري هو التصنيف العباسي الذي يقسم المياه إلى ستة أصناف حسب درجة ملوحتها، والتي كان يستدل عليها بالتذوّق وبتحسس النبات والحيوان لها، وكانت تسمية أفضل تلك الأنواع وأكثرها ملوحة مأخوذة من تسمية القرآن الكريم بقوله تعالى (هذا عَذْبٌ فُراتٌ وهذا مِلْحٌ أُجاج)، ويعرض الجدول أدناه تلك الأصناف.
التصنيف العباسي لنوعية المياه، عن (إسماعيل، حميد نشأت 1991)
ت |
صنف المياه |
طبيعة المياه |
1 |
عذبٌ فُرات |
قليل الملوحة جداَ |
2 |
شَريب |
قليل الملوحة وصالح لشرب البشر |
3 |
شَروب |
متوسط الملوحة وتشربه البهائم |
4 |
زُعاق |
مالح وغير صالح للشرب |
5 |
حُراق |
مالح جداَ يسبب احتراق أوراق النبات |
6 |
أُجاج |
الماء المالح المُر |
أورد الدكتور أحمد سوسة في موسوعته الكبيرة (حضارة وادي الرافدين) كثيرًا من الشواهد والأمثلة على عظم حضارتنا العربية وتقدمها وسبقها للأمم في علوم وإدارة المياه، منها ما ذكره عن الثقافات التي نقلها العرب إلى الأندلس والتي كانت أرضاً جرداء قبل وصول العرب إليها، وأن من شواهد اعتزاز أهل البلاد بفضل العرب هو أنهم أبقوا على نظام انعقاد محاكم فض نزاعات وخصومات الفلاحين حول حصص المياه، والتي كان يعقدها الأمويون في الأندلس يوم الخميس، من أجل أن تصطلح الناس قبل يوم الجمعة المقدس عندهم. ولعل من يزور قصر الحمراء اليوم ويجد العناية الكبيرة بما يسمونه بيت الماء وعدم السماح للسياح بدخوله، ويجد انسياب المياه العجيب عبر سفوح وتلال تلك الأعجوبة المعمارية، يوقن أن للعرب بصمات في تاريخ علوم المياه لا يمكن إغفاله، ثم يتطلع من ذلك الأفق الرحيب إلى غد مشرق لإدارة مواردنا المائية.
شح المياه في الوطن العربي:
تعاني معظم بلادنا العربية من شح كبير في المياه يزداد حدة بتأثير التغيرات المناخية التي تهدد العالم أجمع، وخصوصًا المناطق الجافة وشبه الجافة التي يقع وطننا العربي ضمنها. يُسمى الوطن العربي بمثلث العطش، حيث تشغل مساحة بلادنا العربية نحو 9,1% من مساحة اليابسة، بينما تقل نسبة المياه السطحية في أنهار وبحيرات الوطن العربي عن 1% من مياه الأرض السطحية، أما الأمطار فتبلغ نحو 2% فقط من أمطار العالم.
ترتب على ذلك وقوع 19 دولة عربية تحت خط الفقر المائي، حيث تقل حصة الفرد الواحد فيها عن ألف متر مكعب سنوياً. منها 14 دولة تعاني شحاً كبيرًا حيث لا يكفي المتوفر من مواردها المائية لسد الاحتياجات الأساسية. ويحذر علماء المناخ والبيئة من تعرض نحو ثلث الأراضي الزراعية العربية إلى التصحر بسبب التناقص الحاد بالمياه. من هنا لا بد من دق ناقوس الخطر وإيلاء موضوع إدارة الموارد المائية أهمية قصوى للتكيف مع التغيرات المناخية سعيًا لتحقيق أمن مائي وغذائي لشعوبنا العربية.
إدارة الموارد المائية:
تسهم جودة إدارة الموارد في حفظ التوازن البيئي على هذه الأرض مما يعزز توازن المناخ والبيئة المتأثرة والمؤثرة بالمياه فيها بشكل مباشر، حيث تتأثر الدورة الهيدرولوجية للمياه بطاقة الشمس الواصلة إلى الأرض من خلال غلافها الغازي، والطاقة المنبعثة من الأرض دون قيد من أبخرة وغازات الدفيئة. كل ذلك يتطلب تطوير إدارة الموارد وعلى رأسها إدارة المياه.
- إدارة شبكات الري:
تبلغ مساحة الأراضي المروية في الوطن العربي نحو 11 مليون هكتار، هذا يعني أن تحسين طفيف على كفاءة الري بما يحقق توفير 1 سنتيم من عمق مياه الري على عموم أراضي الوطن العربي المزروعة يوفر ما مقداره 11 مليار متر مكعب من الماء في السنة، وهذا الرقم مقارب لواردات العراق من نهر الفرات في السنوات الحالية. تجدر الإشارة إلى أن معظم مشاريع الري في بلادنا العربية ما زالت تستخدم طرق الري بالغمر (الري السطحي) وهي نظم قديمة ذات كفاءات ري منخفضة لا تتجاوز 50% غالباً، ما يعني أن نصف كميات المياه المجهزة لمشاريع الري ستكون مياه ضائعة بين جريان سطحي وضائعات تخلل عميق يذهب بكميات هائلة من المياه إلى أسفل مناطق جذور النبات مسببًا رفع المياه الجوفية وتملح التربة وانخفاض إنتاجيتها.
إن استخدام شبكات الري الحديثة مثل شبكات التنقيط (شكل 2) وشبكات الرش (شكل 3) قد يرفع كفاءة الري إلى ما يزيد عن 70% في منظومات الرش و85% في شبكات التنقيط. ولتوضيح ما يمكن توفيره من مياه، فلو كان متوسط عمق الري على عموم المساحة المروية في بلادنا العربية يبلغ متراً واحداً في السنة، فإن رفع كفاءة الري من 50% (ري بالغمر) إلى 70% (شبكات الرش) سيوفر ما يعادل واردات عشرين نهرًا بقدر نهر الفرات كل عام، بينما يوفر ري التنقيط نحو 35 مرة بحجم واردات نهر الفرات السنوية إلى العراق.
شكل 2: صورة تبين خطوط الري بالتنقيط
شكل 3: شبكة ري بالرش المحوري
- إدارة الأنهر والمسطحات المائية:
تقع منابع معظم الأنهار العربية في الدول المجاورة، ويزداد عدد السدود التي تقوم دول المنبع بإنشائها لخزن المياه كلما ازدادت حدة التغيرات المناخية، وتشير دراسات حديثة إلى أن بلادنا العربية ومحيطها هي الأكثر تأثرًا بالتغيرات المناخية وتأثيراتها الحادة على الموارد المائية. من ناحية أخرى فإن السياسات المائية في بلداننا قائمة على أسس قديمة تم تصميمها قبل نحو قرن من الزمان عندما كانت أخطار الفيضانات تهدد المدن الكبرى والعواصم، فكانت السنوات الرطبة غزيرة الأمطار مع افتقار الأنهار لوجود سدود كبيرة للتحكم في المياه، مما دفع صانعي القرار لخزن المياه بمنخفضات كبيرة لدرء أخطار الفيضان عن المدن (شكل 4). لذا يتطلب الواقع الحالي إعداد مجالس عليا للمياه تضم خبراء المياه في الجامعات والوزارات المعنية، تتولى إعادة رسم السياسات المائية بما يتلاءم مع واقع الحال. إن وجود مسطحات مائية بمساحات سطحية كبيرة يسبب فقدان كميات هائلة من المياه بسبب فواقد التبخر المرتفعة في مناخ معظم بلداننا الحار والجاف صيفًا، حيث تزيد أعماق التبخر عن 2 متر في السنة أكثر من نصفها يتم خلال أشهر الصيف الثلاث (حزيران، تموز وآب) حيث يناهز عمق التبخر خلالها نحو 120 سم. يسهم هذا الحجم الكبير من فواقد التبخر بزيادة التراكيز الملحية للمياه وانخفاض انتاجيتها مما يزيد الطين بلّة. فلا بد من إعادة النظر في جدوى خزن مياه الأمطار في هذه المسطحات المائية الكبيرة وإمكانية التوسع في تقانات حقنها في آبار تغذية المياه الجوفية بطرق علمية تدرس خصوصية كل حالة لضمان الحفاظ على كمية ونوعية المياه الجوفية واستثمارها بإدارة مثلى تحقق الأمن المائي والغذائي المستدام.
ومع تطور تقانات تقليل فواقد التبخر من خزانات السدود الصغيرة المقامة على الوديان لحصاد مياه الأمطار، مثل استخدام الكرات الفلينية العائمة أو إحاطة الخزانات بمصدات الرياح، إلا أن هذه التقانات يتعذر تنفيذها في المسطحات المائية الكبرى المتأثرة بالرياح والمتباعدة الضفاف.
- إدارة المياه الجوفية:
تمثل المياه الجوفية مصدر المياه الرئيس لمعظم بلادنا العربية، مما يتطلب وضع خطط استراتيجية للحفاظ على هذه الموارد وعدم السماح باستنزاف جائر لها. ينبغي أن تتولى الجهات المعنية إعداد وتحديث قواعد بيانات مكامن المياه الجوفية ورصد مناسيبها ونوعيتها واتجاه حركتها وخصائص التربة لغرض تحديد الحدود الدنيا المسموح بها للمسافات بين الآبار. ولعل من أساليب الحفاظ على استدامة المياه الجوفية تثمين تلك المياه بأسعار تصاعدية تبدأ بمقادير محدودة لتحقيق الاحتياجات الأساسية بمبالغ بسيطة، ثم تتزايد للحد من الضخ الجائر، مع وضع عدادات لمتابعة الكميات التي يتم ضخها، ومتابعة رصد مناسيب المياه ونوعيتها للحفاظ على هذا المورد الذي يحقق الأمن المائي والغذائي للعديد من بلادنا العربية.
ينبغي تثقيف الناس بمفهوم الضخ الأمين المتمثل بعدم السماح باستنزاف الآبار بأكثر مما يتم تغذيتها من خلال مياه الأمطار المتسربة إلى تلك المكامن الجوفية، كما ينبغي وضع إدارة خاصة للآبار القريبة من السواحل لمنع تداخل مياه البحار وتأثيرها على نوعية مياه تلك المكامن الجوفية، ويفضل شحن تلك المكامن من خلال حصاد مياه الأمطار في الوديان المجاورة.
شكل 4: بحيرات في العراق تم تنفيذها وفق رؤية وليام ولكوكس لدرء الفيضانات
- إدارة مياه الاستخدامات المدنية والصناعية:
مع أن القطاع الزراعي في الوطن العربي يستنزف نحو 80% من مواردنا المائية، يبقى لقطاعي الاستخدامات المنزلية والصناعية أهمية رغم أنها تغطي أقل من 20% من الاحتياجات المائية بشكل عام. يقتضي ترشيد استهلاك مياه الخدمات المنزلية ومياه الأغراض الصناعية وضع أساليب إدارة مناسبة منها:
- تنصيب عدادات لقياس حجوم الماء المجهزة لكل وحدة سكنية أو خدمية، وجعل رسوم أجور المياه تصاعدية تبدأ بأسعار رمزية منخفضة بما يحقق الخدمات الضرورية، وتزداد الأجور تصاعديًا بازدياد كميات الصرف للتشجيع على ترشيد الاستهلاك.
- كما ينبغي تخطيط وتنفيذ محطات تدوير استخدام المياه الرمادية ونصب محطات معالجة المياه الثقيلة وإعادة استخدامها بموجب المواصفات العالمية بما يحفظ سلامة البيئة وصحة الإنسان والنبات.
- التوسع في نصب محطات تحلية مياه البحر باستخدام الطاقة البديلة مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح وغيرها.
- موارد مائية بديلة:
- المياه متوسطة الملوحة، وهي مياه الصرف الزراعي وبعض المياه الجوفية التي لا تزيد تراكيزها الملحية عن 7000 جزء من المليون. حيث يمكن استخدام هذه المياه في ري الأشجار والمحاصيل المتحملة للملوحة مثل النخيل والشعير والقطن. تجدر الإشارة إلى وجود مليارات الأمتار المكعبة سنوياً من مياه الصرف الزراعي يمكن الاستفادة منها في تحسين الأمن المائي والغذائي في ظل التغيرات المناخية، وعلى سبيل المثال، تتدفق نحو أربعة مليارات مترًا مكعبًا من مياه الصرف الزراعي في العراق نحو المصب العام ثم إلى الخليج العربي ومعظمها مياه متوسطة الملوحة يمكن استخدامها للتوسع بزراعة غابات النخيل والمحاصيل الحقلية المتحملة للملوحة.
- حصاد مياه الأمطار، والتي يمكن أن تمثل موردًا مهمًا حتى في المناطق الجافة التي لا يزيد فيها متوسط عمق المطر السنوي عن 200 ملم مثل وادي الثرثار في العراق والذي يحقق متوسط حصاد مياه سنوي يزيد على مليار متر مكعب من مياه الأمطار عالية النقاوة. لا بد من التوسع في إنشاء السدود الصغيرة لحصاد مياه الأمطار للاستفادة منها بشكل مباشر أو من خلال إسهامها في تغذية المياه الجوفية بزيادة كميتها وتحسين نوعيتها.
- التوسع في إنشاء الخزانات الرملية لمياه الأمطار بما يسهم في تعزيز واردات المياه الجوفية وتقليل فواقد التبخر، حيث تبين أن خزن الماء في ترب رملية أو حصوية يقلل فواقد التبخر بنسبة 90% عندما يكون منسوب الماء على عمق 20 سم من سطح التربة.
- المياه الثقيلة المعالجة وتدوير المياه الرمادية. تبين دراسات حديثة إمكانية معالجة وإعادة استخدام نحو 80% من مياه الاستخدامات المنزلية والصناعية. والتي يمكن استخدامها في زراعة أحزمة خضراء تسهم في تحسين ظروف البيئة وتحد من آثار التغيرات المناخية الحادة.
خاتمة:
بعد ما تبين من شح خطير في مواردنا المائية وأهمية إدارة مواردنا المائية على الوجه الذي يحقق الأمن المائي والغذائي لبلادنا العربية، لا بد من أخذ هذا الأمر على محمل الجد وتشكيل مجالس عليا لإدارة المياه يكون ارتباطها مباشرًا بأعلى سلطة في البلاد، مع ضرورة أن تضم هذه المجالس علماء المياه والبيئة في الجامعات والمراكز البحثية مع الخبراء الميدانيين في الوزارات والدوائر المعنية. ولا شك أن الأمن المائي والغذائي مسؤولية مشتركة ينبغي أن يتعاون الجميع في مراعاتها والانتباه إلى مخاطر بقاء الحال على ما هو عليه، حيث يتوقع زيادة الطلب على الماء بنسبة 50% عام 2040م، بينما لا يزداد الطلب على الطاقة في نفس العام سوى بنسبة 25%.
ينبغي على صانعي القرار في بلادنا العربية إيلاء إدارة المياه أقصى درجات الاهتمام في ظل التغيرات المناخية التي تهدد الأمن المائي والغذائي في بلادنا العربية التي تعاني أصلاً من مشاكل في مواردها المائية، حيث يشكل الأمن المائي ركيزة بالغة الأهمية في الاستقلال الحقيقي للبلدان وعدم خضوعها لمن يصدر لها قوت شعوبها، وكل ما يراد من صانعي القرار في أمتنا هو إعادة رسم سياسات بلادنا المائية وحسن إدارة ما حبانا الله من موارد.