array(1) { [0]=> object(stdClass)#13903 (3) { ["GalleryID"]=> string(1) "1" ["ImageName"]=> string(11) "Image_1.gif" ["Detail"]=> string(15) "http://grc.net/" } }
NULL
logged out

العدد 201

مستقبل المياه بالمنطقة ينذر بالخطر ويجب النظر على أنها مورد وجودي وحتمية العناية به

الخميس، 29 آب/أغسطس 2024

ما من منطقة إلا وتواجه عددًا من الأزمات، سواء أزمات طبيعية أم بشرية؛ غير أن هذه الأزمات تتباين في خطورتها على قاطني هذه المنطقة ومواردها؛ طبقـًا لطبيعة موضوعها ومجال تأثيرها. وعند تصنيف خطورة هذه الأزمات تأتي أزمات المياه في الصدارة؛ لارتباطها ارتباطًا شديدًا بالحياة.

وبالنسبة للمنطقة العربية فهي تواجه أزمات مياه تتفاقم مع مرور الوقت تفاقمـًا ينذر بأخطار داهمه؛ لطبيعة المنطقة ومواردها المائية.

وحتى يتسنى لنا عرض مستقبل أزمات المياه في المنطقة العربية؛ لابد من نظرة إلى أسبابها وتداعياتها، وكيفية مواجهتها، واضعين فى الاعتبار أن أزمات المياه في المنطقة العربية متعددة؛ مما يزيد من صعوبتها. فهي لا تتمثل في ندرتها فقط؛ إنما أيضًا إلى تذبذب كمياتها وزيادة الفاقد منها، سواء بالتبخر أو الهدر، واعتماد معظمها على أنهار تنبع من خارج أراضيها، علاوة على تلوث بعضها، وعدم كفاءة استغلالها وتدني العائد منها، وعدم تجدد مياهها الجوفية، وارتفاع ملوحتها بزيادة السحب منها. وفي ضوء كل ما سبق فإن المنطقة العربية لا تواجه أزمة مياه فقط-بالمعنى الضيق-إنما تواجه أزمات مياه.

 

مدخل: الوضع المائي الراهن في المنطقة العربية: رؤية للمشهد:

إن مصادر المياه فى المنطقة العربية تتمثل -أولًا-في أمطارها. وهي محدودة حيث لا يتعدى معدلها فى المتوسط عن 350 مم/سنويـًّا، وإن كانت تختلف من مكان لآخر، حيث تزيد نسبيـًّا في أطرافها، واستخدامها لا يتعدى (245) مليار متر مكعب سنويـًّا؛ نتيجة لضياع نسبة كبيرة من مياه الأمطار

 أما المصدر الثاني؛ فهو أنهارها الرئيسية، التي تنبع من خارج أراضيها، كنهر النيل ودجلة، والفرات، وجوبا، وشبيلي، ونهر السنغال، وتسهم بنحو 205 مل يار م3 سنويـًّا، ثم يأتي مصدرالمياه الجوفية المتجددة، وتشارك بحوالي 40مليار متر مكعب سنويـًّا؛ وفى ضوء هذه الملامح والخصائص السابقة فإن المنطقة تعاني من شح مائي، يزيد من قسوته طبيعة المناخ الحار الجاف السائد بالمنطقة، وهو المناخ المعروف بشراهته الشديدة للمياه.

وتشير الأرقام إلى أن المنطقة العربية لا يتعدى رصيدها (7%) من المياه العذبة العالمية، وأقل من (1%) من نسبة المياه الجارية (المياه السطحية). أما بالنسبة للأمطار التي تتساقط عليها، فهي لا تتجاوز (2%) من المجموع العالمي للأمطار. وهذا لا يتناسب مع نسبة أراضيها، التي تصل إلى (10%) من مساحة العالم.

وتتفاوت أخطار نقص نسبة المياه من بقعة لأخرى داخل المنطقة العربية، حيث يعاني الشرق العربي أكثر من غربه، لاسيما دول الخليج العربي؛ لندرة ما تحظى به من كميات مطرية ملائمة، فضلاً عن خلوها من الأنهار دائمة الجريان، مع تأكيد أن كافة المناطق العربية تعاني -أو بصدد أنها ستعاني على المدى القريب -من أزمات المياه.

وبقراءة تحليلية للوضع المائي بالمنطقة العربية يمكن تصنيف دولها إلى دول  تتمتع بحالة اكتفاء ذاتي من المياه، وهي التي يزيد نصيب الفرد بها عن 1700متر مكعب ويندرج تحت هذا التصنيف  دولة عربية واحدة، وهي موريتانيا، ودول أخرى تعاني من الإجهاد المائي و يتراوح نصيب الفرد فيها من  بين ألف متر مكعب و (1700) متر مكعب وهي (4) دول: العراق، والصومال، وجزر القمر، وجيبوتي؛ ودول تعاني من  الندرة المائية، وهي التي تتراوح  حصة الفرد السنوية بها من المياه ما  بين (500) متر مكعب  إلى ألف متر مكعب وهي : لبنان، وسوريا، ومصر، والسودان، والمغرب، وأخيرًا دول الفقر المائي الحاد، وتبلغ حصة الفرد السنوية بهذه الدول أقل من 500 متر مكعب، وهذه  الحالة تسيطر على العدد الأكبر من دول المنطقة العربية، وهي 12 دولة : اليمن، والسعودية، وسلطنة عمان، والكويت، والإمارات، وقطر، والأردن، وفلسطين، وليبيا، وتونس، والجزائر، ليبيا.

ومن جراء الخصائص والسمات السابقة لموارد المياه فى المنطقة العربية أصبحت (17) دولة من دولها البالغ عددها (22) دولة تحت خط الفقر المائي وهو(1000) متر مكعب للفرد فى العام.

ومع مرور الوقت ونتيجة لعوامل عديدة، أهمها نقص الموارد المائية، وزيادة السكان يتناقص نصيب الفرد العربي من المياه بشكل متواصل، لاسيما فى الدول التي يسيطرعليها المناخ الجاف وشبه الجاف تمامًا، والمستوردة للمياه عبر أنهارها الدولية – إن جاز هذا التعبير-مما يعني اقترابها من مرحلة الشح المائي المطلق، وهي المرحلة التي يقل نصيب الفرد فيها عن(500) متر مكعب.

وبقراءة متأنية لنصيب الفرد العربي من المياه يتأكد لنا مدى تفاقم الأزمة لكمية المياه حيث كان نصيبه لا يقل عن (3000) متر مكعب في ستينيَّات القرن الماضي، حتى انخفض ليصل إلى (سدس) هذا الرقم تقريبًا فى عشرينات القرن الحالي، أي: أن معدل التناقص المائي بلغ (250) متر مع كل عقد من السنوات. 

وبسبب تدني مستوى التنمية في بعض المناطق تضاف معضلة أخرى إلى جانب معضلة تدني نصيب الفرد من المياه، وهي تلوثها، أي: لم تعد أزمة المياه فى الوطن العربي أزمة كمية فقط؛ بل إلى جانب ذلك أضحت أزمة كيفية. 

وعلى الرغم من أزمتي الكم والكيف المتعلقتين بندرة المياه وتلوثها على الترتيب؛ فتأتي إشكالية إدارة المياه المتاحة واستغلالها الاستغلال الأمثل، لتنضم إلى حزمة الأزمات المتعلقة بالمياه في المنطقة العربية. حيث تشير الأبحاث والدراسات إلى أن العائد من استغلال المتر المكعب للمياه بالمنطقة متدنٍ للغاية؛ مقارنة بغيرها من بعض المناطق التي تسعى لاستغلال كل قطرة مياه استغلالا أمثل.

ويشير الوضع الراهن للموارد المائية بالمنطقة العربية إلى اعتماد معظم دولها على مصدر واحد من مصادر المياه بنسبة كبيرة جدا، كما هو الحال فى مصر، التي تعتمد على مياه نهر النيل بنسبة تصل إلى (98%)، وبعضها الآخر يعتمد على الأمطار، والثالث على مياه التحلية.

وبسبب الحروب والصراعات الداخلية من الوارد تفاقم أزمات المياه في بعض الدول، التي تشهد ذلك، كما في فلسطين والسودان واليمن والعراق وليبيا، وكذلك الدول المجاورة لها المضيفة لتجمعات من اللاجئين كالأردن ولبنان ومصر.

أولا: أسباب أزمات المياه العربية:

فئ هذا المبحث نسعى لرصد أسباب أزمات المياه العربية بشكل موجز لكونها أسبابـًا معروفة بشكل عام حيث تم تناولها مرات عدة بحوثـًا ودراسات؛ غير أن الجديد فى التعرض لها هو أنها لن تركز على أسباب أزمة ندرة المياه فى المنطقة العربية فقط؛ بل ستتعرض لأسباب أزمات المياه الأخرى، وذلك فى ضوء المستجدات والمتغيرات العالمية المعاصرة، فضلًا عن أهمية عرض هذه الأسباب لأهميتها وتأثيرها فى اقتراح الحلول الملائمة.

وعن أولى الأسباب الطبيعية لأزمة المياه في المنطقة العربية وأهمها هي طبيعة مناخها السائد، وهو المناخ الجاف وشبه الجاف. وبنظرة فاحصة إلى مناخات العالم نجد أنه يمكن تصنيفها فى ضوء علاقتها بالمياه إلى مناخات ذات وفرة مائية سنوية؛ بسبب سقوط الأمطار بها طول العام، وأخرى مناخات ذات وفرة مائية موسمية؛ لسقوط الأمطار بها في فصل من فصول السنة، وثالثة ذات عجز مائي؛ وذلك لندرة سقوط المطر بها.  

وعن مناخ المنطقة العربية فهو من بين المناخات ذات العجز المائي؛ وهو المناخ الذي يتسم بارتفاع واضح في درجات الحرارة، ونقص بارز في كمية المطر؛ ويستثنى من ذلك أطراف الوطن العربي، ممثلة في أطرافه وحواشيه الشمالية، كشمال العراق وسوريا والساحل الشمالي الغربي للجناح العربي الإفريقي، وكذلك الحال فى أطرافه الجنوبية كما في جنوب السودان واليمن والصومال وموريتانيا، حيث تحظى هذه المناطق بكميات مطرية تزيد عن معدل (500-750 مم / سنويـًّا).

وبالنسبة للسبب الآخر في أزمات المياه العربية فهو سبب طبيعي  بشري، وهو أن المصدر الثاني للمياه العذبة السطحية- المتمثل فى الأنهار التى تجري في أراضيها - ينبع من أراضٍ غير عربية، وهذا ما ينطبق على نهر النيل، الذي  ينبع من تسع دول إفريقية غير عربية، وتعتمد عليه كل من مصر والسودان، وكذلك نهرا دجلة والفرات، اللذان ينبعان من تركيا وإيران، وتعتمد عليهما سوريا والعراق، وكذا نهرا جوبا وشبيلي النابعان من كينيا، اللذان تعتمد عليهما الصومال، ويضاف إلى ذلك كل من نهر السنغال، النابع من ثلاث دول إفريقية غير عربية، الذي تعتمد عليه موريتانيا،  ونهر الأردن النابع من سوريا ولبنان، والذي يمر بدولة الاحتلال، الذي تعتمد عليه كل من الأردن وفلسطين.

وعلى الرغم من قيمة هذه الأنهار وفضلها الكبير في توفير نسبة كبيرة من المياه لسكان بعض الدول العربية (76%) من مياه السطحية؛ فإن طبيعة المناطق، التي تنبع منها هذه الأنهار جعل من الاعتماد عليها أمرًا مقلقًا جيبولتيكيًا ومحفوفًا بالمخاطر. وما يحدث فى منابع نهر النيل الدائمة والموسمية لاسيما على نيله الأزرق -أحد أهم روافده الموسمية فى هذه الأيام -يؤكد ذلك، وهو تكرار لما حدث فى منابع نهري الفرات ودجلة ونهر الأردن.

وهكذا يتضح أن مصادر المياه العذبة فى الأراضي العربية، سواء من أمطارها أو من الأنهار العابرة لأراضيها -غير مضمونة أو مستقرة بشكل مطلق ولا تعرف الديمومة.

ومما يزيد من أزمات المياه العربية ما يشهده العالم من تغيرات مناخية معاصرة، من بين أهم إرهاصاتها وتداعياتها ارتفاع فى درجات الحرارة بالمنطقة، وما يترتب عليها من زيادة استهلاك المياه، فضلًا عن تزحزح نطاقات المناخ، وما يصاحبها من تزحزح فى نطاقات المطر وتغيير في كميته وانتظامه وفاعليته.

وتبقي من بين أهم أسباب أزمات المياه العربية تلوثها، لاسيما مياه أنهارها، التي تحول مجاريها إلى مناطق صرف للمياه العادمة، التي تنتجها بعض المصانع، وما تلقيه السفن في هذه المجاري المائية، وكذلك مياه الصرف الزراعي، ونمو الحشائش، التي تزيد من فاقد المياه عن طريق النتح بمعدلات كبيرة. 

وتسهم طبيعة المياه الجوفية العربية -وهي فى معظمها مياه أُحفُوريّة -في زيادة أزمات المياه العربية؛ لعدم تجددها من ناحية، وزيادة ملوحتها؛ بسبب السحب الجائر منها من جهة أخرى.

كما أن تدني "كفاءة استخدام المياه" بشكل عام، وفي القطاع الزراعي-القطاع الأكبر استهلاكًا للمياه بالمنطقة-بشكل خاص، يعد من أسباب تفاقم أزمة المياه حيث إن العائد من المتر المكعب بالمنطقة يبلغ حوالي (0.43 دولار أمريكي/ م 3). وهو أقل من نصف المتوسط العالمي البالغ (1.09 دولار أمريكي/م 3). ويعد ذلك شكلًا من أشكال هدر المياه المتاحة، وهو ما لا ينبغي أن يقع في منطقة تعاني من ندرة هذه السلعة الاستراتيجية.

وعلى الرغم من جملة هذه الأسباب السابقة التى أدت إلى ظهور أزمات المياه بالمنطقة وتفاقمها؛ فإن مشكلة السكان تزيد من عقبات البحث عن حلول، سواء عن طريق نموهم الذي يبلغ (2%) سنويـًّا، وهو ضعف معدل متوسط الزيادة السكانية على مستوى العالم أو عن طريق زيادة استهلاكهم. وبالتالي زيادة الفجوة المائية بين ما هو متاح وما هو مطلوب، وما ينتج عن ذلك من عدة تداعيات سنعرض لها فى المبحث التالي.

ثانيًا: تداعيات أزمات المياه بالمنطقة العربية:

لكل أزمة تداعياتها وبالنسبة لتداعيات أزمات المياه بالمنطقة العربية فهي متعددة ومتشعبة وتلقي بظلالها على الجميع، وأولى تداعياتها التناقص المستمر لنصيب الفرد. وهو تناقص لا يعرف التوقف، فبعدما كان يتعدى آلاف الأمتار المكعبة فى أواخر عقود القرن الماضي أصبح بالمئات في العقود الأولى من القرن الحالي، وما يترتب على ذلك من تناقص فى المساحات المزروعة وما يرتبط بها من مشاكل تتعلق بالأمن الغذائي.

ومن تداعيات أزمات المياه بالمنطقة الناجمة عن تذبذبها – عدم استقرار إنتاج الطاقة الكهرومائية، لاسيما فى الدول التي تعتمد اعتمادًا نسبيًا على هذه الطاقة، كمصر والعراق وسوريا.

وبدون شك فإن أكثر تداعيات الأزمات هو الصراع المتوقع بين دول الحوض النهري الواحد، لاسيما بين  دول المنابع ودول المصب؛  بسبب عدم  وجود اتفاقيات منظمة لذلك، تلزم دول المنابع باستمرار تدفق المياه لدول المصب بالإضافة لقيام بعض من دول المنابع بإنشاء عدد من السدود على الروافد النابعة من أراضيها بلا ضوابط وقواعد ودراسات علمية كافية؛ وهذا ما حدث من تركيا بالنسبة لسوريا والعراق، ومن إثيوبيا بالنسبة للسودان ومصر، و ما سيترتب عليه من  التحكم في نسب المياه وتدفقها لدول المصب التي تعتمد عليها كافة أنشطة الحياة في هذه الدول اعتمادًا كليًا.

ونتيجة لهذه التصرفات من دول المنابع – دونما تنسيق مع دول المصب تتوتر الأجواء السياسية فيما بينهما، كما كان آخرها ما يحدث بين مصر وإثيوبيا من جراء استمرار إثيوبيا في استكمال بناء سد النهضة على النيل الأزرق، وهو الرافد الرئيس لمياه نهر النيل، وذلك بمواصفات تخزينية كبيرة؛ سيكون لها آثارها على موارد المياه فى كل من مصر والسودان؛ مما قد يكون سببًا فى حدوث مشاكل وصراعات بالمنطقة 

ثالثًا: نحو حلول غير نمطية لأزمات المياه بالمنطقة العربية:

"ما من أزمة إلا ولها حل" لمواجهتها أو التكيف معها، شريطة الرغبة في تحقيق ذلك من مختلف الأطراف المعنيين، وحيث إن أزمات المياه العربية تؤرق عددًا كبيرًا من المعنيين، وتهتم بها قاعدة عريضة منهم؛ اهتمت العديد من المؤسسات سواء عالمية أو إقليمية أو وطنية بوضع حلول لهذه الأزمات.  

ويمكن بلورة هذه الحلول التي طرحت وتصنيفها في ثلاثة محاور رئيسية، أولها: الحفاظ على الموارد المائية المتاحة، وثانيها: رفع كفاءة استخدام المياه واستغلالها الاستغلال الأمثل، وثالثها: تنمية موارد المياه بالبحث عن موارد جديدة.

ولا تكون الحلول مجدية إلا إذا وجدت طريقها للتطبيق، وتوافرت مقومات نجاحها، وأن تكون ذات جدوى اقتصادية لكافة الأطراف؛ تطبيقًا لمقولة (win & let the other win) .

وأفضل الحلول التي تكون داخل الإطار الجغرافي للمنطقة العربية؛ لكونها أفضل من الحلول التي ترد من خارجها؛ تجنبًا للتدخلات التي تعوق تنفيذها أو استمرار تنفيذها، ولا يمنع ذلك من التعاطي مع مثل هذه الحلول لكن بعد استنفاذ الحلول الداخلية أو في إطار مواز لها.

وبالنسبة للحلول الخاصة بالمحور الأول؛ فهي تتمثل فى النظر للمياه على أنها سلعة إستراتيجية ونادرة، ولابد من ترشيد الاستهلاك، وتقليل الفاقد بالتسرب أو التبخر، ومنع تلوثها، واستخدام طرق ملائمة فى ري المحاصيل الزراعية (كالتنقيط أو الرش بدلًا من الغمر)، والري في المواعيد المثلى صباحًا أو مساء، وزراعة محاصيل أقل شراهة للمياه. ولتفعيل ذلك لابد من اتخاذ العديد من الإجراءات التي تضمن تحقيق هذه الأهداف الحيوية.

أما عن الحلول المتعلقة بالمحور الثاني؛ فهي مطروحة بقوة لاسيما أن كفاءة استخدام المياه فى المنطقة العربية متدنية مقارنة بمناطق أخري، على الرغم من وفرة المياه بها. وعن الكفاءة فهي بإيجاز توظيف كل قطرة لتحقيق عائد مناسب، وكلما كان العائد أكبر من المتر المكعب من المياه كان أفضل، بل يمكن استخدام المياه عدة مرات لزيادة عائدها، ويعد إعادة تدوير المياه من أهم صور رفع كفاءتها واستغلالها الاستغلال الأمثل. 

وفيما يتعلق بتنمية المياه والبحث عن موارد جديدة فهي تنحصر فى حصاد إشكال التساقط المختلفة (مطر – ندى – ضباب) وتحلية المياه (مياه البحر – المياه الجوفية ذات الملوحة المرتفعة نسبيًا) وزيادة حصص مياه بعض الدول النهرية بإقامة مشاريع مشتركة مع دول الحوض.

وسوف يتم فيما يلي التركيز على كل من المياه الرمادية /العادمة، وحصاد الأمطار وتحليه مياه البحر؛ لكونهم من أهم الحلول التي يمكن الاعتماد عليهما بالمنطقة العربية؛ لمواجهة أزمة ندرة المياه، وذلك لكونها تمثل الأزمة الرئيسة لأزمات المياه الأخرى.

1-تعظيم الاستفادة من المياه العادمة:

ذكرت إيرينا يوكوفا – المديرة العامة لليونسكو – فى تقرير الأمم المتحدة العالمي عن تنمية الموارد المائية لعام (2017م): "فى عالم يتزايد فيه الطلب على المياه العذبة تزايدًا متواصلًا، ويشتد فيه الضغط على الموارد المائية المحدودة بسبب الاستخراج المفرط، والتلوث، وتغير المناخ يبدو إغفال الفرص التي يتيحها تحسين إدارة المياه العادمة أمرًا لا يمكن فعلًا تصوره".

ولطبيعة المنطقة العربية الديموغرافية والتنموية والنمو الحضري بها؛ فهي تنتج كميات ضخمة من المياه العادمة، يتم التخلص من معظمها على أنها نفايات دون الاستفادة منها، وهي قابلة للزيادة مع تنامي معدل الطلب الكلي للمياه. 

ويتسبب تصريف المياه العادمة بدون معالجة وافية في آثار ضارة بصحة الإنسان وتأثيرات سلبية على البيئة وعواقب سلبية على الأنشطة الاقتصادية.

وتتمثل دورة إدارة المياه العادمة في أربعة مراحل أساسية مترابطة، وهي؛ مرحلة درء أو خفض التلوث عند المصدر، ومرحلة تجميع المياه العادمة ومعالجتها، ومرحلة استخدام المياه العادمة كمصدر بديل/ إضافي للمياه، واسترداد منتجات ثانوية واسعة.

وفى حالة الاستفادة من هذه المياه العادمة (المورد غير المستغل)، وإعادة تدويرها أكثر من مرة؛ فيمكن زيادة كفاءة الموارد المائية، وإتاحة العديد من الفوائد، منها الحد من استهلاك المياه العذبة، وإعادة تدوير العناصر المغذية وإعادة استخدامها، وخفض تلوث المياه، وإعادة تغذية طبقات المياه الجوفية؛ مما يسهم في تحقيق الأمن الغذائي وتحسين مستوى المعيشة.

ولأهمية استغلال هذا المصدر-المياه العادمة -في التغلب على أزمات المياه بالمنطقة العربية فقد اعتمده المجلس الوزاري العربي للمياه ضمن استراتيجيته بشأن الأمن المائي، إلى جانب التوسع في نطاق تحلية المياه.

وبنظرة إلى دول المنطقة نجد ما لا يقل عن نصفها اعتمد تشريعات تسمح باستخدام المياه العادمة، كالكويت، وعمان، ولبنان، والعراق، وتونس، ومصر، والبحرين، والأردن، واليمن. وهذا العدد قابل للزيادة، وهو مؤشر جيد في هذا الصدد.

وتسعى دول المنطقة إلى استخدام المياه العادمة بعد معالجتها فى العديد من الجوانب، منها تغذية المياه الجوفية كالبحرين، وكذلك في النظم الأيكولوجية كما هو الحال فى المملكة السعودية، وتحديدًا فى أراضي وادي حنيفة الرطبة. وقد حصلت عن طريق هذا المشروع على جائزة (أغا خان) للعمارة، وتوليد الطاقة كما في الأردن ومصر  

وكما هو معلوم أن استخدامات المياه العادمة متعددة فعلى دول المنطقة زيادة الاهتمام بها بشكل كبير مع التركيز على الاستفادة من أهم جانب منها، وهو المساهمة في مواجهة أزمات المياه بالمنطقة، فضلًا عن تأثيرها في تحسين سبل العيش.

2-حصاد مياه الأمطار:

عرفت المنطقة العربية منذ القدم العديد من الأنظمة للاستفادة من أشكال التساقط المختلفة (ضباب – ندي –صقيع – برد – مطر) غير أنها لم تتجاوز المستويات المحدودة.

ومع تفاقم أزمات المياه بالمنطقة كان لابد من التوسع فى استغلال كل قطرة من قطرات المطر، التي تسقط بها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.

وحيث إن الأساس في حصاد مياه الأمطار هو سقوط المطر؛ فإن أكثر الدول المرشحة لذلك هي الدول التي تحظى بأمطار منتظمة إلى حد ما.  ولا يعني ذلك عدم استعداد الدول الأخرى لذلك؛ لكون الأمطار فى المنطقة العربية بشكل عام لا تعرف الانتظام لا فى الزمان أو المكان أو الكمية. فقد يسقط المطر فى منطقة ما بكميات كبيرة جدًا في سنة ما، وقد يتوقف لسنوات أخرى دون أن تحظى المنطقة -نفسها-بأي كمية منه. ولتقدير ما يمكن حصاده وتجميعه من مياه الأمطار يمكن الاعتماد على هذه المعادلة الآتية: 

حجم المياه المجمعة (متر مكعب) = مساحة المستجمع المائي (متر مربع) * كمية الأمطار) ملم/السنة) * معامل الجريان السطحي.

وبالنسبة لمعامل الجريان السطحي فهو نسبة الأمطار التي تتدفق كجريان سطحي وتعتمد بدورها على عوامل كثيرة مثل انحدار الأرض ونوع التربة والغطاء النباتي وخصائص هطول الأمطار. ويتراوح عادة بين (0.1 و0.9).

كما ينبغي حصاد مياه السيول واستغلالها سواء بشكل مباشر أو تخزينها في باطن الأرض بعد تجميعها عن طريق إقامة السدود في مناطق جريانها أو تجميعها.

ولكي تحقق عملية حصاد الأمطار جدواها ونفعها المرجو؛ فعلى الحكومات الاستعداد لها، وذلك سواء عن طريق التنبؤ بسقوط الأمطار وتهيئة مناطق سقوطها وتخزينها، ثم إعادة استخدامها بشكل فعال.

 3-التوسع في تحلية المياه:

تعد المنطقة العربية من أكبر مناطق العالم اعتمادًا على تحلية المياه، بوصف ذلك مصدرًا من مصادر الموارد المائية، حيث يتركز بها ما لا يقل عن (50%) من محطات التحلية، التي يقترب عددها من (750) محطة.

وعن أكثر الدول اعتمادًا على هذا المصدر فهي دول الخليج والدول البترولية الأخرى إلى جانب مصر.

وينبغي على كافة دول المنطقة التوسع في الاعتماد على تحلية المياه؛ لمواجهة أزمات المياه بها؛ لإشرافها على بحار ومحيطات بمسافات ومساحات كبيرة، ووفرة مصادر الطاقة التقليدية في معظمها أو الطاقة المتجددة، كالطاقة الشمسية، إلى جانب تقدم الجوانب التكنولوجية التي قلصت من تكلفة سعر إنتاج المتر المكعب إلى (0.34) من الدولار.

وبالنسبة لطول السواحل العربية فهو يبلغ (400 ألف كم) تقريبًا، ولا توجد دول عربية بدون واجهة بحرية، تشرف بها على بحار أو محيطات، إلا أن طولها يتفاوت من دولة إلى أخرى، فهو يصل إلى (3500 كم) كما في المغرب، وإلى (26 كم) في الأردن.

خاتمة:

فى ضوء ما تم عرضه  يمكن القول  دون أن نهون أو نهول-: بأن مستقبل الوضع المائي بالمنطقة ينذر بالخطر؛ إذا لم تسارع دول المنطقة حكومات وشعوبًا  بالنظر إلى المياه على أنها مورد وجودي له قيمته، مما يعني حتمية  العناية به  لضمان استدامته، فضلًا عن التنسيق والتكامل مع دول المنابع النهرية؛ للعمل على تنمية المياه في أحواض هذه الأنهار، وهي  ضخمة جدًا؛ وذلك لزيادة حصتنا المائية، ورفع قيمة المياه المتاحة بالمنطقة العربية وتعظيمها واستغلاها الاستغلال الأمثل، وكذلك زيادة الوعي لدى الجميع  بأن قطرة المياه تعني الحياة.

مقالات لنفس الكاتب