; logged out
الرئيسية / مشكلة العمالة الوافدة في دولة الإمارات

مشكلة العمالة الوافدة في دولة الإمارات

الثلاثاء، 01 آذار/مارس 2011

يعد الإنسان محور عملية التنمية بمعناها الشامل، فالسكان هم الذين يقومون بعملية التنمية، وهم أيضاً المستفيدون منها. كما تعد التنمية وتطوير الموارد البشرية ورفع كفاءتها من الأسس المهمة لاستمرار عملية التنمية والتقدم، ولذلك نجد أن تخطيط القوى العاملة يعد جزءاً لا يتجزأ من التخطيط القومي الشامل للتنمية بأبعادها الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية... إلخ.

تعتبر دراسة التركيب الاقتصادي للسكان عنصراً أساسياً مهماً من عناصر التركيب السكاني العام، فهي تساهم في التعرف إلى حجم قوة العمل في المستقبل اعتماداً على اتجاه معدلات التغير في نمو السكان وخصائصهم الاجتماعية ومدى مساهمة الإناث في قوة العمل والمستوى التعليمي للسكان.


التخطيط المدروس يعتمد على النقاط التالية:

1- إن أخطر ما يواجه القوى العاملة هو غياب التخطيط وعدم تبني سياسة ثابتة للقوى العاملة، ونقصد بالسياسة هنا السياسة التعليمية تجاه التأهيل والتدريب، وتشجيع الشباب على الوظائف المهنية، وكذلك هناك نقص في البيانات المتعلقة بالقوى العاملة والبحوث الخاصة بها.

2- تستند البحوث والدراسات الخاصة بالنشاط الاقتصادي والاجتماعي إلى بيانات قديمة وذلك نتيجة لقصور الإحصائيات الحديثة.

فالتغيرات التي يشهدها مجتمع الإمارات تغيرات متسارعة، ومن الصعب مقارنة معدلات التنمية والتغير الاجتماعي والاقتصادي التي تشهدها البلاد بمعدلات التنمية في البلدان الأخرى أو حتى بمعدلات التغير والتنمية في الإمارات في الفترات الأولى للنفط.

3- تقوم سياسة التعليم على أساس قبول الطلبات كافة، والتنسيق بين الكليات لتلبية احتياجات المجتمع، وليس هناك إحصائي دقيق عن احتياجات الحكومة من الخريجين أو احتياجات الدوائر المحلية والقطاع الخاص.


ومن الجوانب التي يأخذها المسؤولون في حسابهم بالنسبة للتركيبة السكانية والسياسة السكانية العامة:

1- عدم التوازن بين النمو الاقتصادي والنمو السكاني.

2- التركيز على تنمية الموارد البشرية والعمل على زيادة حجم العمالة من المواطنين.

3- توعية السكان بحجم مشكلة العمالة وكيفية التصدي لها وتشجيعهم على تحمل المسؤولية فيما يخدم الوطن.

4- إيجاد الحوافز الفعلية المشجعة على الانخراط بالعمل والمساهمة فيه.

5- وضع الخطط والبرامج القابلة للتنفيذ عملياً والتي تناسب ظروف السكان.

6- القرارات والضوابط التي وضعت للتحكم في مسار القوى العاملة نُفِّذَ جزء منها وجُمِّدَ أو أُلغي الجزء الآخر.

7- النسبة المتواضعة لمساهمة المرأة الإماراتية في العمل، فدور المرأة الإماراتية أقل (واحد في المائة) بينما دور المرأة الوافدة يشكل قوة عاملة توازي النسبة ذاتها التي تشكلها كل العمالة الوطنية.

أخطر ما يواجه القوى العاملة هو غياب التخطيط وعدم تبني سياسة ثابتة


وهناك بعض الحلول التي يمكن أن نذكرها هنا وقد تعطينا سياسة سكانية مناسبة لتركيبة السكان في دولة الإمارات العربية المتحدة، وبالتالي سوف يكون لها أثر كبير على السكان وهي:

1- ضرورة تحديد أهداف التنمية، وكذلك الحجم السكاني المطلوب.

2- ضرورة ترشيد الإنفاق العام والخاص على نحو يخدم السياسة السكانية.

3- ضرورة قيام الأجهزة العلمية والإعلامية بتوعية المواطنين بأهمية العمل وضرورة التدرج الطبيعي في السلك الوظيفي من دون التمسك بالوظائف رفيعة المستوى.

4- أن تكون الأجهزة المنوط بها اتخاذ القرارات مقتنعة بهذه الأفكار والعمل بها فعلاً.

5- يجب العمل على تنمية الموارد البشرية وبذل كل الجهود في هذا الإطار لاسيما أن دولة الإمارات بلد تزيد فيه الموارد وتقل فيه الإمكانات البشرية، والمهم هنا هو العمل على تعزيز الكفاءات والخبرات الوطنية وتوظيفها في كل القطاعات.

6- ضرورة إشراك المرأة في النشاط الاجتماعي والأنشطة الإدارية والاقتصادية وإعطاؤها دورها في عملية البناء لأن هذا الدور حسب التقديرات ضعيف جداً، أو لا يكاد يصل إلى (9 في المائة) فقط من جملة قوى العمل الوطنية، وحوالي (واحد في المائة) فقط من إجمالي قوة العمل الكلية.

7- الاهتمام بالمستوى الثقافي والتأكيد على اللغة العربية بحكم أنها الهوية الحقيقية للبلاد، ولابد من الاهتمام بها بدءاً من المنزل مروراً بالشارع والمدرسة الجامعية، وصولاً إلى المؤسسات وكل قطاعات العمل، وما يترتب على ذلك من تغيير في مناهج وتقنيات التعليم وتنشئة الصغار، وتأكيد دور الأسرة وتخفيض دور المربيات. فالملاحظ أن اللغة العربية تتراجع على مستوى الشارع والمؤسسات العامة والفنادق، وأن لغات أخرى بدأت تحل محلها، وهذه قضية خطيرة لو تركت على هذا النحو، لكن أكثر الأمور خطورة هو زيادة نسبة الآسيويين بنسبة كبيرة عن أعداد العرب المستقدمين للعمل في الدولة، وتحاول الدولة جاهدة علاج هذا الخلل البالغ الخطورة.


وعلى الرغم مما تحققه تلك العمالة من فوائد اقتصادية لخدمة أهداف التنمية إلا أن كل هذه الفوائد لا تساوي شيئاً إذا كان مقابلها هو فقدان الهوية أو الشخصية الأصلية للبلاد. ومن السهل وضع حلول جيدة، لكن الأهم هو السعي إلى تنفيذ تلك الحلول، وليس هناك من يتصور أن الحل يمكن أن يتحقق بين يوم وليلة، فمثل هذه المشكلات تستغرق وقتاً طويلاً لحلها حلاً جذرياً وصولاً إلى الهدف الأساسي، وقبل أن تتحول الورقة إلى أيدي الغير وتخرج عن الطوع.

أبعاد المشكلة

الواقع يذكر أن تدفق العمالة الوافدة في دول الخليج يتم بطريقة تشوبها بعض العشوائية، في ظل غياب سياسات واضحة، سواء كانت سياسات سكانية أو سياسات تتعلق بالعمالة الوافدة، وأفسح هذا الأسلوب العشوائي المجال لاختراقات كبيرة في سوق العمل والمجتمع برمته، من قبيل أعداد العمالة الوافدة ونوعيتها وسلوكها الاجتماعي.

فعلى سبيل المثال يقدر حجم العمالة الوافدة في الإمارات بحوالي2.1 مليون عامل (2010) بنسبة 65 في المائة من العمالة، تبلغ نسبة العمالة الآسيوية منها حوالي 75 في المائة من إجمالي حجم العمالة الوافدة وهي تشكل عمالة كبيرة، ومن خصائص هذه العمالة أنها عمالة رخيصة غير ماهرة وتعمل في مختلف المجالات مثل قطاع المقاولات والإنشاءات والمشاريع والقطاع الخاص، خدم المنازل، وتشكل 90 في المائة من العمالة الآسيوية من أفراد من دون أسرهم، إذ تسكن في مجموعات وتقتصر مصروفاتها على احتياجات أساسية محددة.

ويبلغ حجم العمالة العربية نحو 15 في المائة من إجمالي حجم العمالة الوافدة، وهي عمالة ماهرة ومتعلمة، ويشكل الإنفاق على الأسرة الحجم الأكبر، حيث تميل الأسرة العربية إلى الاستهلاك مما يجعلها تستهلك جزءاً كبيراً من دخولها داخل الدولة سواء في التعليم أو الصحة أو الترفيه.

وتقدر نسبة العمالة الأجنبية غير الآسيوية وغير العربية بنحو 3 في المائة من إجمالي العمالة الوافدة، وتتشكل من الأوروبيين ومن القارة الأمريكية وقليل من القارة الإفريقية وهذه العمالة عالية التخصص وعالية الدخل وغالباً ما تتكون من عمالة فردية وليست أسراً.

وتشير الإحصائيات كذلك إلى أن القوى العاملة الأجنبية تهيمن على أسواق العمل الخليجية بنسب تفوق ما هو متفق عليه دولياً، فهناك حوالي 80 في المائة من إجمالي القوى العاملة أجنبية في دولة الإمارات، وبقية دول مجلس التعاون ما بين 60 - 70 في المائة، ومن واقع هذه الإحصائيات فإن منطقة الخليج يوجد فيها أكبر عدد من الجنسيات واللغات والثقافات، حيث يوجد في دول الخليج تنوع بشري من 130 جنسية.

وأكد التقرير السنوي الذي تصدره الدول الأعضاء في المجلس للعام 2010 على ضرورة تركيز الاهتمام على مسألة توطين الوظائف، وتكثيف برامج إحلال العمالة المواطنة محل العمالة الوافدة، خاصة أن المشكلة وصلت إلى مرحلة متقدمة بعد أن أصبح المواطنون أقلية مقارنة بالأجانب في أغلبية دول مجلس التعاون الخليجي، حيث انخفضت نسبة المواطنين في الإمارات إلى أقل من 20 في المائة وقطر 30 في المائة والكويت 44 في المائة والبحرين 49 في المائة، حسب آخر إحصائية رسمية، وفقاً للأرقام الصادرة عن صندوق النقد الدولي.

هناك حاجة الآن إلى التخلص من نسبة كبيرة من العمالة الوافدة وخصوصاً العمالة غير الماهرة

ويرى كثير من الخبراء في الشأن الخليجي أن انخفاض نسبة السكان المواطنين إلى نسبة متدنية من شأنه أن يؤثر في هوية المواطنين، كما أن تصادم وتصارع حضارات العمالة الأجنبية وهيمنتها على المجتمعات الخليجية تؤثر في القيم الوطنية، بالإضافة إلى أن معظم العمالة الأجنبية من الذكور، مما يؤدي إلى حدوث خلل في التوازن النوعي بين الجنسين والمشكلات الاجتماعية والأخلاقية والأمنية التي تنتج عن ذلك.

وكذلك تزايدت تكلفة الإنفاق الحكومي في المجال التعليمي والصحي والأمني على حساب الخدمة المقدمة للمواطن بسبب مزاحمة الأجنبي في المدارس والمستشفيات والجامعات، حيث تحصل العمالة الوافدة على خدمات التعليم والصحة واستخدام المرافق العامة من دون مقابل أو بمقابل رمزي واستفادتهم من الدعم المقدم من دول المجلس لكثير من الخدمات مما يؤدي إلى زيادة النفقات العامة، الأمر الذي يساهم في ارتفاع العجز في الموازين العامة لدول مجلس التعاون والحد من قدرتها على توفير المزيد من فرص العمل للمواطنين والخريجين الداخلين إلى سوق العمل، إلى جانب إعاقة برامج تنمية الموارد البشرية في ظل تزايد أعداد العمالة الوافدة وإغراق أسواق دول مجلس التعاون من هذه العمالة التي تقبل العمل بأجور متدنية. فقد أدت مزاحمة العامل الأجنبي للمواطن الخليجي على فرص العمل إلى تزايد البطالة وخسارة كبيرة في إجمالي الناتج القومي.

وعلى الرغم من هذه الآثار السلبية إلا أن الاستعانة بها كانت ضرورة فرضتها قلة أعداد الخليجيين المؤهلين والمتدربين والقادرين على العمل في كافة المجالات الاقتصادية والاجتماعية، ففي دراسة قدمتها مؤسسة ماكينزي للجنة الاستشارية أشارت إلى أن دول الخليج تعاني نقصاً حاداً في أبنائها العاملين في القطاع الصحي، موضحة أن الكليات والمعاهد الطبية الخليجية تعجز عن توفير خريجين من أبناء دول مجلس التعاون قادرين على مواكبة الطلب وسط التزايد السكاني في المنطقة، كما أن هناك بعض دول الخليج تعتمد اعتماداً كبيراً على الكوادر الطبية الغربية، لافتة إلى أن 80 في المائة من إجمالي الكادر الطبي في بعض تلك الدول من الغرب.

ومن خلال منطلق توسيع قاعدة الإنتاج وتخفيض تكاليفه ومعالجة القصور في قوة العمل المحلية والتخفيف من الاتجاهات الانكماشية بسبب تسارع معدلات النمو في الإنفاق على الأجور والمرتبات وتحفيز الطلب الفعال من خلال زيادة الإنفاق الاستهلاكي وخاصة في مجال الإسكان كانت الحاجة لاستيراد هذه العمالة.

ونتج عن الآثار المذكورة تزايد الأهمية التي يوليها قادة دول مجلس التعاون الخليجي لقضية التوطين والتوظيف واعتبارها موضوعاً استراتيجياً على المدى البعيد وبنداً دائماً على جدول أعمال دورات مجلس التعاون المتلاحقة، خطة تستهدف الاستمرار في تقليل الاعتماد على الأيدي العاملة.

وفي دولة الإمارات أقرت الحكومة الإماراتية مجموعة من السياسات في مجال التوطين منها الخطة التي تم إقرارها في ديسمبر 2002 والمتعلقة بتوطين الوظائف العامة في الوزارات والجهات الحكومية الاتحادية، وتشتمل على برنامج زمني قصير المدى - خمس سنوات - يتم خلاله توطين الوظائف الإدارية والإدارية المساعدة بنسبة 90 في المائة، والوظائف المالية والاقتصادية بنسبة 80 في المائة، وبقية الوظائف التخصصية الأخرى كالقانونية والهندسية بنسبة 60 في المائة، كما اشتملت الخطة على برنامج زمني متوسط المدى (سبع سنوات) لتوطين الوظائف التعليمية والتعليمية المساعدة بنسبة 75 في المائة، والوظائف الطبية والطبية المساعدة بنسبة 60 في المائة، ووظائف الأئمة والخطباء والمؤذنين بنسبة 60 في المائة، وألزم مجلس الوزراء كل الوزارات بوضع خطط فرعية يتم بموجبها تحديد نسبة التوطين السنوية بما يتفق ومدى البرنامجين الزمنيين القصير والمتوسط.

وكانت الدراسة التي أعدتها الأمانة العامة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي قد أوصت بأهمية قيام دول المجلس بوضع استراتيجية تعاونية شاملة ومتكاملة تشتمل على الخطط الزمنية والإجراءات العملية ذات الرؤية الواضحة والجادة في التنفيذ، وتستهدف الحد من تدفق العمالة الوافدة وإحلال وتوطين العمالة الوطنية بدلاً منها، والاهتمام بأساليب تخطيط القوى العاملة وربطها بخطط وبرامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية وفقـاً لأولوياتها المستقبلية، وتكوين أجهزة متخصصة لتجميع إحصائيات سوق العمل والمعلومات المرتبطة بالموارد البشرية، وزيادة تكلفة العمالة الوافدة بصورة متوازنة مع توسيع وتطوير برامج التدريب والتأهيل للعمالة الوطنية في المهن كافة بغرض الإحلال التدريجي للقوى العاملة الخليجية محل العمالة الأجنبية، وتحديد فترة زمنية لبقاء العامل الأجنبي في البلد منعـاً لتوطينه مستقبلاً.

انخفاض نسبة السكان المواطنين إلى نسبة متدنية من شأنه أن يؤثر في هوية المواطنين

منظور اقتصادي للمشكلة

في سياق ما طرحه صاحب السمو رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، نتوقف عند نظرته الاستراتيجية للتعامل مع القضايا المذكورة. وفي حديث له مع صحيفة (الخليج) بتاريخ 6/12/2008، تناول موضوع التركيبة السكانية، بالإضافة إلى قضية ضبط سوق العمل والحد من آثار العمالة الأجنبية المؤقتة وكيفية التعامل معها وضبط إيقاع علاقتها بالمجتمع الوطني وأثرها في الهوية الوطنية وكيفية تفادي تلك الآثار، حيث الدولة، تناول هذه القضايا وتداعياتها وكيفية التعامل معها وعلاجها بكل حكمة وفطنة، وجاء ذلك متلائماً مع تطلعات أبنائه من المواطنين الغيورين على مجتمعهم وسلامة نسيجه الاجتماعي الإماراتي الوطني الأصيل، مؤكداً أهمية مواصلة الجهود لضمان سلامة وتركيبة المجتمع وثقافته وهويته الوطنية.

وما يستوقفنا هنا هو الطرح الذي تفضل به بشأن التعامل مع قضية التركيبة السكانية وسوق العمل والذي جاء في إطار استراتيجي ذي سيناريوهات عدة على النحو التالي:

السيناريو الأول، أشار إلى ضرورة ضبط سوق العمل بحيث يتم منع تحول العمالة الأجنبية المؤقتة (والتي جاءت بهدف العمل) وذلك حسب عقد عمل محدد الأجر والمدة وفي إطار قانون العمل إلى عبء ديموغرافي دائم. وطرح العلاج لذلك من خلال تطوير التشريعات المتعلقة بأسس التعامل مع هذه العمالة بما يتناسب مع طبيعتها المؤقتة.

هذا السيناريو يشير إلى أن العمالة الأجنبية مؤقتة ويجب ألا تتحول إلى وجود دائم، مما يعني أنه لا بد أن تكون هناك حركة دورية للعمالة الأجنبية بحيث تخرج بعد فترة معينة وتستقطب مكانها عمالة أخرى أفضل من حيث الكفاءة والأداء وهو ما يعني أن نواصل إحلال العمالة الحالية (وخصوصاً التقليدية منها التي مضى عليها حين من الدهر) بأفضل منها بصفة دورية مما يسمح لاقتصاد الإمارات بالحصول وبصفة مستمرة على عمالة أجنبية مميزة وذات كفاءة رفيعة وأداء متميز ومتجدد غير جامد وأقل عدداً. ذلك لأننا كلما استمررنا في التغيير والإحلال كانت هناك فرصة أن نستبدل عدداً ما بأقل منه وأفضل منه كفاءة وإنتاجية. ومن جهة أخرى، شكل هذا السيناريو الاستراتيجي للتعامل مع التركيبة السكانية من خلال ضبط سوق العمل ووجود العمالة الأجنبية وضمان تطويرها، أحد عوامل تصحيح الخلل، لأن عملية الإحلال للعمالة التقليدية وغير المنتجة والهامشية وشبه الماهرة بعمالة أفضل منها وأكثر كفاءة ستقلل عدد العمالة الأجنبية الحالية، وبالتالي وعبر الزمن ينخفض حجمها الإجمالي مقارنة بإجمالي السكان الوطني. وبالتالي لا يمكن لمن يأتي وهدفه التكسب أن يغير هدفه إلى التوطين والاستيطان والتجنس ومن ثم يتحول إلى عبء ديموغرافي دائم على مجتمع الإمارات الوطني ويزاحمه ويشكل تهديداً لهويته الوطنية المميزة. وبهذا فإنه من الحكمة أن تبقى العلاقة بين مجتمع الإمارات والعمالة الأجنبية علاقة اقتصادية وتبادل مصالح في إطار ما وصفه بأنه (التنوع البشري الذي أثرى تجربتنا التنموية وأشاع روحاً من التسامح وأجواء من الانفتاح على ثقافات وحضارات شتى..).

السيناريو الثاني: تمثل في التطرق إلى أهمية تنمية الموارد البشرية الوطنية لتصبح بديلاً مؤهلاً عن العمالة الأجنبية خلال فترة زمنية معينة على المديين القريب والبعيد وهو ما يتعلق أيضاً بمشروع التوطين وتفعيل دور العمالة الوطنية مما يسهم في رفع درجة مساهمتها في النشاط الاقتصادي وتخفيض درجة الاعتماد على العمالة الأجنبية، وحدد وجهة نظره في تبنيه لهذا السيناريو ثلاثة أبعاد هي كالتالي:

1- تنمية القدرات البشرية الوطنية وتطوير أدائها نوعياً مما يمكنها من امتلاك الكفاءة والمهارة التي تجعلها قادرة على استخدام التكنولوجيا والتقنية المتقدمة الحديثة مما يسهم في تخفيض درجة الاعتماد على العمالة الأجنبية وتسريع عملية الإحلال للمواطنين بدلاً من العمالة الأجنبية وعلى الأخص الهامشية منها وغير الماهرة.

2- إشاعة وبث ثقافة الاعتماد على الذات في تنفيذ الأعمال اليدوية مما يتطلب إعادة النظر ومراجعة بعض العادات والمفاهيم الخاطئة الدخيلة على مجتمعنا ومنها الترفع عن بعض الأعمال اليدوية الإنتاجية منها والخدمية التي كانت من السمات الاجتماعية البارزة في مجتمع المنطقة ككل.

3- رفع التكلفة المالية للعمالة الأجنبية من خلال تطوير شروط الاستقدام والاستخدام للعمالة الأجنبية إلى المستوى الذي تصبح فيه تكلفة العمالة الأجنبية أعلى من المحلية الوطنية. وهذا السيناريو يشكل سياسة عمالية لو التزمت الجهات المعنية بتنفيذه لما أصبح لدينا مواطن عاطل أو حتى باحث عن عمل، لأنه يشكل إجراء في إطار سياسات سوق العمل يعالج مشكلة الفجوة بين الأجور، أي بين الأجر الذي يمكن أن يقبل به المواطن والأجر الذي يتلقفه العامل الأجنبي وإن كان متدنياً (والذي يعتبر بالنسبة للأجنبي أفضل بكثير مما هو متوفر في سوق العمل في موطنه الأصلي)، لكنه يبقى أقل من مستوى الأجر الذي يقبل به المواطن. وكذلك تهدف هذه السياسة العمالية إلى القضاء على أحد وأهم الآثار السلبية للوجود غير الطبيعي للعمالة الأجنبية من حيث الحجم وهو ضغطها على مستويات الأجور حتى أوصلتها إلى مستوى متدنٍ ينفر منه المواطن ويفضله صاحب العمل الذي يسعى إلى تحقيق ربح سريع من خلال الوفرة في تكلفة العمل بتفضيله استقدام واستخدام الأجنبي على تلك الوظيفة التي كان بإمكانه توظيف مواطن لأدائها لو أنه رفع مستوى الأجر قليلاً. وفي السياق نفسه يرى الدكتور ناصر أحمد بن غيث الباحث في التكتلات الاقتصادية الدولية والمحاضر في جامعة السوربون-أبوظبي أنه من خلال متابعته القديمة لهذه القضية لم يجد أي مقاربة تتناول قضية التركيبة السكانية من منظور اقتصادي، بمعنى أنه يتم التناول في المقام الأول على أنها ظاهرة اقتصادية لها إفرازات وآثار اجتماعية وأمنية وثقافية، وليس العكس، فالمتابع لمسيرة تطور المجتمعات البشرية على مدى التاريخ الإنساني يستطيع - بالقليل من التحليل - أن يستشف أن التحولات متعددة الجوانب (الاجتماعية والسياسية والاقتصادية) والتي تمر فيها المجتمعات خلال عملية تطورها تبدأ دائماً بتحول اقتصادي تنتج عنه تحولات في الجانب الاجتماعي، ومن ثم في الجانب السياسي، إذ إن تأثير الوضع الاقتصادي في الجوانب الأخرى كان دائماً أوضح من تأثير الأوضاع السياسية أو الاجتماعية في الجانب الاقتصادي. ونادراً ما يجد المتابع أن تحولاً ما في أمة ما، بدأ من تغير الوضع السياسي أو الاجتماعي.

الملاحظ أن اللغة العربية تتراجع على مستوى الشارع والمؤسسات العامة والفنادق

وأضاف الدكتور ناصر وبالعودة إلى المجتمعات الخليجية فإن الطفرة الاقتصادية التي نتجت عن اكتشاف النفط أدت إلى تحولات كبيرة في الهياكل الاقتصادية في هذه الدول، كان أبرزها النمو الكبير في حجم الاقتصاد، والذي كان أسرع من النمو الطبيعي لعدد السكان، وهو ما أدى إلى موجات هجرة كبيرة لسد العجز في الأيدي العاملة. واستمرت موجات الهجرة هذه، التي كانت تمر بنفس دورة الصعود والهبوط التي كانت تمر فيها أسعار النفط وعوائده، في زيادة خلل التركيبة السكانية في دول الخليج لمصلحة الأجانب إلى أن وصلت نسبتهم في دولة الإمارات مثلاً إلى 85 في المائة من إجمالي عدد السكان. ولعل أحد أهم الأدلة على ارتباط خلل التركيبة السكانية بدورة السوق وعوائد النفط هو تراجع نسبة الأجانب في أغلب الدول الخليجية في حقبتي الثمانينات والتسعينات اللتين شهدتا تراجعاً كبيراً في أسعار النفط وعوائده، مما أدى إلى تراجع كبير في نسب النمو الاقتصادي للدول الخليجية، لكن قد يقول قائل إنه لا يمكن إغفال البعد السياسي ودوره في الخلل بالتركيبة السكانية من خلال السياسات التي اتبعتها مجمل دول الخليج، وتبنيها خططاً تنموية بالغة الطموح تفوق الإمكانات البشرية لها، مما جعلنا نلحظ ظهور البطالة عند مواطني دول مجلس التعاون، وتشكيل ضغوط كبيرة على الأجور، ما سبب بدوره تدني أجر العمالة المحلية، وبالتالي أصبح من المتعذر معالجة مشكلة العمالة الوافدة من دون معالجة نموذج النمو في دول الخليج، وهذا طرح ليس بجديد، فالبنك الدولي في آخر إصداراته أكد أن دول الخليج مطالبة بأن تتبنى نموذج نمو جديداً يعتمد بالدرجة الأولى على الاستثمار والإنتاجية لتقييد دور العمالة الوافدة، وخصوصاً العمالة غير الماهرة.

إن الخيار الاستراتيجي المقبل هو تحول اقتصاداتنا من الاقتصادات القديمة إلى الاقتصادات الحديثة المبنية على اقتصاد المعرفة، الذي يعتمد كثيراً على المهارات والتقنية، ما يجعل نموذج النمو الجديد يعتمد على العمالة الماهرة والاستثمار، وهناك حاجة الآن إلى التخلص من نسبة كبيرة من العمالة الوافدة، وخصوصاً العمالة غير الماهرة.

 

مقالات لنفس الكاتب