شهدت انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في يونيو 2024م، تحولًا متناميًا واضحًا صوب التكتلات الشعبوية واليمينية داخل المشهد السياسي الأوروبي. حيث استطاع نواب محسوبون على تيار اليمين السياسي، حصد 187 مقعدًا برلمانيًا من أصل 720 مقعدًا، بزيادة تناهز 40 % عن إجمالي المقاعد التي فاز بها خلال الانتخابات السابقة والبالغ عددها 118 مقعدًا فقط. وقد جاءت المكاسب التي حققها جناح اليمين على حساب مقاعد الحزب الليبرالي والخضر بشكل خاص، وذلك بعد خُسارتهما ما يقرب من 40 مقعدًا في المجمل. في حين تمكنت كتلة التيار الرئيسي المُحافظ، مُمثلة في "حزب الشعب الأوروبي"، من زيادة عدد مقاعدها البرلمانية بنسبة طفيفة، ليصل إجماليها إلى 188 مقارنة ب 179 مقعدًا في الانتخابات السابقة.
خلفت نتائج الانتخابات أثرًا مباشرًا على الدول الأوروبية منفردة، حيث اتخذ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، على سبيل المثال، قرارًا بحل البرلمان الوطني والدعوة إلى إجراء انتخابات عامة مبكرة. وعلى الرغم من أن تلك الانتخابات التي جرت في يونيو الماضي، لم تكلل بفوز حزب "الجبهة الوطنية" اليميني بزعامة مارين لوبان، إلا أنه بشكل عام، نجحت القوى اليمنية في تدعيم مكانتها كقوة سياسية دائمة لا يُستهان بها. في الوقت ذاته، شهدت هولندا أداء أول حكومة يمينية لديها، اليمين الدستوري في شهر يوليو، وذلك في أعقاب فوز حزب "من أجل الحرية" بزعامة خيرت فيلدرز خلال الانتخابات العامة التي جرت في نوفمبر 2023م. فيما تعد كل من إيطاليا، وسلوفاكيا، وبالطبع المجر تحت قيادة رئيس الوزراء فيكتور أوربان، نماذج أخرى جلية لهذا الاتجاه الصاعد. على الصعيد الألماني، حقق حزب "البديل من أجل ألمانيا " اليميني انتصارات خلال الانتخابات الإقليمية التي جرت في شهر سبتمبر.
بشكل عام، تعكس نتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية وكذلك نتائج الانتخابات في الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي اتجاهاً مستمراً منذ عقود. ويمكن القول أيضاً أن صعود المد اليميني داخل أوروبا يتماشى مع تنامي التوجهات السلطوية والمناهضة للديمقراطية بمختلف أنحاء دول العالم. ولكن من المؤكد أن هذا التحول ليس مفاجئا أو وليد الصدفة، فهو نتاج عمل مضني للحَركات اليمينية على مدار 15 عامًا من أجل معايشة هذه اللحظة. حيث استطاعت هذه الحركات بخطى ثابتة توسيع نطاق نفوذها بمختلف أنحاء القارة بما في ذلك داخل ألمانيا، تزامنًا مع قرار تأسيس حزب" البديل " المتشدد في عام 2013م، إلى جانب تولي مارين لوبان قيادة حزب التجمع الوطني (الجبهة الوطنية سابقًا) الفرنسي خلال عام 2011م، والتي سعت للتخفيف من وطأة النبرة الهجومية للحزب كي يحظى بمزيد من القبول الشعبي. فيما يُنظر إلى قضايا الهجرة، والارتفاع المتزايد في تكاليف المعيشة، إلى جانب النظرة المستقبلية القاتمة لمستقبل القارة الاقتصادي، باعتبارها جوهر أسباب هذا التحول الراهن صوب جناح اليمين.
وفي ضوء هذا السياق، غالبًا ما تكون الانتخابات بمثابة تعبير عن رفض لأداء المرشح الحالي، لاسيما في ظل معاناة المواطن من أعباء نفقات المعيشة اليومية. وبقدر ما يتعلق الأمر بالشأن الأوروبي، فلا تزال معدلات التضخم مرتفعة، في حين أدت العقوبات مثل تلك المفروضة على الوقود الروسي في رفع أسعار مواد الطاقة بصورة مطردة. ولعل الدافع وراء احتضان الناخبين الأجندة السياسية للتيار اليميني أو خطابه المتشدد لا يكمن فقط في التماهي مع مثل هذه الأيديولوجيات، بقدر ما هو تعبيراً عن رفض السياسات الوسطية واليسارية التي باتت بالنسبة للعديد من المواطنين غير مجدية.
مما لا شك فيه أن تداعيات نتائج الانتخابات على العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي ستكون أقل وطأة مقارنة بأثرها على السياسات الداخلية لدول الاتحاد الأوروبي منفردة. حتى الآن، لا يزال جناح الوسط السياسي، مؤلفًا من الأحزاب المحافظة، والاشتراكية، والليبرالية، والخضر، مُمسكًا بزمام الأمور. كما أن عدد المقاعد البرلمانية التي تحتلها كتلة حزب الشعب الأوروبي وحدها، يُضاهي تلك التي حصدتها الأحزاب اليمينية مُجتمعة. مع ذلك، من المرجح أن تطرأ بعض التغيرات على السياسة العامة مع مرور الوقت، لاسيما فيما يتعلق بسياسات الاتحاد الأوروبي حول أزمة تغير المناخ، وقضايا الهجرة، وقضايا الدفاع إلى حد ما. وعلى صعيد قضايا الهجرة بشكل خاص، استطاع جناح اليمين بالفعل تحقيق بعضًا من أهدافه، مُمثلة في صدور الميثاق الأوروبي الجديد حول سياسات الهجرة واللجوء، الذي أقره البرلمان الأوروبي في شهر مايو. وتنطوي السياسات الجديدة على آلية لتسريع فحص حالات طالبي اللجوء من أجل استبعاد من لم تنطبق عليهم المعايير المطلوبة وترحيلهم بأقصى سرعة إلى موطنهم. وهكذا الأمر بالنسبة لألمانيا، حيث جاءت استجابة الحكومة، للمكاسب التي حققها حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني خلال الانتخابات الإقليمية، بتشديد السياسات الخاصة بالهجرة بما في ذلك إعادة فرض إجراءات المراقبة على الحدود على طول الشريط الحدودي للبلاد. مما أشعل المخاوف بين الدول الأوروبية الأخرى، من أن يتعارض ذلك مع اتفاقية "شنغن" وبالتالي مع قوانين الاتحاد الأوروبي.
تعتبر سياسات المناخ أحد المجالات الأخرى حيث قد تتمكن الأحزاب اليمينية من الاستفادة من مكاسبها الانتخابية. وقد انعكس ذلك من خلال الاحتجاجات التي قام بها المزارعون الأوروبيون العام الماضي، وسط اعتقاد قطاعات عريضة منهم، بأن الاتحاد الأوروبي أقدم على إقرار سياسات حاسمة في سبيل مكافحة أزمة تغير المناخ دون مراعاة توفير دعم كافي للمزارعين الأفراد الذين ينتقلون إلى اتباع أساليب زراعية أكثر تكلفة. وقد شهدت موجة الاحتجاجات التي اندلعت في كل من فرنسا، وألمانيا، وبلجيكا، مسيرات مناهضة ليس فقط لحكومات هذه الدول، بل ولبروكسل أيضًا، التي تعد مركز الثقل الأوروبي. بدورها، حرصت أحزاب اليمين على اغتنام هذه الظاهرة، التي أصبحت تنعم بقدرة تنظيمية سواء في الداخل أو عبر الحدود، أملًا في مجابهة السياسات الخضراء الجديدة، إن لم يكن التخلي عنها. ويمكن أن نلمس الأثر المباشر لذلك من خلال كشف رئيسة المفوضية الأوروبية فون دير لاين عن قائمة أعضاء المفوضية الجدد حيث استبدلت الإشارة إلى "السياسات الخضراء" و"الصفقة الأوروبية الخضراء" التي لطالما روجت لها دير لاين باعتبارها البصمة المُميزة لولايتها السابقة بالتركيز على التحول " إلى التقنيات النظيفة، وزيادة التنافسية، والنمو الاقتصادي". ويعد ذلك مثالًا واضحًا على كيفية اختراق الخطاب اليميني للتيار السياسي السائد.
مع ذلك، فإن تبعات هذا التوجه بشكل عام على مسار السياسات الخارجية للاتحاد الأوروبي والعلاقات الدولية، لاسيما على العلاقات مع الجانبين الأمريكي والروسي في ضوء الحرب الروسية-الأوكرانية المستمرة، والروابط مع الصين ودول شرق آسيا ستكون على الأرجح محدودة، خلال المرحلة الراهنة. وبرغم من رفض بعض الحكومات الأوروبية المحسوبة على اليمين مثل حكومتي المجر وسلوفاكيا دعوة الاتحاد الأوروبي إلى عزل روسيا بشكل تام وتطبيق عقوبات صارمة ضد موسكو، وانعكاس هذا الرفض من خلال زيارة رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في يوليو، إلا أنه لم يحدث شرخاً في الصف الأوروبي الذي لا يزال مُجمعًا على ضرورة وضع حد للعدوان الروسي على أوكرانيا. حتى بالنسبة لدول مثل المجر، أو سلوفاكيا، وغيرها التي تفضل اتباع سياسات أقل صرامة تجاه روسيا، فإن الحرب الدائرة رحاها داخل أوكرانيا قد جعلت من الصعب التفكير في الانفصال عن الاتحاد الأوروبي ومواجهة تهديد مثل روسيا بمفردها. كما أنه مع ترشيح أعضاء من دول البلقان للانضمام إلى فريق المفوضين الجدد مثل اختيار الليتواني أندريوس كوبيليوس لتولي منصب مفوض شؤون الدفاع للاتحاد الأوروبي الذي تم استحداثه مؤخرًا، وكايا كالاس من إستونيا، خلفًا لجوزيف بوريل في منصب الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي للسياسات الخارجية والأمنية، تُصبح بذلك مسارات السياسة الأوروبية واضحة، عاكسة إصرار الدول الأعضاء على مجابهة العدوان الروسي ضد أوكرانيا.
أما عن النقاشات الأوروبية المحتملة بشأن الأزمة الأوكرانية، فإنها ستُخاطب الشق الخاص بمستوى الدعم الدفاعي المتواصل والممتد للحكومة الأوكرانية في مواجهة العدوان الروسي، بالأخص في ظل كفاح دول الاتحاد الأوروبي للحفاظ على ميزانيات متوازنة وكبح جماح الإنفاق. ولعل قدرًا كبيرًا من المعطيات حول هذا الشأن سيظل مرهونا بنتائج انتخابات الرئاسة الأمريكية لاسيما مع تلويح المرشح الجمهوري دونالد ترامب بإمكانية عدم مواصلة نفس مستوى الدعم الأمريكي الراهن لأوكرانيا، وطرحه فكرة التوصل إلى "اتفاق" مع بوتين. بشكل عام، تكافح القارة الأوروبية، التي لا تزال تعتمد بصورة كبيرة على مسار السياسات الذي يسلكه الحليف الأمريكي، من أجل تعريف ما يُصطلح على تسميته بــ “استقلالها الاستراتيجي". وهنا، ستحرص الجماعات اليمينية على الأرجح، إلى استغلال النقاشات الوطنية حول مستوى الدعم المالي المقدم إلى أوكرانيا، على الرغم من أن ذلك لن يترك أثرًا فوريًا على النهج الأوروبي الراهن تجاه الأزمة الأوكرانية.
خلاصة القول، إن القارة العجوز أضحت في براثن مشهد دولي دائم التحول والتغير مع الاتجاه إلى ظهور نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب، لن تنعم فيه بدور مركزي مثلما كانت تحظى في الماضي. في واقع الأمر، تخوض أوروبا كفاحًا بالفعل من أجل تعريف مكانتها المستقبلية وسط اشتعال الصراع بين القوى العالمية الصاعدة من ناحية، وتلك الراسخة من ناحية أخرى. ويتضح ذلك جليًا عبر النقاشات الدائرة حول أهمية تنظيم الروابط الأوروبية مع الجانب الصيني. فمن المنظور الاقتصادي، لا يزال يُنظر إلى بكين باعتبارها عاملًا محوريًا لدعم مستقبل القارة الاقتصادي نظرًا إلى طبيعتها ذات الواجهة التصديرية، بجانب القدرة على تأمين المواد الخام من الجانب الصيني بأسعار أقل تكلفة عن غيره. أما على الصعيدين السياسي والاستراتيجي، لطالما اُعتبرت الصين غريمًا نظاميًا للاتحاد الأوروبي وتم بذل الكثير من الجهود في سبيل تقليص الاعتماد على التجارة الصينية.
مع ذلك، مرة أخرى تطفو الخلافات الأوروبية-الأوروبية بشأن هذه الجبهة على السطح. حيث قوبل إعلان الاتحاد الأوروبي عن فرض تعريفات جمركية على السيارات الكهربائية الصينية التي يتم تصديرها لأوروبا، مستشهدًا بمزاعم بروكسل حول تقديم الحكومة الصينية دعمًا ماليًا لقطاع صناعة السيارات لديها بما يمنحها ميزة تنافسية غير عادلة، بتشكيك من قبل الحكومة الإسبانية في هذا النهج، والتي دعت إلى مراجعة السياسة الأوروبية العامة. ومجددًا، يبدو أن الموقف الأوروبي يتأرجح بين التأهب التام لتبني موقف أكثر صرامة لحماية الأسواق الأوروبية، وبين الميل لاعتماد نهج أقل مواجهة قد لا يحدث فارقًا على أرض الواقع.
على صعيد الشرق الأوسط، فإن الأثر الواضح للاتجاهات الصاعدة داخل أوروبا على علاقاتها مع الدول العربية وتلك المطلة على البحر المتوسط، وبالأخص دول مجلس التعاون الخليجي، يتجسد من خلال السعي، حتى الآن، إلى اعتماد منظور أكثر واقعية والتخفيف من النزعة المعيارية. إن أوروبا تستيقظ بالفعل، وإن كان ببطء، على حقائق النظام العالمي الجديد. ويمكن رؤية ذلك بوضوح في مجال أمن الطاقة، حيث أدى الاقتران الواسع النطاق بين اعتماد الاتحاد الأوروبي على الطاقة الروسية إلى فتح أبواب دول مجلس التعاون الخليجي وعدد من الصفقات الثنائية الفردية في مجال الطاقة. ليبدو الأمر، وكأن أوروبا قد أعادت، بشكل أو بآخر، اكتشاف أهمية المنطقة الخليجية، باعتبارها مصدرًا رئيسيًا للطاقة الوفيرة في جوارها المباشر، بعد أن ظلت تعاني عقودًا من الإهمال.
وفي ظل السعي الأوروبي المتواصل إلى "أمننة" ملف الهجرة، أضحت المُقاربة الأوروبية المعيارية تجاه المنطقة -التي تركز على قضايا حقوق الإنسان والإصلاحات السياسية الديمقراطية-تتقهقر. بالفعل، وقد قام الاتحاد الأوروبي بإبرام عدد من الاتفاقيات مع بلدان شرق أوسطية بهدف كبح جماح تدفق المهاجرين. وتم التوقيع على الصفقة الأولى من نوعها مع الجانب التركي في عام 2016م، وذلك من أجل استضافة اللاجئين السوريين على الأراضي التركية، مقابل مخصصات مالية أوروبية بقيمة 6 مليارات يورو تُسدد على مدار أعوام. أعقب ذلك، إبرام اتفاقية مع الحكومة التونسية في يوليو من عام 2023م، وحكومة موريتانيا في فبراير 2024م، وأخرى مع الحكومة المصرية في مارس من العام ذاته بقيمة 7.4 مليار يورو. تتشابه كافة الصفقات المذكورة في طبيعتها من حيث المجالات التي تغطيها مثل مكافحة الهجرة غير النظامية وإعادة ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين من حيث أتوا، نظير الحصول على دعم اقتصادي والسماح لهم بالنفاذ بصورة أكبر إلى الأسواق الأوروبية بقدر ما يتعلق الأمر بالشق التجاري.
لعل الدافع وراء إتمام كافة الصفقات المذكورة أعلاه، هو أن أوروبا أصبحت تجد نفسها بين شقي رحى: فمن جانب، قد أدى تدفق الهجرة إلى تنامي نفوذ الأحزاب الشعبوية واليمينية بمختلف الأقطار الأوروبية والتي جعلت من ملف الهجرة موضوعًا سياسيًا رئيسيًا يعتلي الأجندة الانتخابية، بما في ذلك انتخابات البرلمان الأوروبي التي جرت في يونيو 2024م، حيث يطالب الناخبون بأجوبة لا يستطيع الساسة تجاهُلها. على الجانب الآخر، تعتبر العديد من الخطوات المتخذة مُناقضة للمعايير الأوروبية بشأن حقوق الإنسان والقيم الأساسية. وبالتالي، فإنها تتسبب في تقويض المفاهيم الأساسية التي يتماهى الأوروبيون معها. حتى هذه اللحظة، ونظرًا إلى طبيعة المناخ السياسي السائد داخل أوروبا حاليًا، فقد اتُخذ القرار لصالح الخيار الأول وليس الثاني. وبالنسبة لدول مجلس التعاون الخليجي، فإن الشاغل الرئيسي هو أن يقترن التشديد على سياسات الهجرة مع تنامي ظاهرة كراهية الإسلام" إسلاموفوبيا" التي غالبًا ما يصاحبها اتهامات مجحفة غير مبررة لدول مجلس التعاون وهو أمر يستدعي الاهتمام.
بشكل عام، فإن التحول نحو تفسير أكثر واقعية للعلاقات الدولية يبشر بتوقعات إيجابية نوعًا ما فيما يتعلق بـ "الوثيقة الأوروبية المشتركة حول شراكة استراتيجية مع الخليج"، التي تمت المصادقة عليها في يونيو من عام 2022م، من قبل الاتحاد الأوروبي. لاسيما وأن المواقف الأوروبية قد بدأت تتجه نوعًا ما إلى مزيد من التقارب مع المواقف الخليجية. كما أن الاتحاد الأوروبي أدرك أنه لم يعد بوسعه إملاء نهجه القائم على القيم على الدول والمناطق التي يرغب في التعاون معها، أو تلك التي تُعد العلاقات معها حاسمة لمستقبل القارة العجوز.
على مدار أعوام عدة، ظلت دول مجلس التعاون الخليجي تفصح عن مخاوفها حيال بعض القضايا بعينها، والتي لم تكن تؤخذ على محمل الجد من قبل بروكسل سوى مؤخرًا. على سبيل المثال، لم تقر رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلا في نوفمبر 2022م، بأنه كان ينبغي على الاتحاد الأوروبي أن يكون أكثر استجابة لتحليل مجلس التعاون الخليجي مسبقًا فيما يتعلق بالملف الإيراني. وينطبق الأمر كذلك على الأزمة في سوريا، وليبيا، والسودان، واليمن، ومؤخرًا، العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة.
في الختام، لقد أحرزت الشراكة الأوروبية الاستراتيجية مع دول مجلس التعاون الخليجي تقدمًا ملحوظًا خلال الأعوام الأخيرة، وسط العديد من المبادرات والحوارات المطروحة من أجل توطيد العلاقات بين الجانبين ومخاطبة المصالح المشتركة. مع ذلك، ثمة خطوات مهمة يتعين على الجانب الأوروبي اتخاذها من أجل تحويل العلاقات الثنائية إلى شراكة حقيقية. ومن خلال العمل سويًا على معالجة القضايا سالفة الذكر ومواصلة التعاون المشترك، يتسنى حينها للجانبين رؤية شراكتهما تنمو وتزدهر لترقى إلى مستوى مساهمة مباشرة في جهود إرساء السلام الإقليمي، والاستقرار، والازدهار. وفي الوقت الذي يُعد حدوث قدر من التوافق السياسي فيما يتعلق بالعلاقات بين الاتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون أمرًا مُبشرًا ومدعاة للتفاؤل، تظل الحاجة قائمة إلى مواصلة إجراء حوار مشترك، والارتقاء بمستوى هذا الحوار على كافة الجبهات.